الرئيسية / شبهات وردود / الشبهات المتعلقة بأحاديث معينة. / حديث ناقصات عقل ودين / شبهة إهانة الإسلام للمرأة بوصفها ناقصة عقل ودين، د. منصور الجادعي

شبهة إهانة الإسلام للمرأة بوصفها ناقصة عقل ودين، د. منصور الجادعي

شبهة إهانة الإسلام للمرأة بوصفها ناقصة عقل ودين

زعم أعداء الإسلام قديماً وحديثاً وتبعهم في ذلك من في قلبه مرض من بني جلدتنا أن الإسلام أهان المرأة وحقر من شأنها فجعلها ناقصة عقل ودين، وقد حيرت هذه الشبهة عقول بعض أبناء المسلمين ممن لا فقه لهم ولا علم شرعي يحرسهم ويهديهم، حيث وأن أعداء الإسلام ومن لف لفهم يقولون لهؤلاء: انظروا إلى الإسلام كيف أهان المرأة، وقال نبيكم: إن النساء ناقصات عقل ودين، وهؤلاء المساكين من المسلمين يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ولكنهم لم يفهموا هذا الحديث فهما صحيحا، فوقفوا متحيرين تجاه هذه الشبهة.

وفي هذه المبحث سنتناول الرد على هذه الشبهة التي فندها وردها كثير من علماء المسلمين، ولكنها تظهر بين الفينة والأخرى، ولذا فنحن بحاجة إلى إبراز تلك الردود وطرحها بما يتناسب مع الوضع الحالي.

فنقول مستعينين بالله سبحانه وتعالى:

الجواب:

هذه الشبهة تحتوي على شقين:

الشق الأول: أن الإسلام أهان المرأة وحقر من شأنها.

الشق الثاني: أن الإسلام وصف النساء بأنهن ناقصات عقل ودين وهذا فيه امتهان واحتقار للمرأة كما يزعمون.

والجواب سيكون على شقي هذه الشبهة:

أما قولهم أن الإسلام أهان المرأة وحقر من شأنها فهذا أمر مردود وغير مسلم به ولا يقول به إلا من لم يعرف الإسلام ويطلع على الحقوق التي أعطاها للمرأة وما حظيت به من مكانة عندما جاء، فالمرأة لم تعرف على مر العصور قبل الإسلام وعند المجتمعات الأخرى اليونانية، والرومانية والهندية وغيرها، تكريماً واهتماماً وتقديراً واحتراماً مثل ما عرفته عندما جاء الإسلام، وهذه لمحة حول ما كانت عليه المرأة في القديم تبين لنا حال المرأة في تلك الأزمان:

عند مجيء الإسلام كان بعض الناس ينكرون إنسانية المرأة، وآخرون يرتابون بها، وغيرهم يعترف بإنسانيتها، ولكنه يعتبرها مخلوقاً خلق لخدمة الرجل. وإذا استعرضنا تاريخ المرأة في الأمم والمجتمعات عرفنا حيقيقة ما كانت عليه في تلك العصور.

فالمرأة عند اليونان: كانت فاقدة الحرية، مسلوبة الإرادة، ليس لها حقوق ولا أهلية. فقد كانت تباع وتُشترى في الأسواق، فشاعت الفواحش وعم الزنا وسقطت مكانتها، وكان هذا إيذاناً بانهيار دولة اليونان.

والمرأة عند الرومان: لا حق لها في شيء، وللرجل كل شيء، حتى إنه يستطيع أن يحكم على زوجته بالإعدام في بعض التهم، وليس ملزماً بضم أبنائه إلى أسرته، وقد يضم غير بنيه من الأجانب إلى الأسرة، وللأب سلطة نافذة حتى أنه يمكنه أن يبيع أولاده، أو يقتلهم، والزوجة وما ملكت ملك لزوجها يتصرف في كل أمورها بما شاء.

لقد عبر أحد الكتاب الاجتماعيين عن ذلك بأن عقد الزواج عند الرومان كان عقد رق بالنسبة للمرأة، وقبل ذلك كانت في رق أبيها.

