الرئيسية / شبهات وردود / شبهات حول الصحابة / عدالة الصحابة رضى الله عنهم  في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية ودفع الشبهات للدكتور عماد السيد الشربيني

عدالة الصحابة رضى الله عنهم  في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية ودفع الشبهات للدكتور عماد السيد الشربيني

عدالة الصحابة رضى الله عنهم
في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية
ودفع الشبهات

 الدكتور
عماد السيد الشربيني

مدرس الحديث وعلومه
بجامعة الأزهر
1425 هـ – 2005 م

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله عز وجل

{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ
ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } (1)
وقال رسول الله
– صلى الله عليه وسلم –
” إن الله اختار أصحابي على العالمين ، سوى النبيين والمرسلين ،
واختار لي من أصحابي أربعة :
أبا بكر، وعمر, وعثمان ، وعلياً – رضي الله عنهم –
فجعلهم أصحابي
قال في أصحابي كلهم خير , وأختار أمتي على الأمم
وأختار من أمتي أربعة قرون
القرن الأول , والثاني , والثالث ، والرابع “( (2) )
تقديم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد , وعلي آله , وصحبه البررة الأوفياء ، أئمة الدين ، وصفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين , ورضي الله عمن تبع سنتهم ، وسلك طريقتهم ، واقتفى أثرهم ، ونصرهم إلى يوم الدين
ثم أما بعد
__________
(1) الآية 29 من سورة الفتح
(2) سيأتي تخريجه ص 2 .
فإن الطعن فى عدالة رواة السنة النبوية من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والتابعين فمن بعدهم إلى الأئمة أصحاب المصنفات الحديثية ، من وسائل غلاة المبتدعة الرافضة ، والخوارج ، والمعتزلة ، والزنادقة(1)- فى الطعن فى السنة النبوية
وغرضهم من ذلك تحطيم الوسيلة التى وصلت السنة النبوية بها إلينا ، وإذا تحطمت الوسيلة يصبح الأصل معتمداً على لا شئ فيصبح لا شئ
وقديماً صرح بذلك أحد الزنادقة فيما رواه الخطيب البغدادي فى تاريخه عن أبى داود السجستانى قال : “لماء جاء الرشيد بشاكر – رأس الزنادقة ليضرب عنقه – قال : أخبرنى ، لم تعلِّمون المتعلم منكم أول ما تعلمونه الرفض – أى الطعن فى الصحابة – ؟ قال : إنا نريد الطعن على الناقلة ، فإذا بطلت الناقلة ؛ أوشك أن نبطل المنقول” (2)
وبذلك صرح ذيل ( شاكر) محمود أبو ريه فى كتابه أضواء على السنة قائلاً : “إن عدالة الصحابة تستلزم ولا ريب الثقة بما يروون ، وما رووه قد حملته كتب الحديث بما فيه من غثاء ، وهذا الغثاء هو مبعث الضرر وأصل الداء”(3)
نعم : إن الصحابة – رضي الله عنهم – “هم حجر الزاوية فى بناء الأمة المسلمة ، عنهم قبل غيرهم تلقت الأمة كتاب الله – عز وجل – ، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – , فالغض من شأنهم والتحقير لهم ، بل النظر إليهم بالعين المجردة من الإعتبار، لا يتفق والمركز السامى الذي تبوءوه ، ولا يوائم المهمة الكبرى التى انتدبوا لها ونهضوا بها
__________
(1) حكاه عنهم الشاطبى فى الإعتصام 1/186، والبغدادي فى أصول الدين ص 19، وابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث ص 28
(2) ينظر : تاريخ بغداد 4/38
(3) أضواء على السنة ص 34

كما أن الطعن فيهم , والتجريح لهم ؛ ‍‍‍‍‍‍‍يغال فى الباطل ! ، وتهجم على الأكابر , وجرح لشعور المسلمين , وهو مرفوض بادئ ذى بدء , كما أنه يقوض دعائم الشريعة ، ويشكك فى صحة القرآن ، ويضيع الثقة بسنة سيد الأنام – صلى الله عليه وسلم – ! ؛ فضلاَ عن أنه تجريح وقدح , فيمن بوأهم تلك المكانة ، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس !!! . ولا يقبل عاقل مثل هذا القول !!.
لذلك عنى علماء الإسلام قديماً وحديثاً , بالدفاع عن عدالة الصحابة ، لأنه – كما رأيت – دفاع عن الإسلام ، ولم يكن ذلك الدفاع نزوة هوى ، ولا عصبية ؛ بل كان نتيجة لدراسات تحليلية وأبحاث تاريخية ، وتحقيقات بارعة واسعة ، عرضتهم على أدق موازين الرجال ؛ مما تباهى به الأمة الإسلامية كافة الأمم والأجيال
وبعد هذا التحقيق والتدقيق ، خرج الصحابة – رضي الله عنهم – من بوتقة هذا البحث ، وإذا هم خير أمة أخرجت للناس ، وأسمى طائفة عرفها التاريخ ، وأنبل أصحاب لنبي ظهر على وجه الأرض ، وأوعى وأضبط جماعة لما استحفظوا عليه من كتاب الله – عز وجل – , وهدى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – , وقد اضطر أهل السنة والجماعة ، أن يعلنوا رأيهم هذا كعقيدة ، فقرروا أن الصحابة كلهم عدول ولم يشذ عن هذا الرأى إلا المبتدعة والزنادقة قبحهم الله”(1)
وطعون المبتدعة والزنادقة قديماً وحديثاً فى صحابة سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كثيرة
وسوف أتناول هنا بمشيئة الله تعالى نماذج من تلك الطعون والشبهات ؛ التي طعنوا بها في عدالة الصحابة ، استعرضها وأفندها
على أن أًفرد أيضاً ترجمة لراوية الإسلام الأول أبو هريرة – رضي الله عنه – لنتعرف على مكانته فى الإسلام .
وهذا البحث يقع في ثمانية مباحث :
المبحث الأول : التعريف بالصحابة لغة واصطلاحاً
المبحث الثاني : التعريف بالعدالة لغة واصطلاحاً
__________
(1) مناهل العرفان فى علوم القرآن للشيخ محمد الزرقانى 1/334، 335

 

المبحث الثالث : أدلة عدالة الصحابة- رضي الله عنهم –
المبحث الرابع : شبهات حول عدالة الصحابة والرد عليها
المبحث الخامس : سنة الصحابة – رضي الله عنهم – حجة شرعية
المبحث السادس : من أراد معاوية – رضي الله عنه – فإنما أراد الصحابة جميعاً – رضي الله عنهم – .
المبحث السابع : شبهات حول راوية السنة الأول ( أبو هريرة- رضي الله عنه – ) والرد عليها
المبحث الثامن : حكم الطاعن فى عدالة الصحابة – رضي الله عنهم -.
الخاتمة : في نتائج هذا البحث , وفهرس الموضوعات
منهجي في البحث :
1ـ استعرضت شبه ومطاعن أهل الزيغ والهوي , قديمَا وحديثَا , المتضمنة الطعن في عدالة
صحابة سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – , و قرنت ذلك بالرد الحاسم الذي يبين بطلان وزيف تلك
الشبه والمطاعن معتمدَا في ذلك علي القرآن الكريم , والسنة المطهرة , والسيرة العطرة ,
وكلام أهل السنة قديمَا وحديثَا .
2 ـ بينت مواضع الآيات التي وردت في البحث بذكر اسم السورة , ورقم الآية في الهامش , مع
وضع الآية بين قوسين
3 ـ عزوت الأحاديث التي أوردتها في البحث إلي مصادرها الأصلية , من كتب السنة المعتمدة
فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما ، بذكر اسم الكتاب ، واسم
الباب ، وذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث ، وأقدم في التخريج من ذكرت لفظه ، مع البيان
غالباً لدرجة الحديث , من خلال أقوال أهل العلم بالحديث ، أو دراستي للسند ، إن كان الحديث
في غير الصحيحين ، وفيما عدا ذلك اقتصر على ما يفيد ثبوت الحديث أورده
4 ـ اعتمدت في التخريج من الصحيحين على طبعتى البخارى “بشرح فتح البارى” لابن حجر،
والمنهاج “شرح صحيح مسلم” للنووي ، لصحة متون الأحاديث في الشرحين ، ولصحة
عرضهما على أصول الصحيحين ، وتسهيلاً للقارئ لكثرة تداول تلك الشروح ، وإتماماً
للفائدة بالإطلاع على فقه الحديث المخرَّج
5 ـ التزمت عند النقل من أي مرجع ، أوالإستفادة منه الإشارة إلى رقم جزئه وصفحته
بالإضافة إلى ذكر طبعات المراجع في الفهرست
6ـ عند النقل من فتح البارى ، أو المنهاج شرح مسلم للنووي ، أذكر رقم الجزء والصفحة
ورقم الحديث الوارد فيه الكلام المنقول ، تيسيراً للوصول إلى الكلام المنقول ، نظراً
لاختلاف رقم الصفحات تبعاً للطبعات المتعددة
7ـ اكتفيت في تراجم الأعلام من الصحابة بذكر مصادر تراجمهم بذكر رقم الجزء والصفحة
ورقم الترجمة ، ولم أترجم لهم لعدالتهم جميعا ، ولم أخالف في ذلك إلا في القليل عندما
تقتضى الترجمة الدفاع عن شبهة
8 ـ ترجمت لكثير من الأعلام الذين جرى نقل شئ من كلامهم ، مع ذكر مصادر تراجمهم ،
بذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الترجمة
9- شرحت المفردات الغريبة التي وردت في بعض الأحاديث مستعيناً في ذلك بكتب غريب
الحديث ، ومعاجم اللغة ، وشروح الحديث

والله عز وجل أسال أن ينفع بما كتبت , وأن يتقبله خالصَا لوجهه الكريم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا ومولانا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الراجي عفو ربه الكريم
أبو نور الدين
د/ عماد السيد محمد الشربيني
مدرس الحديث وعلومه
بكلية أصول الدين
جامعة الأزهر

هذا الكتاب
يتناول فيه المؤلف الرد علي الطاعنين في عدالة صحابة سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – , من أعداء الإسلام من المستشرقين, وأذيالهم ممن يسمون أنفسهم (القرآنيون) وذلك من خلال عدة قضايا أهمها مايلى:
– بيان أن الصحابة – رضي الله عنهم – هم حجر الزاوية فى بناء الأمة المسلمة ، عنهم قبل غيرهم تلقت الأمة كتاب الله – عز وجل -، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – , فالغض من شأنهم والتحقير لهم ، بل النظر إليهم بالعين المجردة من الإعتبار، لا يتفق والمركز السامى الذي تبوءوه ، ولا يوائم المهمة لكبرى التى انتدبوا لها ونهضوا بها كما أن الطعن فيهم والتجريح لهم ، يقوض دعائم الشريعة ، ويشكك فى صحة القرآن ، ويضيع الثقة بسنة سيدالأنام – صلى الله عليه وسلم – ! ؛ فضلاَ عن أنه تجريح وقدح فيمن بوأهم تلك المكانة ، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس !!!
– بيان أن المنافقين الذين كشف الله ورسوله – سترهم ، ووقف المسلمون على حقيقة أمرهم ، والمرتدين الذين ارتدوا فى حياة النبى – صلى الله عليه وسلم – وبعد وفاته ، ولم يتوبوا ويرجعوا إلى الإسلام ، وماتوا على ردتهم ، هم بمعزل من شرف الصحبة ، وبالتالى بمعزل عن أن يكونوا من المرادين بقول جمهور العلماء والأئمة إنهم عدول ، وفى تعريف العلماء للصحبة ما ينفى عنها هؤلاء ؛ وأولئك .
– إن الآيات القرآنية , التى جاء فيها عتاب للصحابة أو لبعضهم لارتكابهم بعض المعاصى لخير دليل شاهد على أن المراد بعدالتهم جميعاً ؛ عصمتهم من الكذب فى حديث سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – , وليس معنى عدالتهم عصمتهم من المعاصى أو من السهو أو الغلط ، فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم , وحتى مع ارتكاب بعضهم لبعض الذنوب ، فقد امتن الله – عز وجل – عليهم بالتوبة والمغفرة لذنوبهم ؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
– أن الصورة الحقيقية لسيدنا معاوية – رضي الله عنه -, تخالف الصورة الكاذبة التى يصورها الزنادقة من الرافضة ؛ ومن تابعهم من أعداء الإسلام ، والسنة المطهرة ، تلك الصورة التى تنكر ما جاء فى السنة المطهرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وعن الصحابة ، والتابعين ، من الشهادة له بالصحبة ، والفقه ، والملك العادل ، وحسن السيرة , حتى شهد له من أدركه كمجاهد ؛ والأعمش بأنه المهدى .
– ما اتهم به سيدنا أبو هريرة – رضي الله عنه – ، من أكاذيب وافتراءات من قبل أرباب الأهواء قديماً وحديثاً ، سندهم فيه إما روايات مكذوبة أو ضعيفة ، وإما روايات صحيحة لم يفهموها على وجهها ، بل تأولوها تأويلاً باطلاً يتفق وأهواءهم .
ونسأل الله – عز وجل – التوفيق والسداد …

المبحث الأول
التعريف بالصحابة لغةً واصطلاحاً
… الصحابة فى اللغة : يقال صحب أى دعاه إلى الصحبة ولازمه ، وكل شئ لازم شيئاً فقد استصحبه(1)
… وقال أبو بكر الباقلانى(2): “لا خلاف بين أهل اللغة فى أن القول “صحابى” مشتق من الصحبة، وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلاً كان أو كثيراً … يقال صحبت فلاناً حولاً، ودهراً، وسنة، وشهراً، ويوماً، وساعة، فيوقع اسم المصاحبة بقليل ما يقع منها وكثيرة
وذلك يوجب فى حكم اللغة : إجراء هذا على من صحب سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أى قدر من الوقت .(3) .
… وقال الإمام ابن تيمية (4)
__________
(1) لسان العرب 1/519، والقاموس المحيط 1/91، والصحاح للجوهرى 1/162، ومختار الصحاح ص 356
(2) هو محمد بن الطيب بن محمد، القاضى أبو بكر الباقلانى، البصرى المالكى الأشعرى الأصولى المتكلم ، صاحب المصنفات الكثيرة فى علم الكلام وغيره توفى سنة 43هـ له ترجمة فى : الديباج المذهب 363 رقم 49، وشذرات الذهب 3/168، ووفيات الأعيان 3/4 رقم 58، وسير أعلام النبلاء 11/43 رقم 3734، وشجرة النور الزكية 1/92 رقم 29
(3) ينظر : الكفاية ص 1، وأسد الغابة 1/119، 12
(4) هو : أحمد بن عبد الحليم بن تيميه، الحرانى الدمشقى، تقى الدين، أبو العباس ، الإمام المحقق ، الحافظ، المفسر، الأصولى، الأديب، النحوى، بلغت تصانيفه ثلاثمائة مجلد : منها رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ومنهاج السنة النبوية فى نقض كلام الشيعة والقدرية، وغير ذلك مات سنة 727هـ له ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 4/1496 رقم 1175، والدر الكامنة لابن حجر 1/144 رقم 49، وطبقات المفسرين للداودى 1/46 رقم 42

 

: “والأصحاب جمع صاحب ، والصاحب اسم فاعل من صحبه يصحبه، وذلك يقع على قليل الصحبه وكثيرها” (1) وعلى هذا التعريف اللغوى جرى أصحاب الحديث فى تعريفهم بالصحابى اصطلاحاً : فذهبوا إلى إطلاق (الصحابى) على كل من صحب سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولو ساعة واحدة فما فوقها
الصحابة فى الاصطلاح :
قال الإمام بدر الدين الزركشى(2) : “ذهب الأكثرون إلى أن الصحابى من اجتمع – مؤمناً – بسيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وصحبه ولو ساعة ، روى عنه أو لا ، لأن اللغة تقتضى ذلك، وإن كان العرف يقتضى طول الصحبة وكثرتها … وهو ما ذهب إليه جمهور الأصوليين ، أما عند أصحاب الحديث فيتوسعون فى تعريفهم لشرف منزلة النبى – صلى الله عليه وسلم -(3)
… يقول الإمام ابن حزم (4)
__________
(1) الصارم المسلول ص 575، وينظر : الروض الباسم فى الذب عن سنة أبى القاسم لابن الوزير اليمانى 1/57 – 6. قرر بتوسع , واستدل أن تسمية يسير المخالطة (صحبة) ثابت بالكتاب والسنة ، وعبارات الأئمة أهـ
(2) هو : محمد بن بهادر بن عبد الله، أبو عبد الله الزركشى، الشافعى، الفقيه الأصولى المحدث،من مؤلفاته “البحر المحيط” و”شرح جمع الجوامع” توفى سنة794هـ له ترجمة فى شذرات الذهب 6/335، والفتح المبين فى طبقات الأصوليين لعبد الله مصطفى المراغى 2/29
(3) البحر المحيط فى أصول الفقه 4/31 , 349 .
(4) هو على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى، أبو محمد، عالم الأندلس فى عصره، وأحد أئمة الإسلام، روى ابنه أبو رافع أن مصنفات والده بلغت الأربعمائة، من أشهرها : الإحكام فى أصول الأحكام، والفصل فى الملل والنحل، مات سنة 456هـ له ترجمة فى : لسان الميزان لابن حجر 4/724 رقم 5782، وتذكرة الحفاظ للذهبى 3/1146 رقم 116، ووفيات الأعيان لابن خلكان 3/325 رقم448 .

 

: ” فأما الصحابة – رضي الله عنهم – فهم كل من جالس النبى – صلى الله عليه وسلم – ولو ساعة ، وسمع منه ولو كلمة فما فوقها ، أو شاهد منه عليه السلام أمراً يعيه ” (1)
والتعريفات التى وضعها العلماء للصحابة (اصطلاحاً) كثيرة ، ولكن التعريف الصحيح المعتمد هو ما قرره الحافظ ابن حجر(2) بقوله : “وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابى هو من لقى النبى – صلى الله عليه وسلم – مؤمناً به ، ومات على الإسلام ، ولو تخللت ردة على الأصح
ثم شرح التعريف فقال : “فيدخل فيمن لقيه” من طالت مجالسته له، أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية، ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى
ومن هنا كان التعبير بالًّلقِىِّ أولى من قول بعضهم : “الصحابى من رأى النبى – صلى الله عليه وسلم -” لأنه يخرج حينئذ ابن أم مكتوم ونحوه من العميان وهم صحابة بلا تردد
ويخرج “بقيد الإيمان” من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى
وقولنا”به”يخرج من لقيه مؤمناً بغيره كمن لقيه مؤمناً من مؤمنى أهل الكتاب قبل البعثة
ويدخل فى قولنا “مؤمناً به” كل مكلف من الجن والإنس …
__________
(1) الإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم 5/86
(2) هو : أحمد بن على بن محمد العسقلانى، أبو الفضل، أصله من عسقلان بفلسطين، ولكنه ولد بالقاهرة، حافظ أهل زمانه، وواحد وقته وأوانه، من مصنفاته النفيسة التى عم النفع بها “فتح البارى بشرح صحيح البخارى” و”الإصابة فى معرفة الصحابة” وغير ذلك مات سنة 852هـ له ترجمة فى: الضوء اللامع للسخاوى 2/36 رقم 14، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص552 رقم 119، والبدر الطالع للشوكانى 1/87 رقم 51 .

 

وخرج بقولنا “ومات على الإسلام” من لقيه مؤمناً به ثم ارتد ومات على ردته والعياذ بالله – كعبيد الله بن جحش، وابن خطل، ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت سواء اجتمع به – صلى الله عليه وسلم – مرة أخرى أم لا، كالأشعث بن قيس فإنه كان ممن ارتد ثم أسلم فى حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – , لكنه لم يلقه . وأتى به إلى أبى بكر الصديق أسيرا ً، فعاد إلى الإسلام فقبل منه، وزوجه أخته ، ولم يتخلف أحد عن ذكره فى الصحابة، ولا عن تخريج أحاديثه فى المسانيد وغيرها
… وهذا هو الصحيح المعتمد، ووراء ذلك أقوال شاذة أخرى كقول من قال لا يعد صحابياً إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة :
من طالت مجالسته ، أو حفظت روايته، أو ضبط أنه غزا معه ، أو استشهد بين يديه، وكذا من اشترط فى صحة الصحبة بلوغ الحلم ، أو المجالسة ولو قصرت”(1)
قال الحافظ السيوطى(2) مؤيداً الحافظ ابن حجر- رحمهما الله تعالى- :
“وهو المعتبر ” (3)
__________
(1) ينظر : الإصابة 1/1 – 12، ونزهة النظر ص 51، 52
(2) هو : عبد الرحمن بن أبى بكر محمد السيوطى، جلال الدين، كان إماماً حافظاً بارعاً، ذا قدم
راسخة فى علوم شت ، فكان مفسراً، محدثاً، فقيهاً، أصولياً، لغوياً، مؤرخاً، له مؤلفات بلغت نحو ستمائة مصنف منها : الأشباه والنظائر فى القواعد الفقيهة، والأشباه والنظائر فى العربية، والدر المنثور فى التفسير بالمأثور، والجامع الكبير والصغير، مات سنة 911هـ له ترجمة فى : حسن المحاضرة للسيوطى 1/335 رقم 77 ، وطبقات المفسرين للسيوطى ص3، والبدر الطالع للشوكانى 1/328 رقم 228
(3) تدريب الراوى 2/216

وذهب إليه الجمهور من الأصوليين، منهم الآمدى فى الإحكام(1)، وابن عبد الشكور فى فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت(2)، والزركشى فى البحر المحيط (3)، والشوكانى فى إرشاد الفحول(4) وغيرهم
ويقول الحافظ السخاوى (5) مؤيداً رأى شيخه ابن حجر “والعمل عليه عند المحدثين والأصوليين” (6)
السر فى التعميم فى تعريف الصحابى :
__________
(1) ينظر : الإحكام للآمدى 2/84 ، 85
(2) ينظر : فواتح الرحموت 2/ 158
(3) ينظر : البحر المحيط 4/32، 35
(4) ينظر : إرشاد الفحول 1/279، 28
(5) هو : أبو عبد الله , محمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر , السخاوى الأصل , المصرى المولد والنشأة , الشافعى المذهب , ينسب ” لسخا ” قرية غربى الفسطاط بمصر, برع فى العلوم النقلية والعقلية , وانتهت إليه رياسة علم الحديث , وعلم التاريخ , ولازم شيخه ابن حجر , حتى شهد له بأنه أمثل جماعته , من مؤلفاته النافعة : فتح المغيث شرح ألفية الحديث , وشرح التقريب للنووى , والضوء اللامع لأهل القرن التاسع , وغيرها الكثير. مات سنة 92 هـ . له ترجمة فى : الضوء اللامع 8 /2–32 , والبدر الطالع 2 /184-187 . , ومعجم المؤلفين 1 / 15- 151 .
(6) ينظر : فتح المغيث للسخاوى 3/ 85

… التعميم فى تعريف الصحابى نظراً إلى أصل فضل الصحبة، ولشرف منزلة النبى – صلى الله عليه وسلم -، ولأن لرؤية نور النبوة قوة سريان فى قلب المؤمن، فتظهر آثارها على جوارح الرائى فى الطاعة والاستقامة مدى الحياة ، ببركته – صلى الله عليه وسلم – ويشهد لهذا قوله – صلى الله عليه وسلم – : ” طوبى لمن رآنى وآمن بى، وطوبى لمن رأى من رآنى، ولمن رأى من رأى من رآنى وآمن بى “(1)
وفى ذلك يقول الإمام السبكى (2) : “والصحابى هو كل من رأى النبى – صلى الله عليه وسلم – مسلماً، وقيل : من طالت مجالسته، والصحيح الأول، وذلك لشرف الصحبة، وعظم رؤية النبى – صلى الله عليه وسلم -، وذلك أن رؤية الصالحين لها أثر عظيم، فكيف رؤية سيد الصالحين؟! فإذا رآه مسلم ولو لحظة، انطبع قلبه على الاستقامة، لأنه بإسلامه متهيئ للقبول، فإذا قابل ذلك النور العظيم، أشرق عليه وظهر أثره فى قلبه وعلى جوارحه”(3)
__________
(1) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر فضائل الأمة بعد الصحابة والتابعين4/96 رقم 6994، من حديث عبد الله بن بسر- رضي الله عنه -، وقال الحاكم هذا حديث قد روى بأسانيد قريبة عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – مما علونا فى أسانيد منها، وأقرب هذه الروايات إلى الصحة ما ذكرناه ، وقال الذهبى (جميع بن ثوب) واه والقول ما قاله الحاكم . ينظر : مجمع الزوائد 1/2
(2) هو: الإمام الفقيه ، المحدث الحافظ ، المفسر الأصولى ، على بن عبد الكافى بن يوسف ، شيخ الإسلام، قال فيه ولده ليس بعد الذهبى ، والمزى، أحفظ منه مات سنة 756 هـله ترجمة فى: طبقات الحفاظ للسيوطى ص525، 526 رقم 1148، والبداية والنهاية لابن كثير 14/195، وطبقات المفسرين للداودى1/416رقم36
(3) الإبهاج فى شرح المنهاج 1/15، وينظر : البحر المحيط للزركشى 4/31، وفتح البارى 7/9 رقم 3651 حديث (خير الناس قرنى، ثم الذين يلونهم – الحديث)

 

 

يقول الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة – رحمه الله – : “فالتعميم فى تعريف (الصحابى) نظراً إلى أصل فضل الصحبة، وأما تفاوت من يشملهم هذا اللقب فى الفضل والدين وسائر خصال الخير … فهذا أمر وراء ذلك”(1) أهـ
طريق معرفة الصحبة :
… تثبت الصحبة بأمور متعددة منها :
التواتر كأبى بكر الصديق المعنى بقوله تعالى : { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } (2) وسائر العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم
أو باشتهار قاصر عن التواتر؛ وهو الاستفاضة , كعكاشة بن محصن، وضمام بن ثعلبة
وغيرهما
أو بقول صاحب آخر معلوم الصحبة ، إما بتصريح بها كأن يجئ عنه أن فلاناً له صحبة
مثلاً أو نحوه ، كقوله : كنت أنا وفلان عند النبى – صلى الله عليه وسلم – , أو دخلنا على النبى – صلى الله عليه وسلم –
بشرط أن يعرف إسلام المذكور فى تلك الحالة
4- وكذا تعرف بقول آحاد ثقات التابعين ؛ على الراجح من قبول التزكية من عدل واحد”(3)
انتهى .
المبحث الثانى
التعريف بالعدالة لغة واصطلاحاً
… العدالة لغة : العدل ضد الجور، يقال عدل عليه فى القضية فهو عادل، وبسط الوالى عدله ومَعْدِلَتَه – بكسر الدال وفتحها – ، وفلان من أهل المَعْدَلَة – بفتح الدال – ، أى : من أهل العدل ، ورجل عدل ، أى : رضا ومقنع فى الشهادة
__________
(1) لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث ص 51
(2) جزء من الآية 4 من سورة التوبة
(3) ينظر: فتح المغيث للسخاوى3/87، 88، وتدريب الراوى2/213،214، والكفاية ص98-11

 

 

والعدالة : وصف بالمصدر معناه ذو عدل، قال تعالى : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } (1) ويقال : رجل عدل ورجلان عدل، ورجال عدل، وامرأة عدل، ونسوة عدل، كل ذلك على معنى رجال ذوو عدل، ونسوة ذوات عدل، فهو لا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث، فإن رأيته مجموعاً، أو مثنى أو مؤنثاً، فعلى أنه قد أجرى مجرى الوصف الذى ليس بمصدر، وتعديل الشئ تقويمه، يقال عدلته فاعتدل، أى قومته فاستقام(2) أهـ
فمن هذه التعاريف اللغوية يتبين أن معنى العدالة فى اللغة الاستقامة ، والعدل هو المتوسط فى الأمور من غير إفراط فى طرفى الزيادة والنقصان، ومنه قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } (3) أى عدلاً فالوسط والعدل بمعنى واحد(4)
والعدالة اصطلاحاً : تنوعت فيها عبارات العلماء من محدثين وأصوليين وفقهاء، إلا أنها ترجع إلى معنى واحد وهو أنها : ملكة أى صفة راسخة فى النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة
… والتقوى ضابطها : امتثال المأمورات، واجتناب المنهيات من الكبائر ظاهراً، وباطناً من شرك أو فسق أو بدعة
… والمروءة ضابطها : آداب نفسية تحمل صاحبها على التحلى بالفضائل , والتخلى عن الرذائل ، وترجع معرفتها إلى العرف
وليس المراد بالعرف هنا سيرة مطلق الناس بل الذين نقتدى بهم .
__________
(1) جزء من الآية 2 من سورة الطلاق
(2) ينظر : لسان العرب 11/43، والصحاح للجوهرى 5/176 – 1761، ومختار الصحاح 417، والقاموس المحيط 4/13، والمصباح المنير 2/397
(3) الآية 143 من سورة البقرة
(4) الإحكام للآمدى 2/69، ومقاصد الحديث فى القديم والحديث لفضيلة الدكتور التازى 2/64

 

 

… ولا تتحقق العدالة فى الراوى إلا إذا اتصف بصفات خمسة : الإسلام , والبلوغ والعقل , والسلامة من أسباب الفسق , وخوارم المروءة (1)
وليس المقصود من العدل أن يكون بريئاً من كل ذنب ، وإنما المراد أن يكون الغالب عليه التدين ، والتحرى فى فعل الطاعات
وفى ذلك يقول الإمام الشافعى : ” لو كان العدل من لا ذنب له لم نجد عدلاً، ولو كان كل مذنب عدلاً لم نجد مجروحاً ، ولكن العدل من اجتنب الكبائر؛ وكانت محاسنه أكثر من مساويه ” (2)
ويعبر أبو يوسف عن هذا الإتجاه حين يقول : “من سلم أن تكون منه كبيرة من الكبائر التى أوعد الله تعالى عليها النار ، وكانت محاسنه أكثر من مساوئه فهو عدل “(3)
ونخلص مما سبق فيما يخص بتعريف الصحابة – رضي الله عنهم – أن المنافقين الذين كشف الله ورسوله – سترهم ، ووقف المسلمون على حقيقة أمرهم ، والمرتدين الذين ارتدوا فى حياة النبى وبعد وفاته ، ولم يتوبوا ويرجعوا إلى الإسلام ، وماتوا على ردتهم ، هم بمعزل من شرف هذه الصحبة ، وبالتالى بمعزل عن أن يكونوا من المرادين بقول جمهور العلماء والأئمة إنهم عدول ، وفى تعريف العلماء للصحبة ما ينفى عنها ؛ هؤلاء وأولئك
ومعنى عدالة الصحابة : ” أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، لما اتصفوا به من قوة الإيمان، والتزام التقوى، والمروءة، وسمو الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور
وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصى أو من السهو أو الغلط فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل العلم
__________
(1) يٍنظر : فتح المغيث للسخاوى 3/315 – 317، وتوضيح الأفكار للصنعانى 2/114 – 118، ومقاصد الحديث فى القديم والحديث للدكتور التازى 2/65، 66
(2) ينظر : الروض الباسم فى الذب عن سنة أبى القاسم لابن الوزير اليمانى 1/28
(3) نقلاً عن توثيق السنة فى القرن الثانى الهجرى للدكتور رفعت فوزى ص 129

ومما ينبغى أن يعلم أن الذين قارفوا إثماً ثم حدوا – كان ذلك كفارة لهم – وتابوا وحسنت توبتهم ، وهم فى نفس الوقت قلة نادرة جداً ؛ لا ينبغى أن يغلب شأنهم وحالهم على حال الألوف المؤلفة من الصحابة الذين ثبتوا على الجادة والصراط المستقيم ، وجانبوا المآثم ، والمعاصى ما كبر منها وما صغر، وما ظهر منها وما بطن ، والتاريخ الصادق أكبر شاهد على هذا ” (1) أهـ
ويؤكد ما سبق الإمام الأبيارى(2) بقوله : “وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم ، واستحالة المعصية عليهم ، وإنما المراد : قبول روايتهم من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية ، إلا أن يثبت ارتكاب قادح ، ولم يثبت ذلك ولله الحمد ! فنحن على استصحاب ما كانوا عليه فى زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، حتى يثبت خلافه ، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير، فإنه لا يصح ، وما صح فله تأويل صحيح ” (3) أهـ
المبحث الثالئث
أدلة عدالة الصحابة – رضي الله عنهم –
__________
(1) دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص 92، 244 بتقديم وتأخير وينظر : الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص 15 وما بعدها ، وتدريب الراوى 2/216 هامش
(2) الأبيارى هو : على بن إسماعيل بن على بن عطية الأبيارى ، نسبه إلى “إبيار” بلدة بمديرية الغربية، وهى بفتح الهمزة وبعدها ياء مثناة من تحت وبعدها ألف، ثم راء مهملة، وبعضهم يصحفها بانبار بنون بعد الهمزة وهو من العلماء الأعلام، وأئمة الإسلام، فقيه مالكى محدث أصولى من مؤلفاته “شرح البرهان” لإمام الحرمين فى الفقه مات سنة 618هـ له ترجمة فى : الديباج المذهب 36 رقم 49، وحسن المحاضرة للسيوطى 1/454، وشجرة النور الزكية 1/166 رقم 52
(3) ينظر:فتح المغيث للسخاوى3/96،وفتح الباقى على الفية العراقى للإمام زكريا الأنصارى 3/14، والبحر المحيط للزركشى 4/3، وإرشاد الفحول 1/278، والشفا للقاضى عياض 2/52

