المستخرج على صحيح البخاري لأبي نعيم الأصبهاني
صدر حديثًا تحقيقٌ يطبع لأول مرة لقطعة من كتاب “المستخرج على صحيح البخاري” للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني (ت 430هـ)، وذلك بتحقيق د. رضا بوشامة، وعمَّار تَمالِتْ، وتوفيق عمروني، وذلك عن دار “الميراث النبوي” للنشر والتوزيع.
وهذا الكتاب كان في عداد المفقود، بالرغم أنه من أشهر كتب الأصبهاني وأكثر مصنفاته فائدة ونقلًا، وقد ذكره العلماء في ترجمة أبي نعيم وأشادوا به، واستفادوا منه، لكنه لم يعرف له مخطوط حتى وفق الله الباحث “عمار تَمالِتْ” – أثناء جرده كامل ما تحتويه قاعدة البيانات الخاصة بالمكتبة السليمانية بإستانبول من نسخ مخطوطات “صحيح البخاري” – للعثور عليه، وقد سُجلت المخطوطة خطأ بعنوان “صحيح البخاري”، لكن من خلال تصَفُّحِها تبيَّن أنها قطعٌة من “المستخرج على صحيح البخاري” لأبي نعيم الأصبهاني حيث نُصَّ على اسمه في بدايات الأجزاء.
وهي قطعة مبتور أولها وآخرها، ويُقدَّر البتر من أولها بـ(170 ورقة) وذلك لأنَّ كراساتها خماسية وهي تبدأ بأول الكراسة السابعة عشر، وهي تقع في (178) ورقة وخطها نسخي يعود إلى النصف الأول من القرن السابع الهجري تقديرًا، والنسخة مقابلة على أصلها المنقول عنها، ومصححة في أجزائها، وقد قُرئت على المحدِّثة الحافظة زينب ابنة الكمال أحمد بن عبدالرحيم المقدسية الصالحية، المتوفاة سنة 740 هجرية، ومما يدلل على نسبة هذه النسخة للأصبهاني هو سند هذه النسخة وكل جزء من أجزاء الكتاب مقروء على زينب بنت الكمال عن الحافظ يوسف بن خليل الدمشقي، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي، عن أبي علي الحسن بن أحمد الحداد، عن الحافظ أبي نعيم الأصبهاني.
وبهذا السند الذي رواه الحافظ ابن حجر عن شيخه عبدالله بن محمد بن عبيد الله الصالحي، ومحمد بن محمد بن محمد الأنصاري الخزرجي الوراق، كلاهما عن زينب به.
إلى جانب أن نقولات الأئمة وشراح “صحيح البخاري” من هذه النسخة والنقولات في ذلك كثيرة، فنقلوا من فوائده وتعليقات أبي نعيم في بيان الأسماء والألفاظ والمبهمات وغير ذلك، ومن الناقلين ابن الملقن في “التوضيح شرح الجامع الصحيح”، وبدر الدين العيني في “عمدة القاري”، والحافظ ابن حجر في “فتح الباري”؛ بل كان مستخرج الأصبهاني من أعظم مصادره في وصل معلقات البخاري في كتابه “تغليق التغليق”.. وغيرهم الكثير.
وهذه النسخة محفوظة في مكتبة (أمير خواجه كمانكش) برقم (95).
وهذا المستخرج يعني بإيراد أحاديث الكتاب بأسانيد خاصة، من غير طريقة الإمام البخاري، وقد يحصل الاجتماع معه في إحدی طبقات الإسناد.
وقد رتَّب أبو نُعيم المُستخرج وِفقَ ترتيب البخاري لأحاديث الجامع الصحيح، على الكتب والأبواب، بَيْدَ أنَّه خَاَلَفَهُ في أمور منها:
1- يأتي أبو نُعيم بطرق ومتابعات متعددة للحديث الواحد الذي يسوقه الإمام البخاري.
2- الاختلاف بين ألفاظ أحاديث المستخرج وأحاديث صحيح البخاري، وهي متعددة، وأحيانًا تأتي على الحديث كله.
3- وكذلك ألفاظ التحمل تختلف بين المستخرج وأصله.
وقد يخرِّج أبو نُعيم الحديث من طريق آخر غير طريق الإمام البخاري، مثال: حديث أخرجه البخاري: عن مالِكٌ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، وهو عند أبي نعيم: عن مالِكٌ، عن نافع: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما.
ويذكر أبو نعيم بعد كلِّ حديث عمن روى البخاري هذا الحديث ويسوق السند إلى مكان اللقاء بين السندين، وقد يكون في شيخ البخاري أو عند شيخ شيخه أو من بعده.
وقد يذكر فوائد مثل قوله بعد الحديث رقم [22]: (ذكره وقال: قال الليث ولم يذكر من دونه، لأنَّ الحديث لأبي صالح، وأبو صالح ليس من شرطه).
حيث يقدم ويؤخر في بعض الأحاديث ويخالف الترتيب الموجود في مطبوع صحيح البخاري.
ومن معالم منهج أبي نُعيم في “المستخرج”:
1- المُخالفة في ألفاظِ مُتون الأحاديث وهذا من باب التَنَوُّع.
2- المُخالفة في الأسانيد.
3- المخالفة في صيغ الأداء.
4- المخالفة في إيراد حديثٍ في موضعٍ، لم يُورده البخاريُّ فيه.
5- المخالفة في صيغ التَّراجم.
وقد دَرَجَ شُرَّاح الجامع الصَّحيح، والمُتكلمون عليه، على النّقل من مُستخرج أبي نُعيم، لكنَّهم لم يُقلدوه في بعض ما قد يقع لَهُ من أوْهامٍ وأغْلاطٍ، وكان الحافظُ ابن حجر أكثر هؤلاء الشُّراح تعقبًا لأقوال أبي نُعيم، وانتقادًا لبعض صَنيعه.
وفي الجملة كان لِمُستخرج أبي نُعيم، فوائدُ تخدم الجامع الصَّحيح خدمة جليلة، وتُسْعِفُ في حَلِّ مشكلاته، وتُنير الطريق أمام المُستفيدين من دُرره.
المصدر: موقع الألوكة
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/138672/#ixzz6EHSC1w8A