والمرأة عند الهنود: كانت ظلاً للرجل تحيا بحياته، وتُحرق بعد مماته، وهي حسب الشرائع المستمدة من أساطير (مانو) لا تعرف السلوك السوي ولا الشرف ولا الفضيلة، وإنما تحب الشهوات الدنسة والزينة والتمرد والغضب.

والمرأة عند اليهود: كانت خادمة ليس لها حقوق أو أهلية، وكانوا لا يورثون البنت أصلاً حفظاً لقوام العائلات على التعاقب، ويرون المرأة إذا حاضت تكون نجسة تنجس البيت، وكل ما تلمسه من طعام أو إنسان أو حيوان يكون نجساً، لذا فإنهم يعتزلونها عند الحيض اعتزالاً تاماً، وبعضهم يفرض عليها الإقامة خارج البيت حتى تطهر، وكان بعضهم ينصب لها خيمة ويضع أمامها خبزاً وماءً ويجعلها في هذه الخيمة حتى تطهر.

والمرأة عند النصارى: هي باب الشيطان وسلاح الإغراء والفتنة، يقول تونوليان -وهو من كبار القساوسة- عن المرأة: “إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، وإنها دافعة إلى الشجرة الممنوعة، ناقضة لقانون الله”(1).

وقد أصدر البرلمان الإنجليزي قراراً في عصر هنري الثامن ملك إنجلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب العهد الجديد لأنها تعتبر نجسة(2). وفي عام 1586م عقد بعض القساوسة مجمعاً لبحث قضية المرأة، وبعد محاولاته الطويلة والعريضة قرر المجتمعون أن المرأة إنسان ولكنها خلقت لخدمة الرجل.

في القرن الخامس الميلادي اجتمع مجمع “ماكون” للجواب عن سؤال غريب، هو: هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه؟ أم أن لها روحا؟ وانتهوا إلى قرار يقضي بأنها خلو من الروح الناجية من عذاب جهنم، ما عدا أم المسيح!!

وفي سنة 1790م بيعت امرأة في سوق انجلترا بشلنين، لأنَّها ثقّلت بتكاليف معيشتها على الكنيسة التي كانت تؤويها!

بل بقيت المرأة محرومة من حقها الكامل في ملك العقار وحرية المقاضاة حتى عام 1882م.

ومن العجيب أنَّ القانون الإنجليزي كان يبيح للزوج أن يبيع زوجته، وقد حدّد ثمن الزوجة بستة بنسات، وذلك حتى عام 1805م؛ ومما يؤكِّد ذلك أنَّ إنجليزياً باع زوجته عام 1931م بخمسمائة جنيه، وقال محاميه في الدفاع عنه: إن القانون الإنجليزي قبل مئة عام، كان يبيح للزوج أن يبيع زوجته، وكان القانون الإنجليزي عام 1805م يحدد ثمن الزوجة بست بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة!

فأجابت المحكمة بأنَّ هذا القانون قد ألغي عام 1805م بقانون يمنع بيع الزوجات أو التنازل عنهن، وبعد المداولة حكمت المحكمة على بائع زوجته بالسجن عشرة أشهر.

وفي فرنسا كانت المرأة تعد قاصرا كالصبي والمجنون، ونص القانون الفرنسي في ظل الثورة وما بعدها على أنَّ المرأة ليست أهلاً للتعاقد دون رضا وليها، حتى عام 1938م(3).

أما المرأة عند الفرس: كانت خاضعة للتيارات الدينية الثلاثة، فمن الزرادشتية إلى المانوية إلى المزدكية، وقد تركت كل ديانة من هذه الديانات بصماتها الواضحة على كيان الأسرة والمجتمع.

