قواعد ومنطلقات في مواجهة الشبهات حول السنة النبوية
21 فبراير، 2019
مقالات
765 زيارة
قواعد ومنطلقات في مواجهة الشبهات حول السنة النبوية
د. ثامر عبدالمهدي محمود حتاملة
قواعد ومنطلقات في مواجهة الشبهات حول السنة النبوية
في زمنٍ يتجدَّد فيه المشكِّكون في السُّنَّة النبوية، لا بدَّ على طلبة العلم معرفة قواعدَ علمية لمواجهة شبهاتهم، فمَن ينطلق من قواعدَ ثابتةٍ يمكنه التعاملُ مع الشبهات كلِّها، في حين أن مَن يقف مع كلِّ شبهةٍ دون معرفة القواعد العامَّة سوف يقف عند حدٍّ معيَّن يعجز فيه عن مواجهتها، أمَّا إذا كانت لديه هذه القواعد، فيصبح من السهل عليه الحوار مع أيِّ مُشكِّكٍ؛ سواء من المُعاندين أم من المُغَرَّر بهم.
ولا ننسَ أنَّ على طلاب العلم التجرُّدَ من الهوى في الحوار، ثمَّ السَّعْي إلى النُّصح، وتلقِّي الخير من أيِّ طرف حيثما وُجد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة عن الشيطان: ((صَدَقَكَ وهو كَذُوب))[1].
وفي زماننا يزعم البعض أن السُّنة النبوية تُعارِض العقلَ، أو تُعارض العلم التجريبيَّ، أو القرآنَ الكريم، وفي هذا المقام أحاول تقديم بعض القواعد التي وضَعَها العلماء قديمًا وحديثًا في مواجهة مثل هذه الشُّبُهات، ويمكنني تلخيص هذه القواعد كالآتي:
1- التأكد من ثبوت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكثير من الأحاديث التي يستدلُّ بها البعض تكون أحاديثَ واهية، ولا تثبُت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
2- التفريق بين ما يخالف العقل، وبين ما لا يُدركه العقل، فعالَم الغيب ممَّا لا يُدركه العقل، وكثير من الغيبيَّات لا يُدركها العقل، حتى في العبادات التي نقوم بها هيئاتُها وعددُها غير معقول المعنى عند البشر، ولكننا مأمورون بها، كما هي العبادات في الأديان الأخرى، وقد وقف ابن تيمية في كتابه (درء تعارض العقل مع النقل) مع أغلب الشبهات إلى زمنه؛ حتى قال: “لا يمكن للعقل الصريح أن يُخالف المنقول الصحيح.”
3- التأكُّد من دلالة الآية وسياقها في القرآن الكريم، والرجوع إلى كلام المفسرين حولها وما يختصُّ بهذه الآية، كما في حدِّ الرِّدَّة ورده بآية: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]، فمُعظم المشكِّكين يأتون بهذه الشبهة، ولكنهم لا يرجعون إلى كلام العلماء السابقين على مرِّ 14 قرنًا.
4- التمييز بين اختلاف الأفهام وبين مخالفة العقل؛ فبعض الناس يخلط بين ما يُخالف العقل، وبين ما يُخالف مُسَلَّماتِه في بيئته، فكلُّ إنسان يعيش في بيئة معيَّنة تكون المُسلَّمات فيها تختلف عن المُسلَّمات في بيئةٍ أخرى، فكثير من الأمور التي تُذكر في بعض الأحاديث تكون الإشكالية فيها عند البعض هي مسألةَ مخالفة الحديث لفهمه ومُسلَّماته هو، وليس مُخالفة الحديث للعقل الصريح، فما يُخالف عقل إنسانٍ في بيئةٍ ما، قد لا يُخالف بيئةً أخرى.
5- معرفة دلالة الحديث وتفسيره؛ فعلماء الحديث وشُرَّاحه وقفوا على الأحاديث النبوية كلِّها، كما في كتب شروح الحديث (شرح النووي لمسلم، فتح الباري شرح صحيح البخاري، وغيرهما).
6- التفريق بين ما يسمَّى بالحقيقة العلمية، والقانون العلمي، والنظرية العلمية، والفرضية والأطروحة، وهي مرتَّبة تنازليًّا من حيث القوة على ما ذكرنا، فعلى سبيل المثال: عند تعارض حديث متواتر مع العلوم التجريبية، ولم نستطع التوفيق أو الجمع أو التفسير، نقدِّم المتواترَ؛ لقوته وقطعه بالعلم، (وهو غير موجود؛ إنما نضرب به المثال جدلًا).
7- عند تعارض العلم التجريبي مع حَديثٍ مَا، ننظر كالآتي:
أولًا: يجب التأكُّد من وجود التعارض فعلًا.
ثانيًا: ننظر إلى كلام العلماء في التوفيق بينهما (كما في كتب مُشْكل الحديث، واختلاف الحديث؛ كاختلاف الحديث للشافعي، ومختلف الحديث لابن قتيبة، ومشكل الآثار للطحاوي).
ثالثًا: إنْ وُجد التعارض، ننظر لترجيح الأقوى على الأضعف في كلٍّ منهما، فنرتِّبها تنازليًّا:
العلم التجريبي: (الحقيقة – القانون – النظرية – الفرضية – الأُطروحة).
الحديث النبوي: (المتواتر – الصحيح لذاته – الصحيح لغيره – الحسن لذاته – الحسن لغيره – الضعيف).
وقد قال ابن خزيمة (متوفى: 311 هـ – 923م) وهو من أكابر المُحدِّثين: “لا أعرف حديثين متضادَّين، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلِّف بينهما.[2]”
وأخيرًا لا بدَّ على طلبة العلم التسلُّح بالعلم ومنهج الحِوار الصحيح، ثم على المتخصِّصين بثُّ هذه القواعد بين الناس، والتعامل مع هذه الشُّبهات وأصحابها بمنهجٍ علميٍّ موضوعيٍّ، فمتى ما أدرك الناس قيمة السُّنَّة النبوية الصحيحة ومكانتها، أدركوا ما يهدف إليه هؤلاء المشكِّكون من هدم الدين وأُصوله.
[1] صحيح البخاري، كتاب الوكالة، باب: إذا وكل رجلًا فترك الوكيل شيئًا فأجازه الموكل فهو جائز، وإن أقرضه إلى أجلٍ مسمًّى جاز، حديث 2187، (تحقيق: مصطفى البُغا).
[2] تدريب الراوي، جلال الدين السيوطي، ج2، ص196، (تحقيق: عبدالوهاب عبداللطيف).