برز على الساحة كتاب بعنوان “صحيح البخاري: أسطورة انتهت” لمؤلفه رشيد إيلال المغربي. وبما أن الموضوع يتعلق بأوثق كتاب للمصدر الثاني للإسلام، ظهرت كتابات متعددة، تتراوح بين المعالجة المختصرة جدا والتفصيلية جدا التي تزيد صفحاتها على 450 صفحة.
وتتألف الوقفات من خمس وقفات رئيسة وخاتمة تناقش المناهج الرئيسة للكتاب والحجج التي يستخدمها المؤلف. وسيتم اختصارها، ولخطورة المضمونات التي يوردها المؤلف في كتابه، من حيث الإساءة إلى القرآن الكريم، وللنبي الكريم ولسنته، ولعلماء المسلمين، سيتم توثيق أقوال المؤلف بإثبات الصفحات التي وردت فيها.
الحلقة الأولى
ملاحظات على المناهج الرئيسة
هناك ملاحظات منهجية، خطيرة جدا وهي ترتكز على تحكيم العقل البشري القاصر، وتعميم النزر النادر على الكثير الغزير، والادعاء بتقديس كتاب الله وعصيانه، واحترام نبيه وإنكار سننه، وشتم علماء المسلمين الذين جهدوا في الحفاظ على ديننا ونقلوه إلينا نحن الذين نعيش بعد مجيء الإسلام بأربعة عشر قرنا.
منهج عقلاني بحت يرفض النقل الشفوي:
يعتقد المؤلف أن العقل البشري قادر على أن يكون حكما يميز الحق عن الباطل، دون حاجة إلى المعلومات الدقيقة والصحيحة الكافية. ويجهل أن وسائل إدراك الإنسان الخمسة للواقع ناقصة عند الإنسان. فهي تتمثل في حاسة البصر، والسمع، والشم، واللمس، والتذوق. ومن الحيوانات ما تفوقه فيها. ولهذا فإن العقل غير مؤهل لإصدار الحكم في الغيبيات. وحتى بالنسبة في غير الأمور الدينية، عندما لا تتوفر له المعلومات الصحيحة الكافية، فإنه وشيك بأن يصدر أحكاما تتراوح بين ما يثير السخرية وما يثير الاستهجان.
ومن الواضح أن المؤلف لعدم علمه بالحقيقة السابقة وجهله بطريقة حفظ القرآن الكريم ووسائله يتوهم أن الله حفظ القرآن الكريم فقط بجمعه في مجلد واحد في خلافة أبي بكر الصديق، وتوحيده في خلافة عثمان ابن عفان. ولا يدري أن النقل الشفوي المتواتر عبر القراء والمختصين الثقاة، وحلقات تحفيظه ومدارسه هو السند الأساس في حفظه عبر القرون. وذلك إضافة إلى الوسائل الأخرى التي سخّرها رب العالمين، مثل فرض تلاوة أجزاء منه في الصلوات المفروضة، والحث على حفظه عن ظهر غيب وعلى تلاوته بصورة مكثفة.
ومعتمدا على عقله فقط يرفض فالمؤلف الأحاديث التي تُفّضل العرب وقريشا ويسخر منها… ويصفها بالأساطير، وذلك لأنها تفضلهم، ويبرر به القول بأن الأحاديث النبوية آفة وجنت على المسلمين… وربما لأنه لا يقرأ القرآن لا يدري أن الله قد فضّل كثيرا من عباده على آخرين، ومن ذلك تفضيله بني إسرائيل على العالمين، (البقرة: 122، الجاثية: 16، وذلك مع تحميلهم مسئولية هذا التفضيل.
والسؤال: هل سيتجرأ المؤلف ويطعن ب”عقله” في مصداقية الآيات القرآنية التي لا يستوعبها؟
لقد فات على المؤلف خطورة الاقتصار على المنهج العقلي في إثبات صحة نسبه إلى آدم عليه السلام. استنادا إلى العقل البشري، في ضوء معصية المؤلف أوامر الله، والإساءة إلى نبيه، وأصحابه، وإلى علماء المسلمين، يمكن لأي إنسان، استعمال منهجه، مستبعدا النقل الشفوي الموثق فيؤكد: أن نسب المؤلف إلى آدم، عليه السلام، ليس خالصا. لقد اندس فيه عرق إبليس أو أحد أعوانه من الشياطين.
وتنطبق هذه الفرضية على كل من يقتصر في تحديد مصداقية الأخبار الماضية على العقل، متجاهلا النقل الشفوي للمعلومات عبر الأجيال المتعاقبة.
منهج تعميم الأجزاء المحدودة على الكل:
إن من لديه معلومات بدائية في مناهج البحث العلمي، ويخجل على نفسه لا يعمم في أبحاث الدراسات الإنسانية إلا إذا كان تسعين في المائة -على الأقل- من الحقائق تؤيد فرضيته. (انظر مثلا: قواعد أساسية في البحث العلمي ص69-84) أما منهج المؤلف فهو تعميم الأقل من واحد في المائة على الكل، حيث يعنون كتابه ب” صحيح البخاري نهاية أسطورة “، بسبب وجود عدد قليل من الأحاديث المنقودة في الصحيح.
فالمؤلف لم يورد سوى حوالي الأربعين حديثا منقودة، وذلك مقابل أكثر من سبعة آلاف حديث في صحيح البخاري، ولكن يعمم النسبة الضئيلة جدا على صحيح البخاري كله.
والسؤال: هل يدرك المؤلف خطورة هذا التعميم المعاكس للمنهج العلمي، عند تطبيقه عليه هو؟ أي يقول أحد “إن الموجود في أمعاء المؤلف يمثله كله؟
ادعاء تقديس رب العالمين، واحترام نبيه:
يقول المؤلف متظاهرا لأنه يقدس الله وكلامه، في وصفه لعلماء المسلمين {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}، وستتعجب أيها القارئ من كلام هؤلاء الذين يقدمون على أنهم شيوخ وفقهاء ومحدثون وعلماء الذين لأنهم لا يتورعون عن أن ينسبوا لله ما لم يقله، ويقولون على الله مالا يعلمون. ، ويقولون لك بكل وقاحة وجرأة على الله.” (ص81) ويضيف موقع آخر: إن القارئ “سيكتشف حقيقة مجموعة كبيرة من الأحاديث المسيئة إلى الإسلام ولنبي الإسلام، بل لرب العالمين داخل هذا الكتاب.(ص 149)
وعن النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول المؤلف مؤيدا قول عائشة: “فكل شمائله وأخلاقه- صلى الله عليه وآله وسلم- كانت تطبيقا عمليا للقرآن، بمعنى أنه كان بإمكان أي مطّلع على القرآن، أن يعرف شمائل المصطفى من خلال كلام الله. (ص 26) وفي موضع أخر، يقول: إذا كان الحديث الذي يخرج من فم الرسول وأفعاله التي يقوم بها وتقريراته أيضا، ودينا باعتباره الأسوة الحسنة لنا…(ص41)
فالمؤلف يظهر تقديسه للقرآن الكريم واحترامه للنبي، صلى الله عليه وسلم، ولكن دعنا ننظر نوع هذا التقديس والاحترام في الفقرات التالية.
قلة الأدب مع نبي رب العالمين:
يعنون المؤلف لبعض الأحاديث المرفوضة عنده تحت عنوان “بخاريات”. (ص 149-160) يعنون المؤلف لبعض الأحاديث المرفوضة عنده عقلا، ربما تُعبِّر عن مشاعره الحقيقية تجاه نبي رب العالمين، مع أنها تتسم بالبذاءة المبطنة. فتحت عنوان “بخاريات” (ص 149-160) يورد العناوين التالية:1) “النبي البذيء” 2) و”الرسول يختلي بامرأة متزوجة وينام عندها وهي تفلي رأسه من القمل.”، 3) و”الرسول يحاول الانتحار”، 4) الرسول يُسحر فيهذي 5) ويعنون حديثا ب”الرسول يصلي بدون وضوء، ويحتج بأن “النوم من نواقض الوضوء”، 6) ويتهم النبي، صلى الله عليه وسلم، بأن سبابه مثل شتائمه الوقحة؛ 7) كما يعونون حديثا آخر ب”الشيطان يطعن رسول الله عند ولادته.
1) من المعلوم أن كلمة “أنكتها” في إحدى روايات قصة توبة ماعز الذي جاء تائبا جاءت لحرص النبي على تجنيبه عقوبة الرجم وقد جاء صادق التوبة. ولكن هناك اختلافات متعددة في تفاصيل القصة الثابتة، لهذا حكم المحدثون بضعف تلك التفاصيل. يضاف إلى ذلك احتمال سقوط حرف الحاء بين الكاف والتاء من كلمة “أنكحتها” سهوا. وهو خطأ غير جذري.