ولقد ذهب مزدك وأصحابه إلى أن الله تعالى إنما جعل الأرض ليقسمها العباد بينهم بالتساوي، ولكن الناس تظالموا فيها، لذا فمن كان عنده فضل من الأموال والنساء والأمتعة فليس هو بأولى من غيره، فشاعت الفوضى وعم الدمار حتى كان الرجل يدخل على الرجل في داره فيغلبه على منزله ونسائه وأمواله، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى صار لا يعرف الرجل منهم ولده ولا المولود يعرف أباه. وكان ذلك من أسباب انهيار دولة فارس وترديها.

أما المرأة عند العرب قبل الإسلام: فكان ينظر إليها في العصور الجاهلية نظرة ازدراء واحتقار، وكان الرجال يتشاءمون منها، ويعتبرونها سلعة تباع وتشترى لا قيمة لها ولا مقام، بل إنها كانت توأد بعد ولادتها وهي حية، وتحرم من الميراث، وإذا مات زوجها فتورث كالمتاع، وولد زوجها الأكبر له حق التصرف فيها إن شاء تزوجها أو إن شاء تركها بدون زوج، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “والله إنا كنا في جاهلية ما نعير للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم”(4). هذه بعض الصور الجزئية لحال المرأة في تلك المجتمعات الكافرة(5).

أما المرأة في الإسلام فكان من فضل الإسلام عليها أنه كرَّمها، وأكَّد إنسانيتها، وأهليتها للتكليف والمسؤولية والجزاء ودخول الجنة، واعتبرها إنساناً كريماً، له كل ما للرجل من حقوق إنسانية، لأنهما فرعان من شجرة واحدة، وأخوان ولدهما أب واحد هو آدم، وأم واحدة هي حواء. فهما متساويان في أصل النشأة، ومتساويان في الخصائص الإنسانية العامة، ومتساويان في التكاليف والمسؤولية، متساويان في الجزاء والمصير، ولا قوام للإنسانية إلا بهما.

ويشهد على ذلك آيات عدة منها قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ? [الحجرات:13]، وقوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً? [النساء:1]. ويقول صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال»(6).

كما أن عبودية المرأة لله كعبودية الرجل له سواء بسواء، وهما مطالبان بالإيمان وإقامة الواجبات، قال تعالى: ?مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ? [النحل:9]. ووعد الجميع بالجزاء الواحد في الآخرة: ?إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا? [الأحزاب:35].

ولكن هذه المساواة التي جعلها الشرع بين المرأة والرجل، ليست على وجه العموم والإطلاق، بل اقتضت حكمة الشارع سبحانه وتعالى بأن يُفَضَّلَ الرجلُ عليها في بعض المواقف والأحوال، ويُمَيَّز في بعض الأمور والأحكام(7).

وهذا التمييز بين الرجل والمرأة اقتضته طبيعة الخلقة والفطرة لكلٍ منهما(8)، وليس في هذا التمييز امتهانا لكرامة المرأة أو انتقاصا لحقها، أو تعطيلا لقدراتها، أو عدم الاستفادة من خبراتها، بل كل جنس له وظائفه ومهامه التي هيأ لها، فلا يمكن أن يقوم الرجال بوظيفة النساء ولا النساء بوظيفة الرجال، وهذا أمر بدهي مسلم به. وإذا قصر أحد الجنسين في مهمته ووظيفته اختل التوازن في المجتمع.

ومظاهر هذا التكريم نراه في تكريم الإسلام لها أمًّا وزوجةً وبنتًا وأختًا: فكرَّمها أمًّا: بأن جعل برَّها سبيلا للجنة، وكرَّمها زوجةً بأن جعلها مودةً ورحمةً، وواحةً وسكنًا، وكرمها بنتًا وأختًا بأن جعل تأديبَها والإحسانَ إليها حجابًا من النار، ومن قرأ نصوص الكتاب والسنة السنة يرى كيف كُرِّمت المرأة، وكيف اهتم بها، قال تعالى: ?وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ? [النساء:19]، وقال: ?وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ? [البقرة:228] والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالنساء خيرا فقال: «واستوصوا بالنساء خيرا؛ فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرتَه، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا»(9). قال بدر الدين العيني: “قال البيضاوي: الاستئصاء قبول الوصية والمعنى: أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن فإنهن خلقن من ضلع، واستعير الضلع للعوج أي: خلقن خلقا فيه اعوجاج فكأنهن خلقن من أصل معوج فلا يتهيأ الانتفاع بهن إلا بمداراتهن والصبر على اعوجاجهن”(10).

