إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمد – صلى الله عليه وسلّم – رسول الله. أما بعد:
كثر الجدل مؤخراً في محاولة، ليست هي الأولى من نوعها، للتشكيك في حقيقة ومصداقية ما ورد في سنّ أم المؤمنين – عائشة – رضي الله عنها عند زواجها من النبي المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه. فحاولوا الطعن في كل ما ورد من أدلة صحيحة وصريحة بإثارة الغرائب والعجائب من الكتب ليثبتوا – وذلك عنهم ببعيد – أنّ عمرها الحقيقي عندئذٍ يقارب الرابعة عشرة أو ستة عشر عاماً. وهذه محاولة صارخة وجناية عظيمة على العلم وأهله،لم يقل بها أحدٌ من قبل من العالمين. فهم يريدون إعادة كتابة التاريخ حسب أهوائهم بتصيد ما يوافق شياطينهم، وهذا واضح في تناقض شبهاتهم! فما يحاولون إثباته اليوم، هو نفس ما يحاولن الطعن فيه لإن ذلك يخدم شبهة أخرى وردت لهم! فكانوا بحق ممن قال الله عز وجل فيهم: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضلهم الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهيديه من بعد الله، أفلا تذكرون}.
لعمري أنّ مثل هذا اللغط والتخبّط لا يستحق النظر فيه لأنه مضيعة للوقت. ولا عجب أن نأى العديد من العلماء وطلاب العلم عن الخوض أو البحث فيه، فليس كل ما يثار يستحق الرد عليه، فهناك العديد من الأقوايل التي هي من الوهن والضعف والغباء بدرجة لا تحتاج إلى رد!
يعلم الجميع أنّ سنّ السيدة عائشة رضي الله عنها عند زواجها من النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ليست مسألة خلافية حتى يحقق فيها أو تبحث! فهي من الأمور المعلومة المشهورة للجميع ومتفق عليها عند أئمة الإسلام. لكنّ المؤسف حقاً أنّ صدى هذه الشبهة وجدت طريقها إلى قلوب الكثير من العامة، بل ما يحزن القلب أكثر أنّ هناك من بدأ التصدر للدفاع عن هذه الشبهة من بني جلدتنا، فلبّس عليهم الشيطان الحقائق، فنافحوا عن شبهة هدامة فثبت في حقهم أن يكونوا ممن قال الله عز وجل عنهم: {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}.
إنّ المتبحر في السنّة الشريفة وأصول الدين، لا يعجب من أبواق الشبهات الصارخة بالسفاسف والترّهات التي لا تنم إلا عن جهل صاحبها، فمثل هذه الأحاديث الغريبة والمواضيع المخترعة قد أخبر المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه عنها من قبل. أخرج مسلم في صحيحه عن مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَكُونُ فِى آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ لاَ يُضِلُّونَكُمْ وَلاَ يَفْتِنُونَكُمْ ».
لذلك أخذت على عاتقي – بعد استخارة الله في هذا الأمر – بحث المسألة وجمع ما أورده المشككين من شبهات ثم تفنيدهم مستدلاً بمصادرهم التي استندوا إليها، بالإضافة لمصادر أخرى معتمدة وموثقة، مع تبيان وجه الخطأ والغلط والصواب في كل شبهة. وأعترف أنّ الدافع الرئيسي لكتابة هذا البحث هو لعلمي ويقيني أنّ هذه الشبهة المثارة، والتي ارتسمت على أنها محاولة بريئة للتجديد في البحث العلمي للوصول للحقيقة، ما هي إلا محاولة دنيئة للتشكيك في مصادر أهل السنة وكتب الحديث الرئيسية التي يعتمد عليها أهل السنة لفهم دينهم واستخراج أحكام دينهم منها، بالإضافة لمحاولتهم الحط من قدر وعلم علمائنا الأجلاء – رحمهم الله – الذين ضحوا بحياتهم في سبيل خدمة السنة الشريفة وجمعها وتحقيقها. ومما يعجب المرء منه أنهم يتباهون في ما يدّعون وكأنهم اكتشفوا أصلاً غائباً عن أذهان الجميع أو كأنهم أنجزوا ما لم يقدر عيه أحد من قبل، وهم لا يعلمون أنّ ما وصلوا
إليه ما هو إلا زيغ من الشيطان، والله المستعان عمّا يصفون! يقول الله تعالى: { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون } ويقول أيضاً: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ، ولله الحمد والمنّة!
من الواجب على كل مسلم أن يعي حقيقة مهمة تتعلق بدينه، وهي أنّ جمع الأحاديث وتحقيقها قد تمّ على أيدي علماء أجلاء يشهد لهم بالعلم والدين والورع، فضحوا بحياتهم ووقتهم في هذا الأمر، ولا يغتر أحد بسهولة الوصول لهذه الكتب وأحكامها اليوم، والتي ما وصلت إلينا لولا هؤلاء الأئمة، رضي الله عنهم. فهم الذين خاضوا البلاد ترحالاً لجمع الحديث وبحث أحوال رواة الحديث وتاريخهم ثم تفرغوا لتمحيص حال المتون والأسانيد، ففرقوا بين الشاذ والغريب والصحيح والضعيف وما إلى ذلك من تفاصيل تنم عن مقدار الجهد العظيم الذي بذلوه في خدمة السنة الشريفة. فإذا تقرر ذلك عندك علمت حقيقة وحجم أصحاب الشبهات من أدعياء العلم، والعلم منهم براء – براءة الذئب من دم يوسف – فبالضد يعلم الضد.
