تدوين الحديث الشريف
على عهد النبي وصحابته الكرام
شبهات وردود
بحث كتبه
د. محمود عيدان أحمد
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى من تبعهم بإيمان وإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن موضوع تدوين أو كتابة الحديث الشريف على عهد رسول الله من الموضوعات التي تنوع النقل فيها بين المنع والإباحة عن رسول الله ، وكان لهذا التنوع في النقل أسبابه ومبرراته ، غير أن هذه الأسباب والمبررات لم تكن بمعزل عن التأثير المباشر على مواقف الصحابة والتابعين من هذه المسألة،وربما وجد من يجد نفسه سعيدا وهو يتصيد في الماء العكر في هذه المواقف المتنوعة فرصة لبث سمومه،وصولا إلى التشكيك في السنة النبوية.
لذا رأيت من المفيد أن تبسط المسألة على فراش البحث،وأن ننظر بعمق إلى موقف النبي من مسألة تدوين الحديث ،ثم ننظر في انعكاسات هذا الموقف النبوي الى مواقف الصحابة رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم ، وبعدها ننظر في موقف علماء الأمة من هذه النصوص المتعارضة ، ونختم ذلك ببعض شبهات اولئك المشككين وتفنيدها بالحجة والبرهان ….. ومن الله التوفيق وهو الهادي الى سواء السبيل.
الباحث
تعريف التدوين:
التدوين لغة: مشتق من الديوان وهو مجمع الصحف ، أو الكتاب ، كما جاء في القاموس المحيط.
والتدوين على وزن تفعيل بمعنى جعل الشيء في الديوان
أما في الاصطلاح .فالتدوين يتحدد معناه بما أضيف إليه،فتدوين القرآن هو غير تدوين السنة ،وهما غير تدوين العلوم الأخرى . وما يهم في هذه التوطئة هو تدوين القرآن والسنة . فنقول: إن كنا قد حملنا معنى الديوان على ( مجمع الصحف) فالتدوين هو جمع الصحف المكتوبة بعضها الى البعض الآخر ، وهو بهذا المعنى لم يتم في حياة النبي لا بالنسبة الى القرآن ولا بالنسبة الى السنة النبوية المطهرة .وإن كنا حملنا معنى الديوان على ( الكتاب) فالتدوين معناه الكتابة مطلقا ، سواء أجمعت هذه المكتوبات في مصحف واحد أم بقيت مفرقة ،وهو بهذا المعنى قد تم بالنسبة الى القران الكريم في حياة النبي بشكل نهائي لا غبار عليه،قال أبو الحارث المحاسبي (ت 243هـ)في كتاب فهم السنن كما نقله عنه الزركشي في البرهان:”كتابة القرآن لم تكن محدثة فإنه كان يأمر بكتابته ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب ”
وقال الإمام الطبري(ت 310هـ ) ولم يكن القرآن جمع في شيء ، وإن كان في الكرانيف والعسب”
المطلب الأول
موقف النبي من التدوين
لقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم مواقف مختلفة من قضية التدوين بحسب متعلق تلك القضية . فموقفه من تدوين القران يختلف عن موقفه من تدوين السنة بصورة عامة ، ثم إن موقفه من تدوين السنة في العهد الأول لرسالة الإسلام يختلف عن موقفه في السنوات الأخيرة من عمره الشريف ، وهذا التباين يحتم علينا أن نتناول هذا الموقف النبوي بحسب المسألة التي ورد بها الحديث ، وكما يأتي :
أولا:الموقف النبوي من القرآن الكريم:
وقف النبي موقفا واضحا وبينا من تدوين القران الكريم ، فلم يكتف بتوجيه عناية المسلمين الى القران الكريم دون السنة النبوية والإذن لهم بالكتابة من خلال الحديث الذي يرويه ابو سعيد ألخدري ” لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن ” ، بل لم يكتف بالأمر بتقييد القران بالكتابة بقوله من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص ” قيدوا العلم بالكتاب” .
بل إن النبي باشر بنفسه الإشراف على عملية تدوين القران فقد اتخذ جملة ممن يتقنون القراءة والكتابة كتابا للوحي يدونون القرآن عند نزوله بين يدي النبي ؛ اخرج الهيثمي في مجمع الزوائد عن عبدالله بن الزبير أن النبي استكتب عبد الله الأرقم … واستكتب زيد بن ثابت … وقد كتب له عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ،وعلي بن أبي طالب ، والمغيرة بن شعبة ، ومعاوية بن أبي سفيان وخالد بن سعيد بن العاص وغيرهم ” ، وكان النبي يتعهد هؤلاء الكتاب بالعناية والمتابعة فيحدد لهم المكان الذي يضعون فيه الآيات الجديدة التي دونوها في مجلسه
أخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف قوله لكتبة الوحي من أصحابه ” ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وتنزل عليه الآيات فيقول ضعوا هذا في السورة التي فيها كذا وكذا ” .
وثبت عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قوله : ” كنا عند رسول الله نؤلف القران في الرقاع “.
وفوق ذلك كان النبي يسمع من كتبة الوحي ما دونوه في مجلسه من اجل إصلاح ما يمكن أن يقع من سقط أو خلل ، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه انه قال.”كنت اكتب الوحي لرسول الله وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته بحاء شديدة وعرق عرقا شديدا مثل الجمان ن ثم سري عنه ، فكنت اخل عليه بقطعة الكتف أو كسرة فاكتب وهو يملي علي ، فما افرغ حتى تكاد رجلي تنكسر من ثقل القران ،حتى أقول لا امشي على رجلي أبدا فإذا فرغت قال اقرأ فاقرأ فان كان به سقط أقامه ثم اخرج به الى الناس ” .
ثانيا: الموقف النبوي من تدوين لسنة:
اختلف النقل عن النبي في أمر كتابة السنة النبوية ، غير أننا نستطيع بصورة عامة أن نصنف الآثار الواردة عن النبي في هذه المسألة الى طائفتين وهما:
أولا : الآثار التي تمنع أو تنهى عن تدوين السنة ، وتأمر بمحو ما سبق تدوينه.
ثانيا: الآثار التي تبيح تدوين الحديث ، أو تدعو الى تدوينه.
وسنعرض فيما يأتي من بحثنا الى ذكر طرف من هذه الآثار بقسميها محاولين الجمع بين هذه النصوص ، ومستعرضين لأبرز أقوال العلماء في ذلك وبالله التوفيق.
المطلب الثاني
أولا :الآثار الدالة على منع كتابة الحديث
-
عن أبي سعيد ألخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال : ” لا تكتبوا عني ،ومن كتب عني غير القرآن فليمحه،وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار” .
-
وعن أبي سعيد ألخدري أيضا قال : ” جهدنا بالنبي أن يأذن لنا بالكتاب فأبى” .
-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ” خرج علينا رسول الله ونحن نكتب الأحاديث ، فقال : ما هذا الذي تكتبون؟ فقلنا أحاديث نسمعها منك ، فقال كتاب غير كتاب الله ؟أتدرون ما ضل الأمم قبلكم إلا بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله تعالى” .
-
عن عبد الله بن حنطب قال : ” دخل زيد بن ثابت على معاوية ، فسأله عن حديث فأمر أنسانا أن يكتبه ، فقال له زيد إن رسول الله أمرنا أن لا نكتب شيئا فمحاه ” .
-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ” بلغ رسول الله أن أناسا قد كتبوا حديثه ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما هذه الكتب التي بلغني إنكم تكتبون ؟إنما أنا بشر من كان عنده منها شيء فليأت به ،فجمعناها فاحرقت فقلنا يارسول الله نتحدث عنك ؟ قال : تحدثوا ولا حرج ، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”.
-
واخرج الدارمي في سننه عن يحيى بن جــعدة قــال : ” أتي النبي بكتف فيه كتاب ، فقال كفا بقوم ضلالا أن يرغبوا عما جاء به نبيهم الى ما جاء به غير نبيهم ، أو كتاب غير كتاب ربهم ، فانزل الله تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (العنكبوت:51) .
