تلقي الأمة لأحاديث الصحيحين
26 فبراير، 2019
حجية أحاديث الصحيحين
1,368 زيارة
شبهة بطلان الإجماع على تلقي الأمة للصحيحين بالقبول.
مضمون الشبهة:
التشكيك في أصل ثبوت الإجماع على تلقي الأمة لهما بالقبول ويتساءل، وكيف أمكن معرفة إجماع الأمة على صحتهما؟ هل اجتمعت الأمة في صعيد واحد واتفقت على تلقيهما بالقبول ؟ وزعموا أنّ مما يرد ثبوت الإجماع كلام بعض الأئمة في بعض أحاديث الصحيحين ([1]) .
الردّ على الشبهة:
أما قولهم بتعذر ثبوت الإجماع فيرد عليه من وجوه:
الأول: أنّ المراد بالإجماع في هذه المسألة: إجماع أهل الصناعة الحديثية، وأهل العلم بالحديث؛ الذين أفنوا أعمارهم في حفظ ومدارسة وخدمة أحاديث رسول الله^ ، وما يتعلق بها من علوم، دون غيرهم من أصحاب العلوم و الفنون أو أهل البدعة والضلال الذين لا يعتد اختلافهم اختلافاً في أمور الدين.
قال ابن القيم ‘: (فإن الاعتبار في الإجماع؛ على كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم به دون غيرهم، كما لم يعتبر في الإجماع على الأحكام الشرعية إلا العلماء بها، دون المتكلمين والنحاة والأطباء، وكذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث؛ وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله، وهم علماء الحديث العالمون بأحوال نبيهم، الضابطون لأقواله وأفعاله) ([2]).
الثاني: أنّ أئمة الحديث يعتبرون ترتيب وجمع أحاديث الصحيحين عملاً بشرياً، ولم يتفقوا على أصحيتهما إلا بعد مدارستهما وقراءتهما؛ قراءة نقدية، فاتفاقهم على قبول أحاديثهما لم يأت هوى وتقليد، بل اجتمعت الأمة على أصحيتهما بعلم وبصيرة، مصداقا لقول النبي «لا تجتمع أمتي على ضلالة»([3])، وهذا بخلاف الطاعنين الذين طعنوا في الصحيحين بأكملهما؛ متكئين فيها على عدد يسير من الأحاديث المنتقدة، التي لا مقارنة لها أمام آلاف الأحاديث الصحيحة المروية فيهما.
الثالث:أنّه على فرض عدم وقوع الإجماع، فإنّ أكثر العلماء من أهل الفن اتفقوا على حجية أحاديث الصحيحين، واتفاقهم هذا حجة لوحده من غير اشتراط وجود الإجماع.
قال ابن الوزير: (وعلى تسليم أنّه ليس بمقبول وأنّ ذلك الإجماع غير صحيح؛ فلا أقلّ من أن يكون ما ادّعي الإجماع على صحّته قول جماهير نقاد علم الحديث وأئمة فرسان علم الأثر, وهذا من أعظم وجوه التّراجيح بل أئمة علماء الأصول والغوّاص على الدقائق والحقائق من أهل علوم المعقول يقضون بوجوب التّرجيح بأخفّ أمارة, وأخفى دلالة تثير أقلّ الظّنّ, وتثمر يسير القوّة, فكيف بما نقّحه وصحّحه إمام الحفّاظ الثّقات والنّقّاد الأثبات: محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجّاج النّيسابوريّ وانتقياه من ألوف أحاديث صحاح مع تواتر إمامتهما وأمانتهما ونقدهما ومعرفتهما فلو لم يتابعهما غيرهما لكان التّرجيح بهما كافياّ والتّعويل على قولهما واجباً كيف وقد خضعت لهما رقاب النّقّاد وأطبق على تصحيح دعواهما أئمة علماء الإسناد!) ([4]).