ومن مظاهر التكريم للمرأة أنه حرم عقوقها عندما تكون أُمَّاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم عليكم عقوقَ الأمهات ووأد البنات»(11). قال الحافظ ابن حجر: “قيل: خصَّ الأمهاتِ بالذكر لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء لضعف النساء، ولينبِّه على أن برَّ الأم مقدَّم على برِّ الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك”(12). وقدم برها على بر الأب، عن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك»، قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك»، قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك»(13). قال النووي: “وفيه الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب فالأقرب، قال العلماء: وسبب تقديم الأم كثرةُ تعبها عليه وشفقتها وخدمتها، ومعاناة المشاق في حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته وتمريضه وغير ذلك”(14).

ومن مظاهر التكريم لها أنه حث على تربية البنات والإحسان إليهن وجعل في ذلك أجرا عظيما، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن كنّ له سترًا من النار»(15). قال ابن حجر: “وفي الحديث تأكيد حقِّ البنات لما فيهن من الضعف غالبًا عن القيام بصالح أنفسهن، بخلاف الذكور لما فيهم من قوة البدن وجزالة الرأي وإمكان التصرف في الأمور المحتاج إليها في أكثر الأحوال”(16)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضمَّ أصابعه»(17). قال النووي: “فيه فضل الإحسان إلى البنات والنفقة عليهن والصبر عليهن وعلى سائر أمورهن”(18).

ومن مظاهر التكريم للمرأة أنه حث على تعليمها، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدَّى حقَّ الله وحقَّ مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلَّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران»(19).

قال ابن حجر: “مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص، وفي الأهل بالقياس؛ إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء”(20).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعظ النساء ويعلمهن، بل أفرد لهن يوما خاصا بهن يعلمهن فيه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهنَّ يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: «ما منكن امرأة تقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابًا من النار»، فقالت امرأة: واثنين؟ فقال:«واثنين»(21). قال الشيخ عبد الله آل محمود: “إن المرأة كالرجل في تعلُّم الكتابة والقراءة والمطالعة في كتب الدين والأخلاق وقوانين الصحة والتدبير وتربية العيال ومبادئ العلوم والفنون من العقائد الصحيحة والتفاسير والسير والتاريخ وكتب الحديث والفقه، كل هذا حسن في حقها تخرج به عن حضيض جهلها، ولا يجادل في حُسنه عاقلٌ، مع الالتزام بالحشمة والصيانة وعدم الاختلاط بالرجال الأجانب”.

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الخيرية في الإحسان إليهن، فقال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»(22).

أبعد هذا التكريم وهذه العناية والاهتمام، والحث على الإحسان، وترتيب الأجور العظام، وتقديم البر والحنان للمرأة يقال: إن الإسلام أهان المرأة وحقر من شأنها؟ وبعد أن عرفنا ما كانت المرأة عليه في غابر الأزمان عند مجتمعات الفرس ورومان، والهند واليهود واليونان، وغيرها من المجتمعات نقول: إن الإسلام أهان المرأة وحقر من شأنها؟

وهذه شهادة جاءت من غير المسلمين تشهد بأن الإسلام كرم المرأة يقول “هلمتن”: إن أحكام الإسلام في شأن المرأة صريحة في وفرة العناية بوقايتها من كل ما يؤذيها ويُشين سمعتها. وقالت جريدة “المونيتور” الفرنسية: قد أوجد الإسلام إصلاحاً عظيماً في حالة المرأة في الهيئة الاجتماعية، ومما يجب التنويه به أن الحقوق الشرعية التي منحها الإسلام للمرأة تفوق كثيراً الحقوق الممنوحة للمرأة الفرنسية”. انتهى.

