الرئيسية / شبهات وردود / شبهات حول حجية السنة / مبيضة حجية السنة معناها من شبكة السنة النبوية مع زيادات

مبيضة حجية السنة معناها من شبكة السنة النبوية مع زيادات

مبيضة حجية السنة معناها من شبكة السنة النبوية مع زيادات

حجية السنة معناها: أن السنة مصدر أصيل من مصادر التشريع الإسلامي، بحيث يصح الاعتماد عليها والاستناد إليها في استنباط الأحكام وثبوت التكليف بها، والسنة بهذا المعنى حجة واجبة الاتباع، وقد دل على ذلك:

1- القرآن الكريم.

2- السنة المطهرة.

3- إجماع الأمة.

4- العقل والنظر.

 أولاً: دليل حجيتها من القرآن الكريم:

 لقد تعدت الآيات القرآنية الكريمة التي تدل على أن السنة حجة قطعية، وجاءت بنسق متنوع، وأسلوب مختلف، لتأكد هذا المعنى تأكيدا يقطع كل احتمال، وتثبت أن الله يعنيها ويقصدها بعينها، وتبين أن اتباعها اتباع للقرآن، وسأكتفي هنا بذكر خمسة أنواع.

النوع الأول: ما يدل على وجوب الإيمان به – صلى الله عليه وسلم -:

1- قال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [ سورة آل عمران / 179].

2- وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [ سورة الحديد / 19].

3- وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ) [سورة النساء/ 136].

4- وقال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [ سورة الأعراف /158].

5- وقال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [سورة التغابن / 8].

الأنبياء والرسل هم سفراء الله إلى خلقه يبلغونهم منهجه ويدلونهم على هديه، ومن ثم وجب الإيمان بهم حتى لا تتعطل الحكمة من إرسالهم، ولا تذهب الفائدة من التبليغ عنه سبحانه.

والأمر بالإيمان بهم مع الأمر بالإيمان به – عز وجل -، لا يفهم معناه إلا إذا كان مع الإيمان التصديق بما جاءوا به، والإذعان لما يبلغونه عن الله، والانقياد والطاعة لهديهم وإرشادهم، فلن يحصل الإيمان مع المخالفة أبدًا، ولن يتحقق التصديق مع عدم الانقياد والطاعة والإذعان لما يبلغونه عن ربهم.

ورسولنا – صلى الله عليه وسلم- يجب الإيمان به للأمر بالإيمان بجميع الرسل، وطاعته كذلك واجبة كطاعة الرسل المفهومة من الأمر بالإيمان بهم.

غير أن ربنا لم يكتف في الإيمان برسولنا – صلى الله عليه وسلم- بالأمر العام الصادر منه – عز وجل- بالإيمان بالرسل عامة، بل خصه بالتنصيص على الإيمان به، برغم دخوله في الأمر بالإيمان بالرسل، وذلك لأن رسالته خاتمة الرسالات، وبعثته عامة لجميع الناس، لذلك اقتضت حكمة الله أن يخص رسولنا بعنايته، فقرن الإيمان به بالإيمان برسوله في آيات من كتابه الكريم، حتى يكون الأمر الذي فيه التنصيص على الأمر بالإيمان به خاصة، مفهوماً منه الأمر بطاعته خاصة، في كل ما يأمر به.

– وجه الدلالة من هذه الآيات:

الوجه الأول: إنها من باب دلالة الأولى إذ أدلة بيان الضرورة التي هي دلالة السكوت عند الحنفية، لأن الطاعة وهي مسكوت عنها استفيدت من الأمر بالإيمان وهو مذكور، إذ الطاعة ثمرة الإيمان وفائدته، بل لا يتحقق الإيمان إلا بالاستسلام لكل ما يأمرون به.

الوجه الثاني: وعند الشافعية دلالة الآيات من دلالة مفهوم الموافقة التي هي فحوى الخطاب ولحنه، لأن الأمر بالإيمان بهم يفهم منه الأمر باتباعهم، إذ الاتباع كما قلنا ثمرة الإيمان وفائدته، ومن لا يتبع لا يكن مؤمنا ولا مصدقا، بأية حال من الأحوال، بل يكون مخالفاً خارجاً متبرما على هديهم، شاقا عصا الطاعة عليهم.

الوجه الثالث: إن الآيات من دلالة إشارة النص عند الحنفية؛ لأن الطاعة لازمة للإيمان، واللازم حينئذ ظاهر، ومن دلالة الإيمان عند الشافعية لأن اقتران الأمر بالإيمان قد وصف بوصف وهو: الرسالة، فلو لم يكن علة للطاعة لكان الاقتران بعيداً.