2) من المعلوم أن اتفاق على أن أم حرام التي كان يزورها هي محرم له، وإن اختلفت التفاصيل.
3) من الفهم الخاطئ يورد حديث حزن النبي لانقطاع الوحي فترة من الزمن بأن “الرسول يحاول الانتحار” فالحديث الذي يرويه الزُّهْرِيُّ عن عُرْوَةُ عَنْ عَائِشة، أم المؤمنين،َ يفيد بأنَّهَا قَالَتْ: وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ سلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِيمَا بَلَغَنَا ) حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوس شَوَاهِقِ الْجِبَالِ، فَكُلَّمَا أوفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا…” (ص 149-150)
إن من يفهم في أصول الحديث يدرك أن عبارة “فيما بلغنا” لا يمكن صدورها من عائشة، فهي لا تروي عن المجهولين وتصدقهم، فتردده، لأنها لا تروي إلا ما تشاهده وتسمعه من النبي، صلى الله عليه وسلم، فهي تعايشه، ويفضي إليها بهمومه.
ولهذا لم تغب هذه الحقيقة عن العسقلاني الذي درس وشرح كتاب صحيح البخاري. فنبَه إلى أن الجزء الذي أورده الزهري بعد “فيما بلغنا” هي من زيادات الزهري الذي لم يكن صحابيا.
4) يبالغ المؤلف في التعليق على قصة سحر النبي، صلى الله عليه وسلم. فقد ورد عن عَنْ عائشة قَولها: “سحرَ النَّبِي،ُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إنَّهُ لَيُخَيَّلُ إليه أنَّهُ يَفْعَلُ الشيء وَمَا فَعَلَهُ.” ومن المعلوم أن الله قد عصم أنبياءه ورسله من الخطأ في تبليغ رسالته. ولكن النبي، صلى الله عليه وسلم، من البشر قد يقع في الخطأ والنسيان في حياته اليومية كإنسان طبيعي. ومثاله أن يصلي ركعتين أو ثلاث، بدلا من أربع. ومثاله أن تؤثر الغيرة الفطرية فيه، فيقف حائرا أمام تهمة أم المؤمنين حتى برأها الله من سبع سماوات. (سورة النور: 11 )
5) أما كون النبي، عليه الصلاة والسلام، كان ينام فلا بعني أن نومته مثل نومتنا، لا ندرك معها ما يجري أثناءها. يضاف إلى ذلك أن أحدا من الموجودين لم يخبره بأن وضوءه فسد، ومع هذا لم يعد الوضوء.
والسؤال: من أين عرف المؤلف أن النوم من نواقض الوضوء؟ أليس من السنة النبوة التي لا يعترف بها، ويصفها بأنها من الأساطير؟
6) يتهم النبي، صلى الله عليه وسلم، بأن سبابه مثل شتائمه الوقحة؛
7) كما يعنون حديثا آخر ب”الشيطان يطعن رسول الله عند ولادته، حيث ورد في الحديث “ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها.” فيحتج على النص بعد الزيادة على النص “أن النبي غير مستثنى”، وجهل أن لله قد ميّز نبيه في أمور كثيرة، فهل جاءت على هذه، وخاصة مع وجود احتمال دس مسيحي متعصب هذا الاستثناء.
والسؤال: هل العبارات التي استخدمها المؤلف في وصف النبي الكريم تُعبِّر عن احترامه النبي ومحبته؟ أم أنها تسيء إليه مقصودة بطريقة ملتوية، وخاصة أنه لا يعترف بالسنة النبوية بما في ذلك فضائله؟
الطعن في عدالة أصحاب النبي:
يقول المؤلف: هل كان الصحابة كلهم عدولا، وكلهم أتقياء، وكلهم على مرتبة واحدة من العلم والإيمان، أم هم في الحقيقة أصناف وأنواع، يجب الحذر عند الأخذ منهم وعنهم؟ ولك أن تعجب من رأي الصحابة “العدول كلهم” في بعضهم البعض، لكن من يستعمل عقله ولو مرة واحدة ليقف على هاته الأكذوبة علم الرجال؟ ولمن يقدس الصحابة ما عليه إلا قراءة سورة التوبة التي يسميها البعض الفاضحة فقد ورد فيها كثير من الانتقادات لهم، وأظهرت حقائق العديد منهم.” (ص 49- 52)
والسؤال: هل قال أحد علماء المسلمين لأن الصحابة كلهم أتقياء وعلى مرتبة واحدة؟ وهل يعرف المؤلف المقصود بمصطلح الصحابي؟ ومصطلح العدالة المشتق منها “الصحابة عدول”؟
من الواضح أن المؤلف يجهل المقصود بالمصطلحين فسيتم توضيح ذلك عند الحديث عن مصطلحات علوم الحديث.
ويقول المؤلف عن أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، الذين تم وضع بعض أفعالهم في كتب الحديث: إذا كان الحديث الذي يخرج من فم الرسول وأفعاله التي يقوم بها وتقريراته، دينا باعتباره الأسوة الحسنة لنا، فما علاقة الصحابة بذلك؟ سوى أن تكون معادلة تقديس هؤلاء واعتبار أقوالهم وأفعالهم دينا يجب اتباعه،…، فنكون إزاء أنبياء آخرين غير نبينا، وهم فئة تختلف طبقاتهم وأنواعهم وتصنيفاتهم وعلمهم وجهلهم ونفاقهم وصدقهم وفسقهم وإيمانهم… (ص 41)
والسؤال: هل يقصد المؤلف بهذا القول الإساءة إلى الصحابة، بطريقة الغمز، وإدراجهم ضمن من يستحقون شتائمه؟ فمن المعلوم أن الصحابة، هم تلاميذ النبي، عليه الصلاة والسلام، الذين فدوه والإسلام بأموالهم وأنفسهم، والذين أسهموا في نقل الإسلام إلى الأجيال التالية.
وهل قال أحد علماء المسلمين بأن اتباع الصحابة ملزم كما هو بالنسبة للسنة النبوية، أو صرّح بتعديل التعريف الصحيح الذي يبدو أن المؤلف يؤيده هنا؟
وهل إذا جمع الله الدم واللحم في الخروف مع بقية مكوناته، يعني أنه كله صالح للأكل؟ أليس من لديه عقل يُدرك أن الاتباع يقتصر على أقوال النبي وأفعاله وتقريراته؟ وهذا ما يؤكده علماء المسلمين. (انظر مثلا: أصول الفقه في خطوات)
يتضح مما سبق ويلي أن المؤلف يعصي أوامر الله جهارا، فالله تعالى يأمر بالدعوة بالحكمة،(النحل:125) ويحرم أذية المؤمنين والمؤمنات. (سورة الأحزاب: 57-58)
شتائم للسنة النبوية وعلومها وعلمائها
يشحن المؤلف كتابه بسيل من الشتائم والسخريات التي لم تسلم منها السنة النبوية والعلم الذي يخدمه، والعلماء الذين اجتهدوا ويجتهدون في خدمته. فشتائمه وسخرياته تقترب من المائة شتيمة وسخرية صريحة. ويستخدم فيها المؤلف كلمة “أسطورة” ومشتقاتها حوالي 129 مرة. فقد يستخدم أكثر من اشتقاق منها في الشتيمة الواحدة. وتسخدم كلمة “خرافة” ومشتقاتها 87 مرة. وهذا مع أن كتاب المؤلف يتألف من 177 صفحة، بعد حذف الصفحات التي تندرج ضمن الموضوع. وبعبارة أخرى، بلغ معدل الشتائم والسخرية في الكتاب شتيمة لكل صفحتين.
ومن أمثلة شتائمه التي يصف بها السنة النبوية وعلومها وعلمائها المسلمين: قوله: ينطبق عليهم قوله تعالى: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}،… وكتب التراث المليئة بهذا الخبل التاريخي، وعباد الأوثان التاريخية، و فكل “حزب” بما لديهم فرحون،…، وأن دينهم لا يأخذونه إلا من روايات تاريخية لا قدسية لها، وقالوا عنه بدون حياء ولا وازع من دين… وأن هؤلاء الشيوخ اعتبروا المرويات المأثورة عن النبي… قاضية وحاكمة على القرآن القطعي الثبوت، وهذا كلام فيه خبء معناه ليست لنا عقول، فمن يتجرأ على هذا القول بهذا الشكل، وبدون أن يرف له جفن، سأشك في عقله إن لم أشك في إيمانه.