أما الشق الثاني: أن الإسلام وصف النساء بأنهن ناقصات عقل ودين وهذا فيه امتهان واحتقار للمرأة كما يزعمون.

والجواب: أن الذي أعطاها تلك الحقوق وكرمها ذلك التكريم وأولاها تلك العناية والاهتمام، لا يتصور أنه يهينا ويحتقرها، وقد عرفنا ذلك في الشطر الأول من الجواب على هذه الشبهة.

أما الحديث الذي يستدلون به فهو ثابت في أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، ولكن ليس فيه ما يدَّعون ولا ما يرون أنه يبرر ما في صدورهم.

والحديث هو: عن أبي سعيد الخدري، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: «يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار»فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن»، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان دينها»(23).

فأخذوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ناقصات عقل ودين» ووقفوا عندها ولم يقرؤوا الحديث كاملاً، أو قرؤوه ولكن لم يعجبهم ما ورد في أوله وآخره، وما فسَّرَ ما تشبثوا به، أما المساكين من أبناء المسلمين فلم يفهموا الحديث فهما صحيحا، وإنما أخذوا فهمه تلقينا من غيرهم بأن في الحديث تنقص من المرأة.

وعليه فلا بد من تبيين المعنى الصحيح لهذا الحديث حتى تندحر شبهة الطاعنين ويزول اللبس عن الذين لم يفهموا هذا الحديث من أبناء المسلمين.

يقول الحافظ بن حجر: “ليس المقصودُ بذكر النقص في النساء لَوْمَهنَّ على ذلك؛ لأنه من أصل الخلقة، لكن التنبيهَ على ذلك تحذيرًا من الافتتان بهنَّ، ولهذا رتَّب العذابَ على ما ذكَر من الكفران وغيره لا على النقص، وليس نقصُ الدين منحصرًا فيما يَحصُل به الإثم بل في أعمَّ من ذلك -قاله النوويّ- لأنه أمر نسبيٌّ، فالكامل مثلًا ناقص عن الأكمل، ومن ذلك الحائضُ لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض لكنها ناقصةٌ عن المصلِّي. وهل تُثاب على هذا الترك لكونها مكلَّفةً به كما يُثاب المريض على النوافل التي كان يعملها في صحته وشُغل بالمرض عنها؟ قال النوويّ: الظاهر أنها لا تثاب، والفرق بينها وبين المريض أنه كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته، والحائض ليست كذلك. وعندي في كون هذا الفرق مستلزِمًا لكونها لا تُثاب وقفةٌ”(24).

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: “بين عليه الصلاة والسلام أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها وأن شهادتها تجبر بشهادة امرأة أخرى؛ وذلك لضبط الشهادة بسبب أنها قد تنسى فتزيد في الشهادة أو تنقصها كما قال سبحانه: ?وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مّن رّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى? [البقرة:282].

وأما نقصان دينها فلأنها في حال الحيض والنفاس تدع الصلاة وتدع الصوم ولا تقضي الصلاة، فهذا من نقصان الدين، ولكن هذا النقص ليست مؤاخذة عليه، وإنما هو نقص حاصل بشرع الله عز وجل هو الذي شرعه عز وجل رفقًا بها وتيسيرًا عليها…

ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء ونقص دينها في كل شيء، وإنما بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقص دينها من جهة ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس، ولا يلزم من هذا أن تكون أيضًا دون الرجل في كل شيء وأن الرجل أفضل منها في كل شيء، نعم جنس الرجل أفضل من جنس النساء في الجملة، لأسباب كثيرة، كما قال الله سبحانه وتعالى: ?الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ? [النساء:34]، لكن قد تفوقه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، فكم لله من امرأة فوق كثير من الرجال في عقلها ودينها وضبطها، وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جنس النساء دون جنس الرجال في العقل وفي الدين من هاتين الحيثيتين اللتين بينهما النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد تكثر منها الأعمال الصالحة فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح وفي تقواها لله عز وجل وفي منزلتها في الآخرة، وقد تكون لها عناية في بعض الأمور فتضبطها ضبطًا كثيرًا أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها وتجتهد في حفظها وضبطها، فتكون مرجعًا في التاريخ الإسلامي وفي أمور كثيرة، وهذا واضح لمن تأمّل أحاول النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك، وبهذا يعلم أن هذا النقص لا يمنع من الاعتماد عليها في الرواية وهكذا في الشهادة إذ انجبرت بامرأة أخرى، ولا يمنع أيضا تقواها لله وكونها من خيرة عباد الله ومن خيرة إماء الله إذا استقامت في دينها وإن سقط عنها الصوم في الحيض والنفاس أداء لا قضاء، وإن سقطت عنها الصلاة أداء وقضاء، فإن هذا لا يلزم منه نقصها في كل شيء من جهة تقواها لله، ومن جهة قيامها بأمره، ومن جهة ضبطها لما تعتني به من الأمور، فهو نقص خاص في العقل والدين كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي للمؤمن أن يرميها بالنقص في كل شيء وضعف الدين في كل شيء، وإنما هو ضعف خاص بدينها، وضعف في عقلها فيما يتعلق بضبط الشهادة ونحو ذلك، فينبغي إيضاحها وحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم على خير المحامل وأحسنها، والله تعالى أعلم”(25).

– أما أن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فقد جاء معللا في النص القرآني بقوله تعالى: ?أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى? [البقرة:282]، والضلال هنا ينشأ من أسباب كثيرة، فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته، ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء، فتذكرها الأخرى بالتعاون معًا على تذكر ملابسات الموضوع كلّه. وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية، فإن وظيفة الأمومة العضوية تستدعي مقابلاً نفسيًا في المرأة حتمًا، يستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع فيهما إلى التفكير البطيء، وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة، وهذه الطبيعة لا تتجزأ، فالمرأة شخصية موحدة هذه طابعها حين تكون امرأة سوية، بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال، ووقوف عند الوقائع بلا تأثير ولا إيحاء، ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكر إحداهما الأخرى إذا انحرفت مع أي انفعال، فتتذكر وتفيء إلى الوقائع المجردة(26).

وما تقدّم هو بالنسبة للشهادة على الحقوق المالية، أما في الأمور الأخرى التي يضعف فيها تدخل العواطف الإنسانية فإن شهادة المرأة فيها مثل شهادة الرجل، وذلك حينما يكون الاعتماد على مجرد الذكاء والحفظ، ومن أجل ذلك قبلت التعاليم الإسلامية رواية المرأة لنصوص الشريعة وأخبارها في التاريخ والعلوم، وساوتها في ذلك بالرجل، وقبلت أيضًا شهادة المرأة الواحدة في إثبات الولادة والرضاع، وجعلتها مثل شهادة الرجل، إلى غير ذلك من أمور يضعف فيها تدخل العواطف الإنسانية(27).

وعندما سئل الشيخ الشعراوي بأنه ورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح فيه أن المرأة ناقصة عقل ودين، والبعض أخذ هذا الحديث لإهانة المرأة والحطِّ من كرامتها ومنزلتها في المجتمع واتهامها بالنقصان في العقل والدين! فكيف يمكن الردّ؟ وما هو المعنى الحقيقيّ لمقاصد الحديث الشريف؟

فأجاب: “هكذا نرى أن وَصْفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم النساءَ بأنهنَّ ناقصات عقل معناه أن المرأة تفعل أشياء بعاطفتها يقف العقل عندها.

أما مسألة الدين فهي بحكم طبيعة خَلقها تمر عليها أيام في الدنيا لا تؤدي فيها صلاة ولا صيامًا، وهذا ليس عيبًا؛ لأن الله خلقها هكذا، فهذه طبيعتها لتؤديَ مهمتها في الحياة.

إذًا فالمسألة شرح لطبيعة المرأة وليست محاولةً للانتقاص منها، وإلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ برأي أمِّ سلمة في صلح الحديبية.