لا بد من الإشارة الى أن هذا الحديث الذي ساقه الدرامي ضمن الأحاديث التي ساقها للدلالة على عدم جواز كتابة الحديث الشريف ليس فيه دلالة على ذلك ، وإنما الدلالة الواضحة في الحديث أن النبي أتي بما ليس من سنته ولا مما نزل عليه من القران ، بل مما كتبه بنو إسرائيل سواء كان من التوراة أو الإنجيل ،أو مما كتب علماؤهم ، بدلالة قوله ” كفى بقوم ضلالا أن يرغبوا عما جاء به نبيهم ” وهو كتاب الله وسنة نبيه ، وفي قوله ” أو كتاب غير كتاب ربهم ” إشارة الى التحريف الذي لحق كتب بني إسرائيل أو الى ما نقل عن علماء بني إسرائيل.
لعل هذه الأحاديث التي أوردناها هي ابرز ما يذكر في هذا الباب ، وان كان هناك أحاديث أخرى في نفس المعنى ، أعرضنا عن ذكرها لسببين:
الأول:أن القسم الأكبر منها يكاد يتطابق مع ما ذكرناه لفظا ومعنى، وإن اختلف طريق وروده عن النبي .
الثاني : إن بعضا منها لا يسلم أمام النقد العلمي مما يؤدي الى الحكم بضعفها الأمر الذي يجعلنا في غنى عنها لثبوت أصل المسألة بالأحاديث التي ذكرناها .
لكن يجب أن نعرف مسألة مهمة بعد هذه الأحاديث التي أوردناها ؛ هي انه لا مجال لرد هذه الأحاديث ، فان كان بالمكان أن نتكلم في الأثر الخامس المروي عن أبي هريرة بأنه مما انفرد بإخراجه الخطيب البغدادي في تقييد العلم ، ولم يشاركه احد فيه ، فان غيره من الأحاديث التي أوردناها ثابتة عن النبي لا مجال للطعن فيها .
ثانيا : الآثار الدالة على إباحة الكتابة
مثلما نقل عن النبي من الأحاديث التي تدل صراحة على عدم الإذن في كتابة الحديث فقد ورد عنه من الأحاديث والنصوص التي مفادها الإذن بكتابة الحديث ما لا يمكن ردها هي الأخرى ، وسنستعرض فيما يأتي ابرز الأحاديث الدالة على ذلك :
-
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ” كنت اكتب كل شيء اسمعه من رسول الله ، أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا : تكتب كل شيء سمعته من رسول الله ورسول الله بشر يتكلم بالغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب ، فذكرت ذلك لرسول الله ، فأومأ بإصبعه الى فيه ، وقال:اكتب فوالذي نفسي بيده لا يخرج منه إلا الحق “.
-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما فتح الله على رسوله ….وذكر في الحديث أن رجلا من أهل اليمن طلب من النبي أن يكتبوا له خطبة النبي في ذلك اليوم ، فاستأذنوا النبي في ذلك فقال : ” اكتبوا لأبي شاه ” .
-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن أنصاريا شكا الى النبي قلة حفظه فقال له النبي :”استعن بيمينك”
-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ” قيدوا العلم بالكتاب ” .
-
عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال قلت لرسول الله : إنا نسمع منك أشياء افنكتبها ؟ قال : ” اكتبوا ولا حرج ” .
-
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال في مرضه الذي توفي فيه : ”
-
ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا” .
-
ما ثبت من كتابة النبي الصدقات والديات والسنن لعمرو بن حزم رضي الله عنه .
-
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قال : بينما نحن جلوس حول رسول الله نكتب إذ سئل رسول الله أي المدينتين تفتح أولا قسطنطينية أو رومية ؟ قال : ” لا بل مدينة هرقل أولا” .
-
وعنه رضي الله عنه أنه أتى رسول الله ، فقال يا رسول الله إني أريد أن اروي من حديثك ، فأردت أن استعين بكتاب يدي مع قلبي إن رأيت ذلك ؟ فقال رسول الله : ” إن كان حديثي ثم استعن بيدك مع قلبك ” .
فهذه ابرز الأحاديث التي وردت عن النبي في الإذن في الكتابة ،وسنعرض لأقوال العلماء في توجيه التعارض الذي يبدو بين هذه الأحاديث وتلك التي نقلناها في المطلب السابق وبالله التوفيق .
ثالثا : موقف العلماء من أحاديث المنع والإباحة :
بعد أن رأينا أن الأحاديث المنقولة عن النبي مختلفة وتبدو متعارضة في مسألة السماح في تدوين الحديث النبوي أو عدم ذلك ،كان لابد للعلماء من توجيه يجمعون به بين هذه الأحاديث ،خاصة إذا علمنا أن لا سبيل لترجيح كفة على أخرى من حيث الثبوت ، فكما أن أحاديث المنع عن الكتابة بمجموعها صحيحة وثابتة عن النبي ولا سبيل لردها ، كذلك لا سبيل للكلام في ثبوت الأحاديث التي تأذن في الكتابة ،لذا تعين البحث في الجمع بين هذه الأحاديث خارج دائرة ترجيح إحدى الكفتين على الأخرى ، لذا تعددت تخريجات العلماء لدفع هذا التعارض ، وهذا ما سنحاول التعرض له في الصفحات القادمة إن شاء الله .
-
ذهب كثير من العلماء الى أن النهي الوارد عن النبي إنا كان في بداية الدعوة الإسلامية كي لا يختلط الحديث بكتاب الله تعالى ، فلما زال هذا الاحتمال وامن اللبس أذن لهم النبي بالكتابة من دون حمل ذلك على النسخ ولا تصريح به ؛ يقول الإمام ابو سعيد السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء بهذا الخصوص : ” إن كراهة تدوين الحديث ، إنما كانت في الابتداء ، كي لا تختلط بكتاب الله ،فلما وقع الأمن عن الاختلاط جاز كتابته ” .
وممن ذهب الى هذا الرأي الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم فقال : ” وقيل كان النهي أولا لما خيف اختلاطه بالقران ،والإذن بعده لما امن من ذلك ” .
ونقل صاحب عون المعبود عن الخطابي قوله في توجيه المسألة : ” أن يكون النهي متقدما ، وآخر الأمرين الإباحة ” .
-
ومن العلماء من صرح أن أحاديث الإباحة ناسخة لأحاديث المنع ، حكي ذلك ابن حجر في الفتح فقال: ” أو أن النهي متقدم والاذن ناسخ له” . وقال السيوطي في الديباج:” هذا منسوخ بالأحاديث الواردة في الإذن بالكتابة ، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن ، فلما امن ذلك إذن فيه” .
-
بينما ذهب فريق آخر من العلماء الى أن النهي خاص والإذن عام ؛ ” والنهي متعلق بمن يخشى منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ ، والإذن لمن أذن منه ذلك ” . قال السمعاني في هذا الخصوص : ” وكانوا يكرهون الكتاب أيضا لكي لا يعتمد العالم على الكتاب بل يحفظه” . وقال النووي رحمه الله : ” كان النهي لمن خيف اتكاله على الكتاب وتفريطه في الحفظ ،مع تمكنه منه والإذن لمن لا يتمكن من الحفظ” .
-
وذهب فريق خامس من العلماء الى أن النهي متوجه الى منع الجمع بين القران والسنة في صحيفة واحدة ، والإذن وارد في التفريق بينهما ؛ حكا هذا القول الإمام ابن حجر في الفتح فقال: ” النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القران في شيء واحد والإذن في تفريقهما” . وقال السيوطي :” وقيل النهي مخصوص بكتابة الحديث مع القران في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارئ” . ونقل الشيخ عبد العظيم آبادي في شرحه لسنن أبي داود عن الشيخ علي القارئ ما يؤيد هذا المعنى بقوله: ” فأما أن يكون نفس الكتاب محظورا فلا وقد أمر الرسول أمته بالتبليغ وقال:”ليبلغ الشاهد الغائب” . فان لم يقيدوا ما يبلغونه تعذر التبليغ ، ولم يؤمن ذهاب العلم ، وان يسقط أكثر الحديث ،فلا يبلغ آخر القرون من الأمة …فدل ذلك على جواز كتابة الحديث والله اعلم ” ، ويشهد لهذا الرأي ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره من الصحابة من الأمر بتجريد المصاحف وعدم إدخال شيء عليها ؛ يقول الإمام الزيلعي: ” عن ابن مسعود أنه قال “جردوا القرآن”ويروى” جردوا المصاحف” قلت :رواه ابن أبي شيبة في مصنفه في الصلاة ، وفي فضائل القران ،…وفي مصنف عبد الرزاق “جردوا القران لا تلحقوا به ما ليس منه” .