اسأل الله أن يرزقني التوفيق والإخلاص في هذا العمل وإن يجعل كليماتي المسطورة في هذا المقام دفاعاً عن السنة الشريفة وعن أمنا – عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما – حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حرزاً لي من النار وأن يكفر الله بها ما تقدم من سيئاتي وخطاياي، راجياً رحمة ربي وعفوه.
ما قلته وسأقوله في هذا البحث من صواب فمن الله وما اخطأت فيه ما هو إلا مني ومن الشيطان الرجيم، أعاذني الله منه.
اعلم، علمني الله وإياك، أنّ مثيري هذه الشبهة الواهنة استندوا على بعض الروايات المذكورة في كتب التاريخ. فكتب التاريخ تعدّ من مظانّ الغرائب والعجائب والقصص والأخبار التي لا تصح بحال. فلا يظنّ أو يقال أنّ كلّ ما حوته كتب التاريخ هو صحيح، بل فيها الغث وفيها السمين، وفيها الصحيح وفيه المكذوب، وهو أمر معلوم لدى المؤرخين أنفسهم. فمهمة المؤرخ تنحصر بنقل ما تناقله الناس من أخبار وذكر ما يخص الحوادث على مرّ العصور كما هي، وهذا من باب الأمانة التاريخية. وعليه تعلم أنّ المؤرخ لا يولي تمحيص أو تصحيح ما ينقل في كتابه من الأهمية بقدر ما يهتم بذكر كل ما ينقله الناس إليه أو يسمعه منهم. يقول أبو جعفر الطبري في مقدمة كتابه المشهور – وهو أحد المراجع التي استند إليها مثيري الشبهة – تاريخ الطبري: ” فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدى إلينا” لذا درج المؤرخون على ذكر ونقل كل ما وصل إلى مسامعهم وإن كان مما يعلم كذبه وعدم صحته. فبعض المؤرخين تعرّض لبعض الروايات فأشار لصحتها أو لضعفها أو اكتفى بذكر السند ليترك هذا العمل لمن بعده وهذا الأخير حال أغلب كتب التاريخ.
إنّ إثبات الحكم في مسألة ما أو إثبات واقعة يترتب عليها إعتقاد ما، من طريق رواية منقولة، فلا بد أن تكون هذه الرواية صحيحة، وتلك هي مهمة علماء الحديث وأهله الذين يفحصون ثم يحكمون على القصص والروايات بناءً على أصول معتبرة وقواعد متفق عليها. وعليه فإننا نضع هذا العلم الشريف حكماً بيننا وبين من ادعى خلاف ما نحن عليه، فما نقدّم من أثار وأحاديث لا بد أن تخضع لهذا التمحيص، فما كان صحيحاً
وجب علي وعليهم الأخذ به والتسليم به، وما كان ضعيفاً أو موضوعاً أو بلا سند فإننا نرده ولا نعتبر به، خصوصاً إن خالف ما كان صحيحاً. فلا يغلّب الظن على اليقين وهذا ما يتفق الجاهل والعالم عليه.
سنسرد في الفصول التالية الشبهات ملحقاً بها النقد والرد عليها، مع تفنيد ما استدل به المدّعي المخالف ثمّ إيراد الأدلة الواضحة الصريحة من الكتب المعتمدة لدى أهل السنّة، مع الإستدلال من الكتب التي اقتبس منها المخالف حججه وأدلته على زعمه، مستعينين بالله العلي الحكيم:
الشبهة الأولــى
يعتبر تزويج النساء بمثل هذا السنّ – تسع سنين – أمرٌ لم تعرفه العرب من قبل. وكيف يعقل أن تتزوج فتاة في مثل هذا العمر! لذلك ، على من يدّعي أنّ هذا مما عرفته العرب أو كانت تقبل به أن يثبت صحة قوله!
• النقــد
لا يخفى على الجميع أنّ المخالف أنكر ما هو أصل متفق عليه، لذا فإن إثبات خلاف المتعارف عليه يقع على عاتق المخالف إثبات دعواه بأنّ الزواج الفتاة في سنّ التاسعة لم تعرفه العرب! لكنّنا، سنثبت الأصل فقط من باب التوضيح لإزالة هذه الشبهة من قلوب العامة.
أولاً: اعلم، رحمك الله ، أنّ المخالف اخطأ من جهتين. أما الأولى حين بنى ظنّه على أساس العمر، بينما كان الأجدر به أن يعلم أنّ مسألة البناء بعد الزواج مبنية على أساس البلوغ، حيث يعتبر سن التاسعة هو سنّ البلوغ للمرأة، الذي على أثره تعطى الفتاة حكم المرأة. وقد علمنا أنّ عائشة رضي الله عنها بلغت في سنّ التاسعة، لذا كان البناء عند ذلك السن ولم يكن قبله، وهذا أمر مجمع عليه عند العلماء والعامة.