ومع هذا ينتقد المؤلف علماء المسلمين قائلا: إن مجرد مناقشة مصداقية الأحاديث النبوية يشعل حملة مسعرة، أسلحتها قنابل التكفير، وصواريخ التفسيق، وقذائف الزندقة، لا يمنحك المُقلِّد فرصة لتشرح موقفك وتقدم أدلتك، لأنه لم يُربَّ على النقاش والمحاججة والمحاورة، بل بُرمج على القذف والسبّ، ويرى في ذلك قُربى يتقرب بها إلى الله، وعبادة، يتعبد بها لله،… ومتى كان لعن الناس وإهانتهم وتلْب أعراضهم من القربات؟ (ص 51-52)
ويتبجح المؤلف فيدعي: إننا بعرضنا هاته النقولات لا نرمي من خلالها الطعن في شخص البخاري، فما يمكن –في نظرنا- الطعن في أي إنسان كيفما كان بالاعتماد على أقوال بعض الرجال، ففي النهاية هي آراء.(ص148)
والسؤال: هل التزم المؤلف عمليا بما التزم به قولا؟ وهل اختلف أسلوبه عن أسلوب من ينتقدهم؟
إن أسلوبه يتجاوز كثيرا شناعة أسلوب من ينكر عليهم. فهو يشتم الأحاديث النبوية الموثقة كلها أو جُلّها، وعلوم الحديث وعلمائه. ويصف أقوال النبي الكريم وأفعاله وتقريراته وصفاته التي وثقها المختصون بأنها أساطير وخرافات. ويتجاوزهم في الوقاحة لأنه بكذبه وتحريفه للنصوص يحاول هدم الإسلام، وذلك بالطعن في المصدر الثاني له، ويعمل على نشر الضلال بين المسلمين.
أما أولئك الذين ينقدهم، فإنما يوجهون التكفير واللعن إلى أفراد من المسلمين، قد لا يكونون مستحقين لها أو يكونون، استنادا إلى القرآن الكريم. فالله يلعن الْكَاذِبِينَ (آل عمران61) ويلعن الظالمين.(هود: 18)
ويصف المؤلف الأحاديث النبوية التي وثّقها علماء السنة النبوية ويعملون بصورة مستمرة على تنقيحها، بأنها أساطير، ويحكم في ضوئها على تدوين السنة النبوية بعبارات جارحة، مثل “من هنا جاءت آفة الحديث” و”تحوّل تدوينه إلى آفة، (ص 18-19) ويضيف: وإن مما جناه الحديث على أمتنا هو أنه جعلها أمة متخلفة تؤمن بالخرافة وتناقض العلم، وتنبذ العقل. فالنماذج الحديثية تمثل مصائب كتب الحديث وما تزخر بها من تفاهات وخرافات وأساطير. (ص 65، 84)
ومما يثير السخرية أن المؤلف لا يعرف ما هي الأوامر الدينية التي يجب على المسلم تطبيقها، حيث يقول: إن تحريم مكة ولقطة الحرم، بيان سياسي لقائد دولة وليس لرسول، فلا وجود للرسالة في خطبته. (ص 19-20)
والسؤال: هل يمكن لذي عقل أن يقول بأن تحريم مكة ولقطة الحرم بيان سياسي، وليس تشريعا ورسالة من نبي مأمور بتبليغه إلى المسلمين؟
ويورد قول الأوزاعي: “الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب” إذن من خلال هذه النقولات نجد أن هؤلاء الشيوخ اعتبروا المرويات المأثورة عن النبي، وهي في غالبها ظنية الثبوت، قاضية وحاكمة على القرآن..”(ص 27) ويضيف: من هنا يبرز لكل ذي لبّ حكيم ،أن فقه هؤلاء وفهمهم لا علاقة له بالقرآن الكريم، وأن دينهم لا يأخذونه إلا من روايات تاريخية لا قدسية لها، حتى صدق فيهم قول الله عز وجل: {وقَالَ الرسول يَا ر ِّبَ إِنَّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقرْآنَ مَهْجُورً}.(الفرقان: 30)
ويضع عناوين فرعية تحت عنوان “آفة علم الحديث” يقول “أكذوبة علم الرجال” (ص 49) و”جناية الحديث”. ويقو ل تحتها: إن أعظم جناية جناها الحديث، هي التسبب في هجر كتاب الله ليحل محلّه، على مستوى التشريع، وعلى مستوى العقيدة، وعلى مستوى العبادات، حتى أصبح لدينا دين آخر مأخوذ من الحديث لا علاقة له بالقرآن.(ص 61)
ونقلا عن الدك تور أحمد صبحي منصور يتهم علماء الحديث بأنهم يشبهون الجهلة من عامة الناس الذين يُصدقون كل شيء ومن أي شخص.(41) ويعتقد أن عدم رؤية الراوي للرواة ممن يعاصرهم دليل على عدم ثبوت رواياتهم. لهذا ف‘ن علم الرجال أكذوبة. وينسى المؤلف أن قوله هذا يعني أن نسبه إلى أجداده الذين لم يراهم أكذوبة ومشكوك فيها. (ص 50-51)
ويصف المؤلف علماء الإسلام، ولاسيما علماء الحديث النبوي بقوله: وبعدها يطلعون بوجوههم الوقحة على الناس ليسردوا عليهم أحاديث وآثار في منع كتابة وتدوين الأحاديث، في «سكيزوفرينيا» غريبة جدا، تحط من قدر هؤلاء عند ذوي العقل الراجح، والفكر المستنير.(ص21)
ويقول: وقد نسي “علماء” الجرح والتعديل أن يضيفوا اسم الذباب إلى مصطلح الحديث ومصطلح تجريح الرجال، فبدل أن يقال هذا رجل (أي البخاري) كذاب، كان عليهم أن يقولوا هذا رجل ذبّاب، تطبيقا لحلم البخاري، وتعبيرا لرؤياه بأنه يذب عن رسول الله الكذب “الذباب.” ويضيف: إن وقاحة الراوي وصلت به إلى أن ينسب عبر خرافة حلم، لكتاب مجهول المؤلف أصلا.(ص80- 81)
شتائم لعلماء المسلمين:
و لجهل المؤلف بوجود جزء جوهري يعتني بنقد المتن في أصول الحديث يقول: إن علم الرجال انصب على دراسة رجال الحديث دون النظر في المتن وهو الأهم، فبدأوا يجرِّحون على هواهم متأثرين بالعصبية المذهبية وبالشائعات أحيانا. (ص51)
ويقول المؤلف: ولك أن تتصور الكم الهائل من الأحاديث «السبعون ألفا» التي كان يحفظها البخاري بتراجمها وأسانيدها وما قيل في رجال هاته الأحاديث فردا فردا، من جرح أو تعديل، ودرجة كل حديث من حيث الصحة أو الضعف، إلى غير ذلك مما يرتبط بها وهو ما زال صبيا في سن اللعب. فعلى هذا يجب أن يكون البخاري قد بدأ حفظ الأحاديث قبل أن يولد، …، فإنه رغم ذلك ستبقى مسألة حفظ البخاري خرافة كخرافات أخرى نقلت إلينا بدون تمحيص من ناقلها عبر كتب التراث المليئة بهذا الخبل “التاريخي”… (ص 99) وطبعا هذا مستحيل عقلا، لذلك كان عباد الأوثان التاريخية، يلحون على أن لا نقيس البخاري بالمقياس البشري، بل علينا أن نقبل هاته “التخاريف” هكذا بدون إعمال العقل، وكل إعمال للعقل سيسقط الأسطورة، التي استغرقت صناعتها قرونا من الزمن، من طرف الكهنوت الديني، الذي خدّر الناس، وأوقف العقول، وكانت المحصلة إنتاج التخلف باسم الدين، والدين من هذا بريء. (ص 128) ولم يقف الحد عند مسألة الاختلاف في اعتبار الأصح من كتب التراث فكل “حزب” بما لديهم فرحون. (ص 134) وسيصدم من هول المفاجأة، حينما سيكتشف حقيقة مجموعة كبيرة من الأحاديث المسيئة إلى الإسلام ولنبي الإسلام، بل لرب العالمين داخل هذا الكتاب.(ص 149)
والسؤال: هل سمع المؤلف بحلقات تحفيظ القرآن الكريم ومدارسه، واطلع على بعض الأطفال والشباب الذين وهبهم الله منحة الحفظ والدقة فيه، حتى في هذا العصر الذي تعوّد فيه البشر على الاعتماد على المسجل والمقروءْ، بدلا من الحفظ، وكثرت فيه أسباب انشغال الذهن وتشتته؟
الاستهزاء بعلماء محددين:
يقول المؤلف: بل وصل الأمر بمقدسي صحيح البخاري من الشيوخ والفقهاء والمحدثين، أن تجرأوا على مقارنة هذا الكتاب بكتاب الله المنزل من لدنه على نبيه إلينا، هدى ورحمة للمتقين، فقالوا عنه بدون حياء ولا وازع من دين ” إنه أصح كتاب بعد كتاب الله” كما حكاه النووي والذهبي وغيرهما من الشيوخ. (110)
والسؤال: هل يتعمد المؤلف التحريف وخداع القراء والكذب عليهم؟ وهل يتكرم بسؤال الزبّال الذي ليس لديه وقت لتعلم القراءة والكتابة أو للاستماع إلى الدروس الدينية، ليعرف المقصود بهذه العابرة الواضحة؟ فالنص الذي يصف صحيح البخاري ينبه إلى وجود أخطاء فيه، ولا يقول بأن كل ما فيه صحيح.