ورحم الله الإمام الشافعي إذ كان دقيقا غاية الدقة حينما سلك هذا المسلك، فجعل اقتران الأمر بالإيمان بالرسول بالأمر بالإيمان بالله وجها من أوجه الدلالة على طاعة الرسول وفرض اتباعه، فقال: (وضع الله رسوله من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان – جل ثناؤه – أنه جعله علما لدينه، بما افترض من طاعته، وحرّم من معصيته، وأبان من فضيلته بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به….)

ثم قال: قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) [ سورة النور/ 62].

فجعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له، الإيمان بالله ثم برسوله، فلو أمن عبد به ولم يؤمن برسوله لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً حتى يؤمن برسوله معه.

ثم قال الشافعي: فرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله.

النوع الثاني : ما يدل على أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – مبين للكتاب، وشارح له شرحا معتبراً عنده تعالى، مطابقاً لما حكم به على العباد، وأنه يعلم أمته: الكتاب والحكمة، وهي- كما قال الشافعي وغيره- السنة، وعلى تسليم أنها الكتاب، فتعليم الأمة إياه، معناه: شرحه وبيان مجمله، وتوضيح مشكله، وذلك يستلزم حجية بيانه للكتاب بقوله، أو فعله، أو تقريره.

1- قال تعالى:( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون).[ سورة النحل /44].

2- وقال تعالى:( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)[سورة النحل /64].

ومنة البيان من أجل المنن التي امتن الله بها على رسوله، إذ لم يجعل مهمته إيصال الكتاب الكريم وتبليغه للناس فقط، وترديد ألفاظه، بل منحه الله منحة البيان لهذا الكتاب الكريم، لأنه – عليه الصلاة والسلام – كما كان ينزل عليه الوحي بالقرآن، كان ينزل عليه الوحي بما يوضحه ويفسره له، قال تعالى : (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)

قال الشافعي: ( والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول، متشعبة الفروع… فجماع ما أبان الله لخلقه في كتابه، مما تعبدهم به، لما مضى من حكمه – جل ثناؤه – من وجوه:….، ومنه: ما سن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مما ليس فيه نص حكم، وقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، والانتهاء إلى حكمه، فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل).

(النوع الثالث):  ما يدل على وجوب طاعته – صلى الله عليه وسلم –

الصور الأولى: إيجاب الله طاعة الرسل ودلالته على الحجية:

1– قال الله تبارك وتعالى:( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)[ سورة النساء /64].

2- وقال تعالى:( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)[ سورة الرعد/7].

3- وقال تعالى:( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)[ سورة الأنعام /48].

 في هذه الآيات وأمثالها يبين الله تعالى فيها أن أسمى الغايات من إرسال الرسل – عليهم السلام – تنحصر في طاعتهم، والانقياد لأوامرهم، والإذعان لما يبلغونه عن ربهم بما أفاض عليهم من علوم ومعارف، وكشف الله لهم الغطاء عنها، فعلموا ما علموه من علم اليقين، حتى إذا ما بلغوا شريعة ربهم لم يخافوا أحدا، ولم يرهبوا في التبليغ عنه طاغياً أو متجبًرا. قال تعالى :( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحد إلا الله)[ سورة الأحزاب / 39].

 فطاعة الرسل – عليهم السلام – هي الغاية من إرسالهم، ولهذا أمر الله بطاعتهم، ولم يستثن من ذلك رسول، بل جعل طاعتهم سنته العامة، قال تعالى:( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله).

وسواء أكانت (من) في الآية صلة زائدة على رأي الزجاج ليتحقق من زيادتها عموم تلك السنة واضطرادها، أم أن عموم القضية استفيد من تنكير (رسول) الواقع في سياق النفي فيفيد العموم والاستغراق كأنه يقول: وما أرسلنا من هذا الجنس أحدا إلا ليطاع، فاضطراد طاعة الرسل سنة الله من إرسالهم على الرأيين كليهما محقق وثابت، وإن كانت المبالغة في استغراق النفي أتم من جعل ( من) صلة زائدة كما قاله المفسرون وخاصة الإمام الرازي(1)عند تفسيره لقول الله تعالى ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله).

 فكل رسول أرسل إلى قوم يجب عليهم طاعته، إذ من صد عنهم وخرج عن طاعتهم، أو رغب عن حكمهم كان متمردا ومعاندا لحكمة الله المضطردة، وسنته العامة في إرسالهم، ومعطلاً مهمتهم، وغافلا عن الحكمة من بعثهم للناس.