أما خطأه من الجهة الثانية حين ظنّ غرابة تزويج المرأة البالغة في ذلك السن وأنّ ذلك مما لم يعرفه العرب. إن كان الأمر كما يدعي مخالفنا فليأتنا بدليل واحد ولو ضعيف أنّ هناك من أنكر زواج المرأة في ذلك السن! فقد تداول الخبر منذ أكثر من 1400 عام ومع ذلك لم نجد أحداً من المسلمين أو حتى المشركين من انتقد ذلك! مع العلم أنّ لو كان الأمر كما يدعي المخالف لفرح اعداء الله بذلك واستعملوه لمحاربة الرسول صلى الله عليه وسلم!
ثانياً: أسوق للقارئ الأدلة التي تثبت أنّ العرب عرفت هذا الأمر وأقرت به، وإن ما سبق يكفي لإثبات صحة الأمر.
نقل عن الشافعي قوله: “رأيت باليمن بنات تسع يحضن كثيراً” كما نقل عنه قوله: “رأيت بصنعاء جدة بنت إحدى وعشرين سنة ، حاضت ابنة تسع وولدت ابنة عشر” . كما نقل ابن الجوزي روايات مشابهة مثبتة للأمر عن عباد بن عباد المهلبي الذي قال: “أدركت فينا – يعني المهالبة – امرأة صارت جدة وهي بنت ثمان عشرة سنة، ولدت لتسع سنين ابنة فولدت ابنتها لتسع سنين ابنة فولدت ابنتها لتسع سنين ابنة فصارت هي جدة وهي ابنة ثماني عشر سنة”
*******************************************************************
الشبهة الثانية
أغلب الروايات التي وردت في سن عائشة رضي الله عنها جاءت من طريق هشام بن عروة عن أبيه – عروة بن الزبير . ومثل هذا الأمر المشهور لا بد أن يذكره غيره لشهرته وهو ما لا تجده في الروايات المثبتة لعمر الزواج في سن التاسعة!
• النقد الثاني
أعجب من شبهة قائمة على ظن بلا تحقيق واستنتاج قائم على إنكار ما لا يعرف! فإثبات المسألة نقلت عن الكثير من الصحابة وبطرق أخرى كثيرة صحيحة، وإليكم أضرب بعض الأمثلة للذكر لا للحصر:جاء حديث إثبات عمر عائشة رضي الله عنها عند الزواج أنها كانت بنت ست وأنها عند البناء بها كان عمرها تسع سنين من طريق الأسود عن عائشة كما في صحيح مسلم
ومن طريق يحيى بن أبي حاطب عن عائشة كما في سنن أبي داود ، ومن طريق أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنهم وطريق أبو عبيدة عن عائشة كما في سنن النسائي . وجاء الحديث من طريق عبدالله بن مسعود كما في سنن أبن ماجه . كما جاء الحديث من طريق يزيد بن جابر عن أبيه كما في المستدرك ، وجاء الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ومن طريق القاسم بن محمد عن عائشة ومن حديث ابن أبي مليكة كما في المعجم الكبير
يتضح الأن بشكل لا غبار عليه أنّ دعوى المخالف لا أساس لها من الصحة فالحديث، كما ترى، روي عن جمّ كثير من الصحابة وبطرق لا يوجد فيها هشام بن عروة أو أبيه. وهذا يكفي لإثبات صحة ما قلنا، كما أنه دليل على خطأ وجهل المخالف، فما استند اليه من ظن لا يغني عن الحق شيئاً.
الشبهة الثالثة
هشام بن عروة ضعيف وقد أثبت العلماء اختلاطه في ما يرويه عنه أهل العراق ومن الملاحظ أنّ جميع روايته الخاصة في عمر عائشة رضي الله عنها جاءت كلها من طريق العراقيين عن هشام بن عروة!
• النقد الثالث
اعلم، رحمك الله، أنّ مثل هذه الدعاوى من الوهن ما يجعلها دعوى بلا دليل فلا يحتج بها لأنها حجة على المخالف أصلاً، وصياغة المخالف لشبهته مضللة ومبهمة ، وإليك تبيان ذلك:
أولاً: هشام بن عروة ثقة فقيه متفق على توثيقه فقد وثقه: البخاري ومسلم وأبو حاتم وأحمد بن حنبل والعجلي وابن شيبة وابن حجر والذهبي وابن سعد وغيرهم الكثير . لكنّ العلماء أثبتوا أن ما رواه هشام في العراق مضطرب وسبب هذا الإضطراب كما ذكر علي بن المديني حين قال: “ما حدث في بغداد أفسده البغداديون” وهذا دليل أنّ على الإضطراب ليس من جهته وإنما من جهة من روى عنه من البغداديين وهذا الحكم لا يعمم، فقد ثبت أنّ الحديث رواه ابن أبي الزناد ( وهو مختلف عليه فمن العلماء من وثقه ومنهم من ضعفه والحكم عليه يكون بتمحيص رواياته فالحكم على رواياته ليس مطردا، لذا فقد تكون روايته من طريق صحيحة ومن طريق أخر ضعيفة، وهذا هو منهج المتقدمين المتبع في سبر الرجال ورواياتهم كل رواية على حدة) عن هشام بن عروة وهو أثبت الناس في هشام بن عروة كما ذكر ابن معين، وعليه فروايته عن هشام صحيحة.