-
وذهب بعض العلماء الى أن حديث أبي سعيد ألخدري لا يصح رفعه الى رسول الله وإنما يصح موقوفا على أبي سعيد ألخدري وهو لاشك ابرز الأحاديث في المسألة المطروحة وبالتالي فالحديث الموقوف لا يقوى على معارضة الأحاديث التي ثبت رفعها الى رسول الله فيكون الحكم لأحاديث الإذن وليس لأحاديث المنع ؛ ذكر هذا الرأي الإمام ابن حجر وعزاه الى الإمام البخاري فقال:” ومنهم من أعل حديث أبي سعيد وصحح وقفه عليه، قاله البخاري وغيره” .
ومنهم من قال إن النهي مختص بزمن نزول الوحي والتخصيص في الكتاب يدخل مرحلة الإذن بعد انقطاع الوحي ،حكا هذا القول الإمام ابن حجر والمباركفوري ، وهو بعيد لأن تخصيص النصوص لا يملكها احد بعد رسول الله والله اعلم
المطلب الثالث
موقف الصحابة رضي الله عنهم من التدوين:
اختلف الصحابة رضي الله عنهم في موقفهم من التدوين الى مجيز ومانع ، وقد أنبنى موقفهم هذا على الاختلاف الوارد في النقل في هذه المسألة عن النبي ، بل إن الإختلاف في المواقف من هذه المسألة وصل الى الصحابي الواحد، فكم من الصحابة المبرزين نقل عنهم ما يدل على إباحة التدوين ، ونقل عنهم أنفسهم ما يفيد النهي عن التدوين ، كما سنرى في الصفحات القادمة ، فما سبب هذا التنوع في المواقف ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه بعد أن نستعرض طائفة من الآثار الدالة على حضر التدوين ثم طائفة من الآثار الدالة على منع التدوين ،ونرى بعد ذلك لمن تكون كفة الترجيح؟.
أولا : الآثار المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم
في كراهة التدوين
نقلت عن الصحابة رضي الله عنهم مجموعة من الآثار تدل على كراهتهم لتدوين حديث الرسول منها:
-
عن أبي نضرة قال قلت لأبي سعيد:” ألا تكتبنا فانا لا نحفظ فقال:لا إنا لن نكتبكم ،ولن نجعله قرآنا ،ولكن أحفظوا عنا كما حفظــنا نحــــن عن رسول الله : .
-
عن القاسم بن محمد قال قالت عائشة :جمع أبي الحديث عن رسول اله ،فكانت خمسمائة حديث ، فبات ليلة يتقلب كثيرا ،قالت فغمني ،فقلت:تتقلب لشكوى أو لشيء بلغك ؟ ،فلما أصبح قال أي بنية :هلمي الاحاديث التي عندك،فدعا بنار فاحرقها فقال خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن قد حدثني ، فأكون قد تقلدت ذلك” .
-
عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن فاستشار أصحاب رسول الله ،فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق يتخير الله فيها شهرا ، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له فقال :”إني كنت أريد أن اكتب السنن ،واني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا ، فاكبوا عليها ،وتركوا كتاب الله ، واني والله لا البس شيئا بكتاب الله أبدا” .
-
عن جابر بن عبد الله بن يسار قال سمعت عليا يقول:”اعزم على كل من كان عنده كتاب الا رجع فمحاه ، فإنما هلك الناس حيث يتبعون أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم ” .
-
عن الاوزاعي قال سمعت أبا كثير يقول سمعت أبا هريرة يقول : “لا يكتب ولا يكتب ” .
-
عن أبي بردة انه كان يكتب حديث أبيه فرآه ابو موسى( يعني الأشعري) فمحاه” .
-
واخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق ثلاثة أحاديث عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري تصرح بموقفه الرافض للتدوين نكتفي بذكر واحد منها: ” عن أبي بردة كنت آتي أبي فكلما حدث بحديث عن النبي فكتبته ، فقمت فقال لي : أتكتب كل ما احدث به ؟ فقلت نعم ، فقال اذهب واتني بكتابك ،فجئته به فدعا بطست فغسل ما فيها ” .
-
عن حصين بن مرة الهمداني قال جاء ابو مرة الكندي بكتاب من الشام فدفعه الى عبد الله بن مسعود ، فنظر فيه ، فدعا بطست ، ثم دعا بماء فمرسه فيه وقال : إنما هلك من كان قبلكم بإتباعهم الكتب وتركهم كتاب ربهم” .
-
عن ابراهيم التيمي قال :بلغ ابن مسعود أن عند ناس كتابا يعجبون به فلم يزل بهم حتى أتوه به فمحاه ثم قال: “انما هلك أهل الكتاب قبلكم أنهم اقبلوا على كتب علمائهم وتركوا كتاب ربهم ” .
-
عن سعيد بن أبي الحسن قال : لم يكن احد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه من أبي هريرة رضي الله عنه ،وان مروان بعثه على المدينة ،وأراد حديثه،فقال ارو كما روينا ،فلما أبى عليه تغفله فاقعد له كاتبا ،فجعل ابو هريرة يحدث ويكتب الكاتب حتى استفرغ حديثه اجمع فقال مروان :تعلم أنا قد كتبنا حديثك اجمع؟ قال :أوقد فعلتم ؟ وان تعطني تمحه قال فمحاه” .
ثانيا : الآثار المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم
في إباحة التدوين
مثلما نقل عن الصحابة رضي اله عنهم من الآثار التي لا يمكن الطعن في ثبوتها بخصوص كراهتهم لتدوين الحديث ، فقد نقل عنهم مثل ذلك من النصوص التي تبيح التدوين وهي من الكثرة والقوة الى الحد الذي لا يسمح بالحديث حول ثبوتها أو عدمه، فمن تلك الآثار:
-
ماروي عن انس بن مالك من أن أبا بكر رضي الله عنه كتب لهم( أي انس وقومه) ان هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله التي أمر الله عز وجل بها رسول الله فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها،ومن سئل فوق ذلك فلا يعطه “.
-
عن عاصم الأحول عن أبي عثمان قال : جاءنا كتاب عمر بن الخطاب ونحن بأذربيجان :”يا عتبة بن فرقد إياكم والتنعم وزى أهل الشرك ولبوس الحرير ،فان رسول الله نهانا عن لبوس الحرير وقال :إلا هكذا ورفع لنا رسول الله إصبعيه ” .
-
عن عمرو بن سفيان انه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :”قيدوا العلم بالكتاب ” .
-
عن إبراهيم التميمي عن أبيه قال :خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال:”من زعم إن عندنا شيئا نقرأه غير كتاب الله ، وهذه الصحيفة ، قال وصحيفة معلقة في قراب سيفه ،فقد كذب ،فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات ،وفيها قال النبي المدينة حرم ما بين عير الى ثور ،فمن احدث فيها حدثا أو آوى محدثا ،فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا” .
-
عن ربيعة قال:اخبرني ابن لسعد بن عبادة قال : وجدنا في كتاب سعد إن النبي قضى باليمين والشاهد” .