ويسخر المؤلف ويشتم الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس الأزهر في وقت سابق و الشيخ عبد المحسن العباد البدر، مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقا لأنهما يقولان بأن البخاري يتمتع بمنح ربانية في الحفظ وسرعته. (ص، 84، 99) ويستهزئ بالدكتور ربيع المدخلي لقوله: ” فيعتبر مُنكرِ حديث في صحيح البخاري كمنكرِ القرآن على حد سواء من حيث الحكم.” (ص115)
الحلقة الثانية
الانتقاء في نقل الأخبار والنصوص
مما يلفت انتباه المستعرض لكتاب “البخاري أسطورة انتهت” أن المؤلف حريص على انتقاء النصوص والأقوال التي تؤيد هواه، وتبرر له شتمه السنة النبوية وعلومها وعلمائها، بل وعلماء المسلمين كافة. فهو يتجاهل وينكر على المحدثين جهودهم، وينتقي منها نقد بعضهم لبعض، ويحرص على الاستشهاد بكتابات أذيال أعداء الإسلام، ويكذب الأخبار الموثقة ويصدق الأخبار غير الموثقة.
نقد المحدثين بعضهم لبعض
ينتقي المؤلف الأقوال التي تسند وجهة نظره من علماء السلف بعد أن يشمله في شتائمه المعممة، مع إضفاء فهمه المنحرف، ومثاله انتقاد بعض المحدثين للأخطاء المعدودة التي وردت عند البخاري.(ص 135-147) ويلاحظ أنه يعتمد على بعض هذه الآراء في البخاري وصحيحه غير الموثقة، وقد تكون مكذوبة على المنسوبة إليهم، دسّها المغالون في المحبة، أو المغالون في البغض، أو أعداء الإسلام.
الاستشهاد بأذيال أعداء الإسلام:
مما يجذب الانتباه حرص المؤلف على الاستشهاد بمن على شاكلته، ممن يُشك بأنهم أسرى للحضارة اللادينية، دون وعي، أو أنهم أذيال لأعداء الإسلام، وجاهزون لبيع كرامتهم ودينهم بدريهمات قليلة.
ومن هؤلاء محمود أبو رية، الذي يركز كتابه كله على الجوانب السلبية التي لا تخلوا منها العلوم الإنسانية، بل، ويعتبر المعايير التي يميز بها المحدثون بين الصحيح وغيره دليلا على فساد السنة النبوية، بدلا من حرصهم على الحفاظ على السنة النبوية. (أضواء على السنة؛ ص19-20)
ومنهم عماد حسن الذي نشر مقالا بعنوان “خرافة علم الرجال” ينكر فيه علم الرجال، بناء على المنهج المادي للبحث الذي ينكر وجود الغيبيات التي يؤمن بوجودها المسلمون. ويعتمد على معلومات متناقضة وأمثلة سخيفة ليقول باستحالة نقل قول النبي عبر الرواة، خرافة “الحديث” ليس علما، لأنه لا يملك من العلم شيئا، ومنهجها منهج أهواء وأسلوبها انتقائي مزاجي.”(ص 44-48) ويشبه عملية نقل الحديث بين الرواة الحريصين على التعلم بالهمس بين تلاميذ المدارس أثناء الدرس.
ومنهم أحمد صبحي الذي يعنون لموضوعاته بعناوين مثل: “تخاريف في صحيح البخاري” و”جهل البخاري”. (ص49)
ومنهم الدك تور عبد الفتاح عساكر الذي يجري عملية حسابية على معلومات مغلوطة، تخالف الحقيقة فيخرج بنتيجة يسند بها طعنه في البخاري وصحيحه.(ص123-126)
ومنهم إسلام البحيري الذي يسبح في الخيال فيضيف مدلولات مكذوبة بصراحة على نص حديث أبي هريرة وحراسة أموال الزكاة. (ص 157-160)
أين مخطوطة صحيح البخاري؟
يقول المؤلف: …لذلك نحن نريد المخطوطة الأصلية لصحيح البخاري كما خطتها يمين الشيخ البخاري. وهذا تحد رفعناه مرات عدة قبل خمس سنوات، ولا زلنا نرفعه إلى الآن، نتحدى هؤلاء الشيوخ المداحين، أن يقدموا لنا المخطوطة الأصلية… لا أحد من هؤلاء الشيوخ يعرف، لكنها الحقيقة التي يريدون إخفاءها، ونحن نعمل عبر هذا الكتاب اليوم على إظهارها، وهي أنه لا يوجد في العالم أجمع مخطوطة واحدة، بخط محمد بن إسماعيل البخاري، لصحيح البخاري! (ص 163-164)
والسؤال: هل يمكن لعاقل أن يجزم بعدم احتمال اكتشافها، وقد تم اكتشاف أجزاء من مخطوطات التوراة الإنجيل، حديثا.
ويتحدى المؤلف العلماء أن يظهروا المخطوطة الأصلية للصحيح، حيث يجزم فيقول: ” لا يوجد في العالم أجمع مخطوطة واحدة”.
والسؤال: هل يدعي المؤلف الألوهية؟ ليدّعي الإحاطة بالموجود وغير الموجود عبر المكان والزمان؟ أم أن المؤلف يقول ذلك وهو في حالة غياب الوعي؟
والسؤال الآخر: هل يمكن لأي عاقل أن يعتقد بأن المخطوطة هي أوثق من الرواية الشفوية من ثقة إلى ثقة، وبضوابط حازمة أو بصورة تلقائية؟
وهل من لديه أية ذرة من العقل أن يؤمن بأن المخطوطة أقل احتمالا للتزوير من النقل الشفوي من ثقة إلى ثقة إلى ثقة، بالنسبة للأحداث الماضية أو أخبار الأجيال التي مضت إلى رحمة الله؟
وأيهما أوثق المخطوطة أم أن يقول أبا المؤلف بأن المؤلف ابنه، ويقول الجد أنه حفيده، وأن يقول الجد أن أباه فلان الذي مات أو… إلى أن يصل نسب المؤلف إلى الإنسان المحدد في الجيل العاشر، أو إلى آدم عليه السلام؟
لو افترضنا أن أحدا اتهم المؤلف في نسبه إلى آدم عليه السلام، فهل نرجع إلى مخطوطة قد يزورها من اتهمه؟ أم نرجع إلى سلسلة الروايات الشفوية الموثقة أسانيدها؟
ويقول المؤلف متباهيا باكتشافاته الفريدة: “إن هناك ثلاثة عشر نسخة لصحيح البخاري”، دون أن يوضح أهي نسخ كاملة وبينها اختلافات؟ وما هي نسبة الاختلافات بينها؟ وما نوع الاختلافات؟ هل هي جذرية تؤثر فيما يستنبط منها؟ أم لا؟
إن الأصل أن العاقل يجمع ما يستطيع من روايات حول الشخصيات أو الأعمال غير المتوفرة بين يديه ولكن تتوفر كتابات حولها.فيطلع على كل أو جل الروايات والأخبار التي تدور حولها. ثم يُحكِّم قواعد البحث العلمي المحترمة. وذلك بالمقابلة بين نسبة الروايات الإيجابية في مقابل الروايات السلبية، واستبعاد المبالغات الواضحة في المدح أو الذم. ثم يرسم السمة العامة للشخصية التاريخية أو العمل التاريخي المحدد، غير المتوفر نسخة منه. (انظر مثلا، منهج أبحاث المؤرخين في خطوات) ولكن حرصا على مصداقية ما ينسب إلى النبي رحج بعض المحدثين كفة الأخبار السلبية ذات العلاقة الوطيدة.