ثانياً: ما نقده بعض العلماء على هشام بن عروة هو لتدليسه في بعض الأحيان لأهل العراق بالرغم أنّه ثقة متفق على إمامته كما ذكرنا. وسبب نقمة بعض العلماء على تدليسه هناك، في ما يخصنا في هذا الموضع، هو ما ذكره ابن شيبة في أنّ هشام كان يسهل لأهل العراق أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه فكان تسهله أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه . كما ذكر ابن خراش أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق ، قدم الكوفة ثلاث مرات ، قدمة كان يقول : حدثنى أبى ، قال سمعت عائشة ، و قدم الثانية فكان يقول : أخبرنى أبى عن عائشة ، و قدم الثالثة فكان يقول : أبى عن عائشة”. وما نقلنا هنا دليل وحجة لنا لا علينا، فهذا دليل أنّ العلماء تبينوا أماكن التدليس
ونقدوا ما ثبت فيه تدليسه، وهم مع كل ذلك لم يردوا حديثه في عمر عائشة رضي الله عنها بالرغم مما سبق لعلمهم صحة الحديث في هذه الرواية وأنها خالية من التدليس وقد ثبت للعلماء سماع هشام هذا الحديث من أبيه فلا وجه للقول بتدليسه في هذا الموضع.
ثالثاً: تدلسه في هذا الموضوع غير مؤثر ولا يطعن في روايته لأهل العراق، مع العلم أنّ روايته في عمر عائشة رضي الله عنها قبلها من له أشد الشروط في الصحيح، وهما بخاري ومسلم، فتنبه!
*********************************************************************
الشبهة الرابعة
ذكرت الروايات المعتمدة أنّ عائشة رضي الله عنها ولدت قبل ثماني سنين من الهجرة، بينما في صحيح البخاري في كتاب التفسير أنّ عائشة رضي الله عنها قالت حين أنزلت سورة القمر، أنها نزلت وهي جارية تلعب في مكة” ومن المعروف أنّ سورة القمر أنزلت قبل تسع سنين من الهجرة! وهذا يدل أنها بلغت التاسعة قبل نزول السورة!
• النقد الرابع
لا يخفى على من قرأ نص الحديث الذي احتج به المخالف أنه شوه حقيقة الأمر، فضلل من قرأ كليماته، وذلك لأنّ عائشة رضي الله عنها لم تقل ما تقوّل به المخالف. وإليك نص الحديث ثم نبين وجه الخطأ الذي وقع به المخالف: عن يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ قَالَ إِنِّى عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – بِمَكَّةَ ، وَإِنِّى لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ ( بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )
التنبيه الأول: لم تصرح عائشة رضي الله عنها أنها شهدت نزول السورة كاملة، بل جلّ ما قالته – كما هو واضح – أنها شهدت آية منها.
التنبيه الثاني: آيات السور تتنزل تدريجياً على فترات متقطعة من الزمن، لذا لا يستطيع أحد الجزم بالفترة التي نزلت فيها آيات السورة كاملة أو الفترة التي نزلت فيها الآية التي شهدتها أم المؤمنين. لذا ذكر مقاتل أن جميع آيات السورة نزلت في مكة ما عدا ثلاث آيات، وإن كان الجمهور على أها كلها نزلت في مكة! وعلى هذا يثبت خطأ من ظنّ أنها شهدت السورة كاملة وهي في ذلك السن!
التنبيه الثالث: لم يرد في نص صريح أنّ السورة نزلت قبل تسع سنين من الهجرة، لذا فالأمر لا يخرج عن ادعاء بلا دليل.
*********************************************************************
الشبهة الخامسة:
ثبت في الصحيح أنّ عائشة رضي الله عنها شاركت ورافقت المسلمين في غزوة بدر وأحد. وقد ثبت في كتب التاريخ والحديث أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمح لمن كان عمره يقل عن الخمس عشرة سنة المشاركة في الغزوة. وهذا يدل على أنّ عمرها قد تعدّى الخامسة عشر عند مشاركتها في الغزوة. فلا يعقل أن يصطحب للقتال من يكون عبئاً في مثل هذه المواقف بينما الغاية من اصطحاب النساء هو العون والتمريض!
• النقد الخامس
تمعن كلام المخالف يدل على سوء فهم وخلط للمسائل، وهذا واضح عندما يعتقد الشخص شيئاً فيفسر ما يقرأ ويأول ما يقع عليه من أدلة لتصب في ما يرى ويعتقد! فقد كان الأجدر بالمخالف النظر ثم الإستدلال حتى لا يقع في مثل هذه المطبات العلمية الشنيعة.