 ورسولنا سيدنا ( محمد) – صلى الله عليه وسلم- رسول من الرسل: فهو بهذا داخل في مضمون الحكم العام المقرر للرسل عامة، وتنطبق عليه السنة الإلهية المضطردة وهي إيجاب الطاعة والانقياد لجميع أوامره لإرساله للناس، قال تعالى : ( قل ما كنت بدعاً من الرسل)[ سورة الأحقاف /9].

 ورسولنا – صلى الله عليه وسلم- قام الدليل على صدق رسالته.

 قال الشاطبي(1) (( إن العمل بالسنة والاعتماد عليها إنما يدل عليه الكتاب، لأن الدليل على صدق الرسول – صلى الله عليه وسلم- المعجزة، وقد حصر – عليه الصلاة والسلام – معجزته في القرآن بقوله: ( وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليَّ) (3)هذا وإن كانت له من المعجزات كثير جدا بعضه يؤمن على مثله البشر، ولكن معجزة القرآن أعظم من ذلك كله)).

 فإذا كانت طاعة الرسل واجبة، بل هي السنة الإلهية العامة التي لا تتخلف عن كل من أرسله من رسله برغم أن شريعتهم كانت خاصة لطائفة، بل إن بعضهم أرسله الله مجددا لشريعة رسول سبق إرساله، وإذا كانت الطاعة مقررة للرسل؛ فإن الطاعة تكون آكد وأشد لزوما للرسول – صلى الله عليه وسلم- الذي أراد الله أن تكون شريعته عامة للبشرية وجعلها خاتمة الرسالات.

 بل إذا كانت الطاعة واجبة للرسل وفيهم من بعث لأمته، ولم ينزل الله عليه كتابا يقرأ ويتلى ويتعبد به، كنوح – عليه السلام -، فطاعة نوح واجبة، بالحكم العام المضطرد، ولم يستثنه الله تعالى من الطاعة الواجبة لرسله.

 فإذا كان هذا من الثابت المقرر، فما بالنا نرى من يقول: إن طاعة رسولنا سيدنا ( محمد) – صلى الله عليه وسلم- تجب في خصوص ما يبلغه من القرآن الكريم فقط، برغم أن الله تعالى يقول في كتابه الكريم ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع).

 وقد أرسل الله رسلا بدون كتب تتلى، وأثبت لهم الطاعة على أممهم، ففي أي شيء كانوا يطيعونهم، إن لم تكن طاعتهم يريد الله من الأمر بها أن تكون في جميع ما يصدر عنهم من أقوال وأفعال صدرت نتيجة علمهم، بما أفاض عليهم من علم اليقين، وإنزال الوحي إليهم؛ ليساندهم ويرشدهم، ويأمرهم بما يطلبه الله منهم أن يبلغوه إلى الناس حتى لا يكون للناس على الله حجة؟.

 فهل من متدبر لهذا الهدى الإلهي المستفاد من الحكم العام الذي جعله الله لرسله، وهو إيجاب طاعتهم- وخاصة أن منهم من أرسل، ولم ينزل الله عليه كتابا يقرأ ويتلى ويتعبد بلفظه – حتى يخجل من القول في الآيات القرآنية التي جاءت بالنص على الأمر بطاعة رسولنا بأن الأمر خاص بطاعته فيما نزل عليه من القرآن الكريم.

 لا، بل إنه ليس هذا هو الذي يصح أن يفهم أو يقال في عرف العقلاء، لأن طاعة الرسل حكم عام مضطرد، سواء من أنزل الله عليه منهم كتابا أم لم ينزل، والأمر فيمن أنزل الله عليه منهم كتابا، واضح. ولكن، أية طاعة يمكن أن تتحقق لمن لم ينزل الله عليه كتابا منهم، إذا لم نقل بأن وجوب طاعتهم في كل ما يصدر عنهم سواء أكان كتابا مقروءا أم غير مقروء، لأنهم الصفوة المختارة من خلقه، التي يجب أن تتبع وتطاع، ولا تعصي في كل ما يصدر منها أو يؤثر عنها لاصطفاء الله لهم بشرف التبليغ والرسالة؟.