-
عن انس بن مالك قال حدثني محمود بن ربيع عن عتبان بن مالك قال قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت حديث بلغني عنك ، قال أصابني في بصري بعض الشيء فبعثت الى رسول الله إني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فاتخذه مصلى قال فأتى النبي ومن شاء الله من أصحابه فدخل وهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم اسندوا عظم ذلك وكبره الى مالك بن دخشم قالوا ودوا انه دعا عليه فهلك ودوا انه أصابه شر، فقضى رسول الله الصلاة ،وقال :أليس يشهد أن لا اله إلا الله ،واني رسول الله ؟ قالوا انه يقول ذلك وما هو في قلبه ،قال: لا يشهد احد أن لا اله إلا الله واني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه ،قال انس فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني اكتبه فكتبه” .
وإذا أنعمنا النظر في الروايات التي أوردنا فيما سبق يظهر لنا ما يأتي :
أولا: إن كثيرا ممن ورد عنهم النهي عن التدوين روي عنهم أنفسهم الإذن بكتابة الحديث ، كابي بكر وعمر وعلي وأبي هريرة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأبي موسى الأشعري ، رضي الله عنهم جميعا، كما يبدو ذلك واضحا من الروايات التي نقلناها .
ثانيا: إن الجمع بين هذه المنقولات المختلفة يجب أن يكون خارج منطقة القول بنسخ أحاديث الإذن لأحاديث المنع ، لان القول بالنسخ يصادر حق العودة الى القول بكراهة الكتابة بعد وفاته إذ لم يقل احد من العلماء إن لأي مسلم حق النسخ أو العودة الى المنسوخ سوى رسول الله .
ثالثا : إن حمل هذا الاختلاف في الموقف من التدوين على تغير العلم الحاصل لدى كل صحابي بمعنى أنهم تبنوا المنع لجهلهم بأحاديث الإذن ثم تبنوا الإذن لما علموا بترخيص النبي أقول إن هذا بعيد لأنه لم يقم لواحد أو اثنين من الصحابة لنقول بإمكانية حمله على ذلك ،وإنما وقع هذا الأمر لأكثر الصحابة الذين عرف لهم موقف من التدوين فما هو السبب الحقيقي وراء هذا التنوع في المواقف من هذه المسألة ؟ .
رابعا: إن السبب الذي نراه راجحا وراء هذا التنوع يمكن إجماله فيما يأتي :
-
إن الصحابة رضي الله عنهم لم يحملوا النهي الوارد عن النبي على الحرمة، إذ لو كان هذا ماثلا في أذهانهم لما تجرأ احد من الصحابة الى تدوين شيء من الحديث أو الإذن فيه، وهم من هم في إتباعهم للنبي وإنما حملوا ذلك على الكراهة ، أو التخصيص .
-
كذلك لم يحمل الصحابة تلك النصوص النبوية على النسخ ، لاستمرار القول بكراهة التدوين عند كثير من الصحابة بعد وفاته ،ومعلوم أن التمسك بالحكم المنسوخ يتنافى مع منهج الاقتداء المطلق برسول الله .
-
إن الصحابة فهموا أن كراهة التدوين مرتبطة بعلة وهدف ؛ أما العلة فهي خشية اختلاطها بالقران ، وأما الهدف فهو المحافظة على توقد الذهن وسعة الحفظ ، فإذا زالت العلة وامن الاختلاط جاز القول بالتدوين ، بالقدر الذي لا يكون سببا في الاتكال على الكتاب دون الحفظ ، فأن جعل الكتاب وسيلة للحفظ وليس بديلا عنه قالوا به وإلا فلا ، يشهد لنا قول ابن عون ” رأيت حمادا يكتب بين يدي ابراهيم ( النخعي) فقال له ابراهيم الم أنهك؟ قال : إنما هي إطراف” . فكتابة
المطلب الرابع
الشبهات التي أثيرت حول تدوين الحديث ومناقشتها:
لقد اثار المبطلون كثيرا من الشبهات حول مسألة تدوين الحديث على عهد رسول الله وصحابته الكرام رضي الله عنهم ، وقد جاءت هذه الشبهات في كثير من الأحيان تحمل عوارها بيدها وتدل على بطلانها بنفسها فكفتنا مئونة تفنيدها والرد عليها، وجاء بعضها الاخر وقد البس ثوب الحق من اجل تمريره على بسطاء الناس ، فرأيت لزاما أن نستعرض هذه الشبهات ونحاكمها أمام المنطق والعقل السوي ، وستكون طريقة عرضها اعتمادا على من تبناها وروج لها :
أولا شبهات الشيخ علي الكوراني والرد عليها:
أثار الشيخ علي الكوراني جملة من الشبهات حول تدوين الحديث ، وموقف الصحابة رضي الله عنهم من ذلك في كتابه تدوين القران ، وسنكتفي بذكر ابرز هذه الشبهات فيما يأتي :
-
الشبهة الأولى: حمل الكوراني في هذه الشبهة الأحاديث الواردة عن النبي في الإذن والمنع من الكتابة على التناقض متناسيا كل ما يمكن أن يعتمد عليه من الوسائل المعتبرة في الجمع بين النصوص المتعارضة ، وهو إنما حملها على التناقض من اجل الوصول الى مسالة خطيرة جدا لها مساس مباشر بعقيدة المسلمين، لان القول بالتناقض لا يخرج عن واحد من احتمالين : الأول: صحة الرواية بطرفيها عن النبي وهي متناقضة وهو لازم للكفر والعياذ بالله لان فيها اتهاما للنبي بالتناقض في التبليغ عن الله.
والثاني: عدم صحة احد إطرافها وهو لازم لاتهام رواتها بالكذب ، وهو ما يريد الكوراني أن يسوق القارئ إليه بصورة غير مباشرة،فاستمع إليه وهو يقول :”وقد عقد (أي الهيثمي )في مجمع الزوائد بابا باسم” باب كتابة العلم ” وروى فيه روايات متناقضة في تحريم التدوين ، وفي الحث علي التدوين” .
-
الشبهة الثانية :محاولة خلط مفهوم التثبت بمفهوم المنع من انتشار السنة: بنا الكوراني هذه الشبهة على جملة من الأحاديث ساقها عن النبي كحديث ” ليحدث الحاضر منكم الغائب” وحديث” نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها عني ، فرب حامل فقه غير فقيه ،ورب حامل فقه الى من هو افقه منه ” . فقال بعد أن أورد هذه الأحاديث وأمثالها :” من المعلوم لمن عرف أسلوب النبي ولمح مقاصده الشريفة ،أن هدفه ..أن تصل أحاديثه وما أوحاه الله إليه الى أوسع نطاق ، الى الأمة والعالم ،وان يحفظ العلماء والطلبة هذه الأحاديث ويلقوها على الناس ،ويشرحوها ، سواء كان ذلك بتحفيظها أو تكتيبها أو تدوينها.. فهل ينسجم ذلك مع سياسة تغييب السنة ومنع تدوين الحديث والعقوبة عليهما ” . والكوراني إن كان هنا يعرض بما نقل عن سيدنا عمر من كراهة التدوين ، فانه منقول كذلك عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما أثبتنا ذلك في الصفحات السابقة . وان كان يعرض بذلك عما روي عنه من استشهاده على من يحدثه بحديث الرسول الله بمن يشاركه في تلك الرواية عنهفان ذلك محمول على تثبته وحرصه على الأمانة في نقل السنة المطهرة، ويكفي للرد على الكوراني إن أهل السنة المتهمين عنده بالسعي من اجل منع انتشار سنة النبي هم أنفسهم الذين رووا تلك الأحاديث التي تحث على التبليغ عن النبي ولو أرادوا أن يكتموا شيئا من حديثه لكانت هذه الأحاديث أولى بالكتمان من غيرها لأنها تتقاطع مع منهجهم ألتكتمي ولأنها ستكون حجة في فم مخالفيهم.