أولاً: اعلم، رحمك الله، أنّ ما أشار إليه المخالف قد ورد في الصحيحين من طريق نافع حين قال: حَدَّثَنِى ابْنُ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً ، فَلَمْ يُجِزْنِى ، ثُمَّ عَرَضَنِى يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِى . قَالَ نَافِعٌ فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهْوَ خَلِيفَةٌ ، فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ ، فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ . وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ ” . لكنّ هذا الحديث لم يفهم منه ما تأوله المخالف، بل احتج به العلماء لتحديد سنّ البلوغ للرجل لا المرأة، حيث اعتبروا سنّ بلوغ الرجل هو
خمسة عشر سنة بناءً عليه بينما حددوا أنّ سنّ بلوغ المرأة هو التاسعة. وهذا ظاهر في تبويب البخاري لهذا الحديث بـ((باب بلوغ الصبيان وشهادتهم)) والنووي بـ((باب بيان سن البلوغ)). ثم قال: “وهو السن الذي يجعل صاحبه من المقاتلين ويجري عليه حكم الرجال في أحكام القتال وغير ذلك” . وقال في موضع أخر: “هذا دليل لتحديد البلوغ بخمس عشرة سنة، وهو مذهب الشافعي والأوزاعي وابن وهب وأحمد وغيرهم قالوا: باستكمال خمس عشرة سنة يصير مكلفاً” فيتضح أنّ في باب سنّ البلوغ حديثان: حديث سنّ زواج عائشة رضي الله عنها وعليه حدّد العلماء سنّ بلوغ المرأة، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما والذي بنى العلماء عليه سنّ بلوغ الرجل.
ثانياً: لا يوجد في الحديث ما يدلّ على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يختار الرجال أو النساء بناءً على أعمارهم! لذا تجد في الحديث أنّ من صرّح بسنّ ابن عمر رضي الله عنهما هو ابن عمر نفسه. وهو مع هذا لم يقل بأنّ اختياره أو رفضه كان لعمره في ذلكم الحين.
ثالثاً: نقل الحافظ ابن حجر في فتحه تأويل بعض المالكية لهذه الحادثة فقال: “وأجاب بعض المالكية بأنها واقعة عين فلا عموم لها، ويحتمل أن يكون صادف أنه كان عند ذلك السن قد احتلم فلذلك أجازه” ولعل هذا التأويل له ما يعضطده من الصحيح، فقد ثبت في الصحيح مشاركة حديثي السن من الغلمان. فعن أنس – رضى الله عنه – أنه قال أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّى ، فَإِنْ يَكُنْ فِى الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ ، وَإِنْ تَكُ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ « وَيْحَكِ أَوَهَبِلْتِ أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِىَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ ، وَإِنَّهُ فِى جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ » و الغلام: هو الطارُّ الشارب كما ذكر ابن عباد في المحيط وهو اسم يطلق على الطفل من حين ولادته لحين بلوغه الحلم كما ذكر الثعالبي في فقه اللغة. و ورد في الصحيح عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إِنِّى لَفِى الصَّفِّ
يَوْمَ بَدْرٍ إِذِ الْتَفَتُّ ، فَإِذَا عَنْ يَمِينِى وَعَنْ يَسَارِى فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ ، فَكَأَنِّى لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا ، إِذْ قَالَ لِى أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ يَا عَمِّ أَرِنِى أَبَا جَهْلٍ . فَقُلْتُ يَا ابْنَ أَخِى ، وَمَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ . فَقَالَ لِى الآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ قَالَ فَمَا سَرَّنِى أَنِّى بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا ، فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ ، فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ”
إذا علم ذلك، تبين لنا أنّ سن الخامسة عشر هو خاص في الرجال وأنه اشترط لأنه سنّ البلوغ لا لخاصية العمر نفسه! وعليه فقبول أو رفض المرافقين للجيش متعلق بالبلوغ من جهة والقدرة من جهة أخرى، فالتمريض ومداواة الجرحى أمر هين لمن بلغت الحلم، وكيف لا وذلك دأب النساء في ذلك الزمن، ويكفي النظر في حال نسائنا في العهد الماضي وما كانوا يتحملونه من أعمال وجهد لا تستطيع على فعله اليوم الكثير من النساء! كما أنّ المخالف مطالب بالدليل على أنّ سن الخامسة عشر خاص في النساء أيضاَ، فالبينة على من ادعى.
الشبهة السادسة
نقل معظم المؤرخون أنّ اسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – الأخت الكبرى لعائشة رضي الله عنها – كانت تكبرها بعشر سنوات. وقد نقل في تقريب التهذيب والبداية والنهاية أنّ أسماء توفت سنة 73 هـ وكان عمرها حينئذ 100 عام، مما يعني أنّ عمرها وقت الهجرة كان 27-28 سنة. إذا علم ذلك، توصلنا لمعرفة عمر عائشة حين وقت الهجرة، وذلك يعني أن ننقص عشرة سنوات من عمر أختها الكبرى فيكون بذلك عمر عائشة رضي الله عنها وقت الهجرة 17 – 18 عاماً. فإذا افترضنا أنها تزوجت في السنة الأولى أو الثانية للهجرة فذلك يعني أن عمرها وقت زواجها 18 – 20 سنة.