الانتقاء في فهم النصوص
عندما يكون الإنسان متحيزا، قناعة أو استرزاقا، من الطبيعي أنه يميل إلى الفهم الذي يؤيد موقفه وينتقيه، وإن استوجب الأمر تزوير فهم فلا مانع لديه. ولذلك قد يأتي بتفسيرات، تثير السخرية عند العقلاء.
ينتقد المؤلف بشدة وعنف قول العلماء: “صحيح البخاري أصدق كتاب بعد القرآن الكريم”. فيفهم من هذه العبارة أن صحيح البخاري خال من الأخطاء، أو أنه منافس للقرآن الكريم.
لهذا ينتقي معنى يخترعه لقول عائشة أن الرسول يقول لقد أذكرني أية كذا. (64) باعتبارها تعني أنه كان نسي الآية، فذكّره بها القارئ، بدلا من “ذكّرني” بمعنى نبهني.
ولجهل المؤلف بأصول الفقه يقول بأن: تحريم لحوم الحمر الأهلية يتعارض مع قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ }(ص 33) فلم يدرك أن التحريم هو تقييد لمعنى مطلق في الآية، وجاء متأخرا للتدرج في الحكم، إذ كانت لحوم الحمر الأهلية مصدرا غذائيا شائعا في المجتمع.
ولجهل المؤلف وتكاسله عن البحث يقول هناك: حديث في صحيح البخاري أتحدى أن يفهمه أيّا كان، أو يستطيع شرحه اعتمادا على نصه فقط.
والنص يقول: قلت يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال إني سألت رسول لله، صلى الله عليه وسلم، فقال لي. قيل لي فقلت: قال فنحن نقول كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم. (ص 69)
ويعترف المؤلف بأن النص يحتاج إلى السياق لفهمه، ومع هذا يقول أنه يتحدى أن يفهمه النص أحد. ولو رجع المؤلف إلى الرواية الأخرى التي فيها سياق الحديث لاتضح معنى الحديث فهي تقول: سَأَلْتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ عَنِ المُعَوِّذَتَيْنِ؟ فَقالَ: سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: قيلَ لي فَقُلتُ فَنَحْنُ نَقُولُ كما قالَ رَسولُ اللَّه،ِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
ومن الفهم الخاطئ قوله عن بعض الأحاديث النبوية: ومن هاته الخرافات حديث “إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، رؤيا المؤمن جزء من النبوة. ويورد حديث “أصدَقُكُمْ رُؤيا: أصدَقُكُمْ حديثاً” وقول رسول الله “لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة”. ويورد قول النبي: ذهبت النبوة وبقيت المبشرات سئل عن المبشرات؟ قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له فهي مبشرة بالخير.” فيعلق: الرؤيا الصالحة لا تصلح للمحاججة.(ص83)
والسؤال: هل ورد في النصوص المذكورة أنها مصدر للتشريع أو دليل في المحاججة، فمن أين أتى المؤلف بهذا المعنى لنص الحديث؟
ويعارض المؤلف بعنف تفسير صاحب أضواء البيان لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (سورة البقرة: 172) وذلك لأنه يقول بعدم وجود تعارض بين تحريم لحوم الحمر الأهلية والآية.
ويعلق على صاحب التفسير محتجا: هذا نموذج صارخ عن شيوخ اليوم الذين يميلون إلى إقصاء القرآن والتمكين لمرويات، وقولهم على الله ورسوله بهتانا عظيما. من الواضح أن جهل المؤلف حرمه من فهم هذا التفسير، فالحديث يقيد الإباحة المطلقة، لا يعارضها أو ينسخها. (ص 33)
ويتوهم المؤلف إن الأحاديث الوردة في الحبشة فيها “تعريض بالحبشة وذوي البشرة السمراء أو السوداء”.(ص 36)
الكذب والمبالغة:
يبدو أن المؤلف مولع بالمبالغة والكذب، فيقول مثلا: وهذا ما يفسر اتباع العديد من الشيوخ ما ورد في الأحاديث، ضاربين بعُرض الحائط كل الآيات والأحكام الواضحة الواردة في القرآن، ويمكن أن نضرب العديد من الأمثلة لذلك.(ص27)
ويقول: يمكننا أن نأتي بعشرات بل بمئات الأحاديث التي تعارض القرآن جملة وتفصيلا، وتسيء إلى مقام الألوهية والرسالة معا، والماتحة من مستنقع الخرافة، والمصادمة للعلم والعقل من كتب الحديث.”(ص29 -30). ويقول: وتفشت المرويات العرقية حتى بلغت مئات الألوف من الأحاديث المتضاربة المتناقضة، وكلها منسوبة إلى الرسول الكريم. (ص 34)
وتحت عنوان “”الخرافة بالأرقام” يقول: إن الغلو في كتاب صحيح البخاري، وجعله مع كامل الأسف فوق كتاب الله تعالى الموحى إلى نبيه، رغم كم الأباطيل والخرافات والأساطير التي يزخر بها هذا الكتاب، أصبح من الأمور المسلمة لدى الشيوخ، بل إن من يتصفح هذا الكتاب سيقف على إساءات كبيرة في حق الله، وفي حق نبيه، وفي حق كتاب الله، وفي حق أمهات المؤمنين، وفي حق الإنسانية جمعاء، وإهانة للعقل البشري بشكل لا يمكن وصفه. (ص119)
أكذوبة السُّنة القاضية على القرآن:
مما يشد انتباه المستعرض للكتاب أن المؤلف حريص على انتقاء الفهم الذي يبرر شتمه للسنة النبوية وعلومها وعلمائها، بل وعلماء المسلمين كافة. ليس هذا فحسب ولكنه يسبح في الخيال ليكذب على علماء الإسلام كذبة جريئة وصريحة تفوق تصور الإنسان الطبيعي، وهي تهمتهم بأنهم يقولون بأن السنة فوق القرآن.
يقول المؤلف: إذن فتحّول تدوين الحديث إلى آفة جعلت المسلمين يبتعدون عن كتاب الله و.أصبح التشريع يؤخذ بالأساس من الحديث بدل القرآن. فانشغل الناس بالحديث وجمعه والاستنباط منه في حين لم يعد للقرآن دور إلا في الاستشهاد للنص الحديثي. (ص17، 21-24، 27، 45، 55-5620)
ومع هذه الكذبة الكبيرة الجريئة التي يتهم بها علماء الإسلام يأتي باستشهادات تفسر المقصود الصحيح بكلمة “قاضية”، ولكنه لا ينتبه إلى معانيها، لأنه غارق في خياله، لا يدرك ما يقرأه ويكتبه، ويصر على ترديد الكذبة التي يلصقها بعلماء المسلمين ويهاجمهم عليها بعنف.
فمثلا، يستشهد بقول الأوزاعي: الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب. قال أبو عمر: يريد أنها تقضي عليه، وتبين المراد منه.(ص 27)
ويقول تحت عنوان “السنة ناسخة للقرآن”: بعد أن حكموا بأن السنة قاضية على الكتاب، بمعنى أنها مبينة ومفسرة وحاكمة، لم يجدوا مخرجا لإزاحة التناقضات الواضحات للحديث في مواجهة القرآن، إلا أن يحكموا بأن السنة ناسخة للقرآن. (ص 30) ويفسر قول الإمام أحمد بأنه ينكر المعنى الصحيح “ما أجسر على هذا أن أقوله بل أقول أن السنة تفسر القرآن وتبينه”.
ويناقض المؤلف نفسه بالاستشهاد بثمان عشرة حديث في فضل القرآن وردت في كتب السنة ومنها صحيح البخاري، (ص 21-24) ويكفي العاقل أن يتصفح كتابا من كتب أصول الفقه لينكشف هذا الكذب الجريء الذي يناقضه هو بنفسه. (مثلا أصول الفقه في خطوات)
والسؤال: ألا يعتقد المؤلف أن الذي لديه أدنى درجة من الذكاء والمعرفة يدرك أن المقصود بأن السنة “قاضية” لا تعني الضربة القاضية في الملاكمة، ولكنها تعني أنها تُبيِّن وتفصل الآيات المطلقة ظنية الدلالة؟
فالسنة تفسر وتضع الأحكام الشرعية في القرآن في صيغها التطبيقية المقيدة أو المحددة. ومثاله حين يأمر الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِين}.(سورة البقرة43}. فتأتي السنة لتوضح كيفية الصلاة وشروطها، وأنواع الزكاة وأنصبتها ومقاديرها. وفات على المؤلف أن تشريعات الحضارة اللادينية أيضا مراتب، حيث تفسر اللوائح ما يرد في الأنظمة العامة.