-
الشبهة الثالثة: ادعاء الانتقائية في التدوين والرواية:يقول الشيخ علي الكوراني متحدثا عن النتائج التي برزت على الساحة الإسلامية من جراء السياسة العمرية المزعومة من منع التدوين والتحديث عن النبي :”وكانت النتيجة أن روايات السنة التي ارتضتها السلطة ، استثنيت من المنع ،وأخذت طريقها الى الرواية ، ثم الى التدوين …وكانت النتيجة أن سنة النبي صارت سنتين ، سنة مسموحة متبناة من الدولة ،وترويجها في جماهير الأمة وعوامها…وسنة ممنوعة ترويها المعارضة على خوف ووجل وتكذيب ومطاردة” . ولست ادري أية سنة هذه التي ترويها المعارضة ؟هل هي الأحاديث الواردة في فضل علي رضي الله عنه وأهل بيته ؟ إن كان يقصد ذلك ،فلست ادري أين يذهب الكوراني بالأحاديث التي رواها أهل السنة بخصوص ذلك، ولو كلف نفسه الشيخ مئونة النظر في باب فضائل علي رضي الله عنه في كتاب فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل فقط لوجد أن كلامه عار عن الصحة ، وان أهل السنة نقلوا من الأحاديث في فضل علي وأهل بيته ما لم يرووه في حق أي صحابي آخر.
الشبهة الثالثة : ثم تحدث الكوراني محاولا إثارة شبهة أخرى مستعينا في تحقيق ذلك بالتدليس وخلط المفاهيم على بسطاء الناس محاولا أن يصور إن تدوين الحديث إذن فيه بعد مئة سنة بشرط اقتران الأحاديث المروية عن رسول الله بما روي عن عمر رضي الله عنه فيقول:”وكانت النتيجة أن دولة عثمان وبني أمية بعد قرارات عمر وسياسته في منع الحديث والعقوبة عليه الى نهاية القرن الأول …ثم أجازت تدوين الحديث المسموح به فقط للمسموح لهم فقط ،وبشرط أن تدون أحاديث النبي وأحاديث عمر رضي الله عنه ” .
فهو هنا يلمح بكتاب عمر بن عبد العزيز الى أبي بكر بن محمد عمرو بن حزم واليه على المدينة بخصوص تدوين الحديث ،وسننقل الرواية من كتب الامامية أنفسهم ثم نرى كيف حاول الكوراني تحريف النص ثم تحميله ما لم يحتمل ،يقول الميرزا ألنوري في مستدرك الوسائل :”فقد كتب الى عامله على المدينة لأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يأمره :إن انظر ما كان من حديث رسول الله ،أو سنة ماضية ، أو حديث عمرة ،فاكتبه،فاني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله” .
فهو قد حرف لفظة (حديث عمرة ) بعبارة ( حديث عمر) من اجل التلبيس على الناس وسياقاتهم الى قناعات وتصورات بعيدة عن الواقع.
-
الشبهة الرابعة:ادعاء الانتقائية في الرواة المسموح لهم بالرواية:
ومن الشبه التي أثارها الكوراني حول مسألة تدوين الحديث وروايته ،ادعاءه أن الدولة الاسلامية أذنت لعدد قليل جدا من الرواة برواية الحديث وتدوينه ،ومنعت جماهير الصحابة عن ذلك فقال:”وكانت النتيجة أن كعب الأحبار وجماعته، وتميما الداري وجماعته،صدرت لهم إجازة رسمية بان يحدثوا الناس في مسجد النبي ومساجد بلاد المسلمين بأحاديث اليهود والنصارى … بينما أمثال علي باب مدينة العلم ،وأبو ذر اصدق من عليها ،وحذيفة بن اليمان ،أمين سر رسول الله وصاحب سره ممنوعون من الرواية ” .
ولا ادري حقيقة الى أي درجة يؤمن الكوراني نفسه بهذا الكلام ؟ وهو يعلم أن ما أخرجه اهل السنة عن حذيفة بن اليمان أكثر مما أخرجه عنه الشيعة الأمامية إذا ما استثنينا الأحاديث المختلقة التي الصقها به الوضاعون من الرافضة، ولا ادري بعد ذلك عن ماهية تلك الإجازة الرسمية التي صدرت من الدولة الاسلامية للترويج لعقائد اليهود والنصارى ؟ إن هذا اتهام مباشر وخطير للأمة الاسلامية ممثلة بخلفائها وعلمائها بالنكوص عن الدين والانحدار الى هاوية الردة لان الذي يمنع حديث رسول الله ويسمح بحديث اليهود والنصارى لا يبقى من إسلامه شيء، ثم إن كان كلامه هذا صحيحا فمن الذي روى هذا الكم الهائل من أحاديث المصطفى وهم ممنوعون من الرواية.
والشيخ الكوراني في سبيل الوصول الى ما يريد لا ما نع لديه من ركوب الصعب والسهل على حد سواء،فهو لكي يظهر عليا رضي الله عن بمظهر الحريص على نقل السنة – وهو كذلك بلا شك – يسوق من الأحاديث ما لا تقوم به الحجة ، غاضا نظره عما قال العلماء عن ذلك الحديث مع علمه بذلك ، فاستمع إليه وهو يقول :”وقف على عليه السلام ضد سياسة منع الحديث ،وكان يأمر من يطيعه بالتحديث والتدوين ،ويروي لهم أحاديث النبي بالتحديث عنه وتدوين حديثه الشريف …روي في كنز العمال ج1 /262 ( عن علي قال : قال رسول الله اكتبوا هذا العلم فأنكم تنتفعون به إما في دنياكم وإما في آخرتكم وان العلم لا يضيع صاحبه ” . وحذف الشيخ الكوراني أو غض نظره عن تعقيب المحقق على هذا الحديث مباشرة في نفس الطبعة التي اعتمد عليها الشيخ وهو قوله” وفيه محمد بن محمد بن علي بن الأشعث كذبوه” ، فالشيخ يبيح لنفسه أن ينقل من الأحاديث ما حكم العلماء عليه بالسقوط لا لشيء إلا لان هذا الحديث متفق مع القناعات التي يؤمن بها أو يريد إيصال الناس إليها، وإلا فان عليا رضي الله عن قد نقل عنه ما يخالف هذا الموقف تماما وهو الدعوة الى عدم التدوين حال غيره من كبار الصحابة في هذه المسألة . بل إن الشهيد الثاني وهو من علماء الشيعة المبرزين في علم الحديث ، كلامه مناقض لما رواه الكوراني فيقول:” إن تدوين الحديث لم يكن شائعا بين المحدثين الشيعة ،فلم تصلنا عن ابن عباس مثلا رغم كثرة رواياته إلا ما جمعه الفيروز آ بادي من رواياته في التفسير والتأويل، وظاهرة التدوين ظهرت أيام الإمام الباقر عليه السلام ،ونمت أيام الإمام الصادق عليه السلام ” . فأين هذا الكلام من مقتضى تلك الرواية التي ساقها الشيخ الكوراني والتي اتهم رواتها بالكذب
ثانيا: من شبهات عبد الحسين شرف الدين الموسوي
لقد حظي سيدنا عمر بن الخطاب بالحظ الأوفر من الطعون من قبل متطرفي الشيعة والنيل منه ، فأصبح كل ما يبدر عنه موضع تهمة ونقد كبير،حتى لكأنه الصحابي الوحيد الذي روي عنه المنع من التدوين في فترة من فترات حياته تمشيا مع المصلحة الراجحة في ذلك الوقت. متناسين كل ما روي عنه من جواز التدوين ،الأمر الذي يجعل أصابع الاتهام تتجه إليهم بالازدواجية في الرؤية وعدم الموضوعية في تناول المسائل المطروحة.
ومن هؤلاء الذين أسرفوا على أنفسهم في حق خليفة المسلمين وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ،الشيخ عبد الحسين شرف الدين الموسوي فاستمع إليه وهو يتحدث عن عمر رضي الله عنه :”والأخبار متواترة في منعه الناس من تدوين العلم ، وردعه إياهم عن جمع السنن والآثار ،وربما حظر عليهم الحديث عن رسول الله مطلقا، وحبس أعلامهم في المدينة الطيبة لكي لا يذيعوا الأحاديث في الآفاق” .