الخامس: أمّا دعوى نقض الإجماع بنقد بعض الأئمة لبعض الأحاديث، فاستدلال في غير محله لأنّ إجماعهم ينطبق على مجمل الكتابين، ويخرج من هذا الإجماع نبذة يسيرة من الأحاديث التي انتقدت من قبل أهل العلم والفن، ولم يصدر الإجماع من أي من أهل العلم على كل حرف من حروف الصحيحين وكلامهم خير دليل عليه.
قال ابن الصلاح: (…إذا عرفت هذا فما أخذ عليهما من ذلك وقدح فيه معتمد من الحفاظ، فهو مستثنى مما ذكرناه، لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول، وما ذلك إلا في مواضع قليلة، سننبه على ما وقع منها في هذا الكتاب -إن شاء الله- العظيم وهو أعلم)([5]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن جمهور ما في البخاري ومسلم مما يقطع بأن النبي قاله ؛ لأن غالبه من هذا ، ولأنه قد تلقاه أهل العلم بالقبول والتصديق ، والأمة لا تجتمع على خطأ)([6]).
فتبينّ بهذا أنّ أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها(الصحيحان) مقطوع بصحة أصولها ومتونها ([7]) .
السادس: أنّ غالب انتقادات الأئمة للأحاديث الواقعة في الصحيحين أو أحدهما غير قادحة ، لأنها انتقادات إسنادية راجعة إلى الطعن في الرواة، أو أسانيد المرويات، بينما يكون الحديث ثابتا من طرق أو يكون من صحيح حديث الراوي.
قال ابن الصلاح عن انتقادات الدارقطني (أكثر استدراكاته على الشيخين قدح في أسانيدهما، غير مخرج لمتون الحديث من حيز الصحة) ([8]).
وقد تطرق بعض الدارسين لما انتقُد من أحاديث الصحيحين في كتاب الإمام الدارقطني وغيرهم، وبعد النظر والتأمل فيها وصلوا إلى أنّ غالب هذه الاستدركات في الصناعة الحديثية وليست في أصل المتن ([9]).
وهذه الانتقادات الإسنادية لها عدة صور:
-
تعليل بعض الأئمة عددا من الاحاديث بأن فيه فلانا وهو مختلط، أو مدلس، وتبين من خلال تتبع الطرق أنّ صاحبي الصحيحين أو غيرهما خرجوه من طريق من سمع من المختلط قبل الاختلاط أوصرح المدلس بالسماع ونحو ذلك.
-
أنّ كثيرا من هذه الانتقادات الوهم فيها يسير جدا، كانتقادهم لاسم راو وهم فيه الشيخان أو أحدهما، مع تصحيحهما من ذلك الطريق.
-
أنّ أكثر هذه الأحاديث المنتقدة قد صحت من طرق أخرى، إمّا عند الشيخين أو عند غيرهما([10]).
([1]) مثل عدنان إبراهيم وغيره، انظر:مشكلتي مع البخاري نص مفرغ من خطبة عدنان إبراهيم 25مايو 2012م
وانظر لآراءه: مشكلة عدنان ابراهيم مع صحيح البخاري .. رؤية نقدية
http://www.haqeeqa.net/Subject.aspx?id=1935
([2]) مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: 563)
([3]) أخرجه الحاكم في مستدركه (1 / 115) برقم: (390)، والترمذي في جامعه (4 / 39) برقم: (2167)، والطبراني في الكبير (12 / 447) برقم: (13623) وصححه الألباني.
([4]) الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم(1/157-158)، وانظر: إعلاء البخاري (102).
([5]) صيانة صحيح مسلم (ص: 87).
([6]) مجموع الفتاوى (13/ 350).
([7]) انظر: النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (1/ 280) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث (1/ 72)
([8]) صيانة صحيح مسلم (ص: 77)، وانظر: إعلاء البخاري (ص:105)
([9]) انظر: مقدمة تحقيق الإلزامات والتتبع (ص6).
([10]) انظر: الأحاديث المنتقدة في الصحيحين، مصطفى باحو(1/56-58)، وإعلاء البخاري(ص:105).