الرئيسية / شبهات وردود / الشبهات المتعلقة بأحاديث معينة. / حديث ناقصات عقل ودين / الرد على الشبهة المثارة حول حديث (النساء ناقصات عقل ودين)، موسوعة بيان الاسلام.

الرد على الشبهة المثارة حول حديث (النساء ناقصات عقل ودين)، موسوعة بيان الاسلام.

الرد على الشبهة المثارة حول حديث (النساء ناقصات عقل ودين)

موسوعة بيان الاسلام

الرد:

أولا. حديث «النساء ناقصات عقل و دین» صحیح لا اضطراب فيه: إن هذا الحديث من أصح الأحاديث سندا ومتنا فقد رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، وليس فيه اضطراب يطعن في صحته بأي وجه من وجوه الطعن التي ترد الحديث وتخرجه من نطاق الحجية. فقد رواه الإمام البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه – أنه قال: «خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أضحى – أو في فطر – إلى المصلى، فمر على نساء فقال: يا معشر النساء، تصدقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار. فقلن: ويم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟. قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذللیث من نقصان دینها» (D11).

وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «يا معشر النساء، تصدقن، واکثرن الاستغفار؛ فان رایتکن آکثر اهل النار، فقالت امراة منهن جزلة(L21): وما لنا یا رسول الله اکثر اهل النار؟ قال: تکثرن اللعن، وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب الذي لب منكن. قالت: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان العقل، فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين» (31]).

ومعلوم أن الحديث المذكور قيل في مناسبة كبيرة، هي العيد، وكان ذلك بعد أن انصرف النبي – صلى الله عليه وسلم – من صلاة العيد، كما أن جميع الروايات التي تحدثت عن أن الحديث قيل في يوم عيد لا غبار عليها، وفي الرواية التي أراد أبو سعيد أن يحدد فيها العيد على وجه الدقة تردد بين أن يكون هذا هو عيد الفطر، أو عيد الأضحى.

لقد أمسك هؤلاء بذلك الموقف، وظنوا أن فيه نوعا من الاضطراب الذي يوجب رد الحديث، فراحوا يطعنون في الحديث، ويرفضونه غير عالمين بأي أنواع الاضطراب يرد الحديث. وهنا نتسائل: ما الاضطراب الذي يوجب رد الحديث؟ وهل قال أحد من أهل العلم إن هذا الحديث مضطرب؟ أليس موجودا في الصحيحين اللذين أجمعت الأمة على صحتهما والأخذ بمما؟! لعله من الجدير بالذكر هنا أن نورد تعريف الإمام السيوطي للحديث المضطرب، قال: “الحديث المضطرب: هو الذي يروى على أوجه مختلفة متقاربة، فإن رجحت إحدى الروايتين يحفظ راويها، أو كثرة صحبته المروي عنه، أو غير ذلك، فالحكم للراجحة ولا يكون مضطربا، والاضطراب يوجب ضعف الحديث لإشعاره بعدم الضبط، ويقع في السند تارة، وفي المتن تارة آخری”(L41). فاين رواية الحديث بأوجه مختلفة من راو واحد مرتين أو أكثر، أو من راويين أو رواة في حديثنا هذا مع عدم المرجح؟! إن كل روايات الحديث متعاضدة ومتآزرة، وإنما حدث شك من الراوي – كما قال ابن حجر القـة” – في تحديد العيد هل كان الأضحى أو الفطرك، وخروجا من الكذب على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ذكر الاحتمالين. فهل هذا يقدح في صحة متن الحديث؟ علما بأنه قد رواه غير أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فقد رواه عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – كما في رواية مسلم. ثم لو سلمنا جدلا بأن في الحديث نوعا من الاضطراب – وهذا لم يصح –. فإن هذا غير قادح في صحة الحديث؛ لأن الاضطراب قد يجامع الصحة، قال السيوطي: “إن الاضطراب قد يجامع الصحيح، وذلك بأن يقع الاختلاف في اسم رجل واحد وأبيه ونسبته، ونحو ذلك ويكون ثقة، فيحكم للحديث بالصحة.. وفي الصحيحين أحاديث كثيرة جذه المثابة، وكذا جزم الزركشي بذلك في مختصره”(L61). والذي يدعونه أقل بكثير مما نص عليه، ورواة الحديث ثقات، فهو بلا شك صحيح.