ولا يخفى على كل ذي عقل حصيف أن عمر بن الخطاب لم يبق كبار الصحابة في المدينة إلا لما في اجتماعهم فيها من خير عظيم يعود نفعه للأمة ،فلطالما جمع عمر رضي الله عنه الصحبة وهو يستشيرهم فيم يحزب من الأمور ، أو يسألهم إن كان عندهم علم عن النبي في مسألة بعينها.
إما بالنسبة لادعاء الموسوي من أن عمر رضي الله عنه كان يمنع الصحابة من الحديث عن رسول الله فقد كفانا هو مئونة الرد عليه في نفس الكتاب الذي يتهم به عمر بذلك فقد جاء فيه ما يأتي :”عن عبد الرحمن بن عوف قال ما مات رسول الله حتى بعث الى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق :عبد الله بن حذيفة وأبي الدرداء وأبي ذر وعقبة بن عامر ، فقال ما هذه الأحاديث التي افشيتم عن رسول الله قالوا: أتنهانا ؟ قال: لا أقيموا عندي ولا تفارقوني ما عشت” .
ثالثا : شبهة السيد حسين الصدر ومن وافقه
“ادعاء وقوع التحريف بسبب تطاول الأمد قبل التدوين”
يرى الشيخ حسين الصدر ، والسيخ علي السيستاني إن نقطة الضعف الكبيرة التي لحقت بالحديث الشريف عند أهل السنة ،هي تأخر التدوين الرسمي للحديث الى نهاية القرن الأول بمعنى بقاء مدة الرواية الشفوية مئة عام ،وهذا في نظرهم علة تامة في وقوع التحريف المتعمد وغير المتعمد،يقول السيد علي السيستاني:”إن تدوين الحديث عند العامة قد تأخر عن عصر صاحب الرسالة بما يزيد على مئة عام،مما استتبع ذلك اتكاء رواياتهم على الحفظ في نقل الروايات،ومعلوم أن ذلك يفضي الى حالات كثيرة من إهمال خصوصيات الكلام،لان ذاكرة الرواة غير المعصومين لا تستوعب عادة جميع خصوصيات الرواية ، وملابساتها،وهذه العلة لا توجد في رواياتنا ،بالشكل الذي يوجد في روايات العامة ، لان رواياتنا متلقاة عن أئمة أهل البيت” .
وكذلك يرى السيد حسين الصدر في كتابه نهاية الدراية،فيقول:”فمن منعهما(أي ابو بكر وعمر رضي الله عنهما)تدوين الحديث ،ومنعهما الإكثار من التحديث بالسنة ،اضر بهذا التراث المقدس ،واحدث فيه الثغرات العميقة ،وعرضه للتحريف المقصود وغير المقصود ،لان الاعتماد على حافظة الإنسان فقط دون تدوين ،مع ضخامة هذا التراث وانتشاره مظنة لحصول مثل ذلك ،ثم إن هناك حقائق تكوينية لا يمكن إنكارها ، كتعرض الإنسان لضعف ملكة الحفظ والنسيان كلما تقدم به العمر، أو تعرض لضعف التركيز لقساوة الظروف المعاشة ،أو لظروف الحرب الطويلة والمستمرة ،إضافة الى وفاة الرجال ،مما يعرض جمل من الأحاديث الى الانقراض ،لا سيما التي تفردوا بروايتها..وقد أكدت الإخبار والنصوص التاريخية حصول مثل ذلك وصدوره حتى من كبار الصحابة” .
وهذا الكلام غير مسلم به لأمور منها:
-
إن هذه الشبهة ليست من بنات أفكارهم وإنما أثارها وروج لها قدماء المستشرقين في ظل حملاتهم المتواصلة في حربهم على الإسلام؛ ففي بحث للأستاذ احمد محمد بوقرين الأستاذ في قسم أصول الدين في الجامعة الأمريكية المفتوحة بخصوص شبهات المستشرقين حول السنة النبوية يقول:” من الشبهات التي ادعاها بعض غلاة المستشرقين من قديم،وقام بناؤها على وهم فاسد ،هي إن الحديث بقي مائتي سنة غير مكتوب ،ثم بعد هذه المدة الطويلة قرر المحدثون جمع الحديث،وقد ردد عدد من المستشرقين هذه الشبهة منهم:جولدزيهر ،وشبرنجر،ودوزي ” .
-
إن هذا الكلام يلزم منه ان ترد كل المصنفات المؤلفة لنقل الآثار عمن توفي إن لم تكن معاصرة لمن الفت في حقه ، والسنة والشيعة على حد سواء في هذه المسألة إذ الغالب على المدونات الحديثية إنها كتبت في القرن الثالث الهجري وهذا يعني اعتمادها في مرحلة من مراحلها على النقل الشفوي . وبعبارة أخرى:فان الكافي الذي يعد عند الأمامية أهم مصنف يعتمد عليه في نقل الثار عن أئمتهم واقع تحت تأثير هذه الشبهة، لان الكليني مصنف الكافي متوفى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، فلكي يحدث الكليني عن جعفر الصادق لا بد له من خمس طبقات من الرواة غير المعصومين الذين يعتمدون على حفظهم الذي يؤدي قطعا كما يقول السيد السيستاني الى إهمال خصوصيات الرواية فيقول مثلا: عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن الربيع بن محمد ألمسلمي عن محمد بن مروان قال سمعت أبا عبد الله يقول :” إن الإمام ليسمع في بطن أمه…الخ” . ولكي يحدث عن أبي عبد الله الحسين رضي الله عنه فانه يحتاج عشر طبقات من الرواة . وما يصدق على كتاب الكافي فانه يصدق على غيره من المصنفات الشيعية بسبب تأخر تصنيفها الى ما بعد الفترة التي صنف فيها الكليني كتابه .
-
إن علماء المتقدمين نصوا على إن تدوين الحديث قد تأخر عندهم الى ما بعد القرن الأول كما نقلنا ذلك عن الشهيد الثاني في شرح الروضة البهية ،وبالتالي فلا حجة لسيد حسين الصدر ولا السيد السيستاني فيما عده مثلبة على أهل السنة لوجود العلة بذاتها في الفريقين بل إن وجودها عند الشيعة آكد وأوسع .
رابعا :شبهة الدكتور عبد الهادي ألفضلي
“إنكار ما ورد عن النبي من النهي عن الكتابة”
لقد اعتمد الدكتور عبد الهادي ألفضلي في إثارة هذه الشبهة على مبدأ الانتقائية بين الروايات فيأخذ ويتبنى ما يتناسب وقناعاته ، ويلقي ويتصدى لما يخالف تلك القناعات ، من اجل تضليل الناس ودفعهم الى ما يريد، فيقول :” وهذه الرواية[يعني حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بخصوص الكتابة] كما تعرب أن رسول الله أجاز الكتابة عنه وجوزها ورد التهمة التي وجهتها إليه قريش تشير الى أن هناك من الصحابة من نهى عن كتابة حديث رسول الله على عهده ، وقد اشتهر هذا النهي والمنع عن الخليفة عمر بن الخطاب ” .
” ولو كان النهي عن الكتابة – كما ذكر – صادرا عن النبي لما أقدم الذين أقدموا على الكتابة ، ومنهم علي والحسن ، ولما أمر النبي عبد الله بن عمرو بن العاص بالكتابة ، ولما أمر أن يكتب لأبي شاه ” .
ثم يؤكد هذا بقوله :” كل هذا يدل على أن عمر [رضي الله عنه] كان قد اجتهد رأيه في المسألة ،ولم يستند فيها على نص ” . ويقول في موضع آخر :” أن هذا كان اجتهادا من عمر [رضي الله عنه] تأثر فيه بواقع اليهود وموقفهم من التوراة ،لا انه كما قيل اعتمد النهي المروي عن النبي [ ]لأنه لم يشر إليه…إلا انه كما ترى اجتهاد في مقابلة النص الأمر بالكتابة ” .