إنكار القدرات المتميزة للحفظ:
لا يعترف المؤلف بوجود القدرات المتميزة في الحفظ التي قد يهبها الله لمن يشاء من عباده، فيسمي فقرة من كتابه “أسطورة الحفظ الأسطوري.”. (ص99) فيعلق أحد الذين يعملون في إنشاء مدارس وحلقات القرآن الكريم ويدرسون فيها على هذا الإنكار بقوله: هناك احتمال بأن هؤلاء لا يعيشون مع البني آدميين، ولا يعرفون شيئا عن أنشطة تحفيظ القرآن، أو أنهم من المخلوقات التي لا تحسن إلا النهيق، فيحسبون أن جميع المخلوقات مثلهم، وليست هناك مخلوقات قادرة عن التعبير بدقة عالية عن المعلومات والأفكار والمشاعر.
أين مخطوطة صحيح البخاري؟
يقول المؤلف: …لذلك نحن نريد المخطوطة الأصلية لصحيح البخاري كما خطتها يمين الشيخ البخاري. وهذا تحد رفعناه مرات عدة قبل خمس سنوات، ولا زلنا نرفعه إلى الآن، نتحدى هؤلاء الشيوخ المداحين، أن يقدموا لنا المخطوطة الأصلية… لا أحد من هؤلاء الشيوخ يعرف، لكن الحقيقة التي يريدون إخفاءها، ونحن نعمل عبر هذا الكتاب اليوم على إظهارها، وهي أنه لا يوجد في العالم أجمع مخطوطة واحدة، بخط محمد بن إسماعيل البخاري، لصحيح البخاري! (ص 163-164)
والسؤال: هل يمكن لعاقل أن يجزم بعدم احتمال اكتشافها، وقد تم اكتشاف أجزاء من مخطوطات التوراة الإنجيل، حديثا؟
والسؤال: هل يدّعي المؤلف الألوهية، يحيط بالموجود وغير الموجود عبر المكان والزمان، فيتجرأ على نفي احتمال وجودها؟ أم أنه يقول ذلك وهو في حالة غياب الوعي؟
والسؤال الآخر: هل يمكن لأي عاقل أن يعتقد بأن المخطوطة هي أوثق وأقل احتمالا من الرواية الشفوية من ثقة إلى ثقة بضوابط حازمة لأخبار الماضي؟
وبعبارة أخرى، أيهما أوثق أن تكون هناك ورقة معرضة للخطأ أو التزييف، تثبت نسبه؟ أم أن يقول أبا المؤلف بأن المؤلف ابنه، ويقول الجد أنه حفيده، وأن يقول الجد أن أباه فلان الذي مات و… إلى أن يصل نسب المؤلف إلى الإنسان المحدد في الجيل العاشر، أو إلى آدم عليه السلام؟
ولو افترضنا أن أحدا اتهم المؤلف في صفاء نسبه إلى آدم عليه السلام، فهل نرجع إلى مخطوطة قد يزورها من اتهمه؟ أم نرجع إلى سلسلة الروايات الشفوية الموثقة أسانيدها؟
ويقول المؤلف مفتخرا باكتشافاته الفريدة: “إن هناك ثلاث عشرة نسخة لصحيح البخاري”، دون أن يوضح أهي نسخ كاملة وبينها اختلافات؟ وما نوع الاختلافات؟ وما هي نسبتها؟ هل هي جذرية تؤثر فيما يستنبط منها؟ أم لا؟
إن الأصل أن العاقل يجمع ما يستطيع من روايات حول الشخصيات أو الأعمال غير المتوفرة بين يديه، ولكن تتوفر حولها كتابات فيطلع على كل أو جل الروايات والأخبار التي تدور حولها. ثم يُحكِّم قواعد البحث العلمي المحترمة، أي المقارنة بين نسبة الروايات الإيجابية في مقابل الروايات السلبية، واستبعاد المبالغات الواضحة في المدح أو الذم والتفصيل غير الضرورية. ثم يرسم السمة العامة للشخصية التاريخية أو العمل التاريخي المحدد، غير المتوفر. (انظر مثلا، منهج أبحاث المؤرخين في خطوات)
الحلقة الثالثة
مصطلحات أصول الحديث
هناك خلط في تعريف مصطلحات أصول الحديث أو علوم الحديث وتخبط وتناقضات ملفتة للانتباه عند المؤلف.
مصطلح “حديث”
يقول المؤلف: يُعرِّف “علماء” الحديث مصطلح حديث بأنه: “ما أضيف إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، من قول أو فعل، أو تقرير، أو وصف خَلْقي أو خُلُقي”. ويؤيده بقول أمنا عائشة “فكل شمائله وأخلاقه- صلى الله عليه وآله وسلم- كانت تطبيقا عمليا للقرآن، بمعنى أنه كان بإمكان أي مطّلع على القرآن، أن يعرف شمائل المصطفى من خلال كلام الله. (ص 26)
ويؤكد هذا التعريف السابق بقوله: إذا كان الحديث الذي يخرج من فم الرسول وأفعاله التي يقوم بها وتقريراته أيضا، ودينا باعتباره الأسوة الحسنة لنا…غير أن البعض من هؤلاء المحدثين من يُدخِل في تعريف الحديث أقوالَ الصحابة والتابعين وأفعالهم!!!، ويشهد لهذا صنيع جمهور المحدِّثين؛ فقد جمعوا في كتبهم بين أقوال النبي، صلى الله عليه وسلم، وأفعاله وتقريراته، وأقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم. (ص 41)
والسؤال: هل قال أحد المحدثين بغير التعريف السابق، بصرف النظر عن إضافة بعضهم أقوالَ الصحابة والتابعين وأفعالهم في كتبهم.
ومع إيراده التعريف الصحيح، فإن المؤلف يناقض نفسه، من حيث لا يدري، حيث يصر على أن الأحاديث النبوية “كلام النبي”. ويكرر فهمه هذا حوالي 9 مرات بإصرار في كتابه. (ص 25-26، 43) ومن الأمثلة قوله: …. كيف جاز لهم أن يصفوا كلام رسول الله بالحديث…مع أن الله في كتابه يعطي المعنى الاصطلاحي الحقيقي لكلمة “الحديث” وهو كلام الله. ومن هنا يبرز لكل ذي لبّ حكيم ،أن فقه هؤلاء وفهمهم لا علاقة له بالقرآن الكريم، وأن دينهم لا يأخذونه إلا من روايات تاريخية لا قدسية لها، حتى صدق فيهم قول الله عز وجل: {وقالَ الرسولُ يَا ر ِّبَ إِنَّ قَومي اتَّخَذُوا هَذَا الْقرْآنَ مَهْجُورًا}(الفرقان: 30). (ص41- 43، 53-54)
ومن الواضح أن المؤلف ينقل معظم أفكاره من أبي رية، ومنها الخطأ في تعريف “الحديث النبوي” بأنها ألفاظ للنبي صلى الله عليه وسلم.(ص 55، 59-60)
والسؤال: هل يعرف المؤلف أو أبو رية وأتباعه أن جزءا كبيرا من الأحاديث النبوية هي وصف من الصحابة لأفعال وإقرارات للنبي، عليه الصلاة والسلام، وليست ألفاظا للنبي، صلى الله عليه وسلم؟ ولهذا من الطبيعي أن تختلف طريقة التعبير باختلاف الصحابي الراوي. كما قد تختلف عند انتقال الرواية من راو إلى آخر، لأن حرية التعبير جائزة بشرط مراعاة الدقة في التعبير عن المدلول الأساس، حسب الضوابط التي وضعها علماء الحديث.
وهل يعرف الذين يهاجمون السنة النبوية أنها أنواع؟ سنة تطبيقية وأخرى إخبارية؛ وأن الإخبارية تنقسم إلى الإخبار عن أحداث مضت، وإخبار عن موجودات لا تدركها حواسنا الخمس، وإخبار تندرج تحت الترغيب والترهيب (درجات الثواب ودرجات العقوبة) وأن صيغ بعض الأدعية قابلة للتعدد ؟
ومن التضليل للقارئ يقول المؤلف بأن كلمة “حديث” في القرآن 10 آيات، منها 3 تشير إلى كلام البشر، و 7 آيات تشير إلى كلام الله، وأن معظمها تشير إلى أنه كلام الله. ومن يحصي هذه الكلمة في القرآن يجد أنها وردت 18مرة، ومنها 10 تشير إلى كلام البشر، و8 تشير إلى كلام الله.