… إن العدالة التى نثبتها لصحابة سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – – لم نعطها هبة لهم من عند أنفسنا – فنحن أقل من ذلك فضلاً عن أننا لا نملك ذلك، وإنما العدالة ثابتة لهم جميعاً بنص الكتاب العزيز, والسنة الشريفة – سواء منهم من تقدم إسلامه ومن تأخر، ومن هاجر ومن لم يهاجر، ومن اشترك فى الغزوات ومن لم يشترك ، ومن لابس الفتنة ومن لم يلابسها(1) فهذه العدالة لهم جميعاً تضافرت عليها الأدلة من الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة
أولاً : دلالة القرآن الكريم على عدالة الصحابة – رضي الله عنهم – :
لقد وصف رب العزة صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالعدالة وأثنى عليهم فى آيات يطول ذكرها منها مايلى :
__________
(1) ينظر:تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير للدكتور مروان ص95بتقديم وتأخير

1- قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } (1) ووجه الاستدلال بهذه الآية على عدالة الصحابة – رضي الله عنهم – أن وسطاً بمعنى “عدولاً خياراً”(2)، ولأنهم المخاطبون بهذه الآية مباشرة(3) وقد ذكر بعض أهل العلم أن اللفظ وإن كان عاماً إلا أن المراد به الخصوص ، وقيل : “إنه وارد فى الصحابة دون غيرهم(4)
2- وقوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (5) ووجه دلالة هذه الآية على عدالة الصحابة – رضي الله عنهم – أنها أثبتت الخيرية المطلقة لهذه الأمة على سائر الأمم قبلها ، وأول من يدخل فى هذه الخيرية المخاطبون بهذه الآية مباشرة عند النزول ، وهم الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – ، وذلك يقتضى استقامتهم فى كل حال ، وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة ، ومن البعيد أن يصفهم الله – عز وجل – بأنهم خير أمة ولا يكونوا أهل عدل واستقامة ، وهل الخيرية إلا ذلك ؟
__________
(1) الآية 143 من سورة البقرة
(2) ينظر : جامع البيان للطبرى 2/7، وتفسير الرازى 4/97، والجامع لأحكام القرآن 2/154، وتفسير القرآن العظيم 1/19
(3) ويؤيد ذلك ما أخرجه الترمذى فى سنته عن بهز عن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع النبى – صلى الله عليه وسلم – يقول فى قوله : “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” قال – صلى الله عليه وسلم – إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله” أهـ أخرجه الترمذى كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة آل عمران 5/211 رقم 31، وقال الترمذى : هذا حديث حسن
(4) ينظر : الكفاية ص 93
(5) الآية 11 من سورة آل عمران

… كما أنه لا يجوز أن يخبر الله تعالى بأنه جعلهم أمة وسطاً – أى عدولاً – وهم على غير ذلك ، فيصح أن يطلق على الصحابة أنهم خير أمة بإطلاق ، وأنهم وسط أى عدول بإطلاق”(1)
وهكذا سائر الآيات التى جاءت بمدحهم قال تعالى : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ(8)وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (2) فالصادقون هم المهاجرون، والمفلحون هم الأنصار، بهذا فسر أبو بكر الصديق، هاتين الكلمتين، من الآيتين، حيث قال فى خطبته يوم السقيفة مخاطباً الأنصار:”إن الله سمانا (الصادقين) وسماكم (المفلحين)،وقد أمركم أن تكونوا حيثما كنا ، فقال : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } (3)
فهذه الصفات الحميدة فى هاتين الآيتين كلها حققها المهاجرون والأنصار من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، واتصفوا بها، ولذلك ختم الله صفات المهاجرين بالحكم بأنهم صادقون ، وختم صفات الذين آزروهم ونصروهم وآثروهم على أنفسهم بالحكم لهم بأنهم مفلحون
__________
(1) الموافقات 4/45 – 452 بتصرف، وانظر : عقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة للدكتور ناصر على الشيخ 2/81، 82
(2) الآيتان 8،9 من سورة الحشر
(3) الآية 119 من سورة التوبة وينظر : العواصم من القواصم لابن العربى ص 62، والبداية والنهاية 5/217 وما بعدها

وهذه الصفات العالية لا يمكن أن يحققها قوم ليسوا بعدول ” (1)
وحتى الآيات التى جاء فيها عتاب لهم أو لبعضهم شاهدة بعدالتهم حيث غفر الله لهم ما عاتبهم فيه وتاب عليهم قال تعالى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(67)لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(68)فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (2) وتأمل ختام العتاب “إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” وهل بعد مغفرة الله – عز وجل – من شئ؟!
وقال تعالى : { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } وتأمل ختام الآية “إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”(3)
… وغير ذلك من الآيات الشاهدة بمغفرة الله – عز وجل – لهم لما ارتكبوا من بعض المعاصى – وسيأتى ذكر بعضها فى الرد على الشبهات حول عدالة الصحابة
__________
(1) عقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة 2/87
(2) الآيات 67 – 69 من سورة الأنفال
(3) الآية 118 من سورة التوبة

إن تلك الآيات التى جاء فيها عتاب للصحابة أو لبعضهم لارتكابهم بعض المعاصى لخير دليل شاهد على ما سبق ذكره ، من أن المراد بعدالتهم جميعاً عصمتهم من الكذب فى حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وليس معنى عدالتهم عصمتهم من المعاصى أو من السهو أو الغلط، فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم وحتى مع ارتكاب بعضهم لبعض الذنوب، فقد امتن الله – عز وجل – عليهم بالتوبة والمغفرة لذنوبهم
وما هذه المنة من ربهم – عز وجل – إلا بيان لعباده مؤمنهم وكافرهم إلى قيام الساعة ؛ بعظم مكانة من اختارهم لصحبة سيد أنبيائه ورسله – صلى الله عليه وسلم – ، وأن التجريح والقدح فى تلك المكانة والعدالة إنما هو تجريح وقدح فيمن بوأهم تلك المكانة ، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس !!!
نعوذ بالله – عز وجل – من الخذلان
ثانياً : دلالة السنة المطهرة على عدالة الصحابة – رضي الله عنهم – :
لقد وصف النبى – صلى الله عليه وسلم – أصحابه بالعدالة ، وأثنى عليهم فى أحاديث يطول تعدادها منها :
1- قوله – صلى الله عليه وسلم -:”ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب”(1) “ففى هذا الحديث أعظم دليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح ، ولا ضعيف إذ لو كان فيهم أحد غير عدل ، لاستثنى فى قوله – صلى الله عليه وسلم – وقال : “ألا ليبلغ فلان منكم الغائب” فلما أجملهم فى الذكر بالأمر بالتبليغ لمن بعدهم، دل ذلك على أنهم كلهم عدول، وكفى بمن عدله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شرفاً ” (2)
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب القسامة ، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض 6/ 182 رقم 1679 , والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب التوحيد، باب قال الله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} 13 / 433 رقم 7447 من حديث أبى بكرة – رضي الله عنه – .
(2) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1/91

2- وقال – صلى الله عليه وسلم – : “خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ قوم تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِم يَمِيَنهُ ويَميِنُهُ شَهَادَتَهُ”(1) وهذه الشهادة بالخيرية مؤكدة لشهادة رب العزة : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } (2)
3- وقوله – صلى الله عليه وسلم – : “النجومُ أَمنةٌ للسماءِ، فإذا ذهبتِ النجوُمِ، أَتى السماءَ ما تُوعدُ، وأَنا أَمَنةٌ لأَصْحَابى فإذا ذهبتُ أَتَى أَصْحَابِى ما يُوعدونَ، وأَصْحَابى أَمنةٌ لأُمَّتِى، فإِذا ذهب أصحابى أتى أُمِتى ما يُوعَدُون”(3)
4- وقال – صلى الله عليه وسلم – : “إن الله اختار أصحابى على العالمين، سوى النبيين والمرسلين، واختار لى من أصحابى أربعة أبا بكر، وعمر وعثمان، وعلياً – رضي الله عنهم – فجعلهم أصحابى قال فى أصحابى كلهم خير، وأختار أمتى على الأمم، وأختار من أمتى أربعة قرون، القرن الأول والثانى والثالث، والرابع”(4)
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم -، ومن صحب النبى – صلى الله عليه وسلم – أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه 7/5 رقم 3651، ومسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم 8/324 رقم 2533 من حديث ابن مسعود – رضي الله عنه –
(2) الآية 11 من سورة آل عمران
(3) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب بيان أن بقاء النبى- صلى الله عليه وسلم – آمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة 8/322 رقم 2531 من حديث أبى موسى الأشعرى – رضي الله عنه –
(4) أخرجه البزار فى مسنده ينظر:كشف الأستار كتاب المناقب،باب مناقب أصحاب النبى- صلى الله عليه وسلم -1/88

وقال الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد 1/16رواه البزار ورجاله ثقات، وفى بعضهم خلاف
وهذا الحديث مؤكد لقوله تعالى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } (1)
ويؤكد ابن مسعود – رضي الله عنه – ما سبق من الآية والحديث قائلاً : “إن الله نظر فى قلوب العباد، فوجد قلب محمد – صلى الله عليه وسلم – خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر فى قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه – صلى الله عليه وسلم – يقاتلون عن دينه ” (2)
يقول الإمام الآمدى (3) : ” واختيار الله لا يكون لمن ليس بعدل ” (4)
__________
(1) الآية 29 من سورة الفتح
(2) أخرجه أحمد فى مسنده 1/379، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد 1/178 رواه أحمد ورجاله موثقون ورواه ابن عبد البر فى مقدمة الإستيعاب 1/12، 13
(3) هو: على بن أبى على بن محمد بن سالم الثعلبى ، المكنى بأبى الحسن، الملقب بسيف الدين، كان فقيهاً أصولياً منطقياً , حسن الأخلاق, فصيح اللسان بارع البيانمن مصنفاته : الإحكام فى أصول الأحكام ، ودقائق الحقائق فى الحكمة ، مات سنة 631هـ له ترجمة فى : وفيات الأعيان 3/293 رقم 432، وطبقات الشافعية لابن السبكى 8 /36 رقم 127، والبداية والنهاية 13 /14 .
(4) الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 2/82

5- وقال – صلى الله عليه وسلم – : “لا تسبوا أصحابى لا تَسُبُّوا أصحابى : فوالذى نفسى بيده! لو أن أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مثلَ أُحُدٍ ذهباً، ما أَدركَ مُدَّ أَحَدِهِم، ولا نَصِيَفهُ”(1)
يقول الصحابى الجليل سعيد بن زيد بن عمرو(2)، أحد العشرة المبشرين بالجنة – رضي الله عنهم – لما سمع رجلاً من أهل الكوفة يسب رجلاً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : “… والله لمشهد شهده رجل يغبر فيه وجهه مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : أفضل من عمل أحدكم ، ولو عمر عمر نوح عليه السلام ” (3)
يقول فضيلة الشيخ محمد الزرقانى – رحمه الله – “فأنت ترى من هذه الشهادات العالية فى الكتاب والسنة ، ما يرفع مقام الصحابة إلى الذروة ، وما لا يترك لطاعن فيهم دليلاً، ولا شبهة دليل
والواقع أن العقل المجرد من الهوى والتعصب، يحيل على الله فى حكمته ورحمته، أن يختار لحمل شريعته الختامية، أمة مغموزة، أو طائفة ملموزة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة 8/332 رقم ,254 والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل الصحابة، باب قول – صلى الله عليه وسلم – “لو كنت متخذاً خليلاً” 7/25 رقم 3673، من حديث أبى هريرة – رضي الله عنه –
(2) له ترجمة فى: الإستيعاب 2/614 رقم 982، وأسد الغابة 2/476 رقم 276، والإصابة 2/44 رقم 3271، وتاريخ الصحابة ص25 رقم 8، ومشاهير علماء الأمصار ص 13 رقم 11
(3) أخرجه أحمد فى مسنده 1/187, و أبو داود فى سنته كتاب السنة، باب فى الخلفاء4/212 رقم465، وصحح إسناده الشيخ أحمد محمد شاكر فى تعليقه على المسند 3/18

ومن هنا كان توثيق هذه الطبقة الكريمة طبقة الصحابة ، يعتبر دفاعاً عن الكتاب، والسنة، وأصول الإسلام من ناحية، ويعتبر إنصافاً أدبياً لمن يستحقونه من ناحية ثانية، ويعتبر تقديراً لحكمة الله البالغة فى اختيارهم لهذه المهمة العظمى من ناحية ثالثة
كما أن تَوْهِينهم والنيل منهم، يعد غمزاً فى هذا الاختيار الحكيم، ولمزاً فى ذلك الاصطفاء والتكريم، فوق ما فيه من هدم الكتاب، والسنة، والدين”(1) أهـ
ثالثاً : دلالة إجماع الأمة على عدالة الصحابة – رضي الله عنهم – :
… أجمعت الأمة – إلا من شذ ممن لا يعتد بخلافهم(2) على ما سبق من تعديل الله – عز وجل – ورسوله – صلى الله عليه وسلم – للصحابة أجمع ، والنقول فى هذا الإجماع كثيرة عن علماء الأمة ، من المحدثين، والفقهاء، والأصوليين
… يقول الخطيب البغدادى : “إنه لو لم يرد من الله – عز وجل – ورسوله فيهم شئ مما ذكرناه، لأوجبت الحال التى كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، والنصرة، وبذل المهج، والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة فى الدين، وقوة الإيمان واليقين : القطع على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين، الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء”(3)
… وقال ابن الصلاح : ” للصحابة بأسرهم خصيصة ، وهى أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب، والسنة، وإجماع من يعتد به فى الإجماع من الأمة”(4)
__________
(1) مناهل العرفان فى علوم القرآن 1/336 – 337
(2) راجع أقوالهم فى : تدريب الراوى 2/214، وفواتح الرحموت 2/155 – 156، والبحر المحيط 4/299، 3، وإرشاد الفحول 1/274 – 278
(3) الكفاية ص 96
(4) علوم الحديث ص 176

… وقال العراقى : “إن جميع الأمة مجمعة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم وأما من لابس الفتن منهم وذلك حين مقتل عثمان – رضي الله عنه – فأجمع من يعتد به أيضاً فى الإجماع على تعديلهم إحساناً للظن بهم، وحملاً لهم فى ذلك على الاجتهاد ” (1)
… وقال الإمام الغزالى : “والذى عليه سلف الأمة ، وجماهير الخلق ، أن عدالتهم معلومة بتعديل الله – عز وجل – إياهم وثنائه عليهم فى كتابه، فهو معتقدنا فيهم ، إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك مما لا يثبت فلا حاجة لهم إلى التعديل – ثم ذكر بعض ما دل على عدالتهم من كتاب الله – عز وجل – وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ثم قال : فأى تعديل أصح من تعديل علام الغيوب – سبحانه – وتعديل رسوله – صلى الله عليه وسلم – كيف ولو لم يرد الثناء لكان فيما اشتهر وتواتر من حالهم فى الهجرة، والجهاد، وبذل المهج، والأموال، وقتل الآباء والأهل، فى موالاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ونصرته، كفاية فى القطع بعدالتهم”(2)
… فهذه النقول المباركة للإجماع من هؤلاء الأئمة وغيرها كثير كلها فيها بيان واضح، ودليل قاطع على أن ثبوت عدالة الصحابة عموماً بلا استثناء، أمر مفروغ منه ، ومسلم به
فلا يبقى لأحد شك ،ولا ارتياب بعد تعديل الله – عز وجل – ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وإجماع الأمة على ذلك(3)

__________
(1) شرح ألفية العراقى المسماة بالتبصرة والتذكرة للعراقى 3/13، 14
(2) المستصفى 1/164، وينظر : الإحكام للآمدى 2/81، 82، والبحر المحيط للزركشى 4/299
(3) ينظر : المكانة العلمية لعبد الرزاق الصنعانى فى الحديث النبوى لفضيلة الأستاذ الدكتور إسماعيل الدفتار 1/291 مبحث (لا يستثنى فى ثبوت العدالة أحد من الصحابة)، وينظر : توضيح الأفكار 2/47، 471 .

“وإذا تقرر لك عدالة جميع من ثبتت له الصحبة ، علمت أنه إذا قال الراوى عن رجل من الصحابة، ولم يسمه كان ذلك حجة، ولا يضر الجهالة، لثبوت عدالتهم على العموم”(1)
… قال الإمام الجوينى : “ولعل السبب فى قبولهم من غير بحث عن أحوالهم ، والسبب الذى أتاح الله الإجماع لأجله، أن الصحابة هم نقلة الشريعة، ولو ثبت توقف فى رواياتهم، لانحصرت الشريعة على عصر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولما استرسلت على سائر الأعصار” (2)
أولئك آبائى فجئنى بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع
غمرهم الله برحمته ورضوانه … آمين
__________
(1) إرشاد الفحول للشوكانى 1/278، وينظر : فتح المغيث للسخاوى 3/97
(2) البرهان فى أصول الفقه 1/242، وينظر : إرشاد الفحول 1/275

المبحث الرابع
شبهات حول عدالة الصحابة
والرد عليها
ويشتمل على مطلبين :
المطلب الأول : شبهاتهم من القرآن الكريم والرد عليها .
المطلب الثانى : شبهاتهم من السنة النبوية والرد عليها .
المطلب الأول
شبهاتهم من القرآن الكريم والرد عليها
إن لأهل الزيغ والإلحاد قديماً وحديثاً ؛ شبهات كثيرة , يطعنون بها فى عدالة الصحابة ، وأساس تلك الشبهات الرافضة ؛ الذين فاقوا اليهود والنصارى فى خصلتين كما قال الشعبى(1) – رحمه الله تعالى – فيما رواه عنه ابن الجوزى فى الموضوعات قال : “… فضلت الرافضة على اليهود والنصارى بخصلتينسئلت اليهود من خير أهل ملتكم ؟ قالوا أصحاب موسى-عليه السلام – وسئلت النصارى فقالوا أصحاب عيسى- عليه السلام – ، وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم ؟ فقالوا حوارى محمد ، وأمروا بالإستغفار لهم فسبوهم ” (2)
… فمن مطاعنهم فى عدالة الصحابة : ما استدلوا به من :
__________
(1) هو : عامر بن شراحيل بن عبد ذى كبار، الشعبى الحميرى ، أبو عمرو ، علامة التابعي ن، كان إماماً حافظاً يضرب المثل بحفظه ، روى عن على ، وأبى هريرة ، وعائشة ، وابن عمر , وغيرهم مات سنة 13هـ له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1/461 رقم 313، والكاشف 1/522 رقم 2531، والثقات للعجلى ص243 رقم 751، ووفيات الأعيان 3/12-16 رقم 317
(2) الموضوعات 1/339

1- قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا } (1) وقالوا نزلت فى أكثر الصحابة الذين انفضوا عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى العير التى جاءت من الشام، وتركوه وحده فى خطبة الجمعة، وتوجهوا إلى اللهو، واشتغلوا بالتجارة، وذلك دليل على عدم الديانة (2)
2- واستدلوا أيضاً بما ورد فى القرآن الكريم من آيات تتحدث عن النفاق والمنافقين، وحملوها على أتقى خلق الله ، وأطهرهم (رضوان الله عليهم أجمعين) كقوله تعالى : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } (3)
وأيدوا ذلك بما جاء فى السنة المطهرة من أحاديث يطلق فيها لفظ الصحابة على المنافقين
__________
(1) الآية 11 من سورة الجمعة
(2) مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 271 -272، وينظر : الصافى فى تفسير القرآن للكاشانى 2/71، وتفسير القمى لعلى بن إبراهيم القمى 2/367، ومجمع البيان للطبرسى 5/287، 288، وتفسير فرات الكوفى لفرات بن إبراهيم ص 185، وأعيان الشيعة لمحسن الأمين 1/114، وأضواء على السنة لمحمود أبو رية ص 359، وركبت السفينة لمروان خليفات ص 223، والإفصاح فى إمامة على بن أبى طالب لمحمد بن النعمان العكبرى ص 37
(3) الآية 11 من سورة التوبة

مثل حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : “أتى رَجُلٌ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بِالجِعْرَانَة مُنْصَرَفَهُ من حُنين وفى ثوب بلال – رضي الله عنه – فِضَةٌ ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقبض منها يعطى الناس فقال: يا محمد ُ! اعْدِلْ قال : ” ويلك ومن يَعْدِلُ إذا لم أَكُنْ اَعْدِلُ؟ لقد خِبْتُ وَخَسِرْتُ إن لم أكن أعدِل ُ” فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – دعنى يا رسول الله فأقُتل هذا المنافق فقال : “مَعَاذ الله ! أَنْ يتحدث الناس أَنى أَقْتُلُ أَصْحَاِبى إِنَّ هذا وأصحابَهُ يقرأون القرآنّ لا يُجاوزُ حَنَاجِرَهُم يَمرُقُونَ منه كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيِة ” (1)
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الزكاة باب ذكر الخوارج وصفاتهم 4/17، 171 رقم 163.

وينظر : الفصول المهمة فى تأليف الأمة لعبد الحسين الموسوى ص 23، والصحابة فى نظر الشيعة الإماميةلأسد حيدر ص 31 – 32، ومقدمة مرآة العقول فى شرح أخبار آل الرسول لمرتضى العسكرى 1/8، ومعالم المدرستين له أيضاً المجلد 1/13، وأضواء على السنة محمود أبو رية ص 354، 356، والحسبة ص 6 وما بعدها، ولماذا القرآن ص 82 – 84 كلاهما لأحمد صبحى منصور، وانظر : له أيضا مقاله (الصحابة بين القداسة والتكفير) مجلة روزاليوسف العدد 3564 ص 22–24، والنص والاجتهاد لعبد الحسين شرف الدين ص335، 336، وركبت السفينة لمروان خليفات ص 219 – 223، ومساحة للحوار لأحمد حسين يعقوب ص 131، 169، 171، ونظرية عدالة الصحابة له أيضاً ص 39،وأهل السنة شعب الله المختار لصالح الوردانى ص 37، 12، ومع الدكتور موسى الموسوى فى كتابه الشيعة والتصحيح للدكتور علاء الدين القزوينى ص 151، 153، والإفصاح فى إمامة على للشيخ محمد العكبرى ص 37، 39، والخلافة المغتصبة لإدريس الحسينى ص 45، 91، والشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجانى ص285
3- واستدلوا أيضاً بقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } (1)
وقوله تعالى : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } (2)
وقالوا : الفرار من الزحف من أكبر الكبائر(3)
ويجاب عما سبق بمايلى :
أولاً : قصة انفضاض أكثر الصحابة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى العير القادمة من الشام ، وتركهم خطبة الجمعة ، إنما وقع ذلك فى بدء زمن الهجرة ، ولم يكونوا إذ ذاك واقفين على الآداب الشرعية كما ينبغى ، كما أن كبار الصحابة كأبى بكر وعمر كانوا قائمين عنده، كما ثبت ذلك فى الأحاديث الصحيحة
__________
(1) الآية 155 من سورة آل عمران
(2) الآية 25 من سورة التوبة
(3) مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 273

وينظر : تفسير الصافى للكاشانى 1/691، وتفسير القمى لعلى إبراهيم القمى 1/287، والميزان فى تفسير القرآن محمد حسين الطباطبائى 9/226، وركبت السفينة لمروان خليفات ص23،والإفصاح فى إمامة على بن أبى طالب لمحمد بن النعمان العكبرى ص 36، 41، ولقد شيعنى الحسين لإدريس الحسينى ص 35
فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : بينما النبى – صلى الله عليه وسلم – يخطب يوم الجمعة قائماً إذ قدمت عير المدينة ، فابتدرها(1) أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى لم يبق منهم إلا اثنى عشر رجلاً فيهم أبو بكر وعمر – رضي الله عنهم – ونزلت الآية : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا } (2)،
ولذا لم يشنع عليهم ، ولم يتوعدهم سبحانه وتعالى بعذاب ولم يعاتبم الرسول – صلى الله عليه وسلم – أيضاً ” (3)
__________
(1) ابتدرها : أى أسرعوا إليها لسان العرب 4/48
(2) الآية 11 من سورة الجمعة، والحديث أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجمعة، باب فى قوله تعالى : “وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا” 3/415 رقم863 , والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب تفسير “وإذا رأوا تجارة أو لهواً ” 8/511 رقم 4899.
(3) مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 272 بتصرف .

وينظر : روح المعانى للألوسى 28/17
ورد آخر على هذه القصة وهو : أنه ورد فى بعض الأخبار أنها وقعت لما كان النبى – صلى الله عليه وسلم – يقدم الصلاة على الخطبة يوم الجمعة ، وانفضاضهم وقع فى الخطبة ، وليس فى الصلاة كما هو الظاهر من بعض الروايات ، والتى ركز عليها بعض الرافضة ، كمحمود أبو رية(1)،
ومروان خليفات(2) ، وغيرهم
… ويدل على أن الإنفضاض كان فى الخطبة ما جاء فى رواية مسلم السابقة : بينما النبى – صلى الله عليه وسلم – يخطب يوم الجمعة قائماً
__________
(1) كاتب مصرى كان منتسباً إلى الأزهر فى صدر شبابه، فلما انتقل إلى مرحلة الثانوية الأزهرية أعياه أن ينجح فيها، اكثر من مرة ، فعمل مصححاً للأخطاء المطبعية بجريدة فى بلده، ثم موظفاً فى دائرة البلدية حتى أحيل إلى التقاعد، من مصنفاته التى طعن فيها فى السنة المطهرة والسيرة الواردة فيها. أضواء على السنة، وقصة الحديث المحمدى، وشيخ المضيرة (أبو هريرة) ينظر : السنة ومكانتها فى التشريع للدكتور السباعى ص466 وينظر استدلاله بهذه الشبهة فى كتابه أضواء على السنة ص 359
(2) كاتب سورى معاصر حصل على العالية (الليسانس) من كلية الشريعة بسوريا، تشيع وغالي في
تشيعه من مؤلفاته : وركبت السفينةوينظر استدلاله بهذه الشبهة فى كتابه وركبت السفينة ص 223
يقول الحافظ ابن حجر : “ترجيح كون الإنفضاض وقع فى الخطبة لا فى الصلاة ، هو اللائق بالصحابة تحسيناً للظن بهم ، وعلى تقدير أن يكون فى الصلاة حمل على أن ذلك وقع قبل النهى كآية { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } (1) وقبل النهى عن الفعل الكثير فى الصلاة ونزول قوله تعالى : { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } (2)
ويؤيد ذلك : ما رواه أبو داود فى المراسيل أن هذه القصة كانت لما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصلى الجمعة قبل الخطبة ، مثل العيدين ، فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس فى ترك الجمعة شئ ، فأنزل الله – عز وجل – : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا }
فقدم النبى – صلى الله عليه وسلم – الخطبة يوم الجمعة , وأخر الصلاة . (3)
وهو ما رجحه أيضاً النووى فى شرحه على مسلم (4)
وعلى كل تقدير أنه فى الصلاة ، فلم يكن تقدم لهم نهى عن ذلك ، فلما نزلت آية الجمعة ، وفهموا منها ذم ذلك ، اجتنبوه ” (5)
__________
(1) الآية 33 من سورة محمد
(2) الآية 2 من سورة المؤمنون وانظر : فتح البارى 2/493 رقم 936 بتصرف يسير
(3) المراسيل ص 5 رقم 61
(4) المنهاج شرح مسلم 3/416، 417 رقم 863، وينظر : تفسير القرآن العظيم 4/367
(5) ينظر : فتح البارى 2/493 رقم 936

… يقول الألوسى (1) : ” ورواية أن ذلك وقع منهم مراراً” إن أريد بها رواية البيهقى فى شعب الإيمان(2) عن مُقَاتِل بن حيان(3) أنه قال : بلغنى والله أعلم أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات، فمثل ذلك لا يلتفت إليه، ولا يعول عند المحدثين عليه، وإن أريد بها غيرها فليبين، ولتثبت صحته، وأنى بذلك؟
وبالجملة : الطعن فى الصحابة بهذه القصة التى كانت من بعضهم فى أوائل أمرهم، وقد أعقبها منهم عبادات لا تحصى، سفه ظاهر، وجهل وافر ” (4)
ثانياً : أما نسبة النفاق إلى خيار هذه الأمة بدعوى أنه كان فى المدينة منافقين، وأن النبى – صلى الله عليه وسلم – أطلق لفظ الصحابة عليهم : “معاذ الله! أن يتحدث الناس أنى أقتل أصحابى ”
هذه الشبهة فى وهن بيت العنكبوت ، وهى فرية واضحة لا تثبت لها قدم
__________
(1) هو : محمود شكرى بن عبد الله بن شهاب الدين، محمود الألوسى، الحسينى، أبو المعالى، عالم بالأدب, والدين، والتاريخ، ومن الدعاة إلى الإصلاح، من مصنفاته : روح المعانى، ومختصر التحفة الإثنى عشرية ، مات بغداد سنة 1342هـ ، له ترجمة فى الأعلام للزركلى 7/172،173 .
(2) الرواية أوردها السيوطى فى الدر المنثور : 8/166، ولم يعزها لغيره
(3) هو:مقاتل بن حَيَّان النَّبَطىُّ، أبو بسطام البَلْخِىُّ، صدوق فاضل، اخطأ الأزدى فى زعمه أن وكيعاً كذبه، إنما كذب مقاتل بن سليمان مات قبيل الخمسين بأرض الهند له ترجمة فى : تقريب التهذيب 2/21 رقم6891، وتذكرة الحفاظ 1/174 رقم 168، وطبقات المفسرين للداودى 2/329، وخلاصة تهذيب الكمال ص 33، ولسان الميزان 9/198 رقم 14548
(4) روح المعانى للألوسى 28/17

أولاً : لأن إطلاق لفظ الصحابة على المنافق كما جاء فى الحديث هذا الإطلاق لغوى، وليس اصطلاحى نظير قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ } (1) وقوله تعالى : { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } (2) فإضافة صحبة النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى المشركين والكافرين إنما هى صحبة الزمان والمكان لا صحبة الإيمان، وذلك كقوله تعالى فى حق سيدنا يوسف – عليه السلام – : { يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } (3)
فالصحبة فى الحديث الشريف، بمعناها اللغوى كما فى الآيات السابقة، وليست الصحبة الاصطلاحية، فتعريفها السابق يخرج المنافقين والمرتدين
__________
(1) الآية 184 من سورة الأعراف
(2) الآية 2 من سورة النجم، وفى هذه الآية وما فى معناها بطلان لسؤال الرافضى مروان خليفات ومن قال بقوله قال : قال تعالى “وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ” الآية 11 من سورة التوبة، قال : فنصت الآية على أن هناك منافقين لا يعلمهم إلا الله فمن هم حتى نتجنب أخذ الأحاديث عنهم” أهـ ينظر : وركبت السفينة ص 23، 231، ونسى خليفات على فرض التسليم بزعمه، ما أفاض فيه رب العزة من ذكر أوصافهم فى سورة التوبة، وغيرها من سائر سور القرآن، كما تناسى وعد الله المذكور فى ختام الآية، وهو فضحهم فى الدنيا، ولهم فى الآخرة عذاب عظيم : “نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ” وإلا فالخطاب للنبى – صلى الله عليه وسلم – كان فى بدء الأمر ثم أعلمه رب العزة بأسمائهم، فضلاً عما= =ذكر فى القرآن من صفاتهم، ويؤكد هذا أخبار النبى – صلى الله عليه وسلم – لحذيفة بن اليمان – رضي الله عنهم – بأسمائهم، وسيأتى قريباً ذكر الحديث
(3) الآية 39 من سورة يوسف

ثم كيف يكون المنافقون من الصحابة بالمعنى الإصطلاحى وقد نفاه عنهم رب العزة بقوله : { وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } (1)
ثم إن المنافقين لم يكونوا مجهولين فى مجتمع الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – ولم يكونوا هم السواد الأعظم، والجمهور الغالب فيهم، وإنما كانوا فئة معلومة آل أمرهم إلى الخزى والفضيحة، حيث علم بعضهم بعينه، والبعض الآخر منهم علم بأوصافه، فقد ذكر الله فى كتابه العزيز من أوصافهم ، وخصوصاً فى سورة التوبة ، ما جعل منهم طائفة متميزة منبوذة، لا يخفى أمرها على أحد، كما لا يخفى على أحد حالهم فى زماننا
فأين هذه الفئة المنافقة ممن أثبت الله لهم فى كتابه نقيض صفات المنافقين، حيث أخبر عن رضاه عنهم، من فوق سبع سماوات، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس”(2)
ويدل على ما سبق من قلة المنافقين فى المجتمع الإسلامى، وأنهم فئة معلومة تكفل رب العزة بفضحهم فى الدنيا ، ولهم فى الآخرة عذاب عظيم
__________
(1) الآية 56 من سورة التوبة
(2) ينظر : عقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة للدكتور ناصر الشيخ 3/963

ما رواه حذيفة بن اليمان(1) – رضي الله عنه – صاحب سر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فى المنافقين قال : قال النبى – صلى الله عليه وسلم – فى أمتى – وفى رواية – فى أصحابى إثنا عشر منافقاً فيهم ثمانيةٌ لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها حتى يَلِجَ الجَمَلُ فى سم الخياط ثَمانيةٌ منهم تَكْفِيكُهُمُ الدُّبِيْلَةُ، سِرَاجٌ من النارِ، يظهرُ فى أكتافِهِم حتى يَنْجُمَ من صُدَورِهِم”(2)
وعن ابن عباس (3) – رضى الله عنهما- قال : كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فى ظل حجرةٍ من حجره ، وعنده نفرٌ من المسلمين قد كان يقلصُ عنها الظل ، قال : سيأتيكم رجل ينظر إليكم بعين شيطان فلا تكلموه، فدخل رجل أزرق، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ما تسبُنى أنت وفلانٌ وفلان ، لقوم دعا بأسمائهم، فانطلق إليهم فدعاهم فحلفوا واعتذروا فأنزل الله – عز وجل – { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ } (4)
__________
(1) له ترجمة فى:الإستيعاب1/334 رقم 492، وأسد الغابة 1/76 رقم 1113، والإصابة 1/317 رقم 1652، وتاريخ الصحابة 73 رقم 267، ومشاهير علماء الأمصار ص55 رقم 267
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب صفات المنافقين 9/136، 137 رقم 2779
(3) هو : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، صحابى جليل له ترجمة فى : الإستيعاب 3/933 رقم 166، أسد الغابة 3/291 رقم 337، وتاريخ الصحابة ص 148 رقم 717، ومشاهير علماء الأمصار ص 15 رقم 17، وتذكرة الحفاظ 1/4 رقم 18
(4) الآية 18 من سورة المجادلة، والحديث أخرجه أخرجه البيهقى فى دلائل النبوة 5/282، 283 والحاكم فى المستدرك كتاب التفسير، باب تفسير سورة المجادلة 2/524 رقم 3795، وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وسكت عنه الذهبى .