• النقد السادس
بنى المخالف حجته على أساسين؛ أولاهما فرق العمر بين عائشة واسماء و ثانيهما الروايات التي ذكرت عمر اسماء رضي الله عنها. لذا فإننا سنرد على كل نقطة بشكل منفصل بشئ من التفصيل:
التنبيه الأول: يلاحظ أنّ المؤرخين الذين نقلوا فرق العمر بين اسماء وعائشة رضي الله عنهما، إنما كان من كلام عبدالرحمن بن أبي الزناد وهو من أتباع التابعين وابن أبي الزناد لم يرى اسماء أو عاصرها ، وكذلك الأمر في شيوخه ،لذا يحكم على الرواية بأنها معضلة ومرسلة وهذا النوع من أنواع الضعيف الذي لا يحتج به. كما أنّ ابن أبي الزناد اختلف عليه، فهو وإن وثقه البعض فمن ضعفه أكثر . وقد علمنا أنه يجب سبر ما يروي لنعلم صحة روايته، ونحن إن فعلنا ذلك لوجدنا أنّ تبعات ما ذكر تخالف الصحيح من جهة وروايته لا يحتج بها لضعفها من جهة أخرى فتأمل.
وإن افترضنا صحة ما نقل عن ابن أبي الزناد، لا بد للمخالف من قبول تعليق العلماء الذي تعقبوا هذا الخبر الذي أدرجوه في كتبهم، فقد قال الإمام الذهبي: ” قال ابن أبي الزناد: كانت أكبر من عائشة بعشر سنين. قلت ( الذهبي): فعمرها على هذا إحدى وتسعون سنة.”
التنبيه الثاني: من المضحك المبكي أنّ عمر اسماء بنت أبي بكر لم يرد إلا من طريق هشام بن عروة ، الذي رد المخالف رواياته المروية عن أهل العراق، وهو الحاصل في هذا الخبر أيضاً!! فتراه هنا يقبل الخبر لأنه يوافق هواه ويرفض ما يخالفه من رواياته متحججاً بضعفه وهو عن الضعف بعيد! لكن لنفترض أنّ خبر عمرها حين وفاتها بلغ المائة عام بسند صحيح، فليس في ذلك دليل أو إشارة على عمر عائشة رضي الله عنها لا من قريب أو من بعيد، خصوصاً بعد تبين شدة ضعف الرواية التي تذكر فرق العمر بين اسماء وعائشة وعليه ردت ولم يعتبر بها.
*************************************************************
الشبهة السابعة
ذكر الطبري في تاريخه أنّ أبا بكر – رضي الله عنه – كان له من الأولاد أربع، وقد ولدوا جميعاً في الجاهلية. لذا فإن عائشة رضي الله عنها لا بد أن تكون في سن الرابعة عشر في السنة الأولى للهجرة!
• النقد السابع
تتوالى أخطاء المخالف بشكل متكرر يبين ضعف حجته وقلة زاده في العلم، وإلا لعلم بنفسه قبل غيره أنّ هذه الشبهة لهي أوهن من بيت العنكبوت. وإليك أسوق نص الطبري في تاريخه: “حدث على بن محمد عمن حدثه ومن ذكرت من شيوخه قال: تزوج أبو بكر في الجاهلية قتيلة – ووافقه على ذلك الواقدي الكلبي – قالوا: وهي قتيلة ابنة
عبد العزى بن عبد بن أسعد بن جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي فولدت له عبد الله أسماء. وتزوج أيضًا في الجاهلية أم رومان بنت عامر بن عمير بن ذهل بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة – وقال بعضهم: هي أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذنية بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة – فولدت له عبد الرحمن وعائشة فكل هؤلاء الأربعة من أولاده ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما في الجاهلية.”
أولاً: القصة مروية بسند مبهم ومنقطع انقطاعاً تنقطع به الأعناق، فلا أدري كيف للمخالف أن يستدل بمثل هذه الرواية. بل الأعجب أن يقبل مثل هذه الروايات الواهية ويرفض ما ثبت صحته بالدليل القاطع!
ثانياً: الظاهر من آخر عبارة الطبري أنه كان يعنى زوجاته لا الفترة التي ولد فيها أبناء أبو بكر، والأمر إن كان صحيحاً على ظن المخالف، فالجواب عليه تم شرحه وتفصيله في ردنا على الشبهة العاشرة، فتنظر.
*******************************************************************
الشبهة الثامنة
ذكر ابن هشام المؤرخ المشهور أنّ عائشة – رضي الله عنها – أسلمت قبل عمر بن الخطاب بوقت، مما يعني أنها أسلمت في السنة الأولى لظهور الإسلام لأن عمر أسلم بعد السنة السادسة من النبوة. بينما لو اعتبرنا صحة ما ورد في كون عمرها ستة سنوات حين زواجها فإن ذلك يعني أنه لا يمكن أن تكون قد ولدت في السنة الأولى من ظهور الإسلام. كما أن ابن هشام ذكر أنّ ترتيبها ضمن الأوائل الذين أسلموا هو العشرون أو الحادي والعشرين، بينما سبق إسلام عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أربعون شخصاً.
• النقد الثامن
يعتمد المخالف على نقطة أساسية واحدة فقط في حجته الواهية؛ إلا هي معرفة السنة التي أسلم فيها عمر بن الخطاب.