ثانيا. القرآن الكريم سوى بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة والتكليف، لكن اختص كل واحد منهما بأحكام دون الآخر: إن الآيات التي تتناول الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة في الإنسانية والموالاة، وتكاليف الإسلام والإيمان، وادخار الأجر، وارتقاء الدرجات العلى في الجنة كثيرة صريحة فيما هدفت إليه، ولا تعارض بأي حال من الأحوال تلك الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي – صلى الله عليه وسلم- بشأن المرأة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم» (L71)، وقوله –صلى الله عليه وسلم – أيضا: «واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» (81])، وقوله –صلى الله عليه وسلم- : «أقل ساكني الجنة النساء» (L91)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» (L101). إن الرجال والنساء في الإنسانية سواء. قال سبحانه وتعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اکرم کم عند الله آتقا کم ان الله علیم خبیر (13)) (الحجرات). وقال سبحانه وتعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) (البقرة: ٢٢٨)، تلك هي درجات الرعاية والحياطة، لا يتجاوزها إلى قهر النفس وجحود الحق. على أن الشريعة ساوت بينهما في الدماء وإقامة الحدود؛ قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) (البقرة: ٨ 1V)، وقال سبحانه وتعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) المائدة: .. ([[11])(Yr A هذه الآيات وغيرها في باب المساواة في القرآن كثير، ولكن حمل هذه الآيات لرد الأحاديث السالفة بدعوى أن فيها تحاملا على النساء أمر لا يصح، لأن ما أخبر عنه الرسول – صلى الله عليه وسلم – ليس فيه ما يشعر بظلم النساء، بل إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد بين أن ذلك – أي كثرة النساء في النار – يرجع الی آخن: «یکترن اللعن ویکفرن العشیر». ثم من أعلمنا أن النساء اللاتي في النار كلهن مؤمنات؛ فإن الكفار – رجالا ونساء – أكثر من المؤمنين عددا؟! على أن ما استدل به هؤلاء المتوهمون من أن هذه الأحاديث تعارض ما قرره القرآن من قواعد المساواة بين الرجل والمرأة من حيث التكاليف، يعد ضربا للنصوص بعضها ببعض. صحيح أن القرآن قد قرر المساواة في الحقوق والتكاليف بين الرجل والمرأة، لكنه قد وضع فوارق بين كل منهما، وميز كل واحد منهما بميزات ليست للآخر؛ فميز الرجل بالعقل والحكمة، وميز المرأة باللين والعاطفة. وإن من العدل والمساواة اللذين قررهما الحق في كتابه الجليل، الحساب والجزاء، فلم يخلق الجنة للذكور، والنار للإناث، بل إن الله – عز وجل – جعل العدل ميزانا يحاسب به عباده، لا فرق بين رجل وامرأة، قال تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بما وكفى بنا حاسبين (47)) (الأنبياء).

إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يحتقر النساء كما ادعى هؤلاء، وإنما رفع من شأغن، حين قال: «حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران، و خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون» (L121)، وقال لمن سأله عن أحق الناس يحسن صحبته: «أماك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك» (L131). وقال لأحد الصحابة لما أراد أن يغزو معه فسأله صلی الله عليه وسلم: « أحية أملك؟، فقال الصحابي: نعم يا رسول الله، فقال صلی الله عليه وسلم: ويحك الزم رجلها، فثم الجنة» (L141). وكل هذه الأحاديث إنما تخرج هي والقرآن الكريم من مشكاة واحدة؛ فالقرآن جعل بر الوالدين قرينا بعبادة الله، وعدم الإشراك به، فقد قال الله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) (النساء: ٢٦)، وجعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – عقوق الأمهات من الكبائر. لا تعارض – إذن – بين هذه الأحاديث، وبين ما قرره القرآن من المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والتكاليف، وإخبار الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن حال أهل النار بأن أكثر أهلها النساء، ليس معناه أن يدخل أحد الجنة أو النار قبل إقامة الحجة عليه أو تعرضه للحساب، ولا يتعارض هذا مع استئثار الله بعلم الغيب. وهذا الإخبار ليس إلا نظير قول الله – سبحانه وتعالى – عن فرعون وقومه: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب (46)) (غافر). إن الله – عز وجل – يطلع بعض أنبيائه ورسله على ما شاء من أخبار الغيب قال سبحانه وتعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (27)) (الجن). قال القرطي: (إلا من ارتضى من رسول) (الجن: 27) فإنه يظهره على ما يشاء من غيبهة لأن الرسل مؤيدون بالمعجزات. ومنها الإخبار عن بعض الغائبات. وفي التنزيل قال على لسان عيسعليه السلام: (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) (آل عمران: ٤٩)، وقال العلماء: لما تمدح الله – سبحانه وتعالی – بعلم الغیب واستاثر به دون خلقه. کان فیه دلیل علی آنه لا یعلم الغیب احد سواه. تم استثنی من ارتضاه من الرسل. فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم. وجعله معجزة لهم، ودلالة صادقة على نبوتمم (L151). وقد أطلع الله نبيه محمدا – صلى الله عليه وسلم – على النار، وقد ثبت هذا بأكثر من حديث رواها أصحاب الكتب الصحيحة (L161) وأكد على ذلك الواقع والتاريخ. وقال ابن حجر تعليقا على قوله: «أريتكن»: المراد أن الله أراهن له ليلة الإسراء(L171).

تم إنه ليس في هذا أن أهل النار قد دخلوها قبل البلاغ بتاتا، وقد أخير – سبحانه وتعالى – أن أبا لهب من أهل النار، برغم أنه لم يمت عند الاخبار بذللث، وقد نادی رسول الله – صلی الله علیه وسلم – علی قتلی بدر، هل وجدتم ما وعد ربکم حقا، کما آنه آخر عن عدد من الكفار أخم في النار (L181). وليس في إخباره – صلى الله عليه وسلم – جرأة منه على علم الغيب بدون إذن من الله عز وجل، كلا، وحاشا لله، فالله هو الذي أطلعه بفضله ومنه على ما شاء – عز وجل – من علوم الغيب وأسراره. وفي هذه الأحاديث التي ذكرها هؤلاء المنكرون فائدة عظيمة، وهي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أمر النساء بشيء ينجيهن من عذاب جهنم وهو الصدقة، وقد تدافعت النساء بالصدقات في هذا اليوم بكثرة، خشية مما أخبرهم به رسول الله – صلى الله عليه وسلموالذي قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» (L191). ثالثا. حدیث «خذوا شطر دینکم عن هذه اخمیراء» حدیث منکر، والمنکر لا يعارض الصحیح: لقد تقلد الطاعنون زعما آخر حين عارضوا حديث: «ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن» يحديث آخر، هو«خذوا شطر دینکم عن هذه الحميراء»، ويقولون: كيف محکم الرسول – صلی الله عليه وسلم- على جنس النساء بأخن ناقصات عقل ودين، ثم يأمرنا في حديث آخر أن نأخذ نصف ديننا من امرأة؟! والحق أن هؤلاء ما دروا الفرق بين هذين الحديثين. فالحديث الأول: “ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن” حديث صحيح رواه البخاري في صحيحه بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (201])، ورواه أيضا الإمام مسلم بسنده عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما(L211) كما ذکر نا؛ و من تم فهو صحیح، لا اشکال فیه، وجب اعتقاده والعمل به، و تصدیقه فیما آخر عنه. آما الحدیث الثان: “خذوا شطر دین کم عن هذه اخمیراء”، فحدیث مکذوب علی رسول الله صلی الله علیه وسلم، لایستدل به علی رد حدیت ܧܝܪܟܝܹ3. قال المباركفوري في شرحه لجامع الترمذي: “وأما حديث: «خذوا شطر دينكم عن الحميراء»، يعني عائشة، فقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: لا أعرف له إسنادا ولا رواية في شيء من كتب الحديث إلا في النهاية لابن الأثير، ولم يذكر من خرجه، وذكر الحافظ عماد الدين بن كثير أنه سأل المزي والذهبي عنه، فلم يعرفاه، وقال السخاوي: ذكره في الفردوس بغير إسناد، وبغير هذا اللفظ، ولفظه «خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء»، وبيض له صاحب مسند الفردوس، ولم يخرج له إسنادا، وقال السيوطي: لم أقف عليه، كذا في المرقاة”(L22). وقال ابن القيم عنه: هو كذب مختلق، وكل حديث فيه يا حميراء هو كذلك (231])، وقال الإمام الألباني في مقدمة “إرواء الغليل”: إن هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (241]).