إن من يحاول تفسير هذا الحديث النبويّ الشريف على أنه طعن في المرأة يكون قد جانبه التوفيق ولم يفهم معنى الحديث ولا المقصود بالنقص في العقل والدين. إن الله سبحانه وتعالى قد جعل لكل من الرجل والمرأة مهمته في الحياة وتم الخلق ليناسب هذه المهمة، فالرجل لأنه يسعى في سبيل الرزق محتاج لأن يحكّم عقله وحده دون عاطفته حتى يستطيع أن يحصل على الرزق ويوفر للأسرة احتياجاتها. والمرأة لأنها هي التي تحنُو وتربّي وهي السكن فلا بد أن تكون عاطفتها أقوى لتؤديَ مهمتَها، ومن تمام الخلق أن يكون كل مخلوق ميسرًا لما خُلق من أجله”(28).

إذاً فالمرأة لا تُعـاب بشيء لا يَـدَ لها فيه، بل هو أمـرٌ مكتوب عليها وعلى بنات جنسها، أمـرٌ قد فُـرِغ منه، وكما لا يُعاب الطويل بطوله، ولا القصير بِقِصَرِه، إذ أن الكل من خلق الله ومسبّة الخِلقة من مَسَبَّة الخالق، فلا يستطيع أحد أن يكون كما يريد إلا في الأشياء المكتسبة، وذلك بتوفيق الله وحده.

إذا فُهِم هذا فلا حجة بعد ذلك لمن يرمي بالتهم جزافا ويقول: إن الإسلام أهان المرأة بوصفها ناقصة عقل ودين، بعد أن تبين لنا المقصود من الحديث.

نسال الله بمنه وكرمه أن يلهمنا رشدنا وأن يزكي عقولنا، ويعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، والحمد لله رب العالمين.

_____________________________________

(1) عودة الحجاب – المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية (2/52) محمد إسماعيل المقدم.

(2) http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=246049

(3) http://almoslim.net/node/83303

(4) البخاري (4629)، ومسلم (1479).

(5) ماذا بعد سقوط المرأة لبدرية العزاز ص 17ـ 19، والمرأة المسلمة والتغريب للرماني ص 23 ـ 26، وحقوق المرأة في ظل المتغيرات المعاصرة، د مسفر بن علي القحطاني (ص 3-7)، والمرأة بين الفقه والقانون لمصطفى السباعي

http://www.daawa-info.net/books1.php?id=6811&bn=252&page=5

(6) رواه أحمد في المسند (6/256)، وأبو داود في السنن (1/61)، وصححه الألباني.

(7) انظر: حقوق المرأة في ظل المتغيرات المعاصرة، د مسفر بن علي القحطاني (ص 7).

(8) انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (1/ 386).

(9) صحيح البخاري (5/1987) رقم (4890).

(10) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (20/ 166).

(11) صحيح البخاري (2/848) رقم (2277)، وصحيح مسلم (3/1340) رقم (593).

(12) فتح الباري (5/68).

(13) صحيح البخاري (5/2227) رقم (5626) وصحيح مسلم (4/1974) رقم (2548).

(14) شرح النووي على مسلم (16/102).

(15) صحيح البخاري (2/514) رقم (1352) وصحيح مسلم (4/2027) رقم (2629).

(16) فتح الباري (10/ 429).

(17) صحيح مسلم (4/2027) رقم (2631).

(18) شرح النووي على مسلم (16/179).

(19) صحيح البخاري (1/48) رقم (97).

(20) فتح الباري (1/190).

(21) صحيح البخاري (1/50) رقم (101).

(22) سنن الترمذي (5/709) رقم (3895)، وصححه الألباني.

(23) صحيح البخاري (1/68) رقم (304)، وصحيح مسلم (1/86) رقم (79).

(24) فتح الباري (1/541).

(25) مجموع فتاوى ورسائل ابن باز (4/292- 294).

(26) في ظلال القرآن (1/336).

(27) انظر: أجنحة المكر الثلاثة (597).

(28) فتاوى النساء للشعرواي (1/69-70).

اترك تعليقاً