… أما ما استدل به محمود أبو رية من قول “أُسَيْدُ بن حُضَيْر، لسعدُ بنُ عبادةُ إنك منافق تجادل عن المنافقين” وقوله فهؤلاء البدريون منهم من قال لآخر منهم : “إنك منافق ولم يكفر النبى لا هذا ولا ذاك”(1)
هذا الذى يزعمه الرافضى محمود أبو ريه من فرط جهله ، وتضليله وبتره لسبب ذلك القول
وهو كما جاء فى الصحيحين فى قصة الإفك لما قال – صلى الله عليه وسلم – وهوعلى المنبر : “يا معشر المسلمين من يعذرنى من رجل قد بلغ أذاه فى أهل بيتى فوالله ما علمت على أهلى إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلى إلا معى” فقام سعد بن معاذ الأنصارى فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك . قالت عائشة – رضى الله عنها – فقام سعد بن عبادة(2)، وهو سيد الخزرج ، وكان رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله ! لا تقتله ، ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير(3) ، وهو ابن عم
__________
(1) أضواء على السنة ص 359
(2) سعد بن عبادة صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/3 رقم 3173، والإستيعاب 2/594 رقم 944، وأسد الغابة 2/441 رقم 212، ومشاهير علماء الأمصار 15 رقم 2
(3) أسٍيد بن حضير صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 1/49 رقم 185، وتاريخ الصحابة ص3 رقم 25، ومشاهير علماء الأمصار ص2 رقم 36، والإستيعاب 1/92 رقم 54، و أسد الغابة 1/24 رقم 17

سعد بن معاذ ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله ! لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين … ” (1)
فكما هو واضح من قصة الحديث أن قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة “فإنك منافق” وقع منه على جهة المبالغة ، فى زجره عن القول الذى قاله حمية للخزرج ، ومجادلته عن ابن أُبى، وغيره
ولم يرد أُسيدُ بإطلاقه “فإنك منافق” لم يرد به نفاق الكفر، وإنما أراد أنه كان يظهر المودة للأوس، ثم ظهر منه فى هذه القصة، ضد ذلك فأشبه حال المنافق، لأن حقيقته إظهار شئ وإخفاء غيره
ولعل هذا هو السبب فى ترك إنكار النبى – صلى الله عليه وسلم -(2) وهو أقوى دليل على الخصم
… ومع كل هذا فقد تقرر أن العدالة لا تعنى العصمة من الذنوب ، أو السهو، أو الخطأ، ومن فضل الله عليهم – رضي الله عنهم – أن وعدهم بالمغفرة ، ولا سيما أهل بدر، وهم من أهلها .
__________
(1) جزء من حديث طويل أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب “لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً … إلى قوله هم الكاذبون” 8/36-38= =رقم 475 ومسلم (بشرح النووى) كتاب التوبة، باب فى حديث الإفك وقبول توبة القاذف 9/115، 118 رقم 277
(2) فتح البارى 8/33 رقم 475 بتصرف، وينظر : منهاج السنة لابن تيمية 3/192

فعن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كتب حاطب بن أبى بلتعه إلى أهل مكة فأطلع الله تعالى عليه نبيه – صلى الله عليه وسلم – فبعث علياً والزبير فى أثر الكتاب فأدركا امراة على بعير فاستخرجاه من قرن من قرونها، فأتيا به نبى الله – صلى الله عليه وسلم – فقرئ عليه ، فأرسل إلى حاطب فقال “يا حاطب إنك كتبت هذا الكتاب ؟ ” قال نعم : يا رسول الله ! قال : “فما حملك على ذلك”؟ قال : يا رسول الله ! إنى والله لناصح لله – عز وجل – ، ولرسوله – صلى الله عليه وسلم -، ولكنى كنت غريباً فى أهل مكة وكان أهلى بين ظهرانيهم ، فخشيت عليهم ، فكتبت كتاباً لا يضر الله ورسوله شيئاً ، وعسى أن يكون فيه منفعة لأهلى قال عمر : فاخترطت سيفى وقلت : يا رسول الله أمكنى منه فإنه قد كفر فأضرب عنقه فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : “يا ابن الخطاب وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل هذه العصابة من أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فإنى قد غفرت لكم ” (1) أهـ
ثالثاً : أما ما استدلوا به من فرار بعض الصحابة يوم الزحف فى غزوتى أحد وحنين، ما استدلوا به حجة عليهم
ففى عتاب الفرار يوم أحد قال – عز وجل – : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } ثم ختم العتاب بقوله تعالى : { وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } (2)
ولا تعيير بعد عفو الله تعالى عن الجميع(3) ”
__________
(1) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أهل بدر 4/87 رقم 6966، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبى
(2) الآية 155 من سورة آل عمران
(3) روح المعانى للألوسى 4/99، وينظر : مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 273

وفى عتاب الفرار يوم حنين قال – عز وجل – : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } ثم يمتن رب العزة عليهم بقوله تعالى : { ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ } (1)
وهل تنزل السكينة إلا على قوم مؤمنين؟!! .
نعم تنزل السكينة على قوم مؤمنين ليزدادوا بها إيماناً مع إيمانه ، وصدق رب العزة : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } (2) ويقول – عز وجل – : { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } (3)
وهل بعد تلك الشهادات العلا لهم بالإيمان والتقوى من تعيير؟!!
اللهم إنى أعوذ بك من الخذلان وسوء العاقبة … آمين .
المطلب الثانى
شبهاتهم من السنة النبوية والرد عليها
__________
(1) الآية 26 من سورة التوبة
(2) الآية 4 من سورة الفتح
(3) الآية 26 من سورة الفتح

بعد أن تحايل أهل الزيغ من الرافضة وأذيالهم , على بعض آيات من القرآن الكريم , ليحوروا معانيها، ويستدلوا بهذا التحوير على عدم عدالة الصحابة , وتكفيرهم ، نجدهم هنا باسم السنة النبوية , ونصوصها يستشهدون بها أيضًا على عدم عدالتهم ، وهكذا عكس المشاغبون القضية ، ونظروا في السنة النبوية المطهرة ، فما وافق دعواهم منها قبلوه ، واعترضوا به على منازعيهم , وما احتجوا به لا حجة لهم فيه ؛ لأن ما استشهدوا به إما أحاديث مكذوبة ، وضعيفة ، وإما صحيحة مع ضعف دلالتها على ما احتجوا به .
وإليك ما استشهدوا به والجواب عنه .
1- استدلوا من السنة المطهرة : بقوله – صلى الله عليه وسلم – : “… ألا وإنه سَيْجَاءُ برجالٍ من أمتى فيؤخذُ بِهمْ ذات الشمال، فأقول : يا ربِّ أُصيحَابى، فيقال : إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح : { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } (1) فيقال : إن هؤلاء لا يَزَالوا مُرْتَدِّينَ على أعقابِهِم منذ فَارَقْتَهُم”(2)
__________
(1) جزء من الآية 117 من سورة المائدة
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب قوله تعالى : “وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ” 8/135 رقم 4625 .

ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة 9/21 رقم 286 من حديث ابن عباس – رضي الله عنه – وينظر : مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 272، وشبهات حول الشيعة لعباس الموسوى ص 115، 116، ثم اهتديت لمحمد التيجانى ص 119، 12، وأعيان الشيعة لمحسن الأمين 1/117، ومعالم المدرستين : لمرتضى العسكرى المجلد 1/132، والنص والاجتهاد لعبد الحسين شرف الدين ص 337، وركبت السفينة 224 – 228، ونظرية عدالة الصحابة ص 53-54، والخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة 98، ومع الدكتور موسى الموسوى للدكتور علاء الدين القزوينى ص 152، 153 – 159، والإفصاح فى إمامة على بن أبى طالب ص 3، 31، والخلافة المغتصبة ص 193، ولقد شيعنى الحسين ص349، وأضواء على السنة ص354-356، وأهل السنة شعب الله المختار ص 37
2- واستدلوا بقوله – صلى الله عليه وسلم – : “لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض “(1) وقالوا : تقاتل الصحابة فى صفين والجمل (2)
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الفتن، باب قول النبى – صلى الله عليه وسلم – لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض 13/29 رقم 78، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان معنى قول النبى – صلى الله عليه وسلم – لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض 1/332 رقم 65 من حديث جرير بن عبد الله – رضي الله عنه –
(2) أضواء على السنة ص 354، وينظر : نظرية عدالة الصحابة لأحمد حسين يعقوب ص 53، والخلافة المغتصبة لإدريس الحسينى ص93، والفتنة الكبرى (عثمان) لطه حسين ص17-173، دين السلطان لنيازى عز الدين ص 34، 13، 11، 124، 795، والسلطة فى الإسلام لعبدالجواد ياسين ص 241، 26، 267، والصلاة لمحمد نجيب 32 – 37، وحوار ومناقشة كتاب عائشة لهشام آل قطيط ص312 وغيرهم

3- واستدلوا بماروى عن بُرَيْدَة – رضي الله عنه -(1) قال: جاء رجل إلى قوم فى جانب المدينة فقال : إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمرنى أن أحكم برأيى فيكم، فى كذا وكذا وقد كان خطب امرأة منهم فى الجاهلية، فأبوا أن يزوجوه، فبعث القوم إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – يسألونه، فقال : “كذب عدو الله” ثم أرسل رجلاً فقال : “إن أنت وجدته ميتاً فأحرقه” فوجده قد لدغ فمات، فحرقه، فعند ذلك قال النبى – صلى الله عليه وسلم – : “من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار”(2)
__________
(1) بُرَيْدَةُ هو : بُرَيْدَةُ بن الحُصَيْب، صحابى جليل له ترجمة فى : الإستيعاب 1/185 رقم 217، ومشاهير علماء الأمصار ص 78 رقم 414، أسد الغابة 1/367رقم 398.
(2) أخرجه ابن عدى فى الكامل 4/1371، ونقله عنه ابن الجوزى فى مقدمة كتابة (الموضوعات) 1/55، 56 من حديث بريدة – رضي الله عنه -، وفى إسناده بروايته عند ابن عدى ، وروايتيه عند ابن الجوزى (صالح بن حيان القرشى) اتفقت كلمة المحدثين النقاد على تضعيفه وجرحه ، كما تراه فى ترجمته فى : تهذيب التهذيب 4/386، وتقريب التهذيب 1/427 رقم 2862، والجرح والتعديل 4/398 رقم 1739، والمجروحين لابن حبان 1/365، والضعفاء والمتروكين للنسائى ص135 رقم 311، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص 17 وترجم له الحافظ الذهبى فى الميزان 2/292 فذكر من منكراته هذا الحديث نفسه ، وقال : رواه كله صاحب (الصارم المسلول) ص 169 من طريق البغوى عن يحيى الحمانى عن على بن مسهر وصححه، ولم يصح بوجه والحديث أخرجه الطبرانى فى الأوسط 3/59 عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنه -، وفى إسناده عطاء بن السائب الكوفى وقد اختلط كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 1/145، وقد نص الطبرانى أن هذا الحديث لم يروه عن عطاء إلا وهيب بن خالد ، وقد ذكر أبو داود أنه سمع منه بعد اختلاطه ينظر : نهاية الاغتباط ص241 رقم 71، وفى تهذيب التهذيب 7/23 رقم 385 رواية وهيب عنه فى جملة ما يدخل فى الإختلاط، هذا وقد تتبع الأستاذ عبدالفتاح أبو غدة هذا الحديث برواياته المتعددة فى كتابه “لمحات من تاريخ السنة” تحت عنوان “بطلان الأحاديث الدالة على وجود الكذب على النبى – صلى الله عليه وسلم – فى حياته ص 56 – 65، وقال : وأما الحديث الذى جاء فى سبب ورود حديث “من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار”، فهو حديث منكر لا يصح الإلتفات إليه ولا التعويل عليه، ينظر: لمحات من تاريخ السنة ص 56.

… واستدل آخرون بالطعن فى عدالة الصحابة بما تمليه عليهم عقولهم الضالة من فهم أعوج لسيرة الصحابة ، وتاريخهم المجيد ، كما فعل مفتى الماركسية خليل عبد الكريم(1) فى كتابه “مجتمع يثرب العلاقة بين الرجل والمرأة فى العهدين المحمدى والخليفى” فقد صور مجتمع المدينة المنورة بقيادة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وخلفائه الراشدين ، وصحابته الأطهار، تصويراً شائناً قبيحاً، وجعله أشبه بمجتمع الحيوانات التى لا هم لها إلا إشباع الغرائز الجنسية بأى شكل ، وبغير ضابط من دين أو خلق ، غير مكترثين بالنصوص الدينية التى تمنعهم من هذا الهبوط “( (2)
__________
(1) خليل عبد الكريم : كاتب مصرى معاصر، حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة فؤاد الأول – جامعة القاهرة حالياً أطلق عليه “مفتى الماركسية” أونة، “والشيوعى الملتحى” آونة أخرى ينظر: السنة ودورها فى الفقه الجديد لجمال البنا ص 163
(2) ينظر : مجلة الأزهر مقال ” لا تسبوا أصحاب ى” لفضيلة الشيخ عبد المقصود عسكر عدد ربيع الأول 1418هـ – يوليه 1997 ص 384

كما أصدر كتاباً آخر بعنوان ” شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة ” وهو من ثلاثة أسفار، الأول بعنوان ” محمد والصحابة ” والثانى ” الصحابة والصحابة ” والثالث ” الصحابة والمجتمع ” تناول فيها المؤلف تاريخ الصحابة ، وسيرتهم بأسلوب فج قبيح ينبئ عن سوء فهمه ، وجهله ، وحقده الدفين ، ضد صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وكذلك فعل سعيد العشماوى(1) وغيرهم(2) .
ويجاب عما سبق بمايلى :
أولاًً : أما استدلالهم بحديث الحوض ، وما جاء فيه من وصف الصحابة بالردة فهذا من زندقة الرافضة ، ومن تلبيسهم ، وتضليلهم
فإن المراد بالأصحاب هنا ليس المعنى الإصطلاحى عند علماء المسلمين ، بل المراد بهم مطلق المؤمنين بالنبى – صلى الله عليه وسلم – المتبعين لشريعته ، وهذا كما يقال لمقلدى أبى حنيفة أصحاب أبى حنيفة ، ولمقلدى الشافعى أصحاب الشافعى وهكذا ، وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع .
وكذا يقول الرجل للماضين , الموافقين له فى المذهب : ” أصحابنا ” مع أن بينه وبينهم عدة من السنين ، ومعرفته – صلى الله عليه وسلم – لهم مع عدم رؤيتهم فى الدنيا ؛ بسبب أمارات تلوح عليهم يعرفها النبى – صلى الله عليه وسلم –
__________
(1) ينظر : له الخلافة الإسلامية ، وأصول الشريعة ، وحصاد العقل وغير ذلك
(2) سيأتى ذكر من طعن فى الصحابة باتهامهم بالكذب قريباًً و ينظر فيمن طعن فى عدالة الصحابة بحجة أنهم بشر لا عصمة لهم نقد الحديث فى علم الرواية والدراية لحسين الحاج 1/35، 351، وإنذار من السماء ص 39 ، 69 ، 127 ،154، وتبصير الأمة بحقيقة السنة ص396-426، والدولة والمجتمع محمد شحرور 16 وما بعدها ، والإمام الشافعى لنصر أبو زيد ص55،56، 76، والأصلان العظيمان ص 284 – 288 , والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 24 – 28، 3، 65، 85، 261

فعن حذيفة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم – : ” إن حوضى لأبعد من أَيَلَةَ مِن عَدَنٍ(1)، والذى نفسى بيده ! إنى لأزودُ عنه الرجال كما يَزُودُ الرجلُ الإبلَ الغريبةَ عن حوضه “، قالوا: يا رسول الله ! أو تعرفنا ؟ قال : ” نعم تَرِدُون علىَّ غُرًّا مُحَجَّلينَ من آثار الوضوء ليست لأَحدٍ غَيْرِكُم ” (2)

ولو افترضنا أن المراد بالأصحاب فى الحديث ، الأصحاب فى زمنه – صلى الله عليه وسلم –
فالمراد بهم : الذين صاحبوه صحبة الزمان والمكان مع نفاقهم ، كما سبق من قوله تعالى : { ما ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } (3)
وعلى هذا فالمراد بالمرتدين من أصحابه فى الحديث هم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق – رضي الله عنه –
وقد علمت أن التعريف الإصطلاحى للصحابة يخرج من ارتد ومات على ردته – والعياذ بالله –
__________
(1) أيلة : مدينة على ساحل بحر القلزم (البحر الأحمر حالياً) مما يلى الشام معجم البلدان 1/347، وعدن : مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن معجم البلدان 4/1، وبحر الهند يسمى الآن المحيط الهندى
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل فى الوضوء 2/137 رقم 248 وينظر : مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 272
(3) الآية 2 من سورة النجم

وفى الحديث ما يؤيد المعانى السابقة ، كقوله – صلى الله عليه وسلم – “أصيحابى” بالتصغير، كما جاء فى بعض الروايات ، قال الخطابى : “فيه إشارة إلى قلة عدد من وقع لهم ذلك ، وإنما وقع لبعض جفاة الأعراب ، ولم يقع من أحد من الصحابة المشهورين ” (1) وفى قوله – صلى الله عليه وسلم – : “فيقال” : هل شعرت ما عملوا بعدك ” “فيه إشارة إلى أنه لم يعرف أشخاصهم بأعيانها ، وإن كان قد عرف إنهم من هذه الأمة ” (2)
أما حمل الحديث على أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالمعنى الإصطلاحى- فهذا ما لا يقوله مسلم!! وهو ما يدحضه ما سبق ذكره من تعديل الله – عز وجل – ، ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ، وإجماع الأمة على ذلك أهـ
ثانياً : أما ما احتجوا به من حديث ” لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ” والزعم بأن الصحابة استحل بعضهم دماء بعض فى صفين والجمل
… فالحق أن هذه الشبهة من أخطر الشبه ؛ التى احتج بها الرافضة الزنادقة ، وأذيالهم من دعاة العلمانية، الذين اتخذوا من تلك الفتن مادة دسمة ، طعنوا بها فى عدالة الصحابة، وفتنوا بذلك عوام المسلمين ، وممن لا علم له ، بضربهم على (الوتر الحساس) وهو : دعوى ظلم الصحابة – رضي الله عنهم – لآل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فى تلك الفتن ”
__________
(1) ينظر: فتح البارى 8/135،136 رقم 4625، وينظر : تأويل مختلف الحديث ص 213-215
(2) فتح البارى 11/484 رقم 6593 ، ومختصر التحفة الإثنى عشرية ص 273

وهذا ما فعله طه حسين فى كتابه ” الفتنة الكبرى – عثمان بن عفان – رضي الله عنه – ” (1) وقال بقوله محمود أبو رية (2)، وغير واحد من دعاة الرافضة واللادينية (3)
حتى وجدنا من يجهر من الرافضة قائلاً : “معاوية بن أبى سفيان – رضي الله عنه -” – كافر ابن كافر – ولعنة الله على معاوية ، فقد بغى على الحق ، وخرج على طاعة الإمام علىّ ، وشتت شمل المسلمين ، وفرق كلمتهم ، فأساس فرقة المسلمين إلى الآن هو معاوية الذى خرج عن طاعة الإمام على بن أبى طالب – رضي الله عنه -” (4)

والجواب عن هذا الإفك يطول(5)، وهو بحاجة إلى تحقيق دقيق(6) أكتفى هنا بخلاصة القول
وهو أنه لا حجة لهم فى الحديث ، ولا فى الفتن التى وقعت بين سلفنا الصالح – رضوان الله عليهم أجمعين- والتى أشعلها سلفهم من الخوارج ، والرافضة ، والزنادقة
فقوله : “لا ترجعوا بعدى” بصيغة النهى والتحذير من قتال المؤمن
وإطلاق الكفر على قتال المؤمن محمول على معانى متعددة :
__________
(1) ينظر : الفتنة الكبرى ص 17 – 173
(2) ينظر : أضواء على السنة ص 36 – 362
(3) ينظر : دين السلطان لنيازى عز الدين ص 34، 13، 11، 124، 795، والسلطة فى الإسلام لعبد الجواد ياسين ص 26 وما بعدها
(4) قال ذلك الرافضى حسن شحاته (قبحه الله تعالى) ينظر:مجلة روز اليوسف العدد3562 ص35
(5) سيأتى الدفاع عن سيدنا معاوية – رضي الله عنه – فى المبحث السادس : من أراد معاوية – رضي الله عنه – فإنما أراد الصحابة جميعاً – رضي الله عنهم – .
(6) ممن حقق فى تلك الفتن الإمام ابن العربى فى العواصم من القواصم ، وابن تيمية فى منهاج السنة وغيرهما والأمر فى حاجة إلى مزيد من التحقيق والله أعلم

1- مبالغة فى التحذير من ذلك ، لينزجر السامع عن الإقدام عليه وليس ظاهر اللفظ مراداً ، أو أنه على سبيل التشبيه لأن ذلك فعل الكافر ” (1)
والمعنى لا تفعلوا فعل الكفار فتشبهوهم فى حالة قتل بعضهم بعضاً (2)
2- وقيل : المعنى كفاراً بحرمة الدماء ، وحرمة المسلمين ، وحقوق الدين .
3- وقيل : كفاراً بنعمة الله – عز وجل -.
4- وقيل : المراد ستر الحق ، والكفر لغة الستر، لأن حق المسلم على المسلم أن ينصره ويعينه ، فلما قاتله كأنه غطى على حقه الثابت له عليه .
5- وقيل: إن الفعل المذكور يفضى إلى الكفر، لأن من اعتاد الهجوم على كبار المعاصى جره شؤم ذلك إلى أشد منها ؛ فيخشى أن لا يختم له بخاتمة الإسلام .
6- وقيل : اللفظ على ظاهره للمستحل قتال أخيه المسلم
وقيل غير ذلك (3)
… وما جرى بين الصحابة – رضي الله عنهم – من قتال لم يكن عن استحلال له حتى يحمل الحديث على ظاهره وأن قتالهم كفر، كما استدل الخوارج ومن شايعهم بقوله – صلى الله عليه وسلم – : “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر”(4)
__________
(1) ينظر : فتح البارى 13/3 أرقام 776 – 78
(2) ينظر : المصدر السابق 1/262 رقم 121
(3) المصدر نفسه 12/21، 22 رقم 6868، 13/3 أرقام 776 – 78
(4) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الإيمان باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر 1/135 رقم 48

ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان قول النبى- صلى الله عليه وسلم – سباب المسلم فسوق وقتاله كفر 1/33 رقم 64 من حديث ابن مسعود – رضي الله عنه –
كيف والقرآن الكريم يكذبهم فى هذا الفهم السطحى قال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (1)
فسماهم أخوة ، ووصفهم بأنهم مؤمنون ، مع وجود الاقتتال بينهم ، والبغى من بعضهم على بعض
يقول الحافظ ابن كثير(2)
__________
(1) الآيتان 9 ، 1 من سورة الحجرات
(2) هو : إسماعيل بن عمر بن كثير ، أبو الفداء ، الدمشقى، الشافعى ، كان عالماً حافظاً فقيهاً ، ومفسراً نقاداً ، ومؤرخاً كبيراً، من مصنفاته : تفسير القرآن العظيم، والبداية والنهاية، مات سنة 774هـ. له ترجمة فى : الدرر الكامنة لابن حجر 1/373 رقم 944، وطبقات المفسرين للداودى 1/111 رقم 13، والبدر الطالع للشوكانى 1/153 رقم 95

: ” وبهذا استدل البخارى(1) وغيره على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت ، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم ، وهكذا ثبت فى صحيح البخارى من حديث الحسن(2)، عن أبى بكرة(3) – رضي الله عنه – قال : رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على المنبر- والحسن بن علىّ إلى جنبه- وهو يقبل على الناس مرة ، وعليه أخرى ويقول : إن ابنى هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (4) .
__________
(1) صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الإيمان ، باب المعاصى من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بإرتكابها إلا بالشرك لقوله – صلى الله عليه وسلم – لأبى ذر : “إنك امرؤ فيك جاهلية” وقول الله تعالى : “إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء” وباب “وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” فسماهم مؤمنين 1/16 رقمى 3، 31
(2) الحسن هو : ابن على بن أبى طالب – رضى الله عنهما – صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 1/328 رقم 1719، وأسد الغابة 2/13 رقم 1165، ومشاهير علماء الأمصار 12 رقم 6
(3) أبو بكرة هو:نفيع بن مسروح بن كلده ، صحابى جليل ، له ترجمة : أسد الغابة 5/334 رقم 5289، وتاريخ الصحابة ص249 رقم 1373، ومشاهير علماء الأمصار ص48 رقم 22 والإستيعاب 4/1614 رقم 2877
(4) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلح، باب قول النبى- صلى الله عليه وسلم – للحسن بن على – رضي الله عنه -“إن ابنى هذا سيد … الحديث” وقوله جل ذكره “فأصلحوا بينهما” 5/361 رقم 274

فكان كما قال – صلى الله عليه وسلم -، أصلح الله تعالى به بين أهل الشام ، وأهل العراق ، بعد الحروب الطويلة ، والواقعات المهولة ” (1)
يقول الإمام ابن تيمية : “والذين قاتلوا الإمام على – رضي الله عنه – لا يخلوا : إما أن يكونوا عصاة ، أو مجتهدين مخطئين أو مصيبين ، وعلى كل تقدير، فهذا لا يقدح فى إيمانهم ، ولا فى عدالتهم ، ولا يمنعهم الجنة ، بما سبق من تصريح القرآن الكريم ، من تسميتهم إخوة ، ووصفهم بأنهم مؤمنون ، وتأكيد النبى – صلى الله عليه وسلم – ذلك بما سبق من رواية الحسن بن على عن أبى بكرة – رضي الله عنه –
ولهذا اتفق أهل السنة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين ، وإن قالوا فى إحداهما أنهم كانوا بغاة(2) .
والبغى إذا كان بتأويل كان صاحبه مجتهدا ً، والمجتهد المخطئ لا يكفر، ولا يفسق وإن تعمد البغى فهو ذنب من الذنوب ، والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة كالتوبة ، والحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة ، وشفاعة النبى – صلى الله عليه وسلم – ودعاء المؤمنين، وغير ذلك(3)
وعلى هذا القول إجماع الأمة من علمائها
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/211
(2) ويعنون بهذه الطائفة التى بغت طائفة معاوية – رضي الله عنه – ودليلهم فى ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم – لعمار “تقتلك الفئة الباغية” أخرجه مسلم “بشرح النووى” كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر أخيه 9/266 رقم 2916، من حديث أم سلمة –رضى الله عنها- وكان عمار – رضي الله عنه – يقاتل مع الإمام على – رضي الله عنه – والوصف بالبغى هنا لا ينفى عنهم العدالة كما تشهد بذلك آية الحجرات فى قوله تعالى : “فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ”
(3) منهاج السنة 2/25 بتصرف . وينظر : أصول الدين للبغدادى ص 289 وما بعدها

يقول الإمام الآمدى : ” فالواجب أن يحمل كل ما جرى بينهم من الفتن على أحسن حال، وإن كان ذلك إنما لما أدى إليه اجتهاد كل فريق من اعتقاده أن الواجب ما صار إليه ، وأنه أوفق للدين وأصلح للمسلمين
وإلا فجمهور الصحابة وسادتهم تأخروا عن تلك الفتن والخوض فيها كما قال محمد بن سيرين (1) : “هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عشرة آلاف فما حضر منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين ”
وإسناد هذه الرواية كما قال ابن تيمية أصح إسناد على وجه الأرض (2)
وعلى هذا فالذى خاض فى تلك الفتن من الصحابة إما أن يكون كل مجتهد مصيباً، أو أن المصيب واحد ، والآخر مخطئ فى اجتهاده مأجور عليه
وعلى كلا التقديرين ، فالشهادة والرواية من الفريقين لا تكون مردودة ، إما بتقدير الإصابة فظاهر، وإما بتقدير الخطأ مع الاجتهاد فبالإجماع ” (3)
يقول الإمام الجوينى(4)
__________
(1) هو محمد بن سيرين الأنصارى ، أبو بكر بن أبى عمرة البصرى ، ثقة، ثبت، عابد، كبير القدر، مات سنة 11هـ . له ترجمة فى : تقريب التهذيب 2 /85 رقم 5966، والكاشف 2 /178 رقم 4898، والثقات للعجلى ص 45 رقم 1464، ومشاهير علماء الأمصار ص 113 رقم 643
(2) منهاج السنة 3/186
(3) الإحكام للآمدى 2/82 بتصرف . وينظر : فواتح الرحموت 2/155، 156، والبحر المحيط 4/299، وإرشاد الفحول 1/275، والباعث الحثيث ص 154، وعقيدة أهل السنة فى الصحابة الكرام للدكتور ناصر الشيخ مبحث (الحرب التى دارت بين على بن أبى طالب، وبعض الصحابة – رضى الله عنهم- وموقف أهل السنة منها 2/7 – 748 .
(4) هو : عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجوينى ، المكنى بأبى المعالى ، الملقب بإمام الحرمين ،أعلم
المتأخرين من أصحاب الشافعى .من مؤلفاته : البرهان فى أصول الفقه ، والإرشاد فى علم الكلام
مات سنة 478هـ له ترجمة فى : سير أعلام النبلاء 11 /137 رقم 4313، وشذرات الذهب 3 /36، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 2 /466-47 رقم 8 .