 فإن قال قائل : إن الشافعية يقولون ما من عام إلا خصص، قلت: إن ما في سورة الشعراء من تعدد الأوامر بطاعة الرسل التي حكاها الله على ألسنتهم (4)، يدفع احتمال التخصيص ويرده، ولهذا فإني لا أجد في نظري آية من الآيات القرآنية الكثيرة التي استدل بها العلماء على حجية السنة، أو أمكن الاستدلال بها- أصرح دلالة على الاعتداد بما يصدر عن الرسول من قوله تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)، بل لا أجد آية لا يستطيع المنكر لحجيتها أن يتأولها أو يدفعها إذا لاحظ فيها أن طاعة الرسل حكم عام أوجبه الله على العباد، سواء منهم من أنزل الله عليه كتابا أم لم ينزل، فإنها من هذا الاعتبار المقرر فيها أعصى – على المنكرين لحجية السنة – في ردها أو تأويلها من غيرها: لأن طاعة الرسل سنة الله العامة التي أوجبها لرسله على عباده بدون استثناء أو تأويل مقبول، وهذا ملحظي. وقد يشترك معي فيه من ينظر في الآية الكريمة النظرة التي أنظرها، إذ أوجه الدلالات عادة تخضع لنظرة الناظر في الدليل، ولا يكون ملحظ شخص فيه حجة على شخص آخر، إذ من الممكن تقرير وجه الدلالة بشكل آخر.

 فيقال: وجه الدلالة من هذه الآيات أن وجهها هو النص الظاهر الدال على وجوب طاعة الرسل عامة. وما ذكرناه من وجوب طاعة الرسل، الذين لم ينزل الله عليهم كتابا، ومع ذلك تجب طاعتهم للحكم العام الذي جعل الطاعة في آية: ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) نصًا ظاهرًا دالاً على وجوب طاعة رسولنا في كل ما يصدر عنه، سواء أكان ما يصدر عنه قرآنا أم غير قرآن، لأن الطاعة الواجبة لرسولنا – صلى الله عليه وسلم- آكد وأكثر لزوما من الرسل الذين اشترك معهم في وصف الرسالة؛ لتميزه عنهم بالرسالة العامة، والتي ختم الله بها الرسالات.

 وكانت الدلالة من دلالة النصوص الظاهرة لإمكان ورود التأويلات عليها. وهي وإن كانت تأويلات بعيدة إذ قد وجد ما يدفعها إلا أنها لا تصل إلى دلالة النصوص المحكمة المستفادة من الوضع اللغوي، وخاصة لا تحتمل غيره(5).

 وعلى أي وضع كان وجه الدلالة، فالأمر الهام أن نتدبر الحكمة التي من أجلها نوَّع الله تعالى في كتابه الكريم دلالة آياته على وجوب طاعة رسولنا. فكما أثبتها بدلالة المفهوم المستفاد من الأمر بالإيمان بالرسل – كما سبق ذكره -، نجده هنا في هذه الآيات قد نص على وجوب طاعة رسولنا بهذا النص الظاهر في الدلالة.

 ذلك بأن مولانا – تبارك وتعالى – ما ترك في كتابه الكريم مناسبة إلا أرشدنا فيها إلى وجوب طاعة الرسول سيدنا ( محمد) – صلى الله عليه وسلم- تارة بالمفهوم، وتارة بإشارة النص، أو الإيماء، وتارة بالنص الظاهر الذي يقبل التأويل، وسيأتي التنصيص على وجوب طاعته بالنصوص المحكمة، وذلك لاعتنائه بتقرير الاعتداد – في أذهاننا – بجميع ما يصدر عن الرسول – صلى الله عليه وسلم-. لأن شريعته خاتمة الشرائع، ورسالته عامة للناس كافة.

 بقي أن أقول إتمامًا للفائدة في قوله تعالى: ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله). أن قوله تعالى ( بإذن الله) إنما جاء للاحتراس عما يظن أن يقال : إن الرسول يطاع لذاته بلا شرط ولا قيد، فقيد الله تعالى الطاعة بإذنه، وفي هذا التقييد من الاحتراس ما فيه من الدقة، حتى أنهم قالوا: إنه قيد من قيود القرآن المحكمة الذاهبة بظنون من يظنون أن الرسول يطاع لذاته، إذ إن الله – عز وجل – له الطاعة لذاته وحده، وهو إن أمر بطاعة رسول فطاعته تتحقق بإذنه وأمره لا لذات الرسول وشخصه. 

الصورة الثانية : اقتران الأمر بطاعة الرسول بالأمر بطاعة الله:

جاء هذا الاقتران في آيات القرآن الكريم على نوعين :

النوع الأول منه : عطف طاعة الرسول على طاعة الله دون تكرار فعل الطاعة.

بعض الآيات الدالة على ذلك :

1 – قال تعالى تبارك وتعالى: ( قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين)[ سورة آل عمران/ 32].