وقد حكم الألباني على كل الأحاديث التي فيها (يا حميراء) – بالضعف أو الوضع أو النكارة، إلا حديث «يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم»(L251)؟ – يعني: إلى لعب الحبشة ورقصهم في المسجد، يقول الألباني عن هذا الحديث: إسناده صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا”(261]).

ولا يعني قولنا بنكارة حديث “الحميراء” أننا نطعن في مكانة السيدة عائشة – رضي الله عنها – العلمية والدينية، كلا، بل إنما قد بلغت من العلم بأحكام الدين ما لم يبلغه آحاد الرجال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال مسروق: والذي نفسي بیده، لقد رایت مشیخة اصحاب محمد – صلی الله عليه وسلم- يسألونما عن الفرائض”(271]).

قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: «ما أشكل علينا – أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم – – حديث قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علما» (281]).

فهذه بعض الآثار التي رويت في بيان سعة علم عائشة رضي الله عنها، وأتينا بذلك حتى لا يتوهم متوهم أننا نرد الباطل بغير دليل أو ندعي الحق بغير برهان، ولا بد من توضيح المعنى الصحيح للحديث الذي معنا حتى لا يتهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بمعاداة المرأة أو اخط من قدرها.

المفهوم الصحیح لنقصان الدين والعقل لدى المرأة في الحديث:

يبدو أن ما يتبادر إلى أذهان هؤلاء الذين يتيهون فرحا باتمام الإسلام، أنه يعتبر المرأة ناقصة عقل، وذلك حينما قرأوا قوله صلى الله عليه وسلم: « وما رأيت من ناقصات عقل..». ليثبتوا من خلاله أن الإسلام يرى أن النساء ناقصات عقل، وأن نقص العقل هو نقص في القدرات العقلية، أي أن قدرات النساء على التفكير أقل من قدرات الرجال؛ بمعنى أن المرأة تختلف عن الرجل في تركيبة العقل فهي أقل منه وأنقص، أي أن تركيبة الدماغ عند المرأة هي غيرها عند الرجل، ولو أخم تدبروا الحديث لوجدوا أن هذا الفهم لا يمكن أن يستوي، وأنه يتناقض مع واقع الحديث نفسه، وذلك للملاحظات التالية:

  • ذكر الحديث أن امرأة منهن جزلة ناقشت الرسول. والجزلة، كما قال العلماء، هي ذات العقل والرأي والوقار، فكيف تكون هذه ناقصة عقل، وذات عقل ووقار في نفس الوقت؟ أليس هذا مدعاة إلى التناقض؟