وواضح أن الشيخ الدكتور ألفضلي يخبط خبط عشواء لأنه وقع أسير هواه ، وصريع مذهبه ،فلكي يصل بالقارئ الى اتهام عمر رضي الله عنه وإظهاره بمظهر المتمرد على أوامر النبي لابد من إنكار كل ما ورد عن النبي من أحاديث النهي عن الكتابة ، لأنه إذا لم يتم إنكارها أو إغفالها فسوف يكون موقف عمر رضي الله عنه متسقا مع سنته وهذا ما لا يريده الدكتور ألفضلي ، هذا أولا ، وثانيا : أن ما ورد عن عمر رضي الله عنه من النهي عن التدوين لم ينفرد دون عيره من كبار الصحابة وعلمائهم ، فقد ورد كذلك عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهم وغيرهم ممن ذكرناهم إثناء حديثنا على موقف الصحابة من التدوين .
ومن الشبه التي أثارها الدكتور ألفضلي ؛ محاولة تزوير الحقيقة في الأسباب التي دعت عمر رضي الله عنه الى عدم تدوين الحديث أو النهي عن تدوينه فقال:” ويبدو لي أن هذا كان منه لئلا ينتشر فضل أهل البيت من خلال نشر الحديث ،ولئلا يبين فضل علي في الخلافة” . ويبدو أن ألفضلي لم يكن وحده الذي يدندن حول هذا الوتر الحساس وهو محاولة تمزيق الأمة من خلال طرح التصورات التي تظهر صحابة النبي بمظهر الأعداء ،فهاهو هاشم معروف الحسيني يتحدث عن الأسباب التي منعت عمر رضي الله عنه من التدوين فيقول:”أن تأخر المسلمين عن تدوين الحديث والآثار الإسلامية لا يعود بالدرجة الأولى الى ندرة وسائل التدوين وتفشي الأمية كما يدعي بعض المؤلفين من العرب والمستشرقين ،وذلك لان وسائل التدوين لم تكن بتلك الندرة حتى قبل ظهور الإسلام ..فلا بد من تلمس الأسباب التي صرفت المسلمين عن تدوين أحاديث الرسول خلال القرن الأول من الهجرة …ولو تقصينا الاسباب التي يمكن افتراضها لتلك الرغبة الملحة في بقاء السنة في طي الكتمان لم نجد سببا يخوله هذا التصرف، ولا نستبعد انه كان يتخوف من اشتهار أحاديث الرسول في فضل علي وبنيه ” .
ولست ادري ما الذي كان يخشاه عمر رضي الله عنه والمسلمون من بعده لمدة مئة عام من انتشار أحاديث فضل علي وبنيه ؟ ولماذا يحاول هؤلاء أن يظهروا عمر وعلي رضي الله عنهما بمظهر المتخاصمين ، وقد كان عمر يقول ” بئس المقام بأرض ليس فيها أبو الحسن ) وهو الذي كان يفضل الحسن والحسين في الاعطيلت على اولاده وكان يقول ” ابوهما اقرب إلى رسول اللهمن ابيكم ” كما هو ثابت في سيرته ، وعلي رضي الله عنه بعد ذلك هو من جعل ابنته حليلة لعمر، فهل يعقل أن يعيش هؤلاء الصحابة العظام هذه الروح الازدواجية التي يحاول الفضلي ان يصورهم بها ؟
ثم ما الذي تغير بعد المائة من الهجرة حتى يسمح أهل السنة الذين كانوا حريصين على أن تبقى السنة في طي الكتمان حتى تتجه وتتبنى الدولة تدوين السنة بما فيها الأحاديث الواردة في فضل علي وأهل بيته ؟؟ لكن يبدو واضحا أن الإنسان حين تستولي عليه الكراهية وضيق الصدر والإحكام المسبقة فانه لا يستطيع أن يتخلص من هيمنتها ، فتنقلب لديه كل التصورات فيبصر الفضيلة رذيلة والخير شرا . نسأل الله السلامة في القصد والصلاح في السلوك .
الخاتمة
في نهاية هذا البحث المتواضع أود أن أسجل ابرز النتائج التي توصلت إليها خلال بحثي المتواضع هذا :
-
إن هدف الطاعنين ووسائلهم لتحقيق ذلك الهدف كانت ناجمة عن التعصب ، وليس على اساس البحث العلمي ، ولهذا جاءت شبههم حاملة للخواء الفكري الذي ابتلوا به.
-
إن تأخر تدوين الحديث، لم يؤثر على سلامة الحديث النبوي الشريف بسبب عرض الرواة على ميزان الجرح والتعديل حتى قبل التدوين وهو المنهج الذي وضعه علماء الحديث من اهل السنة ليميزوا بين من تقبل روايته ومن ترد . في حين أن غير أهل السنة لم يعرفوا هذا العلم قبل القرن التاسع الهجري باعترافهم انفسهم بذلك .
-
ليس من الانصاف أن ننصت إلى اقوال من لا ينصت لكلام الله رب العالمين أو كلام نبيه ، إذ المؤمن الحقيقي ليس له خيرة امام اختيار الله ورسوله له ، بمعنى ان من لا يسمع لكلام الله وهو يعدل صحابة رسول الله ولا يسمع لكلام رسول الله وهو يشهد لصحابته بحسن الطوية ، لسنا ملزمين بأقواله في اولئك الصحابة ، بل لا يجوز لنا بأي حال من الاحوال أن ننظر في أقوالهم الا في سبيل الرد عليها وتفنيدها .
-
أن الآثار الواردة في المنع من كتابة الحديث ثابتة عن النبي لا مجال للتشكيك في صحتها،كما أن الآثار الواردة في الإذن في الكتابة ثابتة لا مجال للخوض في ثبوتها أو عدمه .
-
من خلال النظر في ترتيب الأحاديث والنظر في قرائن الأحوال يتبين أن أحاديث المنع مقدمة على أحاديث الإذن بالكتابة .
-
أن هذا التنوع في النقل عن النبي في هذه المسألة انعكس على موقف الصحابة بين مانع ومجيز .
-
ورد عن كثير من الصحابة منقولات متعارضة في هذه المسألة مما يؤكد أن الحكم عنهم كان تابعا لعلة متغيرة فتغيرت مواقفهم تبعا لتغير تلك العلة.
-
أن الصحابة رضي الله عنهم حملوا النهي الوارد عن النبي على الكراهة دون التحريم ،بدلالة استمرار القول به بعد وفاة النبي .
-
لم يحمل الصحابة أحاديث الإذن على نسخ أحاديث النهي ،لأنهم لو قالوا بنسخها لما وجد بعد وفاة النبي من يقول بكراهة التدوين ، لان العودة الى الإحكام المنسوخة بعد وفاة النبي أمر غير جائز ينأى عوام المسلمين بانفسهم عنه فكيف بصحابة رسول الله وهم أكثر الناس اقتداء برسول الله
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
مصادر البحث :
-
القرآن الكريم
-
أدب الإملاء والاستملاء/عبد الكريم بن محمد بن منصورا لسمعاني/تحقيق سعيد محمد اللحام/مكتبة الهلال- ط1- 1409هـ 1989 .
-
أصول الحديث/د.عبد الهادي ألفضلي /مؤسسة أم القرى ط2 – 1420 بيروت
-
البرهان في علوم لقران/بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي(ت794هـ ) ت.محمد ابو الفضل ابراهيم ط1 – 1376/دار إحياء الكتب العربية/القاهرة.
-
تاريخ بغداد أو مدينة السلام /ابو بكر احمد بن علي الخطيب البغدادي (463هـ) ت مصطفى عبد القادر عطا ط1- 1417 / دار الكتب العلمية/ بيروت.
-
تاريخ مدينة دمشق/ابو القاسم علي بن الحسن المعروف بابن عساكر ( 571 هـ) ت علي شبري /1415 /دار الفكر / بيروت .
-
تحفة الاحوذي شرح جامع الترمذي /محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (ت1353هـ) دار الكتب العلمية / بيروت .
-
تدوين القران / علي الكوراني العاملي /دار الفكر/ بيروت .
-
تذكرة الحفاظ/ابو عبد الله شمس الدين الذهبي (ت748 هـ) دار إحياء التراث العربي .