والسؤال: هل العشرة من 18 آية يمثل “معظمها” أم “الثمانية”؟
علم أصول الحديث:
إن القارئ حتى من لديه فقط ألف باء المعرفة في علم أصول الحديث يمكنه ملاحظة التناقضات وخبط العشواء في فهم المؤلف لهذا العلم، ومكوناته ومصطلحاته، مثل مصطلح الصحابي والعدالة. فالمؤلف لا يعترف بضرورة علم أصول الحديث الذي يضع الضوابط اللازمة لسلامة عملية النقل للمعلومات وللأخبار عبر القرون المتعاقبة. ولا يعرف أن هذه الضوابط لا تقتصر في فحص المصداقية، على نقد السند باستخدام سلسلة الأسانيد، بعد التأكد من أمانة ناقليها وكفاءتهم في النقل. ويجهل أهمية منهج نقد المتن عند المحدثين، الذي يستخدم العقل والمعلومات التي يختزنها. (انظر مثلا: أصول الحديث في خطوات)
ولهذا يقول: ثم إن “علم” الرجال انصب على دراسة رجال الحديث دون النظر في المتن – وهو الأهم- فبدأوا يجرحون على هواهم، متأثرين بالعصبية المذهبية، وبالشائعات أحيانا… وهكذا، لنخلص في النهاية إلى أن علم الرجال أ كذوبة تاريخية تم التهويل بشأنها من أجل نسبة أحاديث للرسول هو بريء من أغلبها. (ص51)
ويستشهد المؤلف بمقال للدكتور عبد الفتاح عساكر (123- 136) ينقد فيه مصداقية صحيح البخاري، حيث يقول: العقلاء وحدهم يتعاملون مع المكتوب، ويضيف: دعونا نقوم بعملية حسابية بالأرقام لنختبر قول الشيخ البخاري بخصوص جمعه 600,000 حديث، وذلك بمعدل خمس دقائق لكل حديث “وهو وقت أقل مما يأخذه سلق البيض في زمن المعلومات المعاصر، فما بالك في زمن كان فيه السفر… يأخذ شهورا على ظهور النوق.” ويفترض عساكر، جهلا أو تزويرا، بأن احتمال رواية البخاري هو حديث واحد في اليوم، وأنه لا يعمل سوى ثمان ساعات يوميا، ويأخذ منه خمس دقائق لتعلم الحديث.
ويضيف من يؤيده: الأرقام لا تكذب، ولا تترك مجالا للشك. إن علم الحديث الذي يدعيه الشيوخ ما هو إلا علم الكذب وسلق البيض.(ص 126) فمن الواضح أن الدك تور يريد أن يصل إلى نتيجة مرسومة عنده فاستخدم بيانات مكذوبة، وذلك ليصل إلى نتيجته المزورة.
فهو يريد أن يخدع القارئ بادعائه أن البخاري قضى 16 عاما ليجمع الحديث، أي بدأ في جمع الأحاديث وهو في الثانية والأربعين من عمره. والحقيقة الثابتة أن البخاري يقول بأنه قضى الأعوام الست عشرة لانتقاء الأحاديث الصحيحة التي وضعها في صحيحه. أما جمعه للحديث وحفظ متونها فقد بدأ وهو في الحادية عشرة من عمره.
مصطلح الصحابي:
يمكن تلخيص قول جمهور العلماء في العدالة بما يلي:
أولا – الصحابي هو من لقي النبي،ّ صلّى اللَّه عليه وسلم، مؤمنا به، ومات على الإسلام. ومن مات على النفاق ليس بصحابي. وقد ورد في تعديل الالمهاجرينوالأنصار قوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. (سورة التوبة: 100-102)
والصحابة من البشر؛ وهم متفاوتون في درجة العلم بتعاليم رب العالمين ودرجة تطبيقها. وقد تكون لهم زلات عن غفلة فتندرج تحت الخطأ والنسيان المعفو عنه. وقد يخطئ مدفوعا بتحقيق الرغبات البشرية التي تندرج تحت الحقوق الشخصية فتكفيه التوبة والاستغفار، وقد يترتب على الخطأ حقوق للآخرين فيكفِّر عنه تعويض الآخرين عن حقوقهم ونيل العقاب الذي شرعه رب العالمين.
ثانيا – بالنسبة للمنافقين، فهم معدودون من بين أهل المدينة. وهم معرُوفون عند الصحابة الذين يعيشون معهم، من خلال سلوكهم، وأقوالهم. وكان الله يكشف لنبيه شخصياتهم وحقائقهم، وقد ثبتت توبة بعضهم، فماتوا مسلمين. وأما الذين ماتوا على النفاق فنسبتهم ضئيلة جدا.
ولقد علِّم النبي، عليه الصلاة والسلام، حذيفة ابن اليمان العلامات التي يَعرِف بها المنافقين بالنظر إلي سيماهم. وكان ذا فراسة ملهما إذا نظر إلى الرجل يعلم أنه مؤمن أو منافق. وكان عمر بن الخطاب لا يصلي على جنازة لم يُصلِّ عليها حذيفة، إذا كان موجودا، وتوفي في العام الهجري 36، وذلك بعد مَقْتلِ عثمان بن عفان بأربعين ليلة. وبعبارة أخرى، مكث مدة كافية تمنحه فرصة كشف المنافقين إن رووا حديثا.
ومن الأدلة على أنهم معروفون قول كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تخلفوا، تكاسلا، عن الانضمام إلى الجيش في غزوة تبوك كنت: ” إذا خرجت إلى الناس بعد خروج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فطفت فيهم: أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء”. (البخاري ومسلم)
ولا شك أن نسبة المنافقين الذين فضحهم الله في سورة التوبة محدودون؛ لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جدا جدا، مقارنة بعدد الصحابة الذي يزيدون عن المائة ألف. وهذا مبرر علمي قوي وفطري لتعميم صفة العدالة عليهم جميعا. وهو بعكس المنهج الذي يعمم أربعين حديثا على سبعة آلاف حديث وأكثر.
ويروج المؤلف للروايات التاريخية المكذوبة التي توردها بعض الكتب، ولم يدّع مؤلفوها تحقيقها. ومثال ذلك الرواية التي توجه تهمة شنيعة للصحابة، رضوان الله عليهم جميعا، حيث تقول الرواية “الصحابة أهملوا دفن الرسول ثلاثة أيام حتى انتفخ بطنه” وذلك لأنهم «كانوا مشغولين بشيء أهم وهو الحرص على كرسي الحكم».(ص 69) وهي رواية دسها بعض المغالين في حب الخليفة الراشد الرابع.
مصطلح العدالة :
يمكن تلخيص الشرط الجوهري، في تعريف علماء الحديث للعدالة، بأن المقصود بها، في هذا السياق، هو أن الصحابي والراوي حريصون على أداء ما فرضه الله، واجتناب ما حرمه رب العالمين، ومنها الكذب على نبيه الأمين. وذلك لقوله، عليه الصلاة والسلام، في حديث متواتر لفظا ومعنى “مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ”. ولهذا لم يثبت على أحدهم الكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وإذا قلنا أنهم ثقات وتقاة .. فإنما نبني هذا التقويم على سلوكهم الظاهر، ولا يدَّعي علماء الحديث أنهم شقوا قلوبهم فعلموا ما فيها. ومن بدهيات الفحص في الروايات التاريخية التي وصلتنا أو توارثناها، عبر الأجيال السابقة، هو أن نجمع الروايات الإيجابية عن الشخصية المحددة والسلبية ونرجح أكثرها عددا، وأكثرها اتساقا مع السمة العامة للشخصية .(انظر مثلا منهج أبحاث المؤرخين في خطوات)
الخلاصة العامة:
يتساءل المؤلف: لماذا تأخر تدوين الحديث لمائة سنة بعد وفاة النبي، وهي بهاته القيمة في التشريع، ليس باعتبارها مبينة ومفصلة لما في القرآن، بل باعتبارها قاضية وناسخة لما في كتاب الله؟ (ص21) وهل يصح أن يدع النبي نصف ما أوحاه الله إليه يغدو بين الأذهان بغير قيد، يمسكه هذا وينساه ذاك، ويتزيد فيه ذلك! مما يصيب غير المدوّن في كتاب محفوظ؟ (ص31)
من الواضح أن المؤلف وأمثاله يجهلون أن جزءا كبيرا من الأحاديث هي تطبيقات يومية، سواء أكانت عبادات أومعاملات، لا تحتاج إلى التدوين.
ويجيب المؤلف على نفسه يقوله: إن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وغيرهم من الصحابة قد بينوا العلل الواضحات التي كانت وراء منع كتابة الحديث، وهي أن لا يكون كتاب آخر مع كتاب الله، أو حتى لا ينشغل الناس عنه.