  • تعجب الرسول – صلى الله عليه وسلم – من قدرة النساء، وأن الواحدة منهن تغلب ذا اللب، أي الرجل الذكي جدا. فكيف تغلب ناقصة العقل رجلاذکیا جدا ([29])؟

O ان من آوضح ما یدل علیه سیاق الحديث ان النبي – صلى الله عليه وسلم – وجه إلى النساء كلامه هذا على وجه المباسطة التي يعرفها ويمارسها كل منا في المناسبات، وليس أدل على ذلك من أنه جعل الحديث عن نقصان عقولهن توطنة وتمهيدا لما يناقض ذلك من القدرة التي أوتينها، وهي سلب عقول الرجال، والذهاب بلب الأشداء من أولي العزيمة والكلمة النافذة منهم، فهو كما يقول أحدنا لصاحبه: قصير ويأتي منك كل هذا الذي يعجز عنه الآخرون.

إذن فالحديث لا يركز على قصد الانتقاص من المرأة بمقدار ما يركز على التعجب من قوة سلطانما على الرجال.

ه معخی نقصان الدین:

لقد أوضح الإمام النووي معنى نقصان الدين عند شرحه لهذا الحديث، فقال: أما وصفه – صلى الله عليه وسلم – النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم في زمن الحيض، فقد يستشكل معناه، وليس بمشكل بل هو ظاهر، فإن الدين والإيمان والإسلام مشتركة في معنى واحد، كما قدمناه في مواضع، وقد قدمنا أيضا في مواضع أن الطاعات تسمى إيمانا ودينا، وإذا ثبت هذا علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه، ثم نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به، كمن ترك الصلاة، أو الصوم أو غيرهما من العبادات الواجبة عليه بلا عذر، وقد يكون على وجه لا إثم فيه كمن ترك الجمعة، أو الغزو، أو غير ذلك مما لا يجب عليه لعذر، وقد يكون على وجه هو مكلف به كترك الحائض الصلاة والصوم (L301).

قال ابن حجر: “قوله: «من ناقصات» يظهر لي أن ذلك من جملة أسباب كونحن أكثر أهل النار؛ لأخن إذا كن سببا لإذهاب عقل الرجل الحازم حتى يفعل أو يقول ما لا ينبغي، فقد شاركته في الإثم وزدن عليه، وقوله: «قلن: وما نقصان ديننا؟» كأنه خفي عليهن ذلك حتى سألن عنه، ونفس السؤال دال على النقصان؛ لأنحن سلمن بما نسب إليهن من الأمور الثلاثة – الإكثار والكفران والإذهاب – ثم استشكلن كوفن ناقصات، وما ألطف ما أجابمن به – صلى الله عليه وسلم – من غير تعنيف ولا لوم، بل خاطبهن على قدر عقولهن، وأشار بقوله: “مثل نصف شهادة الرجل” إلى قوله تعالى: (فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) (البقرة: ٢٨٢)؛ لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها وهو مشعر بنقص عقلها.

وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك؛ لأنه من أصل الحلقة، لكن التنبيه على ذلك تحذيرا من الافتتان بمن؛ ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص، وليس نقص الدين منحصرا فيما يحصل به الإثم، بل في أعم من ذلك ؛ لأنه أمر نسي، فالكامل مثلا ناقص عن الأكمل، ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض، لكنها ناقصة عن المصلي “(311]).