-
تفسير الطبري / ابو جعفر محمد بن جرير الطبري ( ت310 هـ) توثيق صدقي جميل العطار /1415 / دار الفكر / بيروت .
-
تقييد العلم / ابو بكر احمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 هـ)
-
تهذيب التهذيب /شهاب الدين احمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ) ط1 – 1404 دار الفكر/ بيروت .
-
جامع بيان العلم وفضله/
-
الجامع الصغير /ابو بكر جلال الدين السيوطي (ت 911هـ)ط1 – 1401 دار الفكر /بيروت .
-
دراسات في الحديث والمحدثين / هاشم معروف الحسيني ط2 – 1398 دار التعارف / بيروت .
-
الديباج على مسلم /ابو بكر جلال الدين السيوطي (ت911هـ) ت ابو اسحق الحويني الأثري ط1 _ 1416 دار ابن عفان/المملكة العربية السعودية.
-
سنن ابن ماجة/ محمد بن يزيد القز ويني(ت 275هـ) ت محمد فؤاد عبد الباقي / دار الفكر /بيروت.
-
سنن أبي داود /سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ) ت سعيد محمد اللحام ط1 – 1410 دار الفكر /بيروت.
-
سنن الترمذي /ابو عيسى محمد بن عيسى الترمذي (279هـ) ت عبد الوهاب عبد اللطيف 1403 دار الفكر / بيروت .
-
سنن الدار قطني /علي بن عمر الدار قطني (385 هـ) ت مجدي ابو منصور الشورى ط1 – 1417 دار الكتب العلمية/ بيروت .
-
سنن الدارمي /عبد الله بن بهرام الدارمي (ت255هـ) مطبعة الاعتدال/دمشق .
-
السنن الكبرى / احمد بن علي بن الحسين البيهقي (ت458هـ) دار الفكر / بيروت .
-
السنن الكبرى /احمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ) دار الفكر / بيروت .
-
شبهات المستشرقين حول السنة النبوية / احمد محمد بوقرين / موقع بحوث ودراسات .
-
شرح اللمعة البهية / الشهيد الثاني (ت966هـ) ط1 – 1410 مطبعة أمير / قم .
-
شرح معاني الآثار / عبد الملك بن سلمة الازدي (ت321هـ) ت محمد زهري النجار ط3- 1416 دار الكتب العلمية / بيروت .
-
شرح النووي على مسلم / ابو زكريا بن شرف الدين النووي (ت676هـ) ط2- 1407 دار الكتاب العربي / بيروت .
-
الصحاح تاج اللغة / إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393هـ) ت احمد عبد الغفور عطار ط4- 1407 دار العلم للملايين / بيروت .
-
صحيح ابن حبان /محمد بن حبان بن احمد (ت354هـ) ت شعيب الارنؤوط ط2 – 1414 مؤسسة الرسالة / بيروت .
-
صحيح ابن خزيمة/ ابو بكر محمد بن اسحق بن خزيمة السلمي (ت311هـ) ت محمد مصطفى الاعظمي ط2- 1412 المكتب الإسلامي .
-
صحيح البخاري / محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) 1410 دار الفكر / بيروت .
-
صحيح مسلم / مسلم بن الحجاج النيسابوري(ت261هـ) دار الفكر / بيروت .
-
الطبقات الكبرى /محمد بن سعد (ت230هـ) دار صادر / بيروت .
-
عون المعبود شرح سنن أبي داود / محمد شمس الحق العظيم آبادي (ت1329هـ) ط2- 1415 دار الكتب العلمية / بيروت .
-
فتح الباري شرح صحيح البخاري/ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) ط2- دار المعرفة / بيروت .
-
فيض القدير شرح الجامع الصغير / محمد عبد الرءوف المناوي (ت1331هـ) ت احمد عبد السلام ط1- 1415 دار الكتب العلمية / بيروت .
-
قاعدة لا ضرر ولا ضرار / السيد علي السيستاني ط1- 1414 مطبعة مهر / قم ز
-
القاموس المحيط / مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزبادي / دار الجيل / بيروت .
-
الكافي من الأصول ابو جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ت329هـ) ت علي اكبر غفاري / مطبعة الحيدري .
-
كتاب المصاحف ابو بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث السجستاني (ت316 هـ) ت نحب الدين عبد السبحان واعظ وزارة الأوقاف قطر ط1- 14116 .
-
كشف الخفاء ومزيل الالتباس /إسماعيل بن محمد العجلوني (ت1162هـ) ط2- 1408 دار الكتب العلمية / بيروت .
-
كنز العمال/ علاء الدين علي المتقي الهندي (ت975هـ) ت الشيخ بكري الحياني ،الشيخ مصطفى السقا /مطبعة الرسالة/ بيروت .
-
مجمع الزوائد / علي بن بكر الهيثمي (ت807هـ) 1408 دار الكتب العلمية / بيروت .
-
المحدث الفاصل بين الراوي والواعي / الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت 360هـ) ت محمد عجاج الخطيب ط3- 1404 دار الفكر / بيروت .
-
المستدرك على الصحيحين / ابو عبد الله محمد بن محمد الحاكم النيسابوري (ت405هـ) ت يوسف المرعشي 1406 دار المعرفة / بيروت ،
-
مسند ابن الجعد / علي بن الجعد بن عبيد الجوهري(ت230هـ) ت ابو القاسم البغوي / دار الكتب العلمية / بيروت .
-
مسند أبي يعلى / احمد بن علي بن المثنى التميمي (ت307هـ) ت حسن سليم أسد دار المأمون للتراث .
-
مسند احمد / ابو عبد الله احمد بن حنبل (ت 241هـ) دار صادر / بيروت .
-
مسند ألحميدي / ابو بكر عبد الله بن الزبير ألحميدي(219هـ) ت حبيب الرحمن الاعظمي ط1- 1409 دار الكتب العلمية / بيروت .
-
مسند الشافعي م محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ) ت مطبعة بولاق /دار الكتب العلمية / بيروت .
-
مسند الشهاب / محمد بن سلامة القضاعي (454هـ) ت حمدي عبد المجيد السلفي ط1- 1405 مؤسسة الرسالة / بيروت .
-
مسند ابن المبارك / عبد الله بن المبارك (ت181هـ) ت صبحي السامرائي ط1 – 1407 مكتبة المعارف / الرياض .
-
مشكلة تدوين الحديث في عصر النبي / غالب حسن الشابندر ط1- 1414 دار العلوم / بيروت .
-
المصنف / ابن أبي شيبة الكوفي (ت235هـ) ت محمد سعيد اللحام ط1 – دار الفكر / بيروت .
-
المصنف / ابو بكر عبد الرزاق (211هـ) ت حبيب الرحمن الاعظمي / منشورات المجلس العلمي .
-
المعجم الأوسط / سليمان بن احمد السجستاني الطبراني (ت360هـ) ت ابراهيم الحسني / دار الحرمين / المملكة العربية السعودية .
-
المعجم الكبير / سليمان بن احمد السجستاني الطبراني (ت360هـ) ت تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ط2- دار إحياء التراث العربي .
-
معجم ما استعجم / عبد الله بن عبد العزيز البكري (ت487هـ) ت مصطفى السقا ط3 – 1403 عالم الكتب / بيروت .
-
المفاريد عن الرسول / ابو يعلى الموصلي (ت 307هـ) ت عبد الله بن يوسف الجد يع ط1- 1405 دار الأقصى / الكويت .
-
مكاتيب الرسول / علي بن الحين الأحمدي ط1 – 1419 دار الحديث .
-
ناسخ الحديث ومنسوخه/ ابو حفص عمر بن احمد بن شاهين (ت385هـ) ت سمير بن أمين الزهري ط1 1408 مكتبة المنار/ الزرقاء .
-
نصب الراية لأحاديث الهداية / جمال الدين الزيلعي (762هـ) ت أيمن صالح شعباني ط1 – 1415 دار الحديث / القاهرة .
-
نهاية الدراية / سيد حسين الصدر (ت 1354هـ) ت ماجد الغرباوي / مطبعة اعتماد / المعشر .