أولاً: إسلام عمر كان بعد خروج من خرج إلى الحبشة كما ذكر ابن اسحاق فقال “وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة .” وعلمنا أنّ عدد من هاجر إلى الحبشة كانوا يزيدون عن الثمانين كما ذكر ابن هشام، لذا فإن إسلامه جاء متأخراً عن هؤلاء وبالأخص عائشة.
ثانياً: ذكر ابن هشام عن عبدالله بن عمر أنّه كان في السادسة حين أسلم أباه؛ عمر بن الخطاب. وعليه نستطيع بدقة تحديد سنة إسلام عمر بناءً على عمر ابنه. فإذا علمنا أنه كان في السادسة حين أسلم أباه وكان عمره في غزوة أحد – التي وقعت في السنة الثالثة أو الرابعة بعد الهجرة – أربع عشرة سنة، وعلمنا أيضاً أنّ الدعوة في مكة امتدت طوال ثلاث عشرة سنة. إن ربطنا الأحدات والتواريخ لتبين لما أنّ إسلام عمر كان في السنة التاسعة للهجرة. والجدول التالي يوضح العملية بشكل مبسط:
جدول توضيحي لبيان الأحداث التاريخية
عام
الهجرة
الشبهة التاسعة
أخرج أحمد بن حنبل في مسنده أن بعد وفاة خديجة رضي الله عنها أتت خولة للنبي صلى الله عليه وسلم تنصحه بالزواج وذكرت له أنه إن شاء تزوج بكراً أو امرأة ثيب. عندها سأل الرسول عن البكر أجابت بأنها عائشة. ومن المعلوم أنّ كلمة بكر لا تطلق على صغار السن من الفتيات بل يطلق الناس على صغيرة السن “جارية”، فلفظ البكر يطلق على المرأة غير المتزوجة ومن كانت في سن التاسعة لا يعقل أن تكون امرأة حتى يطلق عليه أنها بكر.
• النقد التاسع
يبدو أنّ مخالفنا قد خلط في فهمه للغة العربية، لذا عارض ونقد ما لم يستقم من معاني لم يحط بها علماً من قبل لعدم إحاطته باللغة وأسرارها.
إنّ حجة المخالف قائمة على فهم معنى البكر والجارية واستعمالهما عند العرب فحصر وحجر واسعاً. تعارف العرب على أنّ البكر لفظ يطلق على المولود الأول لأبوين بشكل عام، وإذا أطلق اللفظ على مولود أنثى أضاف معنىً أخر وهو البكارة والعذرية، كما ذكر صاحب المحيط في اللغة وصاحب لسان العرب وعليه يعلم أنّ لفظ البكر متعلق بوصف حال لا عمر على خلاف لفظ الجارية والتي تطلق على الأنثى صغيرة السن أو اليافعة. إذا علم ذلك إتضح لنا أنّ سؤال أم سلمى للرسول صلى الله عليه وسلم إن كان يريد بكراً أو ثيباً هو متعلق إن كان يريد أن يتزوج امرأة لم تتزوج من قبل أم امرأة سبق لها الزواج، وهذا واضح في سؤالها عندما ذكرت البكر وضدها.
أما حجة المخالف أنه لا يطلق لفظ البكر إلا على امرأة، قلنا هذا فهم عجيب لا دليل عليه وإنما هو قصر فهم للغة، ومعنى البكر، كما تبين معنا، لا يختص بعمر معين أصلاً، فالفتاة التي لم تبلع سن الحلم هي جارية وبكر أيضاً ولا تعارض أو مشاحة في اجتماع الصفتين فتأمل.
الشبهة العاشرة
يقول الحافظ ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة أنّ فاطمة رضي الله عنها كانت تكبر عائشة رضي الله عنها بخمس سنوات، وقد ولدت وعمر الرسول صلى الله عليه وسلم 35 عاماً مما يعني أنّ مولد عائشة رضي الله عنها كان عندما كان عمر الرسول صلى الله عليه وسام يقارب 30 عاماً. وعليه يكون عمر عائشة رضي الله عنها عند الهجرة لا يقل عن 14 عاماً!
• النقد العاشر
لقد خلط المخالف الحابل في النابل، فشوه النقل عن ابن حجر وناقض نفسه في نقله. فابن حجر لم يذكر ذلك من قوله بل نقلاً عن غيره ولم يجزم بأي شئ، بل صرّح في بداية الجملة بقوله: ” فاختلف في سنة مولدها” ثم ذكر رواية الواقدي عن أبو جعفر الباقر عن العباس أنّ فاطمة ولدت والكعبة تبنى والنبي صلى الله عليه وسلم ابن 35 سنة وهذا سند منقطع بين الباقر والعباس كما ترى. ثم نقل ابن حجر رواية تضادها عن أبو عمر عن عبيد الله الهاشمي أنها ولدت والنبي صلى الله عليه وسلم ابن 41 سنة قبيل البعثة بقليل وهي أسن من عائشة بنحو خمس سنين. فالمخالف جمع القولين المتعارضين وهذا لا يستقيم، فهو إن قبل رواية الهاشمي أنّ فاطمة أسن من عائشة بخمس سنين فهو ملزم بقبول عبارته التي في نفس السطر بأنها ولدت والنبي ابن 41 سنة! كما أنه ظاهر انقطاع الروايتين أصلاً.