: “أما التوقف فى تعديل كل نفر من الذين لابسوا الفتن، وخاضوا المحن ، ومتضمن هذا، الإنكفاف عن الرواية عنهم ، فهذا باطل من دين الأمة، وإجماع العلماء على تحسين الظن بهم ، وردهم إلى ما تمهد لهم من المآثر بالسبيل السابقة ، وهذا من نفائس الكلام ” (1) أهـ
وصدق عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى : “تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا تخضب بها السنتنا ” (2) أهـ
والله تبارك وتعالى
أعلى أعلم
__________
(1) البرهان فى أصول الفقه 1/241، 242
(2) ينظر : فتح المغيث للسخاوى 3/96

ثالثاً : أما ما زعمه غلاة الشيعة , والمستشرقون , ودعاة اللادينية : أن بداية الوضع كانت فى زمن النبى – صلى الله عليه وسلم – ووقعت من صحابته الكرام ، واستدلالهم على ذلك بالروايات السابقة (1) وغيرها مما جاء فيها تخطئة بعض الصحابة لبعضهم ، واستشهادهم بذلك على أنهم كانوا يشكون فى صدق بعضهم بعضاً , وأنهم كانوا يكذِّب بعضهم بعضاً ، وأنهم تسارعوا على الخلافة وانقسموا شيعاً وأحزاباً ( وأخذ كل حزب يدعم موقفه بحديث يضعه على النبى – صلى الله عليه وسلم – ، واشتد ذلك الأمر فى العصر الأموى ، والعباسى حيث تحولت تلك الأكاذيب إلى أحاديث ، وتم تدوينها فى العصر العباسى ضمن كتب الحديث الصحاح ) (2)
فهذا لا يقوله إلا قوم امتلأت قلوبهم حقداً وبغضاً على من اختارهم واصطفاهم ربهم – عز وجل – لصحبة نبيه – صلى الله عليه وسلم – وتبليغ رسالته إلى الخلق كافة .
وهذا الكذب ترديد لما قاله قديماً جولد تسيهر(3)
__________
(1) ينظر : أضواء على السنة ص 65، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 139، وإنذار من السماء ص 7، 71، ودين السلطان ص 258، 325، وتبصير الأمة بحقيقة السنة ص 294،428، وفجر الإسلام ص 211، ومعالم المدرستين المجلد 1/435، والنص والاجتهاد عبد الحسين شرف الدين ص 335، وتأملات فى الحديث عند السنة والشيعة زكريا داود ص 126، ودراسات محمدية ترجمة الأستاذ الصديق بشير نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 1 ص539
(2) قاله أحمد صبحى فى كتابه الحسبة ص 1، 39وينظر مجلة روزاليوسف العدد 3563 ص 35، والصلاة فى القرآن ص56،57، وينظر: الحديث فى الإسلام للمستشرق الفريد غيوم ص2-3 نقلاً عن منهجية جمع السنة وجمع الأناجيل للدكتورة عزية على طه ص 57، 58

(3) مستشرق مجرى يهودى ، رحل إلى سورية وفلسطين ومصر، ولازم بعض علماء الأزهر، له تصانيف باللغات
الألمانية، والإنجليزية، والفرنسية، ترجم بعضها إلى العربية، قال الدكتور السباعى : عرف بعدائه للإسلام ،
وبخطورة كتاباته عنه ، وهو من محررى دائرة المعارف الإسلامية، كتب عن القرآن والحديث ، ومن كتبه : تاريخ
مذاهب التفسير الإسلامى، والعقيدة والشريعة فى الإسلام، وغير ذلك مات سنة 1921م له ترجمة فى : الأعلام
للزركلى 1/284، والاستشراق للدكتور السباعى ص31، 32، وآراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره
للدكتور عمر إبراهيم 1/161، 162 .

فى العقيدة والشريعة فى الإسلام قائلاً: ” ولا نستطيع أن نعزو الأحاديث الموضوعة للأجيال المتأخرة وحدها، بل هناك أحاديث عليها
طابع القدم ، وهذه إما قالها الرسول – صلى الله عليه وسلم – أو هى من عمل رجال الإسلام القدامى … ” (1) .
وردد ذلك من غلاة الشيعة على الشهرستانى(2) فى كتابه ” منع تدوين الحديث أسباب ونتائج” قائلاً : “السنة المتداولة اليوم ليست سنة الرسول , بل هى سنة الرجال ؛ فى كم ضخم من أبوابها ومفرداتها “(3) وفى موضع آخر : يصف السنة المطهرة بأنها ” فقه الرجال ” (4)
ويجاب عما سبق بما يلى :
بداية الوضع فى الحديث وبراءة الصحابة – رضي الله عنهم – منه :
اختلف العلماء فى بداية ظهور الوضع فى الحديث إلى قولين :
__________
(1) العقيدة والشريعة ص49،5 ، وينظر : له دراسات محمدية ترجمة الأستاذ الصديق بشير نقلاً عن
مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 1 ص 511، 521 وينظر : أصول الفقه المحمدى لشاخت
ترجمة الصديق بشير نقلاً عن المرجع السابق العدد 11 ص 689
(2) كاتب شيعي معاصر، من مصنفاته منع تدوين الحديث أسباب ونتائج، طعن فيه في حجية السنة
النبوية وفي رواتها من الصحابة الأعلام ، وخاصة أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية – رضي الله عنهم – .
(3) منع تدوين الحديث ص 32
(4) المصدر السابق ص 33

1- القول الأول : ذهب إلى أن بدايته فى عهد النبوة المباركة ، وبه قال الدكتور صلاح الدين الأدلى(1)، والدكتور فاروق حماده(2)، واستدلوا على ذلك بما روى عن بُرَيْدَة – رضي الله عنه – قال : جاء رجل إلى قوم فى جانب المدينة فقال : إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمرنى أن أحكم برأيى فيكم، فى كذا وكذا وقد كان خطب امرأة منهم فى الجاهلية، فأبوا أن يزوجوه ، فبعث القوم إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – يسألونه، فقال : “كذب عدو الله” ثم أرسل رجلاً فقال : “إن أنت وجدته ميتاً فأحرقه” فوجده قد لدغ فمات، فحرقه، فعند ذلك قال النبى – صلى الله عليه وسلم – : “من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار”(3)
2- القول الثانى : ذهب إلى أن بداية الوضع فى الحديث ، كانت باندلاع الفتنة التى أشعل فتيلها أقوام من الحاقدين على الإسلام ، ويعتبر الدكتور السباعى سنة أربعين من الهجرة هى الحد الفاصل بين صفاء السنة وخلوصها من الكذب والوضع ، وبين التزايد فيها واتخاذها وسيلة لخدمة الأغراض السياسية والإنقسامات الداخلية بعد أن اتخذ الخلاف بين علىّ ومعاوية – رضى الله عنهما- شكلاً حربياً سالت به دماء وأزهقت منه أرواح ، وبعد أن انقسم المسلمون إلى طوائف متعددة(4) وربما بدأ قبل ذلك ، فى الفتنة التى كانت زمن عثمان – رضي الله عنه – ، هذا إذا اعتبرناها الفتنة المذكورة فى خبر ابن سيرين ، والتى جعلها بداية لطلب الإسناد
__________
(1) منهج نقد المتن عند علماء الحديث ص 4، 41
(2) المنهج الإسلامى فى الجرح والتعديل ص 271 – 273
(3) سبق تخريجه ص 35 .
(4) السنة ومكانتها للدكتور السباعى ص 75، وممن ذهب إلى القول الثانى الدكتور همام سعيد فى كتابه الفكر المنهجى عند المحدثين ص 51، والدكتور أبو لبابة فى كتابه أصول علم الحديث ص89–91، والأستاذ أبو غدة فى كتابه لمحات من تاريخ السنة ص 73 – 76 وغيرهم

قلت : وأياً كانت بداية الوضع فى الحديث ” زمن النبوة المباركة ” أو ” زمن الفتنة ” فلا يمكن أن يكون الوضع فى الحديث وقع من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – العدول الثقات المعروفين بالخيرية ، والتقى ، والبر والصلاح ، والذين يدور عليهم نقل الحديث
وعلى فرض صحة الروايات التى تشير إلى أن بداية الوضع زمن النبوة المباركة فليس فيها ما يشكك فى صدق الصحابة ، ولا ما يطعن فى عدالتهم ، إذ كان معهم منافقون ، وهم الذين كانت تصدر منهم أعمال النفاق ، فلا يبعد أن يكون الرجل الوارد فى تلك الروايات واحد من المنافقين ؛ وبذلك قال الدكتور صلاح الدين الأدلبى(1)، والدكتور فاروق حمادة(2)
__________
(1) منهج نقد المتن عند علماء الحديث ص 41
(2) المنهج الإسلامى فى الجرح والتعديل ص 273

وسبقهم إلى ذلك الإمام ابن حزم فى كتابة الإحكام فى مباحث المرسل فصل (ليس كل من أدرك النبى – صلى الله عليه وسلم – ورآه صحابياً 2/218 فبعد أن روى الحديث السابق من رواية بريدة – رضي الله عنه – وفى إسناده أيضاً “صالح بن حيان القرشى”، قال ابن حزم : فهذا من كان فى عصره – صلى الله عليه وسلم – يكذب عليه كما ترى فلا يقبل إلا من سمى وعرف فضله، وقبل ذكره للحديث قال : “وقد كان فى المدينة فى عصره عليه السلام منافقون بنص القرآن، وكان بها أيضاً من لا ترضى حاله “كهيت” المخنث الذى أمر عليه السلام بنفيه، والحكم ابن أبى العاص الطريد وغيرهما، فليس هؤلاء ممن يقع عليهم اسم الصحابة أهـ وهذا الذى قاله الإمام ابن حزم قبل روايته لحديث بريدة يؤكد حمله تلك الرواية على رجل من المنافقين، لا على أحد من الصحابة العدول الثقات ومن العجب أن محمود أبو رية استشهد برواية ابن حزم ولم ينقل كلامه السابق بنظر : أضواء على السنة ص 65، وتابعه على ذلك من الشيعة زكريا عباس داود فى كتابه تأملات فى الحديث ص 123، كما لم يلتفت الأستاذ أبو غدة –رحمه الله- إلى أن ابن حزم حمل رواية بريدة على رجل من المنافقين، فغلط الأستاذ أبو غدة الإمام ابن حزم ظناً منه أنه اعتد بصحة الحديث عندما ذكره فى موضعين من كتابه ينظر : لمحات من تاريخ وعلوم الحديث للأستاذ أبو غدة ص 58 هامش
دفاعاً عن تهمة الصحابة بالكذب عليه – صلى الله عليه وسلم – فى زمانه ، وهما من أصحاب القول الأول أن بداية الوضع زمن النبوة المباركة
… وصفوة القول : ” لا يختلف منصفان فى أن العصر الأول للإسلام يُعَدُ أنظف العصور وأسلمها من حيث استقامة المجتمع , وتوفيق رجاله وصلاحهم ولا غرو ، فإن جلّ القيادات كانت من الصحابة “(1) .
كما أن التربية القرآنية التى غرسها – صلى الله عليه وسلم – فى صحبه ، وتعهدها بالرعاية كانت عاملاً فعالاً فى تطهير نفوس الأصحاب مما يطرأ عادة على القلوب والنفوس من أهواء ورغائب تكون مدعاة للكذب والإفتراء ، ولا سيما والقرآن الكريم يتوعد الكاذبين بأشد الوعيد ، ويصف الكذب بأنه ظلم قال تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } (2) .
وقال سبحانه : { قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ } (3)
وكيف يكذبون! وقد اشتهر وأعلن فيهم وتواتر عنهم قوله – صلى الله عليه وسلم – : “من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار” (4)
وكيف نتصور وصفهم بالكذب وعشرات من الآيات القرآنية ، وعشرات أخرى من الأحاديث النبوية تزكيهم وتصفهم بالصدق ، والإخلاص ، والتقوى؟!! .

__________
(1) أصول علم الحديث للدكتور أبو لبابة ص89 .
(2) الآية 32 من سورة الزمر
(3) الآية 69 من سورة يونس
(4) أخرجه مسلم (بشرح النووى) المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -1/11 رقم4 والبخارى (بشرح فتح البارى)كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت3/191رقم 1291 .

بل إنه كما يقول الدكتور السباعى – رحمه الله تعالى- : ” ليس من السهل علينا أن نتصور صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذين فدوا الرسول بأرواحهم وأموالهم وهجروا فى سبيل الإسلام أوطانهم وأقرباءهم ، وامتزج حب الله وخوفه بدمائهم ولحومهم : ليس من السهل أن نتصور هؤلاء الأصحاب يقدمون على الكذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مهما كانت الدواعى إلى ذلك(1) … ولقد دلنا تاريخ الصحابة فى حياة الرسول وبعده ، أنهم كانوا على خشية من الله وتقى يمنعهم من الإفتراء على الله ورسوله ، وكانوا على حرص شديد على الشريعة وأحكامها ، والذب عنها ، وإبلاغها إلى الناس ، كما تلقوها عن رسوله , يتحملون فى سبيل ذلك كل تضحية ويخاصمون كل أمير أو خليفة أو أى رجل يرون فيه انحرافاً عن دين الله – عز وجل – لا يخشون لوماً ، ولا موتاً ، ولا أذى ، ولا اضطهاداً , وإليك أمثلة على صدق ذلك .
نماذج من جراءة الصحابة فى حفظ الشريعة :
__________
(1) السنة ومكانتها للدكتور السباعى ص 76 , وقارن بالإسلام على مفترق الطرق للأستاذ محمد أسد ص 94

1- فهذا الفاروق عمر – رضي الله عنه – الذى تهابه أعتى الإمبراطوريات ويخاف سطوته العادلة أشجع الرجال، تقف فى وجهه امرأة لتقول له : لا، وذلك حين دعا إلى أمر رأت فيه هذه المرأة مخالفة لتعاليم القرآن، فقد خطب الناس يوماً فقال : ” أيها الناس لا تغالوا فى مهور النساء لو كان ذلك مكرمة عند الله لكان أولاكم بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فتتصدى له امرأة على مسمع من الصحابة فتقول له : “يا أمير المؤمنين! كتاب الله – عز وجل – أحق أن يتبع أو قولك ؟ قال : بل كتاب الله – عز وجل – ، فما ذلك ؟ قالت نهيت الناس آنفاً أن يغالوا فى صدق النساء والله – عز وجل – يقول فى كتابه العزيز : { وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } (1) فقال عمر : كل أحد أفقه من عمر، مرتين أو ثلاثاً , ثم رجع إلى المنبر فقال للناس : إنى نهيتكم أن تغالوا فى صدق النساء ؛ ألا فليفعل كل رجل فى ماله ما بدا له(2) .
__________
(1) جزء من الآية 2 من سورة النساء
(2) أخرجه سعيد بن منصور فى سننه باب ما جاء فى الصداق 1/166، 167 رقم 598 وأخرجه أبو يعلى فى مسنده وفيه ” كل الناس أفقه من عمر”، قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 4/284 : فيه مجالد بن سعيد وفيه ضعف وقد وثق

2- ويذهب أبو بكر – رضي الله عنه – إلى محاربة الممتنعين عن أداء الزكاة فيعارضه عمر طالما أن نصاً نبوياً يمنع دماء من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهو قوله – صلى الله عليه وسلم – “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله، فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله”، فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال والله لو منعونى عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، لقاتلتهم على منعه فقال عمر بن الخطاب : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله – عز وجل – قد شرح صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه حق ” (1)
3- وهذا على بن أبى طالب – رضي الله عنه – يعارض عمر – رضي الله عنه – فى همه برجم امرأة ولدت لستة أشهر، فقال له علىّ : ليس ذاك لك : إن الله – عز وجل – يقول فى كتابه { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } (2) فقد يكون فى البطن ستة أشهر، والرضاع أربعة وعشرين شهراً فذلك تمام ما قال الله : ثلاثون شهراً ، فخلى عنها عم ر”( (3)
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان ، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله 1/232 رقم 32 , والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب استتابة المرتدين، باب قتل من أبى قبول الفرائض 12/288 رقم 6924،
(2) جزء من الآية 15 من سورة الأحقاف
(3) أخرجه سعيد بن منصور فى سننه ، باب المرأة تلد لستة أشهر 2/66 رقم 274

4- وهذا أبو سعيد الخدرى – رضي الله عنه – ينكر على مروان من الحكم والى المدينة تقديم الخطبة على صلاة العيد مبيناً أنه عمل مخالف للسنة النبوية (1)
5- وها هو ابن عمر- كما يروى لنا الذهبى فى “تذكرة الحفاظ” يقوم – والحجاج(2)يخطب فيقول : أى ابن عمر متكلماً عن الحجاج : عدو الله استحل حرم الله , وخرب بيت الله وقتل أولياء الله – جل جلاله -.
وروى الذهبى أن الحجاج خطب فقال : إن ابن الزبير بدل كلام الله ، فقال ابن عمر: كذبت لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت ، قال الحجاج : إنك شيخ قد خرفت اقعد قال ابن عمر : أما إنك لو عدت عدت ) (3)
__________
(1) قصة الحديث أخرجها البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العيدين، باب الخروج إلى المصلى بغير منبر 2/52 رقم 956، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان كون النهى عن المنكر من الإيمان 1/296 رقمى 78، 79، وينظر : إنكار كعب بن عجرة – رضي الله عنه – على عبد الرحمن ابن أم الحكم خطبته يوم الجمعة قاعداً قائلاً : “انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدا ” وقال الله تعالى : “وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا” أهـ الآية 11 من سورة الجمعة، والحديث أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجمعة باب قوله تعالى : “وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا” 3/416 رقم 864
(2) الحجاج : هو الحجاج ابن يوسف بن أبى عقيل الثقفى، الأمير، المشهور، الظالم، المبير، وقع ذكره وكلامه فى الصحيحين وغيرهما، وليس بأهل بأن يروى عنه، ولى إمرة العراق عشرين سنة، مات سنة 95هـ له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1/19 رقم 1144، ووفيات الأعيان 2/29 رقم 149، والجرح والتعديل 3/168 رقم 717، والكاشف 1/313 رقم 946، وسير أعلام النبلاء 4/343 رقم 117، ولسان الميزان 2/333 رقم 2351
(3) تذكرة الحفاظ 1/37، 39

… مثل هذه الأخبار، ومئات أمثالها قد استفاضت بها كتب التاريخ ، وهى تدل دلالة قاطعة على ما كان عليه الصحابة من الشجاعة ، والأمانة ، والجرأة فى الحق ، والتفانى فى الدفاع عنه ، بحيث يستحيل أن يكذبوا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اتباعاً لهوى أو رغبة فى دنيا ، إذ لا يكذب إلا الجبان ، كما يستحيل عليهم أن يسكتوا عمن يكذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهم الذين لا يسكتون عن اجتهاد خاطئ ؛ يذهب إليه بعضهم بعد فكر وإمعان نظر
وهذا غاية ما يكون بينهم من خلاف فقهى لا يتعدى اختلاف وجهات النظر فى أمر دينى وكل منهم يطلب الحق وينشده (1)
وما يرد من ألفاظ التكذيب على ألسنة بعضهم ، فإنما هو تخطئة بعضهم لبعض، وبيان ما وقع فيه بعضهم من وَهَم الكلام
… والكذب بهذا المعنى لا يعصم منه أحد ، لا من الصحابة ، ولا ممن دونهم ، وقد جاءت كلمة “الكذب” فى أحاديث كثيرة بمعنى الخطأ ، من ذلك مايلى :
قول النبى – صلى الله عليه وسلم – : “كذب من قال ذلك”(2) فى الرد على من ظن أن عامر بن الأكوع(3) : “قتل نفسه فى غزوة خيبر حيث أصابه سيفه ، وهو يبارز “مرحباً” ملك اليهود .
__________
(1) السنة ومكانتها فى التشريع للدكتور السباعى ص 76 – 78 بتصرف
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد والسير، باب غزوة خيبر 6/44 رقم 182، وباب غزوة ذى قرر وغيرها 6/419 رقم 187
(3) عامر بن الأكوع : صحابى جليل له ترجمة فى : الاستيعاب 2/785 رقم 1317، واسد الغابة 3/114 رقم 268، وتجريد أسماء الصحابة 1/283، والإصابة 3/35 رقمى 364، 393

وقوله – صلى الله عليه وسلم – : “كذب أبو السنابل(1)، ليس كما قال، قد حللت فانكحى” وذلك فى الرد على أبى السنابل الذى قال لسبيعة بنت الحارث(2)، وقد وضعت حملها بعد وفاة زوجها
بأيام : إنك لا تحلين حتى تمكثى أربعة أشهر وعشراً فذكرت ذلك لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : ” كذب أبو السنابل ، ليس كما قال “(3)

وعلى نحو هذا الإستعمال لكلمة “كذب” جاء استعمال الصحابة لها .
1- كقول ابن عباس – رضى الله عنهما – عن نوف البكالى(4) : “كذب نَوْف” عندما قال صاحب الخضر ليس موسى بنى إسرائيل ، وإنما موسى آخر – ونوف من الصالحين العبا ، ومقصود ابن عباس : اخطأ نوف (5)
2- ومنه قول عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – : “كذب أبو محمد” حيث قال : ” الوتر واجب ” .
__________
(1) أبو السنابل : هو حَبَّةُ بن بَعْكَكٍ، صحابى جليل له ترجمة فى : الاستيعاب 1/318 رقم 468، أسد الغابة 1/669 رقم 13، وتاريخ الصحابة ص 77 رقم 299، ومشاهير علماء الأمصار ص 28 رقم 84، والإصابة 1/34 رقم 1565
(2) سبيعة بنت الحارث:صحابية جليلة لها ترجمة فى:تاريخ الصحابة ص13 رقم 63، والاستيعاب 4/1859 رقم 337، واسد الغابة 7/138 رقم 6979، والإصابة 4/326 رقم 11278
(3) أخرجه سعيد بن منصور فى سننه كتاب الطلاق، باب فى عدة الحامل المتوفى عنها زوجها 1/35 رقمى 156، 158
(4) نَوْف البكالى : هو نَوْف، بفتح النون وسكون الواو، ابن فَضَالة، بفتح الفاء والمعجمة، البكالى، بكسر الموحدة وتخفيف الكاف، ابن امرأة كعب، شامى مستور، وإنما كذب ابن عباس ما رواه عن أهل الكتاب، مات سنة بعد التسعين من الهجرة له ترجمة فى : تقريب التهذيب 2/255 رقم 7239، والجرح والتعديل 8/55 رقم 2311
(5) انظر : الفكر المنهجى عند المحدثين للدكتور همام عبد الرحيم ص 52

3- ومنه قول عائشة – رضى الله عنها – لما بلغها أن أبا هريرة يحدث بأنه “لا شؤم إلا فى ثلاث” قالت : “كذب – والذى أنزل على أبى القاسم – من يقول : ” لا شؤم إلا فى ثلاث – ثم ذكرت الحديث ” (1) .
4- “واسْتَمَعَ الزبير بن العوام – رضي الله عنه – ، إلى أبى هريرة يحدث ، فجعل يقول كلما سمع حديثاً : كذب … صدق … كذب ، فسأله عروة ابنه : يا أبت ما قولك : صدق … كذب قال : يا بنى : أما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فلا شك فيه ، ولكن منها ما يضعه على مواضعه ، ومنها ما وضعه على غير مواضعه ” (2) .
فعائشة والزبير- رضى الله عنهما – لا يريدان بقولهما – كذب أى اختلق – حاشاهم من ذلك – وإنما المراد اخطأ فى فهم بعض الأحاديث ؛ ووضعها فى غير محل الإستشهاد بها، كما صرح الزبير بن العوام – رضي الله عنه -، فعدالة أبى هريرة بين الصحابة أعظم من أن تمس بجرح ، وما اتهم به كذباً من أعداء الإسلام تصدى للرد عليه رهط من علماء الإسلام (3)
__________
(1) أخرجه أبو داود كتاب الصلاة ، باب فيمن لم يوتر 2/62 رقم 142، والنسائى فى سننه كتاب الصلاة، باب المحافظة على الصلوات الخمس والمحافظة عليها 1/23 رقم 461، والموطأ كتاب صلاة الليل، باب الأمر بالوتر 1/12 رقم 13
(2) البداية والنهاية لابن كثير 8/ 112، وانظر : توثيق السنة فى القرن الثانى الهجرى للدكتور رفعت فوزى ص 34
(3) ينظر بعض من تصدى للدفاع عنه فى المبحث السابع ” أبو هريرة راوية الإسلام رغم آنف الحاقدين” .

فهذا كله من الكذب الخطأ، ومعناه “اخطأ قائل ذلك” وسمى كذباً ؛ لأنه يشبهه , لأنه ضد الصواب ، كما أن الكذب ضد الصدق، وإن افترقا من حيث النية والقصد(1) .
وما استدرك به بعض الصحابة بعضاً فى الرواية لا يعد كذباً ، كيف لا ! والصحابة يتفاوتون فى روايتهم عن النبى – صلى الله عليه وسلم – بين مكثر ومقل ، يحضر بعضهم مجلساً للرسول – صلى الله عليه وسلم – يغيب عنه آخرون، فينفرد الحاضرون بما لم يسمعه المتخلفون ، حتى يبلغوا به فيما بعد ومن هذا القبيل كتاب ” الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ” للإمام بدر الدين الزركشى كما وقع لجماعة من الصحابة غيرها ، استدركوا على مثيلهم ، ونفوا ما رواه وخطؤوه فيه
… ويدل على ما سبق ما رواه الحاكم عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – : ” ليس كلنا كان يسمع حديث النبى – صلى الله عليه وسلم -، كانت لنا ضيعة وأشغال ، ولكن كان الناس لم يكونوا يكذبون فيحدث الشاهد الغائب ” (2)
__________
(1) ينظر : لسان العرب 1/74، وينظر : فتح البارى 1/242، والمكانة العلمية لعبد الرزاق الصنعانى فى الحديث النبوى لفضيلة الأستاذ الدكتور إسماعيل الدفتار مبحث (مراجعة الصحابة بعضهم لبعض فى ضبط ما يروونه لا تعنى الاتهام) 1/295
(2) المستدرك كتاب العلم , باب فضل توقير العالم 1/ 216 رقم 438

وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه , ووافقه الذهبى .
… وعن القاسم بن محمد(1) قال : ” لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر مرفوعاً : إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه قَالَتْ إِنَّكُم لَتُحَدِّثُونِّىٍ عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلاَ مُكَذَّبَيِنْ وَلِكَنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ(2)، وفى رواية قالت : “يغفر الله لأبى عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسى
أو اخطأ، إنما مر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على يهودية يُبكى عليها فقال : إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب فى قبرها”(3)
… كل ذلك وغيره الكثير، يدل على ثقة الصحابة بعضهم ببعض، ثقة لا يشوبها شك ولا ريبة، لما يؤمنون به من تدينهم بالصدق، وأنه عندهم رأس الفضائل، وبه قام الإسلام ، وساد أولئك الصفوة المختارة من أهله الأولين .
__________
(1) القاسم بن محمد : هو القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق التيمى، ثقة، أحد الفقهاء بالمدينة، روى عن عائشة، وأبى هريرة، وفاطمة بنت قيس، وعنه الزهرى، وأبو الزناد مات سنة 16هـ على الصحيح له ترجمة فى : تقريب التهذيب 2/23 رقم 556 والكاشف 2/13 رقم 4528 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 82 رقم 427
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجنائز،باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه3/51رقم929
(3) أخرجه مسلم فى الموضع السابق 3/53 رقم 932

وينظر : فتح البارى 3/184 حيث نقل عن القرطبى قوله : “إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوى بالتخطئة أو النسيان أو على أنه سمع بعضاً ولم يسمع بعضاً بعيد، لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون فلا وجه للنفى مع إمكان حمله على محمل صحيح .. إلخ”وصدقت أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنهما – ما كَانَ خُلُق أَبْغضَ إلى أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الكذب(1)
… وعلى هذا : فإذا ورد على لسان أحد من الصحابة نفى ما رواه نظيره ، أو قوله فى مثيله : كذب فلان …، أو نحو هذا من العبارات، فالمراد به أنه أخطأ أو نسى؛ لأن الكذب عند أهل السنة هو الإخبار عن الشئ بخلاف ما هو عليه عمداً أو نسياناً أو خطأ ، ولكن الإثم يختص بالعامد ، كما جاء فى الحديث : ” من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ” (2)
قال الإمام النووى (3) : بعد تعريفه للكذب عند أهل السنة : “وقالت المعتزلة ، شرطة العمدية ودليل خطاب هذه الأحاديث لنا، فإن قيده عليه السلام بالعمد ، لكونه قد يكون عمداً، وقد يكون سهواً ، مع أن الإجماع والنصوص المشهورة فى الكتاب والسنة متوافقة متظاهرة على أنه لا إثم على الناسى والغالط ، فلو أطلق – صلى الله عليه وسلم – الكذب لتوهم أنه يأثم الناسى أيضاً فقيده وأما الروايات المطلقة ، فمحمولة على المقيدة بالعمد (4) أهـ
__________
(1) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب البر والصلة، باب ما جاء فى الصدق والكذب 4/37 رقم1973 وقال : هذا حديث حسن، وأخرجه أحمد فى مسنده 6/152، وابن أبى الدنيا فى مكارم الأخلاق 112 رقم 139، 145، والحديث ذكره الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد 1/142، وعزاه إلى أحمد، والبزار، وقال إسناده صحيح
(2) سبق تخريجه ص 35 . وينظر : لمحات من تاريخ السنة للأستاذ عبد الفتاح أبو غدة ص 73
(3) هو أبو زكريا، يحيى بن شرف الحوارنى، الشافعى ، كان إماماً حافظاً متفناً ، صاحب تصانيف نافعة فى الحديث ، والفقه ، وغيرها “كشرح مسلم” و”شرح المهذب” و”المبهمات” وغير ذلك مات سنة 676هـ له ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 4/147 رقم 1162، وشذرات الذهب 5/345، وطبقات الشافعية لابن كثير 2/99
(4) المنهاج شرح مسلم للنووى 1/14

الرد على زعم أعداء السنة المطهرة بأن لفظة “متعمداً” فى حديث “من كذب علىّ” مختلقة :
زعم أعداء السنة بأن لفظة “متعمداً” مختلقة ، وأدرجها العلماء ليسوغوا بها ، وضع الحديث على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حسبة من غير عمد ، كما كان يفعل الصالحون من المؤمنين ويقولون “نحن نكذب له لا عليه ” أو يتكئ عليها الرواة فيما يروونه عن غيرهم على سبيل الخطأ ، أو الوهم أو سوء الفهم … إلخ”(1)
… الجواب : هذا زعم كله كذب لأن ” لفظة متعمداً ” أخرجها البخارى فى صحيحه فى أكثر رواياته(2)،واتفق معه الإمام مسلم فى تخريجها فى صحيحه(3)
وأفاض الحافظ ابن حجر فى بيان ثبوتها (4)، ورغم ذلك يكذب محمود أبو رية بذكره للبخارى وابن حجر ضمن من لا يثبتون هذه الزيادة (5)
__________
(1) ينظر : أضواء على السنة ص 6، وتابعه جمال البنا فى كتابة السنة ودورها فى الفقه الجديد ص139 وقال بقولهم نيازى عز الدين فى كتابيه إنذار من السماء ص 7، 71، ودين السلطان ص 17، 243، 258، 325، وينظر : تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 294
(2) البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبى – صلى الله عليه وسلم – 1/243، 244 رقمى 18، 11
(3) ينظر:مسلم (بشرح النووى) المقدمة ، باب تغليظ الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -1،11رقمى3،4 .
(4) فتح البارى 1/242 رقمى 18، 11
(5) أضواء على السنة ص 62 هامش