فنقصان الدين إنما هو إشارة إلى نقص في أداء التكاليف التي ألزم الله بما كل مسلم، وكل مسلمة، لحرمانما من الصلاة والصوم والقيام بنوافلهما من السنن، مثلها مثل الرجل الذي لا يملك مالا يخرج منه الزكاة المفروضة، ولا يملك صدقة يتطوع بما، فهو بذلك يكون أقل أداء لتكاليف الدين من الذي يملك إخراج زكاته وصدقاته. ولا يعقل أن الحديث النبوي يقصد نقصا في التدين، أو نقصا في العلم بأمور الدين، وأحكام التشريع، وأصوله، وقواعده، وأركانه. ومعاذ الله أن يقصد قلة التزام بأوامر الدين ونواهيه، بل كثيرا ما نرى نساء أكثر التزاما وتقوى من الرجال، وفي التاريخ نماذج (321]). ويوضح الأمر الدكتور البوطي فيقول: إن نقص الدين قد يطلق ويراد به قلة التكاليف السلوكية، لسبب ما، ولا شك أنما ليست مسئولية المكلف أيا كان السبب، وقد يطلق ويراد به التهاون أو التقصير الذي يتلبس به المكلف بمسئولية واختيار منه. فالطفل أو المراهق الذي لم يبلغ سن البلوغ بعد، يوصف بأنه ناقص الدين، ولا يعني ذلك أنه يتحمل جريرة أي تقصير أو تحاون فيه، بل ربما كان كثير القيام بالواجبات والفرائض والنوافل سريعا إليها نشيطا في أدائها، أكثر من كثير من الرجال البالغين غير أنه يوصف مع ذلك بأنه ناقص دین. نظرا الی آنه با یکلف بعد بشيء من مبادئه وأحكامه، فهو يوصف بنقصان الدين بالمعنى الأول. والإنسان المتهاون بأوامر الله وأحكامه، المستهتر بحدوده، يوصف أيضا بنقصان الدين، ولكنه هنا يعني التقصير في الالتزام بالمبادى بعزم منه واختيار، فهو يتحمل تقصيره، والمسئولية المترتبة على نقصان دينه، فهو يوصف بنقصان الدين بالمعني الثاني. وإذا تبين هذا فإن الوصف الذي وصف به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المرأة من النقصان في الدين، إنما يصدق بالمعنى الأول، فهي تترك الصلاة والصوم أثناء حيضها ونفاسها، وليس لها يد في ذلك، ولا يعتبر هذا تقصيرا منها. والمرأة في هذه الحال توصف بأنما ناقصة دين، أي: ناقصة التكاليف الدينية، وليس معناه أخا مقصرة في دينها، إذ ليس لها في أمر فرضه الله عليها أي اختيار (331]). إذن فلابد أن يعلم أنه لا يجوز أن يقال هذا اللفظ – أعني قول بعضهم: المرأة ناقصة عقل ودين – هكذا على إطلاقه؛ إذ إن هذا القول مرتبط بخلفية المتكلم الذي ينتقص المرأة جذا القول ويتعالى عليها بمقالته تلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «… إن النساء شقائق الرجال» (T341). كما أنه لا يجوز لإنسان أن يقرأ: (لا تقربوا الصلاة) النساء: ٤٢، ويسكت، أو يقرأ: (فويل للمصلين (4)) (الماعون)، ويسكت! فلا يجوز أن يطلق هذا القول على عواهنه؛ إذ بين النبي – صلى الله عليه وسلم- سبب قوله، فلا يعدل عن بيانه – صلى الله عليه وسلم – إلى فهم غيره ([35])”.