ومن الغريب أن المؤلف ينكر هذا المعنى الذي يؤيده إذا جاء بصيغة مختلفة، حيث يقول: ومن الأعذار الغريبة جدا، والخطيرة جدا، والتي يستدل بها هؤلاء لتفسير منع الرسول الكتابة لكلامه هي قولهم: “إن منع الحديث جاء في صدر نزول الوحي حتى لا يختلط على الناس كلام الرسول بكلام الله فلا يميزون هذا عن ذاك”. (ص 25-26)
ويتساءل المؤلف من ألف صحيح البخاري؟ ويقول: وخضنا جولات لإسقاطها، بعد عرضنا لخطوطها العريضة، وسبرنا غور مضامينها، ورأينا كيف أن هاته الأسطورة لا تستطيع أن تصمد أمام كم الحقائق المفندة والناسفة لها، فهي أوهن من بيت العنكبوت، وأضعف من أن تصمد مع أول دليل مناوئ لها. وأول حجة في مواجهتها بعد هذا كله أن نتساءل ونسائل الشيوخ حول النسخة الأصلية لصحيح البخاري… وهو كما أثبتنا – مليء بالطوام الكبرى والخرافات الجسيمة والإساءات البالغة للدين وللرسول ولرب العزة وللإنسان وللحيوان.(ص 163)
ونحن نسائلهم أن يدلونا على هاته المخطوطة، أين هي الآن؟ أين توجد؟ في أية مكتبة أو متحف، هي راقدة، أو محنطة، أو مخزنة؟ لكن صدقوني…لا أحد من هؤلاء الشيوخ يعرف، لكن الحقيقة التي يريدون إخفاءها، ونحن نعمل عبر هذا الكتاب اليوم على إظهارها، وهي أنها لا توجد في العالم أجمع مخطوطة واحدة، بخط محمد بن إسماعيل البخاري لصحيح البخاري. (ص 164)
ويتباهى فيقول: حتى نوفر العناء على هؤلاء الشيوخ، لأننا نعرف مسبقا عجزهم عن الإجابة، فقد حاولنا البحث نيابة عنهم، عن المخطوطة الأصلية لصحيح البخاري، فوجدنا عرضا مفصلا لإبراهيم اليحيى مفهرس مخطوطات في مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض، يقدم لنا من خلاله النسخ التي يسميها “أصلية ” لكتاب الجامع الصحيح، حيث قام بنشر هذا العرض على موقع أهل الحديث، وهو موقع سلفي مدافع عن الحديث و”علومه” ويستميت هذا الموقع في الدفاع عن كتاب الجامع الصحيح للبخاري. (ص 164)
والسؤال: لو تم توجيه السؤال نفسه إلى المؤلف نفسه: أين المخطوطة (الشهادة المكتوبة) التي تثبت انتسابه لآدم عليه السلام؟ فماذا ستكون إجابته، وخاصة أنه لا يعترف بالنقل الشفوي للأخبار، حتى تلك التي تخضع للفحص والتدقيق، من خبراء ماهرين؟
وهل إذا لم يحضر مثل المخطوطة أو الوثيقة المكتوبة نشك في صفاء نسبه إلى آدم، عليه السلام؟
وهل المخطوطات والوثائق الرسمية الورقية التي قد يحررها واحد فقط، أكثر وثوقا من سلسلة من الشهود التي تنقل الأخبار أو المعلومة شفويا، مع احتمال تعدد الشهود في كل الطبقات أو بعضها؟
وأيهما أكثر احتمالا للخطأ الشهود أم الورقة التي تسجل اسم الأب أو الجد بخطأ غير مقصود أو مقصود، لوجود خطة لسرقة الطفل أو لاستبداله إذا كان ذكرا بصفة خاصة ؟
وهل يدرك المؤلف أن الأصل هو النقل الشفوي بين الأحياء، حتى بالنسبة لشهادة ميلاده، وأن التوثيق بالكتابة أو بالتسجيل الصوتي ليس إلا وسيلة مساندة، وليست الأصل؟ فالمولود لا يولد ومعه من بطن أمه شهادة ميلاده. ولو سألت طفلا صغيرا كيف تم تسجيل شهادة ميلاده، سيقول أن أحد والديه أخبر شفويا مسجل شهادات الميلاد باسمه ونسبته إلى أبيه وإلى أمه.
أما إذا استعرضنا ما اكتشفه المؤلف ويتباهى بأنه وفّر به على الشيوخ جهدهم، سنجد 67 مخطوطة، ثلاث نسخ منها كاملات. أما البقية فتتراوح بين بعض الأبواب إلى”قطعة” حسب وصف المؤلف، وهي الأكثر. (ص 169-239)
وفي الخاتمة نقول: لقد ثبت من استعراضنا الموثق بالصفحات لكتاب المؤلف أنه:
أولا – يعتمد على منهجين رئيسين: 1) الحكم على مصداقية النصوص المقدسة بالعقل فقط، 2) لا يعترف بالشهادات الشفوية للمتخصصين في النقل عبر القرون، ويجحد جهود علماء الحديث، ويعمم الحالات النادرة على العمل كله.
ثانيا – يسئ إلى نبي رب العالمين وأصحابه البررة بطريقة ملتوية، ويشتم بصراحة السنة النبوية أو الأحاديث النبوية (المصدر الثاني للإسلام)، وأصول الحديث، وعلماء الأمة الإسلامية عامة، وخاصة الذين تفانوا في خدمة السنة النبوية ولا يزالون.
ثالثا – يحشو كتابه بالشتائم والسخرية، ليس لإبليس والشياطين، ولكن للسنة النبوية وعلومها وعلمائها. فشتائمه وسخرياته تقارب المائة في الكتاب، أي بمعدل شتيمة لكل صفحتين.
رابعا – يحشو كتابه بالأكاذيب والمبالغات، وبالمعلومات المغلوطة المتناقضة. ويكذِّب الأخبار الموثقة، ويصدِّق الأخبار غير الموثقة، ويرجحها على الأولى؛ ويفهم النصوص بطريقة معوجة، جهلا أو عن قصد، ليتخذها مبررات للإساءة إلى النبي وأصحابه البررة والعلوم التي تميز بها المسلمون وعلمائها.
خامسا – يرفض شهادات الآلاف من العلماء ذوي الكفاءة العالية في توثيق الأخبار والذين يتصفون بالصدق، والإخلاص لعملهم، ويتبجح فيعتبر نفسه الحكم عليهم وعلى جهودهم، وبكذبهم ويشتمهم ويسخر منهم. وهذا مع أن مضمونات كتابه، لا تعكس إلا الجهل بما يكتب فيه، وأفكار أذناب الحضارة الغربية الفاسدة.
وهنا يحق لأي عاقل أن يطرح الأسئلة التالية التي لا تحتاج إلا إلى الفطرة السليمة في الإجابة عليها:
أولا – من نصدق الآلاف من علماء المسلمين عبر الزمان والمكان، أم المؤلف؟ ليس هناك سوى احتمالان: أن نرجح كفة آلاف العلماء المتخصصين، أو المؤلف. والاحتمال الأخير مستبعد إلا أن نقول بأن ما في أمعاء المؤلف ترجح كفته على كل مكوناته، ومنها رأسه وقلبه.
ثانيا – هل الكتاب يندرج في فن صناعة الشتائم والسخريات، ولاسيما الموجهة إلى السنة النبوية والعلوم التي تخدمها وعلماء المسلمين، ويندرج في فن تأليف الأكاذيب والتناقضات، ليحارب الإسلام، دين رب العالمين؟
ثالثا – هل المؤلف كان في حالة وعي وهو يقرأ ويكتب، عند تأليفه كتابه؟
رابعا – لو كان المؤلف في حاجة إلى قاض أو شاهد ثقة في قضية له هو المظلوم فيها، هل يعتمد على قاض أو شاهد فكره وأسلوبه يشبه أو يطابق محتويات كتابه؟
1 ربيع أول 1442هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع والهوامش
1 – أصول التفسير في خطوات، موجودة في الإتترنت.
2 – أصول الحديث في خطوات، موجودة في الإتترنت.
3 – أصول الفقه في خطوات، موجودة في الإتترنت.
4 – منهج لأبحاث التاريخية في خطوات، موجودة في الإتترنت.
5 موقع الشيخ بن باز Binbaz.org.sa
6- موقع الموسوعة الذهبية – الدرر السنية. hadith/sharh /Dorar.net
7 – Khalid.alsabti.com
8 – صفحات الشتائم الصريحة والسخريات المستشهد بها موثقة بالصفحات، وما عداها فهو كما في الجدول المرفق:
صفحات الشتائم والسخريات غير المستشهد بها
المصدر : مركز سلف للبحوث والدراسات الإسلامية