يقول فضيلة الدكتور محمد أبو شهبة : ولا أحد يدرى – كيف يجتمع الوضع حسبة مع عدم التعمد ؟ إن معنى الحسبة أن يقصد الواضع وجه الله ، وثوابه ، وخدمة الشريعة – على حسب زعمه – بالترغيب فى فعل الخير والفضائل ، وهم قوم من جهلة الصوفية ، والكرامية ، جوزوا الوضع فى الترغيب والترهيب ، وربما تمسكوا بقوله تعالى : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } (1) .
وقوله – صلى الله عليه وسلم – “من كذب علىَّ ليضل به الناس”(2) فكيف يجامع قصد الوضع ، عدم التعمد ؟!
وتفسير الحسبة بأنها عن غير عمد غير مقبول ولا مسلم
ثم إن رفع إثم الخطأ أو السهو ليس بهذه الكلمة ، وإنما ثبت بأدلة أخرى ، وقد تقرر فى الشريعة أنه لا إثم على المخطئ والناسى ، ما لم يكن بتقصير منه فذكر الكلمة لا يفيد هؤلاء الرواة شيئاً ما دام هذا أمراً مقرراً .
__________
(1) جزء من الآية 144 من سورة الأنعام
(2) قال الحافظ ابن حجر : الحديث أخرجه البزار من حديث ابن مسعود وقد اختلف فى وصله وإرساله، ورجح الدارقطنى والحاكم إرساله، وأخرجه الدارمى من حديث يعلى بن مرة بسند ضعيف، وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى “فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ” : والمعنى أن مال أمره إلى الإضلال، أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى : “لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً” وقوله تعالى : “وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ” فإن قتل الأولاد، ومضاعفة الربا والإضلال فى هذه الآيات إنما هو لتأكيد الأمر فيها لا اختصاص الحكم أهـ ينظر : فتح البارى 1/241، 6/626، وفتح المغيث للسخاوى 1/288، 289، وينظر : الموضوعات لابن الجوزى 1/94 – 98

والسر فى ذكرها أن الحديث لما رتب وعيداً شديداً على الكاذب ، والمخطئ ، والساهى، والناسى، لا إثم عليهم ، كان من الدقة والحيطة فى التعبير التقييد بالعمد ، وذلك لرفع توهم الإثم على المخطئ والغالط والناسى ، وهو ما نقله الإمام النووى عن مذهب أهل السنة والمعتزلة أيضاً
على أن أئمة الحديث وإن قالوا برفع الإثم عن المخطئ ، والناسى ، والغالط ، فقد جعلوا ما ألحق بالحديث غلطاً ، أو سهوا ً، أو خطأً ، من قبيل الشبيه بالموضوع فى كونه كذباً فى نسبته إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – ، ولا تحل روايته إلا مقروناً ببيان أمره ، وإلى هذا ذهب الأئمة، الخليلى ، وابن الصلاح ، والعراقى ، وغيرهم ، وقد اعتبره بعض أئمة الجرح – كابن معين ، وابن أبى حاتم – من قبيل الموضوع المختلق ، وذهب بعض الأئمة إلى أنه من قبيل المدرج ، ومهما يكن من شئ فقد جعلوا هذا النوع من الغلط أو الوهم مما يطعن فى عدالة الراوى وضبطه (1) أهـ

فأين هذا الذى يقرره الجهابذة من المحدثين مما يزعمه الأفاكون أمثال محمود أبو رية ، فى قوله كلمة “متعمداً” “يتكئ عليها الرواة فيما يروونه عن غيرهم على سبيل الخطأ ، أو الوهم أو سوء الفهم … إلخ” ؟!! .
__________
(1) دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص52، 53 بتصرف

وينظر : رد الأئمة للراوى المتساهل فى التحمل والأداء وصور من ذلك التساهل فى: فتح المغيث للسخاوى 1/385-389، وتدريب الراوى 1/299،34، وتوضيح الأفكار 2/255 – 258
يقول الشيخ المعلمى اليمانى : “ولا يتوهمن أحد أن كلمة “متعمداً” تخرج من حدث جازماً وهو شاك ، كلا فإن هذا متعمد بالإجماع ، ولا نعلم أحداً من الناس حتى من أهل الجهل والضلالة زعم أن كلمة “متعمداً” تخرج هذا ، وإنما وجد من أهل الجهل والضلال من تشبث بكلمة ” علىَّ ” فقال : نحن نكذب له لا عليه . فلو شكك محمود أبو ريه ، ومن قال بقوله، فى كلمة ” علىَّ ” لكان أقرب (1)أهـ
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
المبحث الخامس
سنة الصحابة – رضي الله عنهم – حجة شرعية
… إذا كان أعداء الإسلام يشككون فى عدالة الصحابة – رضي الله عنهم – فهم أيضاً يشككون فى سنتهم، وسنة الخلفاء الراشدين
يقول محمد شحرور(2): “فإذا سألنى سائل الآن ألا يسعك ما وسع الصحابة فى فهم القرآن؟ فجوابى بكل جرأة ويقين هو : كلا لا يسعنى ما وسعهم، لأن أرضيتى العلمية تختلف عن أرضيتهم، ومناهج البحث العلمى عندى تختلف عنهم ، وأعيش فى عصر مختلف تماماً عن عصرهم والتحديات التى أواجهها تختلف عن تحدياتهم ” (3)
__________
(1) الأنوار الكاشفة ص 72، وينظر : مزيد من الرد على أكاذيب محمود أبو ريه حول هذا الحديث فى الأنوار الكاشفة، مع دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شبهة
(2) كاتب سورى معاصر، حاصل على الدكتوراه فى الهندسة من الجامعة القومية الإيرلندية فى دبلن من مؤلفاته : الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، والإسلام والإيمان منظومة القيم، والدولة والمجتمع
(3) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص567

وينظر: منع تدوين الحديث لعلى الشهرستانى133،142، 166، 249، 334-34، 53، وركبت السفينة لمروان خليفات ص 28، ونظرية عدالة الصحابة لأحمد حسين يعقوب 56-58، والإفصاح فى إمامة على بن أبى طالب لمحمد العكبرى ص14، 141، والخلافة المغتصبة لإدريس الحسينى، وغيرهم ممن طعنوا فى عدالة الصحابة
… والحق أن هذا كلام من يرى الشريعة الإسلامية قرأناً وسنة غير صالحة لكل زمان ومكان ، فكلامه هو وغيره من أعداء السنة المطهرة فى سنة الصحابة لا قيمة له
لأن سنة الصحابة وهى ما جاء عنهم من قول أو فعل أو تقرير إذا كان مما لا يقال من قبل الرأى ، ومما لا مجال للإجتهاد فيه ، فله حكم المرفوع المسند تحسيناً للظن بهم ، وجزم بذلك الرازى فى المحصول ، وغير واحد من أئمة الأصول والحديث(1)
وإذا كانت سنتهم فى غير ذلك ، فقد اختلف العلماء فى ذلك
والراجح من هذا الخلاف(2) : أن سنتهم كسنة الرسول يعمل بها ، ويرجع إليها، وانتصر لهذا الرأى غير واحد من أئمة الأصول ، منهم الشاطبى – رحمه الله – فبعد أن ذكر الآيات والأحاديث الدالة على عدالتهم قال : “فيصح أن يطلق على الصحابة أنهم خير أمة بإطلاق، وأنهم وسط أى عدول بإطلاق ، وإذا كان كذلك فقولهم معتبر، وعملهم مقتدى به ثم استدل الشاطبى لما رجح بأدلة منها :
__________
(1) ينظر : المحصول 2/221، والإحكام للآمدى 2/87، وأعلام الموقعين 4/123، وفتح المغيث للسخاوى 1/144، وتدريب الراوى 1/19، 191، وتوضيح الأفكار 1/28
(2) ينظر : الأدلة المختلف فيها وأثرها فى الفقه الإسلامى للدكتور عبد الحميد أبو المكارم ص 33، والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادى ، باب ما جاء فى قول الواحد من الصحابة 1/437

1- ما جاء فى الحديث من الأمر باتباعهم ، وأن سنتهم فى طلب الإتباع كسنة النبى – صلى الله عليه وسلم – لقوله – صلى الله عليه وسلم – : ” فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين،تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ” (1) .
2- أن جمهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجيح الأقاويل ، فقد جعل طائفة قول أبى بكر وعمر حجة ودليلاً، وبعضهم عد قول الخلفاء الأربعة دليلاً، وبعضهم يعد قول الصحابى على الإطلاق حجة ودليلاً، ولكل قول من هذه الأقوال متعلق من السنة وهذه الآراء – وإن ترجح عند العلماء خلافها – ففيها تقوية تضاف إلى أمر كلى هو المعتمد فى المسألة، وذلك أن السلف والخلف من التابعين ومن بعدهم ، يهابون مخالفة الصحابة، ويتكثرون بموافقتهم ، وأكثر ما تجد هذا المعنى فى علوم الخلاف الدائرة بين الأئمة المعتبرين، فتجدهم إذا عينوا مذاهبهم قوَّوها بذكر من ذهب إليها من الصحابة ، وما ذاك إلا لما اعتقدوا فى أنفسهم وفى مخالفيهم من تعظيمهم ، وقوة مآخذهم دون غيرهم ، وكبر شأنهم فى الشريعة ، وأنهم مما يجب متابعتهم وتقليدهم فضلاً عن النظر معهم فيما نظروا فيه

ويؤيد هذا ما جاء عن السلف الصالح ، من تزكيتهم والحث على متابعتهم
__________
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة 4/2 رقم 467، والترمذى فى سننه كتاب العلم ، باب ما جاء فى الأخذ بالسنة واجتناب البدع 5/43 رقم 2676 وقال : حسن صحيح ، وأخرجه ابن ماجة فى سننه المقدمة ، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1/15 رقمى 42، 43، وأحمد فى مسنده 4/126، وابن حبان فى صحيحه (الإحسان فى ترتيب صحيح ابن حبان) 1/178 رقم 5 ، والمروزى فى السنة ص26 رقم 69 – 72

فعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : “من كان مستناً فليستن(1) بأصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هدياً ، وأحسنها حالاً، قوماً اختارهم الله لصحبة نبيه ، وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم فضلهم ، واتبعوهم فى آثارهم ، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ” (2)
… وقال عمر بن عبد العزيز : ” سن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وولاة الأمر بعده سننا ً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله ، واستكمال لطاعة الله ، وقوة على دين الله ، من عمل بها مهتدٍ، ومن استنصر بها منصور، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم ، وساءت مصيراً

وفى رواية بعد قوله – وقوة على دين الله – ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ، ولا النظر فى رأى خالفها ، من اهتدى بها مهتد … الحديث”(3) .
__________
(1) ذهب الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة إلى أن هذا هو الأصح فى بداية الأثر، وأن ابن قيم الجوزية، وابن عبد البر،تأولاه (من كان متأسياً) ينظر: لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث ص 38
(2) أخرجه البغوى فى شرح السنة كتاب الإيمان ، باب رد البدع والأهواء 1/214، وأخرجه ابن عبدالبر فى جامع بيان العلم 2/97، وذكره ابن قيم الجوزية فى أعلام الموقعين 4/139
(3) أخرجه الخطيب فى الفقيه والمتفقة، باب القول فى أنه يجب إتباع ما سنه السلف من الإجماع والخلاف وأنه لا يجوز الخروج عنه1/435رقم 455، والآجرى فى الشريعة ص48،65،36، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم ، باب الحض على لزوم السنة والإقتصار عليها 2/187 .

فقال مالك فأعجبنى عزم عمر على ذلك”(1) والآثار فى هذا المعنى يكثر إيرادها ، وقد استوعب كثيراً منها الإمام ابن قيم الجوزية فى كتابه أعلام الموقعين عن رب العالمين(2)
… ويقول الإمام الشاطبى فى موضع آخر من كتابه مبيناً أن بيان الصحابى حجة ، قال: “وأما بيان الصحابة ، فإن أجمعوا على ما بينوه ، فلا إشكال فى صحته أيضاً، كما أجمعوا على الغسل من التقاء الختانين المبين لقوله تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } (3) وهذا الإجماع حجة موجبة للعلم ،ولا يعتد بخلاف من خالفهم ،كما حكاه السرخسى(4)،عن أبى حازم القاضى(5) .
وإن لم يجمعوا عليه فهل يكون بيانهم حجة أم لا ؟ هذا فيه نظر وتفصيل
ولكنهم يترجح الإعتماد عليهم فى البيان ، من وجهين :
أحدهما : معرفتهم باللسان العربى، فإنهم عرب فصحاء، لم تتغير ألسنتهم، ولم تنزل عن
رتبتها العليا فصاحتهم ، فهم أعرف فى فهم الكتاب والسنة من غيرهم ، فإذا جاء
عنهم قول أو عمل واقع موقع البيان صح اعتماده من هذه الجهة
__________
(1) الموافقات 4/452 – 455، وينظر : الإعتصام 2/519
(2) أعلام الموقعين 4/118 – 156، وينظر : الرسالة للشافعى ص 596 فقرات رقم 1682، 185 – 1811
(3) جزء من الآية 6 من سورة المائدة
(4) أصول السرخسى 1/317، وينظر : علم أصول الفقه وتاريخ التشريع الإسلامى للشيخ أحمد إبراهيم ص 24، 25
(5) أبو حازم هو : سلمة بن دينار المخزومى، عالم المدينة، وقاضيها، وشيخها، قال فيه ابن سعد : كان ثقة كثير الحديث مات سنة 14هـ له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1/376 رقم 2496، وتذكرة الحفاظ 1/133 رقم 119، وشذرات الذهب 1/ 28 .

ثانيهما : مباشرتهم للوقائع والنوازل ، وتنزيل الوحى بالكتاب والسنة ، فهم أقعد فى فهم القرائن الحالية، وأعرف بأسباب التنزيل، ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات، أو تخصيص بعض العمومات ، فالعمل عليه صواب ، وهذا إن لم ينقل عن أحد منهم خلاف فى المسألة، فإن خالف بعضهم فالمسالة اجتهادية ” (1)
ويقول فى كتابه الإعتصام : “الصحابة هم المتقلدون لكلام النبوة ، المهتدون للشريعة ، الذين فهموا أمر دين الله بالتلقى من نبيه مشافهة على علم ، وبصيرة بمواطن التشريع، وقرائن الأحوال ، بخلاف غيرهم : فإذا كل ما سنوه ، فهو سنة ، من غير نظير فيه، بخلاف غيرهم ، فإن فيه لأهل الاجتهاد مجالاً للنظر رداً وقبولاً ” (2)
سنة الصحابة مصدراً للأحكام الدستورية :
يقول المستشار الدكتور على حريشة بعد أن رد اعتراضات المنكرين لحجية مذهب الصحابى(3)، قال : وسنة الصحابة يمكن أن تكون مصدراً للأحكام الدستورية : ولقد كان نظام الخلافة وليد اجتهاد الصحابة فضرورة البيعة – وهى مظهر رضا المسلمين – كانت عليها سنة الصحابة ، فلم يل أحدهم دون بيعة ، ولم يكن الإستخلاف بالنسبة لمن استخلفوا إلا ترشيحاً، واستمرار الخلافة مدى حياة الخليفة … كان سنة للصحابة ، تحقق بها ميزات عجز عنها كل من النظام الجمهورى ، والنظام الملكى على السواء ، فقد وفرت الثبات الذى ينقص الأنظمة الجمهورية ، ونفت التوارث الذى يعيب الأنظمة الملكية
__________
(1) الموافقات 3/3، 31
(2) الإعتصام 2/519
(3) مصادر الشريعة الإسلامية مقارنة بالمصادر الدستورية ص 42 – 48

وهكذا يتبين أن سنة الخلفاء كانت مصدراً لكثير من الأحكام الدستورية ؛على غير ما يذهب إليه بعض “المجتهدين” “المحدثين ” (1) أهـ
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) كالأستاذ الدكتور عبد الحميد متولى فى كتابه مبادئ نظام الحكم فى الإسلام ص 263، وفى كتابه ترديد لكثير مما قاله على عبد الرازق فى كتابه (الإسلام وأصول الحكم)، ينظر : مصادر الشريعة الإسلامية مقارنة بالمصادر الدستورية ص 49

المبحث السادس
من أراد معاوية – رضي الله عنه – فإنما أراد الصحابة
جميعاً – رضي الله عنهم –
يحرص أعداء السنة النبوية من غلاة الرافضة وأذيالهم , فى الطعن فى صحة إسلام سيدنا معاوية – رضي الله عنه – ، وأنه فتح باب الوضع فى السنة النبوية , وعلى هذا الزعم بنى نيازى عز الدين كتابه (دين السلطان) فهو يعنى بالسطان معاوية بن أبى سفيان – رضي الله عنه – ، وسيدنا معاوية فى زعمه هو الذى فتح باب الروايات بالأحاديث المفتراة لتحل محل القرآن ، وأصبحت ديناً، وساعده على ذلك جنوده من الفقهاء ، والمحدثين ، وفى ذلك يقول : “والتاريخ الإسلامى يحدثنا أن معاوية كان من دهاة العرب … فأعاد عقلية الجاهلية بتوقيفه أحكام القرآن، من خلال فتح باب الروايات بالأحاديث المفتراة لتحل محل القرآن وقد وجد كثيراً من المساعدين من بين أصحاب المصالح من علماء السوء ، والحساد، والمنافقين من أعداء الإسلام ” (1)

وبنفس هذا الزعم تقول الرافضة طاعنين بذلك فى عقيدة أهل السنة
__________
(1) دين السلطان ص36،37 وينظر من نفس المصدر ص 34-41،795 حيث تصريحه بأن معاوية هو السلطان ، وجنوده فى وضع الأحاديث ، هم المحدثون ، والفقهاء ، وينظر:أيضاً من نفس المصدر ص 11، 13، 11، 114، 117، 119، 124، وينظر:152،22،671،حيث استشهاده بالأحاديث السابقة ، وقارن بكتابة إنذار من السماء ص 39، 123، وأصول الحديث للدكتور عبد الهادى الفضلى ص 133، والشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجانى ص26، وأحاديث أم المؤمنين عائشة، أدوار من حياتها لمرتضى العسكرى ص 284 وما بعدها

يقول صالح الوردانى بعد أن ذكر نماذج من الأحاديث السابقة وما فى معناها قال : “إن هذه الروايات ، وهذه العقيدة ، هى التى خلقت فقهاء السلاطين ، وخلقت الحكام الطغاة الظالمين فى تاريخ المسلمين … ولولا هذه الروايات وهذه العقيدة ما هيمنت القبلية ، والأموية ، والعباسية ، على واقع المسلمين فإن جميع الحكومات التى قامت من بعد الرسول – صلى الله عليه وسلم -، اعتمدت هذه الروايات فى دعم سلطانها ونفوذها وإضفاء المشروعية عليها ” (1) .
… ويقول رافضى آخر زكريا عباس داود : “إننا عندما نبحث فى أسباب الوضع نلاحظ أن الجانب السياسى ، كان دافعاً قوياً لمعاوية كى يوظف السنة لخدمة أهدافه …، ولذا عمد لاستخدام مجموعة من الصحابة ، والتابعين ، كى يضعوا أحاديث تبرر له أعماله ، وتضفى الشرعية الدينية على ملكه (2)
__________
(1) أهل السنة شعب الله المختار ص 88 ، وينظر : له أيضاً الخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة ص55-61، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص 292 وما بعدها، وينظر : قراءة فى صحيح البخارى لأحمد صبحى منصور ص 41
(2) تأملات فى الحديث عند السنة والشيعة ص 145
… وممن قال بذلك أيضاً : عبد الحسين شرف الدين(1)، ومرتضى العسكرى(2)، ومحمود أبو رية(3)، ومحمد نجيب(4)، وعلى الشهرستانى(5)
__________

(1) عبد الحسين شرف الدين : هو عبد الحسين شرف الدين الموسوى، شيعى إمامى، ولد فى الكاظمية، ببغداد سنة129هـ من مؤلفاته : أبو هريرة ، والنص والاجتهاد مات سنة1377هـ – 1957م ترجم له محمد صادق الصدر فى مقدمة كتاب النص والاجتهاد ص5-39، ينظر : استشهاد بالشبهة التى معنا فى كتابيه النص والاجتهاد ص331-332، وأبو هريرة ص39 – 51
(2) : كات شيعي معاصر، وعميد كلية أصول الدين الأهلية ببغداد (سابقًا) من مصنفاته: عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى، ومعالم المدرستين، وخمسون ومائة صحابي مختلق، وأحاديث عائشة وأطوار من حياتها، وهو في كل مؤلفاته السابقة يٌعلن مذهب الرافضة في السنة والصحابة . ينظر : استشهاد بالشبهة التى معنا فى معالم المدرستين المجلد 1/361، والمجلد 2/53، وأحاديث عائشة أدوار من حياتها ص 255، 359 – 49
(3) أضواء على السنة ص 126، 137، 179، وشيخ المضيرة ص 17 – 263
(4) كاتب معاصر من مؤلفاته (الصلاة) أنكر فيه السنة المطهرة، وزعم أن تفاصيل الصلاة واردة فى القرآن الكريموالكتاب صادر عن ندوة أنصار القرآن، نشر دائرة المعارف العلمية الإسلامية ينظر : استشهاد بالشبهة التى معنا فى الصلاة ص 37-41
(5) كاتب شيعي معاصر، من مصنفاته منع تدوين الحديث أسباب ونتائج، طعن فيه في حجية السنة النبوية وفي رواتها من الصحابة الأعلام ، وخاصة أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية (رضى الله عنهم أجمعين). ينظر : استشهاد بالشبهة التى معنا فى منع تدوين الحديث أسباب ونتائج ص 32، 274، 352، 362، 387، 494

، وعلى الوردى(1)، وجمال البنا(2)،
وعبدالجواد ياسين(3)، وإدريس الحسينى(4)، والسيد صالح أبو بكر(5)
والناظر فيما قاله أعداء السنة سابقاً يرى أنهم يطعنون فى :
__________
(1) على الوردى : كاتب معاصر، من مؤلفاته : وعاظ السلاطين ، ينظر : استشهاده بالشبهة التى معنا فى كتابه وعاظ السلاطين ص 116-138-165
(2) هو: ابن العالم المحدث الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا، صاحب الفتح الربانى فى ترتيب مسند أحمد، وشقيق الأستاذ حسن البنا، المرشد الأول لجامعة الإخوان المسلمين، من آثاره التى طعن فيها فى حجية السنة، الأصلان العظيمان ، والسنة ودورها فى الفقه الجديد . وغير ذلك . ينظر استشهاده بالشبهة التى معنا فى كتابه السنة ودورها فى الفقه الجديد ص 182، 256
(3) قاضى مصرى سابق ، تخرج من كلية الحقوق في جامعة القاهرة سنة 1976 ، من مؤلفاته (السلطة في الإسلام العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ) شكك في هذا الكتاب في حجية السنة وفي رواتها. ينظر : استشهاده بالشبهة التى معنا في كتابة السلطة في الإسلام ص ص 258 – 292، 31
(4) كاتب صحفى معاصر، تشيع ، من مؤلفاته:”لقد شيعنى الحسين-الإنتقال الصعب فى رحاب المعتقد والمذهب” والخلافة المغتصبة، ينظر : استشهاده بالشبهة التى معنا فى الخلافة المغتصبة ص179، ولقد شيعنى الحسين ص 247 – 29
(5) كاتب مصرى ، كان ينتمى إلى جماعة أنصار السنة بالإسكندرية، وعندما أصدر كتابه الأضواء القرآنية فى اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخارى منها، والذى تابع فيه محمود أبو رية، قررت جماعة أنصار السنة فصله من الجماعة ينظر : استشهاده بالشبهة التى معنا فى الأضواء القرآنية ص 45

صحة إسلام معاوية – رضي الله عنه – ، ووصفهم له بأنه كان منافقاً اعتماداً على ما ورد من أنه أسلم يوم الفتح ، وكان من الطلقاء المؤلفة قلوبهم ، وأنه فتح باب الوضع فى السنة ، وصرح بذلك الرافضة السابق ذكرهم ، وتبعهم على ذلك دعاة الفتنة , وأدعياء العلم
الجواب عن الطعن فى صحة إسلام سيدنا معاوية – رضي الله عنه – ،
وأنه فتح باب الوضع فى السنة النبوية .
ما طعن به أعداء السنة المطهرة فى صحة إسلام سيدنا معاوية – رضي الله عنه – ، دافع عنه فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو شهبة بقوله : “وقد غاب عن أعداء الإسلام أن الكاتبين فى تاريخ الصحابة ذكروا عن الواقدى ، وابن سعد ، أنه أسلم بعد الحديبية قبل الفتح ، وأنه أخفى إسلامه مخافة أهله ، وأنه كان فى عمرة القضاء مسلما ً، وإذا كان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم فى رأى البعض ، ففى رأى الكثيرين أنه ليس من المؤلفة قلوبهم ، قال ابن عبد البر : “معاوية وأبوه من المؤلفة قلوبهم ، ذكره فى ذلك بعضهم “، وهو يشعر بأن الكثيرين لا يرون هذا الرأى ، ولذا نجد الحافظ المحقق ابن حجر لم يذكر فى ترجمته شيئاً من هذا ، وإنما ذكر فى ترجمة أبيه أنه من المؤلفة قلوبهم (1)
قلت : ومهما يكن من شئ فقد أسلم وحسن إسلامه ، وحتى لو كان ممن أسلموا يوم الفتح ، فلا يقدح ذلك فى عدالته وصحبته ، بعد تزكية رب العزة لمن أسلموا بعد الفتح
__________
(1) ينظر : فى ترجمته : الإستيعاب 3/1416 رقم 2435، وتاريخ الصحابة ص 231 رقم 1239، وأسد الغابة 5/21 رقم 4984، والإصابة 4/433 رقم 868 وينظر : الطبقات الكبرى لابن سعد 7/46، وفتح البارى 7/13 رقم 3764، والبداية والنهاية 8/12

أيضاً قال تعالى : { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } (1)
وكيف يصح الطعن فى صحة إسلامه – رضي الله عنه – ، وقد كان أحد كتبة الوحى بين يدى النبى – صلى الله عليه وسلم – (2) .
يدل على ذلك ما روى عن ابن عباس – رضى الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعث إلى معاوية ليكتب له ، فقال : إنه يأكل ، ثم بعث إليه ، فقال : إنه يأكل ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” لا أشبع الله بطنه ” (3)

__________
(1) الآية 1 من سورة الحديد
(2) دفاع عن السنة ص65 بتصرف ، وينظر تطهير الجنان واللسان لابن حجر الهيتمى ص7،وما بعدها
(3) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب البر والصلة، باب من لعنه النبى – صلى الله عليه وسلم – أو سبه … إلخ 8/399 رقم 364، وأخرجه أبو داود الطيالسى فى مسنده ص 359 رقم 2746واللفظ له، والبيهقى فى دلائل النبوة 6/243

يقول الأستاذ محب الدين الخطيب(1) – رحمه الله – : ” قد يستغل بعض الفرق من أعداء الإسلام(2) هذا الحديث ليتخذوا منه مطعناً فى معاوية – رضي الله عنه – وليس فيه ما يساعدهم على ذلك ، كيف وفيه أنه كان كاتب النبى – صلى الله عليه وسلم -؟! .
فالظاهر أن هذا الدعاء منه – صلى الله عليه وسلم – غير مقصود ، بل هو مما جرت به عادة العرب فى وصل كلامها بلا نية كقوله – صلى الله عليه وسلم – : ماله تربت يداه (3) , وثكلتك أمك يا معاذ (4) . ونحو ذلك .
__________
(1) هو : محب الدين الخطيب بن أبى الفتح محمد بن عبد القادر بن صالح الخطيب ، من كبار الكتاب الإسلاميين، ولد فى دمشق وتعلم بها ، أصدر مجليته (الزهراء) و (الفتح) ، وكان من أوائل مؤسسى جمعية الشبان المسلمين، وتولى تحرير مجلة الأزهر الشريف ، وانشأ المطبعة السلفية ومكتبتها ، من مؤلفاته : تاريخ مدينة الزهراء بالأندلس ، وغير ذلك مات سنة 1969م له ترجمة فى : الأعلام 5/282
(2) ينظر : دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين صالح الوردانى ص 264
(3) ينظر الحديث وقصته فى الترمذى فى الشمائل المحمدية ص16 رقم 157، وأبو داود فى سننه كتاب الطهارة ، باب فى ترك الوضوء مما مست النار 1/48 رقم 88 ورجاله كلهم ثقات – فالإسناد صحيح
(4) ينظر الحديث وقصته فى ابن أبى الدنيا فى الصمت ص37 رقم 6، والترمذى فى سننه مطولاً كتاب الإيمان، باب ما جاء فى حرمة الصلاة 5/13 رقم 2616

وقال : حسن صحيح، والنسائى فى سننه الكبرى كتاب التفسير، باب قوله تعالى : “تتجافى جنوبهم عن المضاجع” 6/428 رقم 11394، وابن ماجة، فى سننه كتاب الفتن، باب كف اللسان فى الفتنة 2/486 رقم 3973، وأحمد فى المسند 5/231، 237، والحاكم فى المستدرك 4/319 رقم 7774 وقال : على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى
ويمكن أن يكون ذلك منه – صلى الله عليه وسلم – بباعث البشرية التى أفصح عنها هو نفسه – صلى الله عليه وسلم – فى أحاديث كثيرة متواترة : منها حديث عائشة – رضى الله عنها – مرفوعاً : “… أَوَ مَاَ عَلِمْتِ مَا شَرَطْتُ عَلَيْهِ رَبِىِّ ؟ قُلْتُ : اللَّهُمَّ “إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَىُّ المُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ ، فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاَةً وَأَجْرا ً” (1)
ولم تعرف عن معاوية – رضي الله عنه – دخلة فى إيمانه , ولا ريبة فى إخلاصه لإسلامه , ولا فى إمارته
يقول القاضى أبو بكر بن العربى(2)
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب البر والصلة، باب من لعنة النبى – صلى الله عليه وسلم – أو سبه أو دعا عليه 8/396 رقم 26، وينظر : شبهات أعداء السنة حول هذا الحديث والرد عليها فى كتاب”رد شبهات حول عصمة النبى – صلى الله عليه وسلم – فى ضوء القرآن الكريم و السنة النبوية ” للمؤلف الفصل السابع من الباب الرابع .دار اليقين بالمنصورة , ودار القبلتين بالسعودية, الطبعة الأولى1424 هـ-23 م .
(2) هو : محمد بن عبد الله بن محمد المعافرى الأشبيلى المالكى , بلغ رتبة الإجتهاد فى علوم الدين ,
وهو ختام علماء الأندلس , وآخر أئمتها وحفاظها. من مصنفاته : أحكام القرآن , والمحصول فى
أصول الفقه , وغير ذلك . توفى سنة 543هـ له ترجمة فى : طبقات المفسرين للداودى 2/167
رقم 511 , وشجرة النور الزكية ص136 رقم 48 , والديباج المذهب ص 376 رقم 59 .

: مبيناً ما اجتمع فى معاوية من خصال الخير إجمالاً قال : “معاوية اجتمعت فيه خصال : وهى أن عمر جمع له الشامات كلها وأفرده بها، لما رأى من حسن سيرته، وقيامه بحماية البيضة وسد الثغور، وإصلاح الجند ، والظهور على العدو، وسياسة الخلق وقد شهد له فى صحيح الحديث بالصحبة والفقه ، فيما رواه البخارى فى صحيحه بسنده عن ابن أبى مليكه قال : “أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس، فقال : دعه؛ فإنه صحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
وفى رواية أخرى قيل لابن عباس : هل لك فى أمير المؤمنين معاوية ؛ فإنه ما أوتر إلا بواحدة ، قال : إنه فقيه (1) .
… يقول ابن العربى : “وشهد بخلافته فى حديث أم حرام – رضى الله عنها (2)
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر معاوية – رضي الله عنه – 7/13 رقمى 3764، 3765، وينظر : كتاب مروان بن الحكم إلى معاوية بن أبى سفيان يستفتيه فى مجنون قتل رجلاً أخرجه مالك فى الموطأ كتاب العقول ، باب ما جاء فى دية العمد إذا قبلت وجناية المجنون 2/648 رقم 3 ، وينظر : أسد الغابة 5/22 رقم 4984
(2) هى : أم حرام بنت ملحان بن خالد بن حرام بن جندب بن النجار، الأنصارية الخزرجية، النجارية، زوج عبادة بن الصامت ، وأخت أم سليم ، وخالة أنس بن مالك ، ولا يصح لها اسم، وتلقب بالغميصاء ، والغمص والرمص، نقص يكون بالعين ، وكان للنبى – صلى الله عليه وسلم – عليها وعلى أختها، من البسط والإدلال مالا يعرف لغيرهما، حتى قيل: إن ثمة محرمية من رضاع وغيره، دعا لها النبى – صلى الله عليه وسلم – بالشهادة ، ماتت فى خلافة سيدنا عثمان رضى الله عنه. لها ترجمة فى : أسد الغابة 7/34 رقم 7411، والرياض المستطابة ص327، 328، والإستيعاب 4/1931 رقم 4137 .