  • أما فيما يتعلق بنقصان العقل: فقد قال النووي: قال الإمام أبو عبد الله المازري – رحمه الته – : قوله صلی الله علیه وسلم: «أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل» تنبيه منه – صلى الله عليه وسلم – على ما وراءه، وهو ما نبه الله – سبحانه وتعالى – عليه في كتابه بقوله: (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) (البقرة: ٢٨٢) أي: إنمن قليلات الضبط، قال: وقد اختلف الناس في العقل ما هو، فقيل: هو العلم، وقيل: بعض العلوم الضرورية، وقيل: قوة يميز بما بين حقائق المعلومات (1361). والعقل قد يطلق ويراد منه هذا المنهج الذي يستعمله المرء ويلتزم به، ويخضع نفسه إليه حين يواجهه موقف معين. ومسألة الشهادة على الدين التي اتخذ منها النبي – صلى الله عليه وسلم – شاهدا على نقصان عقل المرأة مسألة تحتاج إلى قوة إرادة ومضاء عزيمة، وهما أمران لم تتمتع المرأة بكثير منهما، إذ لو أعطيت المرأة هذه الصرامة في المعاملة لما استطاعت أن تحتوي زوجها القادم من الخارج متوتر الأعصاب، وهو في هذه الحالة لا تصلحه صرامة الصارمين بقدر ما يصلحه عواطف الحالمين. والمرأة قد خلقها الله بغير هذه الصرامة، أو على الأقل بغير قدر كبير منها؛ لتتمكن من أن تحتوي أبناءها بعاطفة جياشة تورث المحبة، لا بعصى معلقة تورث الهيبة. المرأة إذا لا يعيبها أن تكون ناقصة عقل جذا المعنى، بل هذا يصلحها، ويصلح أسرتها وذويها، كما أن الرجل لا يصلحه أن يكون ذا عاطفة جياشة، تغلب صرامته حين يتطلب منه الموقف أن يكون صارما(371]). “وقد علمنا من مبادى علم النفس وعلم النفس التربوي أن المرأة أقوى عاطفة من الرجل، وأضعف تفكيرا منه، وأن الرجل أقوى تفكيرا من المرأة، وأضعف عاطفة منها، وكلنا نعلم أن التقابل التكاملي بينهما، هو سر سعادة كل من الرجل والمرأة بالآخر… إذن هذه حكمة ريانية لا بد منها، لكي يعثر كل من الرجل والمرأة في الشخص الآخر على ما يتمم نقصه، ومن ثم يجد فيه ما يشده إليه. والحصيلة تنطق بالمساواة الدقيقة بينهما(381]). الخلاصة: ه ان حدیث «النساء ناقصات عقل و دین» حدیث صحیح، بل انه ی آعلی درجات الصفحة، فقد رواه الشیخان قی صحیحیهما، ولا اضطراب فيه، وما وقع من أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – بشأن عدم تحديد أي العيدين كان من باب تحاشي الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رواه عبد الله بن عمر، بما يعضد رواية أبي سعيد الخدري، ويؤكد على صحة الحديث. • القرآن الكريم سوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والتكاليف والجزاءات، ولكنه ميز كل جنس بميزات ليست للآخر، وما انبى عليه حديث نقصان عقل المرأة ودينها، إنما هو مما اختصت به المرأة من أحكام تناسب طبيعة تكوينها، والأحاديث الواردة بشأن أن النساء أكثر أهل النار وأخن فتنة.. إخ صحيحة ولا تعارض القرآن بأي وجه من الوجوه.

م ما أخبر عنه الرسول – صلى الله عليه وسلم – من أمور غيبية تتعلق بدخول الجنة أو النار أو أن أكثر أهلها النساء أو غير ذلك – إنما هو مما أعلمه الله من الغيب، وليس في ذلك جرأة منه – صلى الله عليه وسلم – على الله – عز وجل – وحاشاه من ذلك.

  • حدیث «خذدوا شطر دینکم عن هذه الحميراء» منكر، ولایعارض حدیث «النساء ناقصات عقل ودین» کما يدعي هؤلاء ؛ لأنه إذا ثبتت نكارة الحديث فقد بطل الاحتجاج به تلقائيا.

ه نقصان الدين عند المرأة من باب أن الدين والإيمان والإسلام بمعنى واحد، والطاعات تسمى إيمانا ودينا، فإذا زادت تلك الطاعات زاد الدين، والعكس، إذن نقصان دين المرأة من باب قلة الطاعات في وقت تركها للصلاة والصوم.

  • نقصان عقل المرأة ليس مقصورا على المعاملة في الدين فقط، بل العقل يطلق ويراد به المنهج الذي يلتزم به المرء، ويخضع نفسه إذا واجهه موقف معين، وهو حكمة ربانية لا بد منها لتكافؤ العلاقة بين الرجل والمرأة.

عن

اترك تعليقاً