لقد تبين بالدليل القاطع أنّ المخالف وكل من قبل هذه الشبهة، إما قبلها لجهل وقلة علم أو لهوى نفس وقلة دين أو منافق يريد هدم الدين قصداً. فالشبهات التي جمعناها في هذا البحث وفندناها متناقضة وواهية لا تقوم بها حجة. فكل أدلة المخالف إما أخبارُ منقطعة وشاذة أو اقتباسات لا يمكن إثباتها وإنما جمعت من أقوال متعارضة بحيث ينتقي المخالف من كل قول ما يدعم مذهبه ثم يجمعها وكأنها قول واحد مثبت! والله المستعان
أقوال المؤرخين الذين استدل بهم المخالف
أعجب ما رأيت خلال بحثي هذه المسألة، أنّ المؤرخين المعتمدين من قبل المخالف أثبتوا أنّ عمر عائشة عند الزواج كان ستة سنوات وتسعة أعوام عند البناء !
ابن هشام يصرح صراحة بذلك في كتابه المشهور: سيرة ابن هشام والمزي يصرح بذلك أيضاً في تهذيب الكمال وابن حجر صرح بذلك أيضاً في تهذيب التهذيب والزركلي قال بذلك في الأعلام أيضاً والطبري ذكر ذلك صراحة عند حديثة عن زواج عاشئة من الرسول صلى الله عليه وسلم في تاريخة الكبير
كما ترى فجميع المؤرخين وأهل الحديث والفقهاء مجمعون على عمر أمنا عاشئة رضي الله عنها عند زواجها من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم لا ينقلون قولاً يمكن أن يخالف ذلك في الباب الخاص في زواجه منها. وما نقله المخالف إلا مقتطفات من روابات شاذة بلا سند أو واهية السند ذكرها المؤرخون في أبواب أخرى لا علاقة لها بالأمر. ولو كان ما ذهب إليه المخالف صحيحاً، لذكر العلماء هذه المسألة عند حديثهم عن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها فتنبه. فالمسألة ليست بخلافية أصلاً حتى يبحث فيها ولا يعقل أن يعمى بصر وبصيرة العلماء والمؤرخون وحتى الكفار ما يقارب 1430 سنة وينتبه إليها عامي لا يعرف في لغة القرآن إلا النزر اليسير، إن علمها، ولا يعلم في أصول الدين شيئاً، وإن برع في شئ فإنه يكون في التزوير وخلط الحقائق بالأكاذيب والتلبيس على الناس والتحدث كالناصح للغنم في زي الذئب المتربص بضحيته! وحسبي الله ونعم الوكيل
نصيحة ختامية
ذكرنا في هذا البحث من الأدلة ما يثبت خطأ وتزوير المخالف وسوء فهمه للمسألة وإنّ الصواب والحقيقة تؤكد أنّ عمرها عند الزواج كان ستاً أو سبعاً وأنّ عمرها عند البناء كان تسع سنوات وأنّ هذا أمر مجمع عليه عند العلماء عامة والمؤرخون خاصة، وخصوصاً الذيا استدل المخالف ببعض أخبارهم المذكورة في كتبهم، وهو إجماع مستند إلى أدلة صحيحة وظاهرة لا تخفى على أحد.
من المهم أن يعرف القارئ أنّ المخالف اعتمد على كتب التاريخ الني نفسها تذكر خلاف ما يحاول أن يثبت في عمر عائشة رضي الله عنها عند زواجها. لذلك عمد المخالف إلى انتقاء ما يدعم مذهبه ولم يذكر ما خالفه بالرغم أنّ ما استند إليه وأوله شديد الوهن والضعف، لذا تراه ترك اليقين والصحيح للظن والضعيف، مما يجعلنا نشكك في نواياه ودوافعه من هذا العمل! نعوذ بالله من حبال الشيطان وشبهاته.
فالنصح النصح لعامة المسلمين، فنحن نعيش زمن فتن هلك بسببها من لم يحتاط لدينه وحصنها بالعلم والتقوى والرجوع لأهل العلم الثقات. فلا بد للعاقا أن يقبل خبراً لا يعلم به أحد أو معلومة لم يقل بها أحد من العلماء المتقدمين والمتأخرين. فالأحرى بالمسلم أن لا يصغي لأبواق الضلال والجهلة والمتكلمة وإن كانوا من بني جلدتنا، فأعداء الإسلام علموا أنه لا سبيل لهم علينا فبدأوا يحاربوننا من خلال أنفسنا. نسأل الله العفو والسلامة
ختاماً، اسأل الله العلي القدير أن يثبتنا على القول والعمل الصالح وأن يحصن قلوبنا من الشبهات والأفات، وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، إنه على كل شئ قدير وبالإجابة قدير.
وكتب الفقير لرحمة ربه ، الراجي عفوه ومغفرته
أيمن بن خالد الشافعي: اليوم الواحد والعشرون من صفر من عام 1430 هـ.