– فيما رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نام عندها القيلولة ثم استيقظ وهو يضحك ؛ لأنه رأى ناساً من أمته غزاة فى سبيل الله يركبون ثبج البحر – أى وسطه ومعظمه – ملوكاً على الأسرة ثم وضع رأسه فنام واستيقظ وقد رأى مثل الرؤيا الأولى فقالت له أم حرام : أدع الله أن يجعلنى منهم، فقال، أنت من الأولين”، فركبت أم حرام البحر فى زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت”(1)
قال الحافظ ابن كثير : يعنى بالأول جيش معاوية حين غزا قبرص ففتحها سنة 27 أيام عثمان بن عفان ، بقيادة معاوية ، عقب إنشائه الأسطول الإسلامى الأول فى التاريخ، وكانت معهم أم حرام فى صحبة زوجها عبادة بن الصامت ومعهم من الصحابة أبو الدرداء وأبو ذر وغيرهم وماتت أم حرام فى سبيل الله , وقبرها بقبرص إلى اليوم
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح البارى) كتاب الجهاد السير، باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء 6/13 رقم 2788، 2789، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإمارة، باب فضل الغزو فى البحر 7/65 رقم 1912

قال ابن كثير : ثم كان أمير الجيش الثانى يزيد بن معاوية فى غزوة القسطنطينية قال : وهذا من أعظم دلائل النبوة(1) فى الشهادة لسيدنا معاوية ، وابنه يزيد بالفضل ، والمغفرة والجنة كما جاء فى حديث أم حرام مرفوعاً : ” أول جيش من أمتى يركبون البحر قد أوجبوا (2) وأول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : لا ” (3)

يقول الإمام ابن تيمية : “لم يكن من ملوك المسلمين ملك خيراً من معاوية ، ولا كان الناس فى زمان ملك من الملوك خيراً منهم فى زمن معاوية ، إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده ، وإذا نسبت إلى أيام أبى بكر وعمر ظهر التفاضل

وقد روى أبو بكر بن الأثرم – ورواه ابن بطه من طريقه عن قتادة قال : “لو أصبحتم فى مثل عمل معاوية لقال أكثركم : هذا المهدى ”
وروى ابن بطه بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد قال : لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدى
وروى الأثرم عن أبى هريرة المكتب قال : كنا عند الأعمش فذكروا عمر بن عبدالعزيز وعدله ، فقال الأعمش ، فكيف لو أدركتم معاوية ؟ قالوا فى حلمه ؟ قال : لا والله ، بل فى عدله
وعن أبى إسحاق السبيعى أنه ذكر معاوية فقال : لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم : كان المهدى
__________
(1) البداية والنهاية 8/229، وينظر : النهاية فى الفتن والملاخم 1/17، وفتح البارى 6/23، 12 أرقام 2799، 28، 2924
(2) “قد أوجبوا” قال ابن حجر : أى فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة، قال المهلب وفى الحديث : منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر، ومنقبه لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر ينظر : فتح البارى 6/12 –121 رقم 2924
(3) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل فى قتال الروم 6/12 رقم 2924

وهذه الشهادة من هؤلاء الأئمة الأعلام لأمير المؤمنين معاوية صدى استجابة المولى – عز وجل – لدعاء سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – , لهذا الخليفة الصالح يوم قال – صلى الله عليه وسلم – : ” اللهم اجعله هادياً ، مهدياً ، واهد به ” (1)
وقبل أن أنهى الكلام على شهادات الصحابة ، والتابعين ، وآراء العلماء ، فى معاوية ، أنقل رأياً طريفاً للمؤرخ العلامة ابن خلدون فى اعتبار معاوية من الخلفاء الراشدين قال : “إن دولة معاوية وأخباره كان ينبغى أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين وأخيارهم فهو تاليهم فى الفضل والعدالة والصحبة (2)
__________
(1) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب المناقب، باب مناقب لمعاوية بن أبى سفيان- رضي الله عنه -5/645رقم 3842 من حديث عبد الرحمن بن عميرة – رضي الله عنه -، وقال الترمذى : هذا حديث حسن غريب وينظر : منهاج السنة 3/185، والبداية والنهاية 8/124 – 125
(2) تاريخ ابن خلدون 2/458

ويقول أيضاً فى مقدمته : مدافعاً عن إيثاره ابنه يزيد بالعهد، دون من سواه قال : ” إنما هو مراعاة المصلحة فى اجتماع واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بنى أمية … وهم عصابة قريش(1) وأهل الملة أجمع ، وأهل الغلب منهم ، فآثره بذلك دون غيره … حرصاً على الإتفاق ، واجتماع الأهواء الذى شأنه أهم عند الشارع ، ولا يظن بمعاوية غير هذا فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه ، دليل على انتفاء الريب فيه ، فليسوا ممن يأخذهم فى الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة فى قبول الحق فإنهم كلهم أجل من ذلك وعدالتهم مانعة منه ” (2)

__________
(1) ينظر : دفاعه عن حديث (الأئمة من قريش) ورده لما اعترض به عليه من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، فى المقدمة ص 214، وينظر : تأويل مختلف الحديث ص 115
(2) المقدمة 228، 233

وينظر:دفاعه عما وجه إليه من اعتراض على اخذه العهد لابنه يزيد ص24 وراجع : للاستزادة : العواصم من القواصم للقاضى أبو بكر بن العربى، والصواعق المحرقة وتطهير الجنان واللسان كلاهما لابن حجر الهيتمى
” نذكر جميع هذه الشهادات ، وقبلها الأحاديث النبوية فى فضل معاوية(1)، مع اعترافنا – يشهد الله تعالى – بفضل على بن أبى طالب – رضي الله عنه -، وأنه أفضل منه والحق غالبه معه ، وكل كان مجتهدا ً(2) وقد جاء فى الحديث الصحيح : “إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب؛ فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم اخطأ؛ فله أجر”(3)
وقد أوردت هذه الأمثلة القليلة التى لا يسع المقام لأكثر منها ؛ ليعلم الناس أن الصورة الحقيقية لمعاوية – رضي الله عنه – تخالف الصورة الكاذبة التى يصورها الزنادقة من الرافضة ومن تابعهم من أعداء الإسلام ، والسنة المطهرة ، تلك الصورة التى تنكر ما جاء فى السنة المطهرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وعن الصحابة ، والتابعين ، من الشهادة له بالصحبة ، والفقه، والملك العادل ، وحسن السيرة , حتى شهد له من أدركه كمجاهد والأعمش بأنه المهدى

__________
(1) لا يشك أحد فى أنه وضع فى فضائل معاوية وكذا الخلفاء الراشدون أحاديث كثيرة، ولكن أحصاها الأئمة ، وبينوا الموضوع منها ، من الصحيح، وقد عرض الحافظ ابن كثير لما ورد فى فضائل معاوية – رضي الله عنه – وميز الصحيح من الموضوع ، ينظر : البداية والنهاية 8/12 – 147، وينظر : مجمع الزوائد 9/356 , ويراجع : الكتب المؤلفة فى الموضوعات , باب المناقب
(2) ينظر : مقدمة ابن خلدون ص 227، ومختصر التحفة الإثنى عشرية 35 – 324، والعواصم من القواصم ص 172 وما بعدها، ومنهاج السنة لابن تيمية ص 25، والبداية والنهاية 8/129
(3) أخرجه البخارى(بشرح فتح البارى)كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة،باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو اخطأ 13/33 رقم 7352، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ 6/254رقم1716 من حديث عمرو بن العاص – رضي الله عنه – .

فهل من كان هذا حاله يكون له دخل أو حتى رضا بالوضع فى السنة المطهرة , سواء فى فضائله ، وفضائل الشام , أو فى وضع ما يثبت ملكه ، أو غير ذلك مما يزعمه أعداء الإسلام من الرافضة ومن شايعهم ؟! نعم إذا لم تستح فاصنع ما شئت ….
وأخيراً : ” إنما الإسلام كدار لها باب ، فباب الإسلام الصحابة ، فمن آذى الصحابة ؛ إنما أراد الإسلام ، كمن نقر الباب – أى نقبه – إنما يريد دخول الدار، قال : فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة ” (1)
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم

المبحث السابع

شبهات حول راوية السنة الأول (أبو هريرة – رضي الله عنه -)
والرد عليها
لهج أعداء الإسلام ، وأعداء السنة المطهرة ، قديماً وحديثاً ، وشغفوا بالطعن فى أبى هريرة وتشكيك الناس فى إسلامه ، وفى صدقه وروايته ، وما إلى ذلك أرادوا ! ؛ وإنما أرادوا أن يصلوا إلى التشكيك فى راوية السنة الأول ، وأحفظ من رواها فى دهره ، فأبو هريرة – رضي الله عنه – على رأس السبعة المكثرين من الرواية الذين عناهم من أنشد :
من الحديث عن المختار خير مضر
صديقة ، وابن عباس، كذا ابن عمر
***
***
سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا
أبو هريرة ، سعد، جابر، أنس
فأبو هريرة هو أكثرهم حديثاً فقد روى (5374) حديثاً، ثم عبد الله بن عمر روى (263) حديثاً، ثم أنس بن مالك روى (2286) حديثاً، ثم عائشة أم المؤمنين روت (221) حديثاً، ثم ابن عباس روى (166) حديثاً، ثم جابر بن عبد الله روى (154) حديثاً، ثم أبو سعيد الخدرى (سعد بن مالك) روى (117) حديثاً(2)
__________
(1) إجابة الإمام النسائى لما سئل عن سيدنا معاوية – رضي الله عنه – . ينظر : تهذيب الكمال للحافظ للمزى 1/339 ترجمة الإمام النسائى

(2) ينظر:تدريب الراوى2/216-218، وفتح المغيث للسخاوى3/97، وشذرات الذهب1/63
وما اتهم به أبو هريرة – رضي الله عنه – ، من أكاذيب وافتراءات من قبل أرباب الأهواء قديماً وحديثاً، سندهم فيه إما روايات مكذوبة أو ضعيفة ، وإما روايات صحيحة لم يفهموها على وجهها ، بل تأولوها تأويلاً باطلاً يتفق وأهواءهم
وقد تصدى للرد على تلك الطعون رهط من علماء الإسلام على رأسهم أبى هريرة نفسه ، وصدق على دفاعه – على ما سيأتى – كبار الصحابة ، والتابعين ، فمن بعدهم من أئمة المسلمين، منهم الحاكم فى المستدرك ، وابن عساكر فى تاريخه ، وابن كثير فى البداية والنهاية، وابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث ، وعبد المنعم صالح العلى فى كتابه دفاع عن أبى هريرة ، والدكتور محمد السماحى فى كتابيه “أبو هريرة فى الميزان”، والمنهج الحديث فى علوم الحديث ، والدكتور السباعى فى كتابه “السنة ومكانتها فى التشريع ، والدكتور عجاج الخطيب فى كتابيه السنة قبل التدوين ، وأبو هريرة راوية الإسلام ، والشيخ عبد الرحمن
المعلمى فى كتابه (الأنوار الكاشفة) ، والدكتور أبو زهو فى الحديث والمحدثون ، والدكتور أبو شهبة فى دفاع عن السنة ، والدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف فى كتابه “المختصر فى علم رجال الأثر” وفى مقدمة كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمى وغيرهم
وأكتفى هنا بترجمة للصحابى الجليل لنتعرف بها على مكانته فى الإسلام ، وبراءته مما نسب إليه من أكاذيب وذلك بعد أن نتعرف على أصناف الطاعنين فيه ، والذين ذكرهم الإمام ابن خزيمة (1) بقوله : “إنما يتكلم فى أبى هريرة لدفع أخباره من قد أعمى الله قلوبهم فلا يفهمون معانى الأخبار
1- إما معطل جهمى يسمع أخباره التى يرونها خلاف مذهبهم الذى هو كفر، فيشتمون أبا هريرة، ويرمونه بما الله تعالى قد نزهه عنه ، تمويهاً على الرعاء ، والسفل أن أخباره لا تثبت بها الحجة
2- وإما خارجى يرى السيف على أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – ، ولا يرى طاعة خليفة ولا إمام ، إذا سمع أخبار أبى هريرة – رضي الله عنه – عن النبى – صلى الله عليه وسلم – خلاف مذهبهم الذى هو ضلال لم يجد حيلة فى دفع أخباره بحجة وبرهان ، كان مفزعة الوقيعة فى أبى هريرة
3- أو قدرى اعتزل الإسلام وأهله ، وكفر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية التى قدرها الله تعالى ، وقضاها قبل كسب العباد لها ، إذا نظر إلى أخبار أبى هريرة التى قد رواها عن النبى – صلى الله عليه وسلم – فى إثبات القدر لم يجد حجة يؤيد صحة مقالته التى هى كفر وشرك ، كانت حجته عند نفسه أن أخبار أبى هريرة ، لا يجوز الاحتجاج بها
__________
(1) ابن خزيمة هو : الحافظ الكبير، أبو بكر، محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة النيسابورى، انتهت إليه الإمامة، والحفظ فى عصره بخرسان، قال فيه ابن حبان : ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن، ويحفظ ألفاظها الصحاح وزيادتها حتى كأن السنن نصب عينيه إلا ابن خزيمة قطومصنفاته:تزيد على مائة وأربعين كتاباً ، منها صحيحة فى السنن، مات سنة 311هـ له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 2/72 رقم 734، والبداية والنهاية 11/149، وطبقات الشافعية للسبكى2/19

4- أو جاهل يتعاطى الفقه ، ويطلبه من غير مظانة ، إذا سمع أخبار أبى هريرة فيما يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه ، وأخباره تقليداً بلا حجة ولا برهان ، تكلم فى أبى هريرة ، ودفع أخباره التى تخالف مذهبه , ويحتج بأخباره على مخالفته إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه ، وقد أنكر بعض هذه الفرق على أبى هريرة أخباراً لم يفهموا معناها ” (1)
قلت : والله – عز وجل – إن من يتكلم فى أبى هريرة فى عصرنا لا يخرج فى عقيدته ، ومذهبه عما ذكرهم الإمام ابن خزيمة – رحمه الله تعالى –
أبو هريرة – رضي الله عنه –
إسلامه وصحبته :
قدم أبو هريرة مهاجراً من اليمن إلى المدينة ليالى فتح خيبر فى المحرم سنة سبع من الهجرة ، وكان قد أسلم على يد الطفيل بن عمرو(2) فى اليمن ، وشهد هذه الغزوة مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – , ولازمه إلى آخر حياته يخدمه ، ويتلقى العلم عنه – صلى الله عليه وسلم – .
__________
(1) مستدرك الحاكم 3/587 رقم 6176 .
(2) الطفيل بن عمرو : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/225 رقم 4254، وتاريخ الصحابة ص145 رقم 75، والإستيعاب 2/757 رقم 1274، وأسد الغابة 3/77 رقم 2613

ويتحدث هو عن ذلك لما سأله مروان بن الحكم قائلاً له : ” إن الناس قد قالوا إنك أكثرت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الحديث ، وإنما قدمت قبل وفاة النبى – صلى الله عليه وسلم – بيسير، فقال أبو هريرة : نعم ! قدمت ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – بخيبر سنة سبع ، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات ، وأقمت معه حتى توفى، أدور معه فى بيوت نسائه وأخدمه ، وأنا والله يومئذ مقل (أى فقير)، وأصلى خلفه ، وأحج، وأغزو معه ، فكنت والله أعلم الناس بحديثه ، قد والله سبقنى قوم بصحبته والهجرة إليه من قريش والأنصار ، وكانوا يعرفون لزومى له فيسألونى عن حديثه ، منهم عمر، وعثمان، وعلى ، وطلحة والزبير ، فلا والله ما يخفى على كل حديث كان بالمدينة
قال : فوالله ما زال مروان يقصر عن أبى هريرة ، ويتقيه بعد ذلك ، ويخافه، ويخاف جوابه(1) .
وفيما سبق رد على دعوى الرافضة ومن قال بقولهم : ” إن أبا هريرة لم يصاحب النبى – صلى الله عليه وسلم – إلا سنة وتسعة أشهر(2)، فالمعروف أن أبا هريرة أسلم عام خيبر، وخيبر كانت فى جمادى الأولى سنة سبع(3) وبين خيبر ووفاة النبى – صلى الله عليه وسلم – أربع سنوات ، إلا شهرين تقريباً فإن الوفاة كانت فى ربيع الأول سنة 11هـ (4)
خلقه وتقواه :
__________
(1) البداية والنهاية 8/111، 112، وانظر : الاستيعاب لابن عبد البر 4/1771 رقم 328
(2) ينظر : شبهات حول الشيعة لعباس الموسوى ص 141، وشيخ المضيرة ص 135، وأضواء على السنة ص 2 كلاهما لمحمود أبو ريه، والسلطة فى الإسلام لعبد الجواد ياسين ص 241، والشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجانى السماوى ص22
(3) ينظر : طبقات ابن سعد 2/81
(4) ينظر : سير أعلام النبلاء 2/589 – 59

كان – رضي الله عنه -، صادق اللهجة ، خفيف الروح محبباً إلى الصحابة ، وكان – رضي الله عنه – تقياً ورعاً كثير التعبد ، شديد الخشية لله تعالى، وكان يقول : “وأيم الله لولا آية فى كتاب الله ما حدثتكم بشئ أبداً ، ثم يتلو قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } (1)
وكان صواماً قواماً يتناوب قيام الليل ، هو وزوجته ، وخادمه ، فيما رواه عنه أبو عثمان النهدى(2) – رضي الله عنه – قال : “تضيفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته ، وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً : يصلى هذا ، ثم يوقظ الآخر فيصلى ، ثم يوقظ الثالث ” (3)
وقد أرسله النبى – صلى الله عليه وسلم – مع العلاء بن الحضرمى(4) إلى البحرين لينشر الإسلام ، ويفقه المسلمين فى الدين(5)
كما استعمله الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – على البحرين فترة ثم عزله ، وبعد ذلك دعاه عمر ليوليه فلم يقبل أبو هريرة وقال : “أخشى أن أقول بغير علم ، وأقضى بغير حلم ، وأن يضرب ظهرى , وينزع مالى ، ويشتم عرضى ” (6)
__________
(1) الآية 159 من سورة البقرة
(2) أبو عثمان النهدى هو : عبد الرحمن بن مل، مخضرم، ثقة ثبت عابد، مات سنة 95هـ له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1/592 رقم 431، وتذكرة الحفاظ 1/65 رقم 56، وشذرات الذهب 1/118، وطبقات ابن سعد 7/61
(3) ينظر : البداية والنهاية 8/113، وتذكرة الحافظ 1/36
(4) العلاء بن الحضرمى : صحابى جليل له ترجمة فى : أسد الغابة 4/71 رقم3745، ، ومشاهير علماء الأمصار ص75 رقم 4، والإصابة 2/497 رقم 5642
(5) البداية والنهاية 8/116، وينظر : زاد المعاد 3/692، 693
(6) البداية والنهاية 8/114، 115

يقول الإمام الجوينى : “وهذا مما يتمسك به فى أبى هريرة – رضي الله عنه – فعمر مع تنزهه عن المداراة والمداجاة والمداهنة ، اعتمده وولاه فى زمانه أعمالاً جسيمة ، وخطوباً عظيمة ، وكان يتولى زماناً على الكوفة وكان يبلغه روايته عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فلو لم يكن من أهل الرواية ، لما كان يقرره عمر – رضي الله عنه – مع العلم بإكثاره (1)

ولم يشترك أبو هريرة فى الفتن التى حدثت بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان – رضي الله عنه – بل اعتزلها ولم يفارق الحجاز منذ استعمله عمر على البحرين ثم عزله ولم يزل يسكن المدينة ، وبها كانت وفاته
… وفى هذا رد على الرافضة ومن قال بقولهم من اشتراك أبى هريرة فى الفتنة بين على ومعاوية- رضى الله عنهما – :
” فكان يأكل مع معاوية فإذا حضرت الصلاة صلى خلف على- رضي الله عنه – ، فإذا قيل له فى ذلك قال: مضيرة(2)معاوية أدسم ،والصلاة خلف علىّ أفضل”(3) .

فهذه القصة التى بنى عليها الرافضى محمود أبو رية تسمية كتابه “شيخ المضيرة أبو هريرة” هذه القصة لا يصدقها عاقل ، والأحداث التاريخية تكذبها
يقول الدكتور محمد أبو شهبة : “كيف يصح هذا فى العقول ، وعلىّ كان بالعراق ، ومعاوية كان بالشام ، وأبو هريرة كان بالحجاز، إذ الثابت أنه بعد أن تولى إمارة البحرين فى عهد عمر – رضي الله عنه – لم يفارق الحجاز(4)
__________
(1) البرهان فى أصول الفقه 1/24
(2) شيخ المضيرة لمحمود أبو رية ص 61 وينظر له أيضاً : أضواء على السنة ص 197-199، وشبهات حول الشيعة لعباس الموسوى ص 144
(3) المضيرة : مريقة تطبخ بلبن وأشياء، وهى عند العرب أن تطبخ اللحم باللبن البحت الصريح الذى قد حذى اللسان حتى ينضج اللحم لسان العرب 5/178
(4) دفاع عن السنة ص 99

وقال الإمام ابن عبد البر : استعمله عمر على البحرين ثم عزله ، ثم أراده على العمل، فأبى عليه ، ولم يزل يسكن المدينة وبها كانت وفاته (1)
وبهذا يتبين لنا كذب ادعاءاتهم ، ويظهر لنا مدى حقدهم ، اللهم إلا إذا كانت الشيعة ترى أن أبا هريرة أعطى بساط سيدنا سليمان عليه السلام أو كانت الأرض تطوى له طياً !!! (2)
… وعودة إلى خلقه وتقواه – رضي الله عنه – : فقد اشتهر – رضي الله عنه – بالتواضع، والمرح ، فكان يداعب الأطفال ، ويمازح الناس ويلاطفهم ، ومن ذلك أنه كان يمر فى السوق ، يحمل الحزمة من الحطب على ظهره- وهو يومئذ أمير مروان على المدينة فيقول: أوسعوا الطريق للأمير(3)
فمعاوية – رضي الله عنه – استعمله فى عهده على المدينة ثم عزله وولى عليها مروان ، ثم استخلفه مروان عليها حين توجه إلى الحج ” (4)
قوة ذاكرته وروايته :
لقد لازم أبو هريرة رسول الله منذ قدم عليه مهاجراً، ينهل من عمله، ويتلقى عنه أحاديثه ويحفظها، واجتهد فى ذلك حتى صار أحفظ أصحابه، وأكثرهم رواية للحديث، فقد روى (5374) خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً نبوياً – كما فى مسند بقى ابن مخلد- اتفق الشيخان البخارى ومسلم على (325) ثلاثمائة وخمسة وعشرين حديثاً منها،وانفرد البخارى بثلاثة وتسعين،ومسلم بمائة وتسعة وثمانين(5)،وقيل غير ذلك
… وهذه الروايات التى زادت على خمسة آلاف هى بالمكرر
__________
(1) الإستيعاب 4/1771
(2) دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص 99، وينظر : الشيعة والصحابة للدكتور عمر الفرماوى ص 97، 98
(3) ينظر : ما قاله الدكتور السباعى دفاعاً ضد من طعن فى مزاح أبى هريرة – رضي الله عنه – فى السنة ومكانتها فى التشريع ص 337-341.
(4) البداية والنهاية 8/116، 117
(5) تدريب الراوى 2/216، 217، وانظر : سير أعلام النبلاء 2/632

وذكر الدكتور الأعظمى فى كتابه : أبو هريرة فى ضوء مروياته(1) أن أحاديثه فى المسند والكتب الستة هى 1336 حديثاً فقط ، وذلك بعد حذف الأسانيد المكررة وهذا القدر يستطيع طالب عادى أن يحفظه فى أقل من عام، فما بالك بمن كان حفظه من معجزات النبوة ” (2)
ويقول الدكتور أبو شهبة : “وأحب ألا يعزب عن بالنا أن هذه الخمسة آلاف والثلاثمائة والأربعة والسبعون حديثاً، الكثير منها لا يبلغ السطرين أو الثلاثة ، ولو جمعتها كلها لما زادت عن جزء فأى غرابة فى كثرة مروياته مع حداثة صحبته ، مع أن السنين الأربع ليست بالزمن القصير فى عمر الصحبة(3)، ولا سيما ما توافر له دون غيره من الصحابة من أمور كانت سبباً فى تفوقه فى الرواية وكثرة مروياته منها :
أسباب كثرة مروياته :
أولاً : شدة ملازمته للنبى – صلى الله عليه وسلم – منذ قدم مهاجراً إليه سنة سبع من الهجرة يدور معه فى بيوت نسائه يخدمه، ويصلى خلفه، ويحج، ويغزو معه كما حدث عن نفسه، ومما أعانه على التفرغ لذلك أنه كان فقيراً، ولم تكن له زوجه، ولا أولاد حينئذ – ونحو ذلك مما يشغل، مع شدة حرصه على تلقى الحديث عن النبى – صلى الله عليه وسلم -، وشهد له النبى – صلى الله عليه وسلم – بهذا الحرص .
__________
(1) أبو هريرة فى ضوء مروياته ص 76، نقلاً عن (مع الشيعة الإثنى عشرية فى الأصول والفروع) للدكتور على السالوس 3/77
(2) مع الشيعة الإثنى عشرية فى الأصول والفروع 3/77
(3) دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص 13، 14

ومن الآثار الدالة على ذلك : ما جاء فى الصحيح عنه – رضي الله عنه – قال : “يقولون : إن أبا هريرة قد أكثر والله الموعد ويقولون : ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه؟ وسأخبركم عن ذلك : إن إخوانى من الأنصار كان يشغلهم عمل أراضيهم وإن إخوانى من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ملئ بطنى فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، ولقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوماً : “أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثى هذا، ثم يجمعه إلى صدره، فإنه لن ينس شيئاً سمعه ، فبسطت بردة على حتى فرغ من حديثه، ثم جمعتها إلى صدرى، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئاً حدثنى به ولولا آيتان أنزلهما الله فى كتابه ما حدثت شيئاً أبداً : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ(159)إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } (1)
__________
(1) الآيتان 159، 16 من سورة البقرة، والحديث أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب من أبى هريرة 8/29، 292 رقم 2492و البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم، باب حفظ العلم 1/258 رقم 118.

ثانياً : دعاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – له بالحفظ وعدم النسيان، ومما يدل على ذلك الرواية السابقة، وما رواه الحاكم فى المستدرك عن زيد بن ثابت، أن رجلاً جاء إليه فسأله عن شئ فقال له زيد : عليك بأبى هريرة، فإنه بينما أنا وأبو هريرة فى المسجد وفلان فى المسجد ذات يوم ندعوا الله تعالى، ونذكر ربنا خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى جلس إلينا قال : فجلس وسكتنا فقال عودوا للذى كنتم فيه، قال زيد فدعوت أنا وصاحبى قبل أبى هريرة ، وجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يؤمن على دعائنا قال:ثم دعا أبو هريرة فقال : اللهم إنى أسألك مثل الذى سألك صاحباى هذان وأسألك علماً لا ينسى، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: آمين”فقلنا يا رسول الله ! ونحن نسأل الله علماً لا ينسى ؛ فقال:”سبقكما بها الدوسى”(1)
ثالثاً : إن أبا هريرة تميز بقوة ذاكرته وحفظه وحسن ضبطه، خاصة بعد أن دعا له الرسول بالحفظ وعدم النسيان – كما سبق – فكان حافظاً متقناً ضابطاً لما يرويه
__________
(1) أخرجه النسائى فى سننه الكبرى كتاب العلم، باب مسألة علم لا ينسى 3/44 رقم 587، والحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة الدوسى- رضي الله عنه -3/582 رقم6158

وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبى فى التلخيص بقوله فيه حماد = =ابن شعيب ضعيف، وكذا قال فى سير أعلام النبلاء 2/6، وفى موضع آخر من السير 2/616 ذكر الخبر بإسناد آخر فيه الفضل بن العلاء بدلاً من حماد، ثم قال : تفرد به الفضل ابن العلاء وهو صدوق، وقال : ابن حجر فى الإصابة 4/28 سند النسائى جيد وانظر:تهذيب التهذيب 12/266
… ويدل على ذلك قصة امتحان مروان له فيما رواه الحاكم عن أبى الزُّعَيْزِعَة(1) كاتب مروان بن الحكم ، أن مروان بن الحكم دعا أبا هريرة فأقعدنى خلف السرير، وجعل يسأله وجعلت أكتب حتى إذا كان عند رأس الحول ، دعا به فأقعده وراء الحجاب فجعل يسأله عن ذلك، فما زاد ولا نقص، ولا قدم ولا آخر”(2) وقد نقل هذه القصة الذهبى فى سير أعلام النبلاء، ثم عقب بقوله : “قلت هكذا فليكن الحفظ”(3)
… وهذه القصة نقلها أيضاً ابن حجر فى الإصابة(4)، وابن كثير فى البداية(5)، وهى تدل على قوة حفظه وإتقانه، كما شهد له بذلك الصحابة، والتابعون فمن بعدهم من أئمة المسلمين إلى يومنا هذا على ما سيأتى بعد قليل
… وكان – رضي الله عنه – يراجع ما يسمعه من النبى – صلى الله عليه وسلم – تأكيداً لحفظه ، فقد روى عنه أنه قال : “جزأت الليل ثلاثة أجزاء : ثلثاً أصلى،وثلثاً أنام، وثلثاً أذكر فيه حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -(6)
رابعاً : أدرك أبو هريرة كبار الصحابة، وروى عنهم كثيراً من الأحاديث فتكامل علمه بها واتسع أُفُقُهُ فيها
__________
(1) ابن الزعيزعة : ذكره الدولابى فى الكنى فقال : “أبو زعيرة كاتب مروان” ص 183، ثم ذكره باسم أبى الزعيزعة، وذكر له خبراً عن مروان . ينظر الكنى ص 184، روى عن مكحول، وعمرو بن عبيد الأنصارى، والنضر بن محرز قال أبو حاتم : مجهول، وقال الذهبى : أبو الزعيزعة عن مكحول لا يكاد يعرف عداده فى الشاميين . ينظر : الجرح والتعديل 9/375 رقم 1734، وميزان الاعتدال 4/525 رقم 12، ولسان الميزان 7/655 رقم 9985
(2) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/583 رقم 6164، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى
(3) سير أعلام النبلاء 2/598
(4) الإصابة 4/25
(5) البداية والنهاية 8/16
(6) المصدر السابق 8/113

خامساً : امتداد عمره – رضي الله عنه – بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، حيث عاش بعده نحو سبعة وأربعين عاماً، واحتياج الناس إليه فكان يحدثهم ويبث بينهم ما يحفظه من أحاديث، وأعانه على ذلك : ابتعاده عن الفتن وغيرها من المشاغل ووجوده فى المدينة، والناس يفدون إليها، وكانت له حلقة فى مسجد الرسول يحدث الناس فيها بالأحاديث النبوية، فساعد ذلك على انتشار مروياته وتداولها، وكثرة أتباعه وتلامذته، حتى بلغوا نحو ثمانمائة من الصحابة والتابعين كلهم يجلونه ويثقون به ويثنون عليه على ما سيأتى بعد قليل
… قال الإمام البخارى – رحمه الله – : “روى عنه نحواً من ثمانمائة رجل أو أكثر من أهل العلم، من الصحابة والتابعين وغيره”(1) ومن أشهر من روى عنه من الصحابة : زيد ابن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وعائشة، وأبو أيوب الأنصارى ومن أشهر من روى عنه من التابعين : مروان بن الحكم، والحسن البصرى، وسعيد بن المسيب، وعامر الشعبى، وعروة ابن الزبير، وهمام بن منبه – وقد كتب عنه الصحيفة المشهورة(2) وغيرهم كثير
شهادة الرسول – صلى الله عليه وسلم – والصحابة – رضي الله عنهم – ومن بعدهم من أهل العلم بقوة حفظه
وإتقانه وكثرة سماعه وحرصه على الحديث
__________
(1) ينظر : تهذيب التهذيب 12/265، والبداية والنهاية 8/17، وتذكرة الحفاظ 1/33
(2) الإصابة 7/21، 22،وتهذيب التهذيب 12/263 – 265، وتذكرة الحفاظ 1/32، 33، وسير أعلام النبلاء 2/418 – 436، وينظر : من كتب عنه فى دراسات فى الحديث النبوى للدكتور الأعظمى 1/97 – 99

1- روى عنه – رضي الله عنه – أنه قال ذات يوم : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : “لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألنى عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه(1)
2- وعن ابن عمر – رضى الله عنهما – أنه مر بأبى هريرة – رضي الله عنه – ، وهو يحدث عن النبى – صلى الله عليه وسلم -: من تبع جنازة فله قيراط ، فإن شهد دفنها فله قيراطان أعظم من أحد فقال ابن عمر : يا أبا هريرة انظر ما تحدث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق إلى عائشة -رضى الله عنها- فقال لها : يا أم المؤمنين أنشدك الله أسمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : “من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، وإن شهد دفنها فله قيراطان؟ فقالت : اللهم نعم، فقال أبو هريرة : إنه لم يكن يشغلنا عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عرس ولا صفق بالأسواق، إنما كنت أطلب من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها
… فقال ابن عمر : يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأعلمنا بحديثه(2)
وكان ابن عمر يترحم عليه فى جنازته ويقول : “كان يحفظ على المسلمين حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -(3)

__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم،باب الحرص على الحديث1/233 رقم 99
(2) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/584 رقم 6167 وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى
(3) طبقات ابن سعد 4/34، وسير أعلام النبلاء 2/64، والبداية والنهاية 8/111، وفتح البارى 1/258 رقم 118

وعن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال : قال رجل لابن عمر : إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال ابن عمر : أعيذك بالله أن تكون فى شك مما يجئ به، ولكنه اجترأ وجبنا “(1) ومعنى “اجترأ” هنا أى على سؤال النبى – صلى الله عليه وسلم – والتعلم منه ، فى حين كانوا يهابون سؤال النبى – صلى الله عليه وسلم –
يدل على ذلك ما رواه الحاكم عن أبى بن كعب – رضي الله عنه – قال : كان أبو هريرة جريئاً على النبى – صلى الله عليه وسلم – يسأله عن أشياء لا نسأله عنها (2)
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : “نهينا أن نسأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن شئ فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع … الحديث”(3)
__________
(1) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة الدوسى – رضي الله عنه – 3/83 رقم 6165، وسكت عنه الحاكم والذهبى
(2) أخرجه الحاكم فى الأماكن السابقة 3/584 رقم 6166، وسكت عنه الحاكم، والذهبى
(3) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام 1/21 رقم 12

3- وعن مالك بن أبى عامر قال : كنت عند طلحة بن عبيد الله فدخل عليه رجل فقال : يا أبا محمد والله ما ندرى هذا اليمانى أعلم برسول الله – صلى الله عليه وسلم – أم أنتم، تقول على رسول – صلى الله عليه وسلم – ما لم يقل – يعنى أبا هريرة – فقال طلحة : والله ما نشك أنه سمع من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، إنا كنا قوماً أغنياء لنا بيوت وأهلون كنا نأتى نبى الله – صلى الله عليه وسلم – طرفى النهارى ثم نرجع، وكان أبو هريرة – رضي الله عنه – مسكيناً لا مال له، ولا أهل ولا ولد , وإنما كانت يده مع يد النبى – صلى الله عليه وسلم – وكان يدور معه حيثما دار، ولا نشك أنه قد علم ما لم نعلم، وسمع ما لم نسمع، ولم يتهمه أحد منا، أنه تقول على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما لم يقل”(1)
وهذا الخبر ذكره ابن حجر فى الإصابة وزاد فى قوله طلحة : “قد سمعنا كما سمع، ولكنه حفظ ونسينا ” (2)
4- وقال ابن خزيمة : وقد روى عن أبى هريرة أبو أيوب الأنصارى مع جلالة قدره، ونزول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عنده، ولما يقبل له : تحدث عن أبى هريرة وأنت صاحب منزلة عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ؟ فقال : إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع ، وإنى إن أحدث عنه أحب إلىَّ ؛ من أن أحدث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعنى ما لم أسمعه منه(3)
__________
(1) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/585 رقم 6172، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبى على شرط مسلم
(2) الإصابة 4/29
(3) ينظر : المستدرك للحاكم كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/586 رقم 6175، وينظر : البداية والنهاية 8/19

5- وعن محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى(1) أنه قعد فى مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبى – صلى الله عليه وسلم – بالحديث، فلا يعرفه بعضهم ، ثم يتراجعون فيه ، فيعرفه بعضهم ثم يحدثهم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم ، ثم يعرفه حتى فعل ذلك مراراً قال : فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -(2)
6- ولم يكن أبو هريرة – رضي الله عنه – من أهل الحفظ فقط وإنما كان من أهل الفقه وشهد له بذلك الصحابى الجليل ابن عباس – رضي الله عنه –
يقول الحافظ السخاوى : “ولا عبرة برد بعض الحنفية روايات سيدنا أبى هريرة – رضي الله عنه -، وتعليلهم بأنه ليس فقيهاً، فقد عملوا برأيه فى الغسل ثلاثاً من ولوغ الكلب وغيره، وولاه عمر – رضي الله عنه – الولايات الجسيمة
وقال ابن عباس له كما فى مسند الشافعى(3)، وقد سئل عن مسألة ” افته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة ، فأفتى ، ووافقه على فتياه ” (4)
__________
(1) هو : محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى، أبو مالك المدنى، له رؤية وليس له سماع إلا من الصحابة قتل يوم الحرة سنة 63هـ له ترجمة فى : تقريب التهذيب 2/118 رقم 622، والكاشف 2/26 رقم 581، وطبقات ابن سعد 5/71
(2) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/585 رقم 6171، وسكت عنه هو والذهبىوينظر: سير أعلام النبلاء 2/617، وفتح البارى 1/259 رقم 118 .
(3) ينظر : مسند الشافعى ص 45 رقم 1292، وأخرجه أيضاً الإمام مالك فى الموطأ كتاب الطلاق،باب طلاق البكر 2/447 رقم39،والبيهقى فى السنن كتاب الخلع والطلاق، باب ما جاء فى إمضاء الطلاق الثلاث وإن كن مجموعات 7/335
(4) فتح المغيث للسخاوى 3/96

7- وعن أبى صالح السمان(1) قال : ” كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن بأفضلهم ” (2)
وفى هذا رد على من يحاول الربط بين المنزلة فى الدين , وكثرة الرواية ، فالربط بينهما ليس من التحقيق العلمى فى شئ (3)

وقال الإمام الشافعى : “أبو هريرة أحفظ من روى الحديث فى دهره”(4)
وقال الإمام الذهبى : “أبو هريرة إليه المنتهى فى حفظ ما سمعه من الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وأدائه بحروفه”(5)
وقال أيضاً : “وكان من أوعية العلم ،ومن كبار أئمة الفتوى مع الجلالة ،والعبادة،والتواضع(6).
1- وقال شمس الأئمة السرخسى : “إن أبا هريرة ممن لا يشك أحد فى عدالته ، وطول صحبته مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
إن كل هذه النقول وغيرها كثير تبين لنا مدى افتراء الرافضة ، والمستشرقين، وضعفاء الإيمان الذين اتهموا أبا هريرة بالكذب ، والخيانة ، فى رواية الحديث ، بسبب كثرة أحاديثه مع قلة صحبته
وأعتقد أنه ليس هناك ما يدعوا إلى اتهام أبى هريرة بتلك الإفتراءات، وقد تهيأت له الأسباب السابقة التى أعانته على هذا التفوق فى الرواية ، وشهد له بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكبار الصحابة، ومن بعدهم من أئمة المسلمين السابق ذكرهم(7)
__________
(1) أبو صالح السمان هو : ذكوان أبو صالح السمان الزيات، المدنى، روى عن سعد بن أبى وقاص، وأبى هريرة، وأبى الدرداء، وغيرهم، وعنه منصور، والأعمش، وسهيل ابنه، متفق على توثيقه، مات سنة 11هـ له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1/287 رقم 1846، والكاشف 1/386 رقم 1489، والثقات للعجلى 15 رقم 44
(2) البداية والنهاية 8/19، 11
(3) دفاع عن السنة للدكتور أبو شهبة ص 15
(4) الرسالة للشافعى ص 281 رقم 772، والبداية والنهاية 8/11
(5) سير أعلام النبلاء 2/619
(6) تذكرة الحفاظ 1/33
(7) أصول السرخسى 1/34

… وأى غرابة فى حفظ أبى هريرة أحاديث لم تبلغ خمسة آلاف وخمسمائة ومعلوم أن العرب قد اشتهروا وامتازوا بقوة حفظهم، ووجد فى الصحابة والتابعين من كان آية عجباً فى قوة الذاكرة ، وسرعة الحفظ ؛ فالإمام أحمد بن حنبل ، والبخارى ، وأبو زرعة ، وأشباههم ، كان كل واحد منهم يحفظ عشرات الألوف من الأحاديث بأسانيدها ” (1)
… يقول الدكتور السباعى _ رحمه الله تعالى _ دفاعاً عن أبى هريرة : “إن صحابياً يظل يحدث الناس سبعاً وأربعين سنة بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم – على مسمع من كبار الصحابة، وأقرب الناس إليه من زوجته وأصحابه، ثم لا يلقى إلا تجلة وإعظاماً، يرجع إليه فى معرفة الأحاديث، ويهرع إليه التابعون من كل جانب … ويبلغ الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلم … وكلهم يجمعون على جلالته والثقة به … وتمر هذه القرون وكلها شهادات صدق فى أحاديثه وأخباره … ويأتى اليوم من يزعم أن المسلمين جميعاً … لم يعرفوه على حقيقته، وأنه فى الواقع كان يكذب ويفترى، إن موقفاً كهذا يقفه بعض الناس من مثل هذا الصحابى العظيم، لجدير بأن يجلب لأهله والقائلين به الاستخفاف، والازدراء بعلومهم، وعقولهم جميعاً (2)

__________
(1) السنة ومناهج المحدثين للدكتور رجب صقر ص 66 بتصرف
(2) السنة ومكانتها فى التشريع ص 319 بتصرف يسير

إن حب هذا الصحابى الجليل لعلامة على الإيمان وبغضه لعلامة على النفاق وهذا تصديقاً لدعوة النبى – صلى الله عليه وسلم – لما سأله أبو هريرة بأن يدعو الله له بأن يحببه هو وأمه إلى عباده المؤمنين ويحببهم إليهما ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” اللهم حبب عبيدك هذا – يعنى أبا هريرة – وأمه إلى عبادك المؤمنين ، وحبب إليهم المؤمنين ” يقول أبو هريرة – رضي الله عنه – ، فما خلق الله مؤمناً يسمع بى ولا يرانى إلا أحبنى(1)
… يقول الحافظ ابن كثير: “وهذا الحديث من دلائل النبوة ، فإن أبا هريرة محبب إلى جميع الناس، وقد شهر الله ذكره بما قدره أن يكون من روايته من إيراد هذا الخبر عنه على رؤوس الناس فى الجوامع المتعددة فى سائر الأقاليم فى الإنصات يوم الجمعة بين يدى الخطبة، والإمام على المنبر، وهذا من تقدير الله العزيز العليم، ومحبة الناس له – رضي الله عنه -(2)أهـ
… يقول الأستاذ الدكتور على أحمد السالوس : ” هذا أبو هريرة وعاء العلم، فكيف نجد فى عصرنا من ينسب نفسه للإسلام ويعرض عن قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والصحابة والتابعين، والأئمة الأعلام الهداة المهديين ، ويأخذ بقول الضالين المضلين ؟! ” (3)
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبى هريرة الدوسى – رضي الله عنه – 8/29 رقم 2491
(2) البداية والنهاية 8/18
(3) قصة الهجوم على السنة للدكتور على السالوس ص 88

هذا المسلك يفسره العلامة المرحوم الشيخ أحمد شاكر فيقول : ” وقد لهج أعداء السنة ، أعداء الإسلام، فى عصرنا، وشغفوا بالطعن فى أبى هريرة، وتشكيك الناس فى صدقه وفى روايته وما إلى ذلك أرادوا، وإنما أرادوا أن يصلوا –زعموا- إلى تشكيك الناس فى الإسلام، تبعاً لسادتهم المبشرين، وإن تظاهروا بالقصد إلى الإقتصار على الأخذ بالقرآن، أو الأخذ بما صح من الحديث فى رأيهم، وما صح من الحديث فى رأيهم إلا ما وافق أهواءهم، وما يتبعون من شعائر أوروبا وشرائعها ولن يتورع أحدهم عن تأويل القرآن، إلى ما يخرج الكلام عن معنى اللفظ فى اللغة التى نزل بها القرآن، ليوافق تأويلهم هواهم وما إليه يقصدون!!

وما كانوا بأول من حارب الإسلام من هذا الباب، ولهم فى ذلك سلف من أهل الأهواء قديماً والإسلام يسير فى طريقه قدماً ، وهم يصيحون ما شاءوا، لا يكاد الإسلام يسمعهم ، بل هو إما يتخطاهم لا يشعر بهم، وإما يدمرهم تدميراً
ومن عجب أن تجد ما يقول هؤلاء المعاصرون ، يكاد يرجع فى أصوله ومعناه إلى ما قال أولئك الأقدمون ! بفرق واحد فقط : أن أولئك الأقدمين ، زائغين كانوا أم ملحدين ، كانوا علماء مطلعين أكثرهم ممن أضله الله على علم !! أما هؤلاء المعاصرون ، فليس إلا الجهل والجرأة ، وامتضاغ ألفاظ لا يحسنوها، يقلدون فى الكفر، ثم يتعالون على كل من حاول وضعهم على الطريق القويم !! ” (1)
وبعد
فإن صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة – رضي الله عنهم – هم خير جيل عرفته البشرية ، وهم أبرز وجوه حضارتنا ، وأكثرها إشراقا ً، وأخلدها ذكراً، وأنبلها أخلاقا ً، وهم بشر، ولكنهم فى القمة ديناً , وخلقاً ؛ رغم أنف الحاقدين !
__________
(1) ينظر : مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر 12/84-85 هامش

رضى الله تعالى عن صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وعلى الحافظ علينا شرائع الدين أبى هريرة – رضي الله عنه – , وجعلنا الله – عز وجل – من محبيه ، وجمعنا معه فى واسع جنته (1) آمين أهـ
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) ينظر ترجمته فى : الإصابة 7/425 – 445 رقم 1674، وتذكرة الحفاظ 1/32 رقم 16، وأسد الغابة 6/313 رقم 6326، والإستيعاب 4/1768 رقم 328، وتجريد أسماء الصحابة 2/29، وتاريخ الصحابة ص 181 رقم 94، ومشاهير علماء الأمصار ص 21 رقم 46، وغير ذلك من المراجع السابقة

المبحث الثامن
حكم الطاعن فى عدالة الصحابة – رضي الله عنهم –
عرفت فيما سبق أن الصحابة- رضي الله عنهم – , هم وسيلتنا وشهودنا على شريعتنا الغراء , فعنهم قبل غيرهم تلقت الأمة كتاب الله – عز وجل – ، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – , و هذا يعنى أن الطعن في عدالتهم , وتجريحهم ، يزلزل بناء الإسلام ، ويقوض دعائم الشريعة ، ويشكك فى صحة القرآن ، ويضيع الثقة بسنة سيد الأنام – صلى الله عليه وسلم – ! .
ومن هنا جاءت أقوال أهل السنة والجماعة , صريحة فى بيان حكم من ينتقصهم ,
وأن أمثال هؤلاء لهم خبيئة سوء ، ومتهمين فى دينهم ، وإليك نماذج من أقوالهم :
قال الإمام أحمد بن حنبل – رضي الله عنه – لما سئل عن رجل تنقص معاوية ، وعمرو بن العاص أيقال له رافضى ؟ فقال : ” إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء ، ما انتقص أحدٌ أحداً من الصحابة إلا وله داخلة سوء” وفى رواية أخرى قال : ” إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام ” (1)
ويُسئل الإمام النسائى عن معاوية بن أبى سفيان – رضى الله عنهما – فيقول : ” إنما الإسلام كدار لها باب ، فباب الإسلام الصحابة ، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام ، كمن نقر الباب – أى نقبه – إنما يريد دخول الدار، قال : فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة(2)
__________
(1) البداية والنهاية 8/142
(2) تهذيب الكمال للحافظ للمزى 1/339 ترجمة الإمام النسائى

وقال الإمام الحافظ أبى زُرْعة الرازى(1) – رحمه الله تعالى- : ” إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – عندنا حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن ، والسنن ، أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ،
وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة ” (2)

وعن عبد الله بن مصعب(3) قال : قال المهدى : ما تقول فيمن ينتقص الصحابة ؟ فقلت زنادقة ، لأنهم ما استطاعوا أن يصرحوا بنقص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فتنقصوا أصحابه ، فكأنهم قالوا : كان يصحب صحابة السوء ) (4)

__________
(1) أبو زُرْعة الرازى هو : عُبَيدُ الله بِنُ عبد الكريم بن يزيد القرشى المخزومى، أحد الأئمة الأعلام، وحفاظ الإسلام، وفضائله أكثر من أن تعد، مات سنة 264هـ له ترجمة فى تذكرة الحفاظ 2/557 رقم 579، وطبقات الحفاظ للسيوطى 253 رقم 561، والعبر 1/379 رقم 264، 213 ، والإرشاد للخليلى ص 226، وطبقات المفسرين للداودى 1/375 رقم 321.
(2) رواه الخطيب فى الكفاية ص 97، والحافظ ابن حجر فى الإصابة 1/1
(3) هو عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، ولى للرشيد إمرة المدينة، وقال فيه الخطيب: كان محموداً فى ولايته، جميل السيرة مع جلالة قدرة ، ووثقة ابن حبان . مات سنة 184هـ له ترجمة فى: تعجيل المنفعة ص271 رقم583، وتاريخ بغداد 1/173 رقم5313، والثقات لابن حبان 7/56، وميزان الاعتدال 2/55 رقم 469، والتاريخ الكبير للبخارى 5/211 رقم 678
(4) أخرجه الخطيب البغدادى فى تاريخه 1/175، ونقله الحافظ ابن حجر فى تعجيل المنفعة ، ترجمة عبد الله بن مصعب ص 271 رقم 583

وصدق شمس الأئمة السرخسى : ” الشريعة إنما بلغتنا بنقلهم فمن طعن فيهم فهو ملحد , منابذ للإسلام , دواؤه السيف إن لم يتب ” (1)
وتكفير ساب الصحابة اختلف فيه الفقهاء فيما يلى :
1- ذهب إلى تكفيرهم فريق من أهل العلم من الحنفية , والمالكية , والشافعية ، والحنابلة ، والظاهرية . (2) .
2- وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم ، بل يفسق ويضلل ، ولا يعاقب بالقتل ، بل يكتفى بتأديبه ، وتعزيره تعزيراً شديداً حتى يرجع ؛ وإن لم يرجع تكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة . (3) .
3- قال الملا على القارئ : ” وإذا كان لكل فريق أدلته على ما ذهب إليه ؛ فالقول الذى تطمئن إليه النفس ؛ ويرتاح إليه القلب , أن من أبغضهم جميعاً أو أكثرهم أو سبهم سباً يقدح فى دينهم ، وعدالتهم ، فإنه يكفر بهذا ، لأن هذا يؤدى إلى إبطال الشريعة بكاملها لأنهم هم الناقلون لها ، أما من سب أحداً من الصحابة فهو فاسق ، ومبتدع بالإجماع ، إلا إذا اعتقد إنه مباح أو يترتب عليه ثواب كما عليه بعض الشيعة أو اعتقد كفر الصحابة فإنه كافر بالإجماع ” (4) .
__________
(1) أصول السرخسى 2/132
(2) ينظر : الشرح والإبانة لابن بطة ص162، والنهى عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم
والعقاب ص 23، وفتاوى السبكى 2/58، والصارم المسلول على شاتم الرسول ص 57،
والإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم 1/149، وأصول السرخسى 2/132 وما بعدها
(3) عزاه القاضى عياض إلى بعض أهل العلم . ينظر: الشفا 2/54 وما بعدها
(4) ينظر : مجموعة رسائل ابن عابدين كتاب تنبيه الولاة والحكام 1/367

4- وقال القاضى عياض – رحمه الله تعالى – : “وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة ، وتكفير جميع الصحابة … , وجميع الأمة بعد النبى – صلى الله عليه وسلم – إذ لم تقدم علياً ، وكفرت علياً إذ لم يتقدم ، ويطلب حقه فى التقديم ، فهؤلاء قد كفروا … لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها ” (1) .
قلت : وبالقول الثالث , والرابع , أقول . أهـ .
وأخيراً : دع عنك – أخى المسلم – أباطيل هؤلاء المبتدعة الذين يجادلون فى عدالة الصحابة
جميعاً , ويتحدثون عنهم بأسلوب غير لائق ، وينصبون أنفسهم حكماً فيما شجر بينهم
من خلاف ، ويقبلون رواية هذا ، ويرفضون رواية ذلك ، وهم لا يملكون سبباً واحداً
من أسباب ذلك كله واعلم أن أمثال هؤلاء لهم خبيئة سوء ، ومتهمين فى دينهم ،
على ما سبق من أقوال الأئمة – رضي الله عنهم – أ . هـ
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
***
**
*
__________
(1) ينظر : الشفاء 2/286 .

الخاتمة
مما تقدم فى مباحث ومطالب هذا الكتاب , يتضح للقارئ الفطن عددٌ من النتائج التى يمكن إجمال أهمها فيما يلى :
1- أن التعريف الصحيح المعتمد للصحابى هو : من لقى النبى – صلى الله عليه وسلم – مؤمناً به ، ومات على الإسلام ، ولو تخللت ذلك ردة على الأصح

2- أن المنافقين الذين كشف الله ورسوله – سترهم ، ووقف المسلمون على حقيقة أمرهم ، والمرتدين الذين ارتدوا فى حياة النبى – صلى الله عليه وسلم – وبعد وفاته ، ولم يتوبوا ويرجعوا إلى الإسلام ، وماتوا
على ردتهم ، هم بمعزل من شرف الصحبة ، وبالتالى بمعزل عن أن يكونوا من المرادين بقول
جمهور العلماء والأئمة إنهم عدول ، وفى تعريف العلماء للصحبة ما ينفى عنها ؛ هؤلاء وأولئك .

3- أن معنى عدالة الصحابة : أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، لما اتصفوا به من
قوة الإيمان ، والتزام التقوى ، والمروءة ، وسمو الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصى أو من السهو أو الغلط فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل العلم

4- أن فى القرآن الكريم ؛ والسنة المطهرة ، من الشهادات العالية , ما يرفع مقام الصحابة – رضي الله عنهم – إلى الذروة ، وما لا يترك لطاعن فيهم دليلاً , ولا شبهة دليل ؛ والعقل المجرد من الهوى والتعصب ، يحيل على الله – عز وجل – فى حكمته ورحمته ، أن يختار لحمل شريعته الختامية ، أمة مغموزة ، أو طائفة ملموزة ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً

5- إن الصحابة – رضي الله عنهم – هم حجر الزاوية فى بناء الأمة المسلمة ، عنهم قبل غيرهم تلقت الأمة كتاب الله – عز وجل -، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – , فالغض من شأنهم والتحقير لهم ، بل النظر إليهم بالعين المجردة من الإعتبار، لا يتفق والمركز السامى الذي تبوءوه ، ولا يوائم المهمة لكبرى التى انتدبوا لها ونهضوا بها كما أن الطعن فيهم والتجريح لهم ، يقوض دعائم الشريعة ، ويشكك فى صحة القرآن ، ويضيع الثقة بسنة سيد الأنام – صلى الله عليه وسلم – ! ؛ فضلاَ عن أنه تجريح وقدح فيمن بوأهم تلك المكانة ، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس !!! .

6- إن الآيات القرآنية , التى جاء فيها عتاب للصحابة أو لبعضهم لارتكابهم بعض المعاصى لخير دليل شاهد على ما سبق ذكره ، من أن المراد بعدالتهم جميعاً عصمتهم من الكذب فى حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – , وليس معنى عدالتهم عصمتهم من المعاصى أو من السهو أو الغلط ، فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم , وحتى مع ارتكاب بعضهم لبعض الذنوب ، فقد امتن الله – عز وجل -عليهم بالتوبة والمغفرة لذنوبهم ؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

7- أجمعت الأمة – إلا من شذ ممن لا يعتد بخلافهم ؛ على تعديل الله – عز وجل – , ورسوله – صلى الله عليه وسلم – للصحابة أجمع ، والنقول فى هذا الإجماع كثيرة عن علماء الأمة ، من المحدثين ، والفقهاء، والأصوليين

8- إن جميع الأمة مجمعة على تعديل من لم يلابس الفتن من الصحابة – رضي الله عنهم – , وأما من لابس الفتن منهم , وذلك حين مقتل عثمان – رضي الله عنه – , فأجمع من يعتد به أيضاً فى الإجماع على تعديلهم إحساناً للظن بهم ، ولما أدى إليه اجتهاد كل فريق من اعتقاده ؛ أن الواجب ما صار إليه ، وأنه أوفق للدين وأصلح للمسلمين

9- إن شبهات أعداء السنة المطهرة – ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا – حول صحابة سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ؛ قائمة على إعلان الكفر صراحة بالشطر الثانى من الوحى الإلهى؛ وهم فيما يزعمون من شبهات , يتسترون بعباءة القرآن الكريم ، وفاق تسترهم كل حد ، إذ تجرأوا على كتاب ربهم – عز وجل – ، ففسروه وأولوه ، بما يأتى فى النهاية صراحة بردهم على الله تعالى كلامه وتطاولهم عليه – عز وجل – من حيث يشعرون أو لا يشعرون
وما استشهدوا به من أحاديث للطعن فى الصحابة – رضي الله عنهم – إما أحاديث مكذوبة ، وضعيفة ، وإما صحيحة مع ضعف دلالتها على ما احتجوا به .

10- أياً كانت بداية الوضع فى الحديث ” زمن النبوة المباركة ” أو ” زمن الفتنة ” فلا يمكن أن يكون الوضع فى الحديث وقع من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – العدول الثقات المعروفين بالخيرية ، والتقى ، والبر والصلاح ، والذين يدور عليهم نقل الحديث وعلى فرض صحة الروايات التى تشير إلى أن بداية الوضع زمن النبوة المباركة ؛ فليس فيها ما يشكك فى صدق الصحابة ، ولا ما يطعن فى عدالتهم ، إذ كان معهم منافقون ، وهم الذين كانت تصدر منهم أعمال النفاق ، فلا يبعد أن يكون الرجل الوارد فى تلك الروايات واحد من المنافقين ، وبذلك قال أهل العلم ممن ذهب إلي أن بداية الوضع زمن النبوة المباركة .

11- أن الصورة الحقيقية لسيدنا معاوية – رضي الله عنه -, تخالف الصورة الكاذبة التى يصورها الزنادقة من الرافضة ومن تابعهم من أعداء الإسلام ، والسنة المطهرة ، تلك الصورة التى تنكر ما جاء فى السنة المطهرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وعن الصحابة ، والتابعين ، من الشهادة له بالصحبة ، والفقه ، والملك العادل ، وحسن السيرة , حتى شهد له من أدركه كمجاهد والأعمش بأنه المهدى

12- ما اتهم به أبو هريرة – رضي الله عنه – ، من أكاذيب وافتراءات من قبل أرباب الأهواء قديماً وحديثاً، سندهم فيه إما روايات مكذوبة أو ضعيفة ، وإما روايات صحيحة لم يفهموها على وجهها ، بل تأولوها تأويلاً باطلاً يتفق وأهواءهم .

13- ليس هناك ما يدعوا إلى اتهام أبى هريرة بتلك الإفتراءات ، وقد تهيأت له الأسباب التى أعانته على التفوق فى الرواية ، وشهد له بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – , وكبار الصحابة ، ومن بعدهم من أئمة المسلمين .

14- أقطع بتكفير كل قائل قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة ، وتكفير جميع الصحابة , وجميع الأمة بعد النبى – صلى الله عليه وسلم – إذ لم تُقدم علياً ، وكفرت علياً إذ لم يَتقدم ، ويطلب حقه فى التقديم ، فهؤلاء قد كفروا … لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها , أما غيرهم ممن لا يصرحون بتضليل الأمة ، وتكفير جميع الصحابة , وجميع الأمة بعد النبى – صلى الله عليه وسلم – , فإن أقوال أهل السنة والجماعة , صريحة فى بيان أن أمثال هؤلاء لهم خبيئة سوء ، ومتهمين فى دينهم أيضاَ .
وبعد
فإن صحابة سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – , وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة – رضي الله عنهم – , هم خير جيل عرفته البشرية ، وهم أبرز وجوه حضارتنا ، وأكثرها إشراقا ً، وأخلدها ذكراً ، وأنبلها أخلاقا ً، وهم بشر، ولكنه فى القمة ديناً , وخلقاً , رغم أنف الحاقدين !
رضى الله تعالى عن صحابة سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وعلى الحافظين علينا شرائع الدين ,
وجعلنا الله – عز وجل – من محبيهم ، وجمعنا معهم فى واسع جنته . آمين أهـ
وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد , خاتم النبيين
وإمام المرسلين ، المبعوث رحمة للعالمين , وعلى آله ، وصحبه
والمتمسكين بسنته أجمعين
أهم المصادر والمراجع
أهمل في الترتيب الألف واللام، وأب، وابن، في أول اسم الكتاب، وكذلك كلمة (كتاب)

1- القرآن الكريم
( أ )

2- الإبانة عن أصول الديانة، لأبى الحسن الأشعرى ، تحقيق الدكتورة فوقية حسين محمود ، دار الأنصار بالقاهرة، الطبعة الأولى 1397هـ-1977م .

3- الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول ، ” للقاضي البيضاوي” لعلى السبكى وولده عبد الوهاب، حققه جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية بيروت، 144هـ – 1984م

4- أحاديث أم المؤمنين عائشة، أدوار من حياتها، لمرتضى العسكرى، دار الزهراء، بيروت، الطبعة الثانية 1413هـ-1992م

5- الأحكام في أصول الأحكام ، لابن حزم الظاهري، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 145هـ – 1985م

6- الأحكام في أصول الأحكام ، لعلى بن محمد الآمدى ، مطبعة البابى الحلبي بمصر، 1387هـ – 1967م

7- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر، تحقيق على محمد البجاوى، دار الجيل
بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ – 1992م

8- أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير، تحقيق على معوض، وعادل أحمد، دار الكتب
العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ – 1994م

9- الإسلام على مفترق الطرق، لمحمد أسد (ليبولد فايس) ترجمة الدكتور عمر فروخ، دار العلم بيروت، 1987م

10- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن على الشوكانى، تحقيق الدكتور شعبان إسماعيل، دار الكتبى بمصر، بدون تاريخ

12- الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلانى، دار السعادة بمصر 1328هـ

13- أصل الشيعة وأصولها، لمحمد الحسين آل كاشف الغطاء، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الطبعة الرابعة 1413هـ-1993م

14- أصول الحديث ، للدكتور عبد الهادى الفضلى، دار المؤرخ العربى، بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م

15- أصول السرخسى، لمحمد بن أحمد السرخسى، تحقيق أبو الوفا الأفغانى، حيدر أباد الدكن
بالهند، تصوير الكتب العلمية بيروت 1414هـ – 1993م

16- أصول الشريعة، لمحمد سعيد العشماوى، طبعة القاهرة 1979م

17- أصول علم الحديث بين المنهج والمصطلح، للدكتور أبو لبابة حسين، دار الغرب
الإسلامى، بيروت، الطبعة الأولى، بدون تاريخ

18- أصول الفقه المحمدى، لجوزيف شاخت، ترجمة الأستاذ الصديق بشير بن نصر، نشر مجلة كلية الدعوة، بليبيا، العدد 11 لسنة 1994م

19- الأصلان العظيمان – الكتاب والسنة – رؤية جديدة، لجمال البنا، مطبعة حسان بمصر

20- أضواء على السنة المحمدية، لمحمود أبو ريه، دار المعارف بمصر، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ

21- الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية، وتطهير البخارى منها، للسيد صالح أبو بكر، مطبعة محرم الصناعية 1974م

22- إعادة تقييم الحديث، لقاسم أحمد، مكتبة مدبولى الصغير بمصر، الطبعة الأولى 1997م

23- إعادة قراءة القرآن، لجاك بيرك، ترجمة وائل غالى شكرى، تقديم أحمد صبحى منصور، دار النديم للصحافة بمصر، الطبعة الأولى 1996م

24- الاعتصام ، للشاطبى ، تحقيق محمود طعمة ، دار المعرفة بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م

25- الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين،
لخير الدين الزركلى، دار العلم، بيروت، الطبعة السادسة 1984م

26- أعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد،
مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى 1374هـ

27- الإفصاح فى إمامة على بن أبى طالب، لمحمد بن النعمان العكبرى، دار المنتصر، بيروت، الطبعة الثانية 149هـ-1989م

28- إنذار من السماء ، لنيازى عز الدين ، الأهالى للطباعة بيروت ، الطبعة الأولى 1996م

29- أهل السنة شعب الله المختار، لصالح الوردانى، كنوته للطباعة، الطبعة الأولى 1417هـ- 1997 م
( ب )

30- البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشى، تحقيق الدكتور عمر سليمان الأشقر وغيره، دار الصفوة بالغردقة، الطبعة الثانية 1413هـ – 1992م

31- البداية والنهاية في التاريخ، لابن كثير، تحقيق الدكتور أحمد أبو ملحم وغيره، دار الريان
للتراث، الطبعة الأولى 148هـ – 1988م

32- البرهان في أصول الفقه، للجوينى، تحقيق صلاح محمد عويضة، دار الكتب العلمية
بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م
( ت )

33- تاج العروس في جواهر القاموس، للزبيدى، المطبعة الخيرية بمصر، الطبعة الأولى 136هـ

34- تدريب الراوى شرح تقريب النواوى، لعبد الرحمن بن أبى بكر السيوطى، تحقيق
الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الثانية
1399 هـ- 1979م

35- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، للذهبى، تحقيق الدكتور عمر التدمرى، دار
الكتاب العربي بيروت 199م

36- تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم ، لابن شاهين ، تحقيق الدكتور عبد المعطى أمين
قلعجى ، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 146هـ – 1986م

37- تاريخ بغداد ، للخطيب البغدادى ، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى 1349هـ – 193م

38- تاريخ الثقات، للعجلى ، بترتيب الحافظ الهيثمى ، وتضمينات ، الحافظ ابن حجر، تحقيق
الدكتور عبد المعطى قلعجى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 145هـ – 1984م

39- تاريخ الصحابة الذين روى عنهم الأخبار، لابن حبان، تحقيق بوران الضناوى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 148هـ – 1988م

40- تاريخ الطبرى، لمحمد بن جرير الطبرى، تحقيق محمد أبى الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر 1979م

41- تأملات في الحديث عند السنة والشيعة، لزكريا عباس داود، دار النخيل بيروت، الطبعة الأولى، 1416هـ – 1995م

42- تبصير الأمة بحقيقة السنة، لإسماعيل منصور جودة، خال من مكان الطبع 1416هـ – 1995م

43- تجريد أسماء الصحابة، للذهبى، دار المعرفة بيروت، بدون تاريخ

44- تذكرة الحفاظ، للذهبى، تصحيح عبد الرحمن المعلمى اليمانى، حيدر آباد الدكن بالهند،
الطبعة الأولى 1395هـ – 1975م

45- تطهير الجنان واللسان، لابن حجر الهيتمى، تحقيق الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف،
مكتبة القاهرة ، بمصر ، الطبعة الثانية ، 1385هـ – 1965م

46- التعليق المغنى على الدارقطنى، للعظيم آبادى، تحقيق السيد عبد الله هاشم يمانى، دار
المحاسن للطباعة بمصر 1386هـ

47- تفسير فرات الكوفى، لفرات بن إبراهيم الكوفى، المطبعة الحيدرية، النجف

48- تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، تحقيق عبد العزيز غنيم وغيره، مطبعة دار الشعب
بمصر بدون تاريخ

49- تفسير القمى، لعلى بن إبراهيم القمى، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر، قم، إيران،
الطبعة الثانية 1387هـ-1968م

50- التفسير الكبير، (المسمى مفاتيح الغيب) للفخر الرازى، دار إحياء التراث العربي بيروت

51- تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلانى، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية
بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ – 1993م

52- تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعى الكبير، لابن حجر العسقلانى، تحقيق عادل عبد
الموجود، وعلى معوض، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1419هـ – 1998م

53- تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلانى، حيدر أباد الدكن بالهند 197م

54- توجيه النظر إلى أصول الأثر ، لطاهر بن صالح الجزائرى ، دار المعرفة ، بيروت ، بدون
تاريخ

55- توضيح الأفكار لمعانى تنقيح الأنظار، لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعانى،
تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مكتبة الخانجى، الطبعة الأولى 1366هـ

56- توثيق السنة فى القرن الثانى الهجرى، أسسه واتجاهاته، للدكتور رفعت فوزىعبدالمطلب، مكتبة الخانجى بالقاهرة ، الطبعة الأولى 14هـ-1981م

57- تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير، للدكتور مروان محمد
شاهين، مكتب فوزى الشيمى للطباعى، بطنطا، بدون تاريخ
( ث )

58- الثقات ، لابن حبان البستى، حيدر أباد الدكن بالهند ، الطبعة الأولى 144هـ – 1984م
( ج )
59- جامع بيان العلم وفضله ، لابن عبد البر، المطبعة المنيرية 1978، تصوير دار الكتب العلمية

60- جامع البيان عن تأويل آى القرآن، لابن جرير الطبرى، مطبعة مصطفى البابى الحلبي بمصر، الطبعة الثالثة 1388هـ

61- الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبى، تصحيح أحمد عبد العليم، الطبعة الثانية 1952م
( ح )

62- الحسبة دراسة أصولية تاريخية، لأحمد صبحى منصور، مركز المحروسة للنشر بمصر، الطبعة الأولى 1995م

63- حصاد العقل، لمحمد سعيد العشماوى، مكتبة مدبولى الصغير 1992م
( خ )

64- الخطوط العريضة ، لمحب الدين الخطيب ، تحقيق محمد مال الله ، المطبعة الفنية،
بالقاهرة، بدون تاريخ

65- الخلافة المغتصبة، أزمة تاريخ أم أزمة مؤرخ ، لإدريس الحسينى ، دار الخليج للطباعة والنشر، الطبعة الثانية 1416هـ-1996م
( د )

66- دراسات محمدية ، لجولدتسيهر، ترجمة الأستاذ الصديق بشير نصر، نشر مجلة كلية
الدعوة الإسلامية، بليبيا، العدد الثامن لسنة 1991م، والعدد العاشر لسنة 1993م

67- الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلانى، حيدر آباد الدكن، الهند،
الطبعة الأولى 1349هـ-193م، تصوير دار إحياء التراث العربى

68- دفاع عن الحديث والمحدثين وتفنيد شبهات خصومه لجماعة من نوابغ العلماء، تصحيح
زكريا على يوسف، مطبعة الإمام، توزيع مكتبة المتنبى بالقاهرة 1972م

69- دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين، لصالح الوردانى، الناشر تريدنكو بيروت
1997م

70- الدولة والمجتمع ، لمحمد شحرور، مطبعة الأهالى بيروت، الطبعة الرابعة 1997م

71- الديباج المذهب فى معرفة أعيان علماء المذهب (المالكى)، لإبراهيم بن على، المعروف
بابن فرحون المالكى، تحقيق مأمون محيى الدين الجنان، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة
الأولى 1417هـ-1996م

72- دين السلطان ، لينازى عز الدين ، دار الأهالى بيروت ، الطبعة الأولى 1997م
( ر )

73- الربا والفائدة في الإسلام، للعشماوى ، مكتبة مدبولى الصغير بمصر، الطبعة الأولى 1996م

74- الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة، ليحيى العامرى
اليمنى، تصحيح عمر أبو حجلة، مكتبة المعارف بيروت 1983م
( س )

75- السلطة في الإسلام، لعبد الجواد ياسين، الدار البيضاء، بالمغرب، الطبعة الأولى 1998م

76- السنة ، لابن أبى عاصم ، تحقيق ناصر الدين الألبانى، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة 1413هـ – 1993م

77- السنة ودورها في الفقه الجديد، لجمال البنا، دار الفكر بمصر، 1997

78- سنن أبى داود، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية بيروت

79- سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، عيسى البابى الحلبي بمصر 1954م

80- سنن الترمذى ، تحقيق أحمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقى وغيرهما، عيسى البابى الحلبي بمصر 1385هـ نشر وتصوير دار الحديث

81- سنن الدارقطنى، تحقيق السيد عبد الله هاشم يمانى، دار المحاسن بمصر، الطبعة الأولى 1386هـ – 1966م

82- سنن الدارمى، تحقيق فواز أحمد زمرلى، وخالد العلمى، دار الريان بمصر، الطبعة الأولى 147هـ – 1987م

83- السنن الكبرى، للبيهقى، دار المعارف العثمانية، الطبعة الأولى 1344هـ – 1925م

84- السنن الكبرى، للنسائى، تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان البندارى وغيره، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ – 1991م

85- سنن النسائى، (المجتبى) تحقيق الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية بيروت، الطبعة الثانية 146هـ – 1986م

86- سير أعلام النبلاء، للذهبى، تحقيق شعيب الأرنؤوط وغيره، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الثامنة، 1412هـ – 1992م

87- سيرة المصطفى، نظرة جديدة، لهاشم معروف، دار التعارف بيروت 1996م

88- السيرة النبوية، لابن هشام، تحقيق الدكتور فتحى أنور، ومجدى فتحى، دار الصحابة بطنطا، الطبعة الأولى 1416هـ – 1995م
( ش )

89- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، للشيخ محمد محمد مخلوف، دار الفكر

90- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد، مكتبة القدسى بمصر، الطبعة الأولى 1371هـ – 1951م

91- شرح ألفية العراقى المسماة بالتبصرة والتذكرة، لأبى الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقى، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ

92- شرح السنة ، للبغوى ، تحقيق زهير الشاويش وغيره، المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة
الثانية 143هـ – 1983م

93- الشريعة ، لأبى بكر محمد بن الحسينى الآجرى، تحقيق محمد حامد الفقى، دار
الكتب العلمية ، بيروت، الطبعة الأولى 143هـ-1983م

94- الشفا بتعريف حقوق المصطفى – صلى الله عليه وسلم -، للقاضي عياض، دار الكتب العلمية بيروت

95- شيخ المضيرة (أبو هريرة)، لمحمود أبو ريه، مؤسسة الأعلمى بيروت 1413هـ

96- الشيعة هم أهل السنة، للدكتور محمد التيجانى السماوى، شمس المشرق ومؤسسة الفجر،
لندن، الطبعة الأولى 1413هـ- 1993م
( ص )

97- الصارم المسلول على شاتم الرسول، لابن تيمية، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، عالم الكتب بيروت، 1982م

98- الصحابة فى نظر الشيعة الإمامية، لأسد حيدر، نشر مطبوعات النجاح بالقاهرة، بدون
تاريخ

99- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهرى، تحقيق أحمد العطار، مصر، الطبعة الثانية
142هـ – 1982م

100- صحيح البخارى ، مع (فتح البارى) تحقيق محب الدين الخطيب ومحمد فؤاد عبد الباقى،
دار الريان بمصر، الطبعة الأولى 147هـ – 1986م

101- صحيح ابن حبان، بترتيب الأمير ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة
بيروت، الطبعة الثانية 1414هـ – 1993م

102- صحيح ابن خزيمة ، تحقيق محمد مصطفى الأعظمى ، المكتب الإسلامي بيروت ،
الطبعة الثانية 1412هـ – 1992م

103- صحيح مسلم ، مع (المنهاج شرح مسلم) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ، دار الحديث
بمصر، الطبعة الأولى 1415هـ – 1994م
( ض )

104- الضعفاء والمتروكين، للنسائى، تحقيق كمال يوسف الحوت وغيره، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت، الطبعة الثانية 147هـ – 1987م

105- الضعفاء والمتروكين، لابن الجوزى ، تحقيق عبد الله القاضى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 146هـ – 1984م

106- الضعفاء الكبير، للعقيلى، تحقيق الدكتور عبد المعطى قلعجى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 144هـ – 1984م
( ط )

107- طبقات الحفاظ، للسيوطى، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1983م

108- طبقات الشافعية الكبرى ، للسبكى، تحقيق محمود الطناحى وغيره، مطبعة عيسى الحلبي
بمصر، الطبعة الأولى 1383هـ – 1964م
109- طبقات الفقهاء الشافعيين ، لابن كثير، تحقيق الدكتور أحمد عمر هاشم ، والدكتور زينهم عزب ، المكتبة الثقافية بمصر 1413هـ – 1993م
110 الطبقات الكبرى، لابن سعد، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 141هـ – 199م
111- طبقات المفسرين، للداودى ، دار الكتب العلمية بيروت ، بدون تاريخ
112- طبقات المفسرين، للسيوطى ، دار الكتب العلمية بيروت ، بدون تاريخ
( ع )
113- العقيدة والشريعة فى الإسلام، تاريخ التطور العقدى والتشريعى فى الدين الإسلامى،
لجولدتسهير، نقله إلى العربية الدكتور على حسن عبد القاهر، ومحمد يوسف موسى،
وعبد العزيز عبد الحق، الناشر : دار الكتب الحديثة بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد، الطبعة
الثانية ، بدون تاريخ
114- علوم الحديث ، لابن عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزورى المعروف بابن
الصلاح ، تحقيق صلاح عويضة ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ،
1416هـ-1995م .
115- العواصم من القواصم فى تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبى – صلى الله عليه وسلم -، لأبى بكر ابن
العربى المالكى، تحقيق محب الدين الخطيب، ومحمود مهدى الإستانبولى، مكتبة السنة
بالقاهرة، الطبعة السادسة 1412هـ
116- العواصم والقواصم فى الذب عن سنة أبى القاسم ، لمحمد بن إبراهيم الوزير، تحقيق
شعيب الأرنؤوط، دار البشير، عمان، الطبعة الأولى 145هـ-1985م
( ف )
117- فتح البارى بشرح صحيح البخارى، لابن حجر العسقلانى، تحقيق محب الدين الخطيب، ومحمد فؤاد عبد الباقى، دار الريان بمصر 1986م
118- فتح الباقى على ألفية العراقى، لأبى يحيى زكريا بن محمد الأنصارى، تحقيق محمد بن الحسينى العراقى، دار الكتب العلمية، بيروت، بهامش شرح ألفية العراقى المسماه بالتبصرة والتذكرة
119- فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ، لأبى الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقى، تحقيق
أحمد محمد شاكر، ومحمود ربيع ، مكتبة السنة ، بالقاهرة، الطبعة الثانية 148هـ-
1988م
120- فتح المغيث شرح ألفية الحديث ، للعراقى ، شرح السخاوى ، تحقيق صلاح محمد
عويضة , دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ – 1993م
121- الفقيه والمتفقه، لأبى بكر أحمد بن على الخطيب البغدادى، تحقيق عادل يوسف
العزازى، دار ابن الجوزى بالرياض، الطبعة الأولى 1417هـ-1997م، توزيع دار التوعية الإسلامية، مصر
122- الفكر المنهجى عند المحدثين، للدكتور همام عبد الرحيم سعيد، كتاب الأمة، الطبعة
الأولى 148هـ
123- فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ، لعبد العلى محمد بن نظام الأنصارى ، المطبعة الأميرية ببولاق ، 1322هـ مطبوع بهامش المستصفى
( ق )
124- القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادى، المطبعة الأميرية، الطبعة الثالثة 131هـ، تصوير الهيئة المصرية العامة للكتاب 1397هـ-1977م
125- قراءة في صحيح البخارى، لأحمد صبحى منصور، مخطوط
( ك )
126- الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، لمحمد شحرور، شركة المطبوعات بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ – 1992م
127- كشف الأستار عن زوائد البزار، للهيثمى، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمى، مؤسسة الرسالة 1979م
128- الكفاية فى علم الرواية، لأبى بكر أحمد بن على، الشهير بالخطيب البغدادى، تحقيق
محمد الحافظ التيجانى، وعبد الحليم محمد، وعبد الرحمن حسن، دار ابن تيمية،
بالقاهرة، 141هـ-199م
129- لقد شيعنى الحسين ، الانتقال الصعب فى رحاب المعتقد والمذهب ، لإدريس الحسينى ، دار النخيل العربى، بيروت، الطبعة الرابعة 1416هـ-1996م
( ل )
130- لسان العرب، لابن منظور، دار صادر بيروت، بدون تاريخ
131- لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث ، للأستاذ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الرابعة 1417هـ
132- لماذا القرآن، لعبد الله الخليفة = أحمد صبحى منصور، خال من مكان الطبع وتاريخه
( م )
133- مجلة روز اليوسف، الأعداد 3559 – 3563 – 3564، مطابع الأهرام بمصر
134- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للهيثمى، دار الكتاب العربي بيروت 142هـ – 1982م
135- المحصول فى أصول الفقه، لفخر الدين محمد بن عمر الرازى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 148هـ-1988م
136- مختار الصحاح، لمحمد بن أبى بكر الرازى، عنى بترتيبه محمود خاطر، دار النهضة
للطباعة
137- مختصر التحفة الإثنى عشرية ، تأليف شاه عبد العزيز الإمام ولى الله أحمد الدهلوى،
تعريب غلام محمد الأسلمى ، وتهذيب السيد محمود شكرى الألوسى ، تحقيق محب الدين
الخطيب، طبعة الرئاسة العامة للإفتاء والإرشاد بالسعودية 144هـ
138- المراسيل ، لأبى داود سليمان بن أشعث السجستانى ، تحقيق كمال يوسف
الحوت ، دار الجنان ، بيروت ، الطبعة الأولى 148هـ-1988م
139- مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، لعبد المؤمن البغدادى، تحقيق على البجاوى،
دار المعرفة بيروت، 1373هـ
140- مروج الذهب ومعادن الجوهر، للمسعودى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، دار المعرفة بيروت 1368هـ – 1948م
141- مساحة للحوار من أجل الوفاق ومعرفة الحقيقة ، لأحمد حسين يعقوب، الغدير بيروت،
الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م
142- المستدرك على الصحيحين، للحاكم، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ – 199م
143- المستصفى من علم الأصول ، للغزالى ، المطبعة الأميرية بمصر 1322هـ
144- المسلم العاصى، هل يخرج من النار ليدخل الجنة، لأحمد صبحى منصور، القاهرة 147هـ – 1987م
145- مسند أبى داود الطيالسى، لأبى داود ، حيدر أباد الدكن بالهند 1321هـ – 193م
146- مسند أبى يعلى الموصلى، لأبى يعلى، تحقيق حسين أسد، ودار المأمون 1415هـ – 199م
147- مسند الإمام أحمد ، لأحمد بن حنبل ، المطبعة الميمنية بمصر 1313هـ – 1895م
148- مسند الحميدى ، للحميدى ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمى ، عالم الكتب بيروت
149- مسند الشافعى،للإمام الشافعى، تحقيق سعيد محمد اللحام وغيره، دار الفكر بيروت 1996م
150- مسند الشهاب ، للقضاعى، تحقيق حمدى عبد المجيد السلفى، مؤسسة الرسالة بيروت 145هـ
151- مشاهير علماء الأمصار، لابن حبان، تحقيق مجدى الشورى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية 1416هـ – 1995م
152- مصادر الشريعة الإسلامية مقارنة بالمصادر الدستورية، للمستشار الدكتور على جريشة، مكتبة وهبة بالقاهرة، الطبعة الأولى 1399هـ-1979م
153- المصباح المنير فى غريب الشرح الكبير للرافعى، لأحمد بن محمد بن على الفيومى، تحقيق الدكتور عبد العظيم الشناوى، دار المعارف، بدون تاريخ
154- المصنف، لابن أبى شيبة، تصحيح عامر الأعظمى، حيدر أباد الدكن بالهند 1966م
155- المصنف، لعبد الرزاق، تحقيق حبيب الأعظمى، المجلس العلمى بالهند 197م
156- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، لابن حجر، تحقيق حبيب الأعظمى، دار عباس أحمد الباز
157- مع الشيعة الإثنى عشرية فى الأصول والفروع، للدكتور على أحمد السالوس، دار التقوى بمصر، دار الثقافة، قطر، الطبعة الأولى 1417هـ-1997م
158- معالم المدرستين، لمرتضى العسكرى، الدار العالمية بيروت، الطبعة الخامسة 1993م
159- المعجم الأوسط، للطبرانى، تحقيق طارق عوض وغيره، دار الحرمين بمصر 1415هـ – 1995م
160- معجم البلدان، لياقوت الحموى، دار إحياء التراث العربي بيروت
161- المعجم الصغير، للطبرانى، تحقيق محمد سمارة، دار إحياء التراث العربي 1992م
162- المعجم الكبير، للطبرانى، صدر منه 25 جزء، وناقص أجزاء 15، 16، 21، تحقيق حمدى عبد المجيد السلفى، الدار العربية للطباعة 1398هـ
163- معجم مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهانى، تصحيح إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م
164- مقاصد الحديث فى القديم والحديث، للدكتور مصطفى أمين إبراهيم التازى، مطبعة دار التأليف بالقاهرة، الطبعة الثالثة، 1971م
165- مقدمة ابن خلدون ، لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون، دار الجيل، بيروت، بدون تاريخ
166- المكانة العلمية لعبد الرازق بن همام الصنعانى فى الحديث النبوى، لشيخى الجليل فضيلة
الدكتور إسماعيل عبد الخالق الدفتار، مخطوط بكلية أصول الدين ، بالقاهرة ، رقم 2332،
لسنة 1396هـ-1976م
167- منهاج السنة النبوية فى نقض كلام الشيعة والقدرية ، لأبى العباس أحمد بن تيمية، المطبعة الأميرية ، ببولا ق، الطبعة الأولى1321هـ،تصوير دار الكتب العلمية،بيروت.
168- المنهج الإسلامى فى الجرح والتعديل، للدكتور فاروق حمادة ، مكتبة المعارف ،
المغرب ، الطبعة الأولى 142هـ-1982م
169- منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوى ، للدكتور صلاح الدين الأدلبى ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، الطبعة الأولى 143هـ-1983م
170- منع تدوين الحديث أسباب ونتائج ، لعلى الشهرستانى ، مؤسسة الأعلمى بيروت ، الطبعة
الأولى 1418هـ – 1997م
171- المنهاج شرح مسلم ، للنووى ، تحقيق عصام الصبابطى وغيره ، دار الحديث بمصر، الطبعة الأولى 1415هـ – 1994م
172- المواجهة مع رسول الله وآله ، لأحمد حسين يعقوب ، مركز الغدير بيروت، الطبعة
الأولى 1417هـ – 1996م
173- الموافقات في أصول الشريعة، للشاطبى، تحقيق عبد الله دراز وغيره، دار المعرفة
بيروت، الطبعة الثانية 1416هـ – 1996م
174- موطأ الإمام مالك ، برواية يحيى الليثى ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، دار الحديث
بمصر 1993م
( ن )
175- نزهة النظر شرع نخبة الفكر فى مصطلح أهل الأثر، لابن حجر العسقلانى، تحقيق
إسحاق عزوز، مكتبة منارة العلماء، الإسماعيلية، القاهرة، 149هـ-1989م
176- النص والاجتهاد، لعبد الحسين شرف الدين الموسوى، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الطبعة الرابعة 1386هـ-1966م
177- نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية فى الإسلام، لأحمد حسين يعقوب، مطبعة الخيام، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، بدون تاريخ
178- النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، خرج أحاديثه وعلق عليه صلاح عويضة،
دار الكتب العلمية بيروت ، الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م
( هـ )
179- أبو هريرة ، لعبد الحسين شرف الدين الموسوى ، دار الزهراء ، بيروت ، الطبعة
السادسة 1415هـ-1995م
( و )
180- وركبت السفينة، لمروان خليفات ، مركز الغدير للدراسات بيروت 1418هـ– 1997م.
181- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، لأحمد بن خلكان ، تحقيق الدكتور إحسان عباس،
دار الثقافة , بيروت
هذا وقد تركت ذكر بعض المصادر والمراجع، لقلة رجوعى إليها، وهى مبينة عند مواطن النقل منها، أو العزو إليها للاستفادة منها

فهرس الموضوعات

الموضوع رقم الصفحة
تقديم 5 – 8
المبحث الأول
التعريف بالصحابة لغةً واصطلاحاً
9 – 13
( الصحابة فى اللغة…………………………………………….. 9
( الصحابة فى الاصطلاح…………………………………….. 1
( السر فى التعميم فى تعريف الصحابى …………………………. 12
( طريق معرفة الصحبة…………………………………. 13
المبحث الثانى
التعريف بالعدالة لغة واصطلاحاً
14 – 16
( العدالة لغةً………………………………………………………… 14
( العدالة اصطلاحاً ………………………………………………………….. 14 ( ليس المقصود من العدل أن يكون بريئاً من كل ذنب …………………… 15
( معنى عدالة الصحابة – رضي الله عنهم -…………………………………………… 15
( ليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصى أو من السهو أو ………. 15
( صفوة القول فى عدالة الصحابة – رضي الله عنهم – ………………………………… 16
المبحث الثالث
أدلة عدالة الصحابة – رضي الله عنهم –
17- 23
أولاً : دلالة القرآن الكريم على عدالة الصحابة – رضي الله عنهم – …………………… 17
( الآيات التى جاء فيها عتاب لهم أو لبعضهم شاهدة بعدالتهم ………… 18
ثانياً : دلالة السنة المطهرة على عدالة الصحابة – رضي الله عنهم – …………………… 19
الموضوع رقم الصفحة
ثالثاً : دلالة إجماع الأمة على عدالة الصحابة – رضي الله عنهم – …………………………. 22
( السبب فى قبول روايتهم من غير بحث عن أحوالهم ………………….. 23
المبحث الرابع
شبهات حول عدالة الصحابة – رضي الله عنهم –
24 – 54
المطلب الأول : شبهاتهم من القرآن الكريم والرد عليها ………………….. 25
( استعراض شبهاتهم …………………………………………… 26
( الجواب عن شبهاتهم …………………………………………………… 27
أولاً : الجواب عن قصة انفضاض أكثر الصحابة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى العير
القادمة من الشام …………………………………………………. 27
ثانياً : الجواب عن نسبة النفاق إلى خيار هذه الأمة بدعوى أنه كان فى المدينة
منافقين ……………………………………………………….. 29
ثالثاً : الجواب على ما استدلوا به من فرار بعض الصحابة يوم الزحف فى
غزوتى أحد وحنين …………………………………………….. 33
المطلب الثانى : شبهاتهم من السنة النبوية والرد عليها …………………… 34
( استعراض شبهاتهم …………………………………………… 34
( الجواب عن شبهاتهم ………………………………………………… 36
أولاًً : الجواب عن حديث الحوض ، وما جاء فيه من وصف الصحابة بالردة … 36
( المراد بالأصحاب فى الحديث الذين صاحبوه صحبة الزمان والمكان مع نفاقهم
وهم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق – رضي الله عنه – ………………… 37
( وفى الحديث ما يؤيد المعانى السابقة …………………………………… 37
ثانياً : الجواب عن حديث ” لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ” .. 38
الموضوع رقم الصفحة
( إطلاق الكفر على قتال المؤمن محمول على معانى متعددة ………………. 39
(ما جرى بين الصحابة – رضي الله عنهم – من قتال لم يكن عن استحلال له ……………. 39
(اتفق أهل السنة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين ، وإن قالوا فى إحداهما
أنهم كانوا بغاة ……………………………………………………. 41
( التوقف فى تعديل كل نفر من الذين لابسوا الفتن، والإنكفاف عن الرواية عنهم
باطل من دين الأمة ……………………………………………….. 42
ثالثاً : الجواب عما زعمه غلاة الشيعة وأذيالهم من أن بداية الوضع كانت فى زمن
النبى – صلى الله عليه وسلم – ووقعت من صحابته الكرام ……………………………….. 43
( بداية الوضع فى الحديث وبراءة الصحابة – رضي الله عنهم – منه ……………. 44
( اختلف العلماء فى بداية ظهور الوضع فى الحديث إلى قولين ……………. 44
( نماذج من جراءة الصحابة – رضي الله عنهم – فى حفظ الشريعة ……………… 47
( ما يرد من ألفاظ التكذيب على ألسنة بعضهم ، فإنما هو تخطئة بعضهم لبعض
وبيان ما وقع فيه بعضهم من وَهَم الكلام ………………………………. 49
( أمثلة على استعمال سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كلمة ” الكذب ” بمعنى الخطأ ……. 49
( أمثلة على استعمال الصحابة – رضي الله عنهم – كلمة ” الكذب ” بمعنى الخطأ ………… 49
(ما استدرك به بعض الصحابة بعضاً فى الرواية لا يعد كذباً ……………. 51
( الرد على زعم أعداء السنة المطهرة بأن لفظة ” متعمداً ” فى حديث
“من كذب علىّ” مختلفة …………………………………………. 52
( الحكمة فى ذكر كلمة ” متعمداَ ” فى الحديث ……………………… 54
( أئمة الحديث وإن قالوا برفع الإثم عن المخطئ ، والناسى ، والغالط ، فقد جعلوا
ما ألحق بالحديث غلطاً ، أو سهوا ً، أو خطأً ، من قبيل الشبيه بالموضوع فى كونه
كذباً فى نسبته إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – ……………………………………. 54
الموضوع رقم الصفحة
المبحث الخامس
سنة الصحابة – رضي الله عنهم – حجة شرعية
55 – 58
( استعراض شبهة من يطعن فى سنة الصحابة – رضي الله عنهم – …………………….. 55
( ما جاء عن الصحابة – رضي الله عنهم – من قول أو فعل أو تقرير , إذا كان مما لا يقال من
قبل الرأى ، ومما لا مجال للإجتهاد فيه ، فله حكم المرفوع المسند ………… 55
( سنة الصحابة – رضي الله عنهم – كسنة الرسول – صلى الله عليه وسلم – يعمل بها ، ويرجع إليها ، وانتصر لهذا
الرأى غير واحد من أئمة الأصول …………………………………… 55
( الأدلة على أن سنتهم فى طلب الإتباع كسنة النبى – صلى الله عليه وسلم – ………………. 56
( أوجه ترجيح الإعتماد علي الصحابة فى بيان القرآن الكريم ……………. 57
( سنة الصحابة مصدراً للأحكام الدستورية ……………………………. 58
المبحث السادس
من أراد معاوية – رضي الله عنه – فإنما أراد الصحابة
جميعاً – رضي الله عنهم –
59 – 67 ( استعراض شبهة الطاعنين فى سيدنا معاوية – رضي الله عنه – ………………… 59
( الجواب عن الطعن فى صحة إسلام سيدنا معاوية – رضي الله عنه – , وأنه فتح باب
الوضع فى السنة النبوية ……………………………………… 61
( شهادات التزكية لسيدنا معاوية – رضي الله عنه – فى القرآن الكريم , والسنة النبوية ,
وأقوال أئمة المسلمين ……………………………………………….. 62
( العلامة ابن خلدون يرى أن معاوية – رضي الله عنه – من الخلفاء الراشدين…….. 66
المبحث السابع
شبهات حول راوية السنة الأول ( أبو هريرة – رضي الله عنه – ) والرد عليها
68 – 82
الموضوع رقم الصفحة
( ما اتهم به أبو هريرة – رضي الله عنه – ، من أكاذيب وافتراءات من قبل أرباب الأهواء
قديماً وحديثاً ، سندهم فيه إما روايات مكذوبة أو ضعيفة ، وإما روايات
صحيحة لم يفهموها…………………………………………… 68
( تصدى للرد على الطعون الموجهة إلى سيدنا أبى هريرة – رضي الله عنه – رهط من علماء
الإسلام على رأسهم أبى هريرة نفسه …………………………………… 68
( أصناف الطاعنين فى سيدنا أبى هريرة – رضي الله عنه – ……………………………. 69
( إسلامه وصحبته…………………………………………………. 7
( خلقه وتقواه …………………………………………………….. 71
( القصة التى بنى عليها الرافضى محمود أبو رية تسمية كتابه “شيخ المضيرة
أبو هريرة” هذه القصة لا يصدقها عاقل ، والأحداث التاريخية تكذبها……….. 72
( قوة ذاكرته وروايته…………………………………………….. 73
( أسباب كثرة مروياته………………………………………………… 73
( شهادة الرسول – صلى الله عليه وسلم – والصحابة – رضي الله عنهم – ومن بعدهم من أهل العلم بقوة حفظه
وإتقانه وكثرة سماعه وحرصه على الحديث……………………………. 76
( حب هذا الصحابى الجليل علامة على الإيمان , وبغضه علامة على النفاق….. 8
المبحث الثامن
حكم الطاعن فى عدالة الصحابة – رضي الله عنهم –
83 – 85
( أقوال أهل السنة والجماعة , صريحة فى بيان حكم من ينتقصهم…….. 83
( اختلاف الفقهاء في تكفير ساب الصحابة ……………………….. 84
الخاتمة : في نتائج هذا البحث…………………………………….. 86
فهرس أهم المصادر والمراجع ………………………………. 89
فهرس الموضوعات…………………………………………. 13

صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم
صدق الله العظيم