2- وقال تعالى: ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)[ سورة آل عمران /132].

3- وقال تعالى: ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من التبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا)[ سورة النساء /69].

4- وقال تعالى: ( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)[ سورة الأحزاب /71].

5- وقال تعالى: ( ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)[ سورة الأحزاب/36].

 

النوع الثاني منه : عطف طاعة الرسول على طاعة الله مع تكرار فعل الطاعة.

بعض الآيات الدالة على ذلك :

1- قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)[ سورة النساء /59].

2- وقال تعالى : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا)[ سورة المائدة /92].

3- وقال تعالى: ( قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم، وإن تطيعوه تهتدوا)[ سورة النور /54].

يلاحظ اضطراداً أنه ما جاء أمر بطاعة الله في كتابه الكريم إلا قرن الله تعالى معه الأمر بطاعة رسوله وشركه، إما بواو العطف، أو بواو العطف مع إعادة الأمر بالطاعة ( العامل).

وكذلك ما ورد في القرآن الكريم تحذيرا أو تخويفا من معصية الله إلا عطف الله رسوله عليه في هذا التحذير أو التخويف.

 وهذه ملاحظة لها اعتبارها لأهميتها في إثبات وجوب طاعة الرسول في كل ما يصدر عنه.

 ويمكن حصر النقاط فيما يأتي :

1- ما تفيده واو العطف حينما تعطف مفردين اشتركا في عامل واحد، كما في قوله تعالى: ( أطيعوا الله والرسول).

2- تكرار العامل مع العطف بالواو وما يفيده ذلك من تأكيد عموم الطاعة فيما يصدر عن الرسول – صلى الله عليه وسلم- كتابا كان أو سنة. كقوله تعالى: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول).

3- تكرار العامل مع العطف في شيئين مع العطف على الأخير بدون تكرار العامل. كقوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم)بدون تكرار للعامل في عطف أولى الأمر على الرسول.

4- ما يفيده الأمر أو النهي المحفوف بالقرائن من الإيجاب والتحريم.

5- ما يفيده التزام اقتران الأمر بطاعة الرسول مع الأمر بطاعة الله، وكذلك في النهي عن المعصية في كل آية وردت في القرآن الكريم أمر الله فيها بطاعته أو نهى عن معصيته.

6- ما يفيده هذا الاقتران مع كثرة الآيات التي وردت في القرآن الكريم، برغم اختلاف المناسبات والأحوال.

 وإدراك هذه الأمور متوقف على فهم اللغة، ومعرفة مقاصد الشريعة، وملاحظ القرآن الكريم في تعدد الشيء الواحد في المناسبات المختلفة، وبغير هذا لا يفيد القول، أو الإطالة في الشرح؛ لأنها أمور ملاحظتها هامة فيما نحن بصدد إثباته.()

 النوع الأول من الآيات: التي قرن الله فيها طاعة الرسول بطاعته بواو العطف من غير تكرار العامل، وكذلك في النهي عن المعصية يفيد العطف فيها مطلق الاشتراك والجمع بين المتعاطفين لأنهما مفردان .

 والمراد بالاشتراك المطلق أنها لا تدل على أكثر من التشريك، فلا تفيد الدلالة على ترتيب زمني بين المتعاطفين وقت وقوع المعنى، ولا على مصاحبة، ولا على تعقيب ومهلة.

 ( فأطيعوا الله والرسول)، ( وأطيعوا الله ورسوله) أفادت الواو التشريك في الطاعة، إذ لا توجد قرينة تعارض التشريك في العامل، وهو الطاعة، فطاعة الرسول مأمور بها كطاعة الله.

 هذا وقد ذكر الله تعالى أيضا مقابل الأمر بالطاعة وهو النهي عن المعصية، والنهي عن المعصية، وإن كان مفهوما من الأمر بالطاعة غير أن دلالة التنصيص أقوى من دلالة المفهوم أو بيان الضرورة، وذلك لمزيد الاهتمام بهذا الرسول – صلى الله عليه وسلم-، الذي شرفه باقترانه معه في الأمر بطاعته والنهي عن معصيته.

النوع الثاني من الآيات: ما جاء بأسلوب الشرط في قوله تعالى: ( ومن يطع الله ورسوله)، وفي قوله تعالى ( ومن يعص الله ورسوله)، وإن كان بلفظ الإخبار فهو إنشاء في المعنى، كأن الله تعالى يقول آمرا: أطيعوا، وناهيا: لا تعصوا.

ونقل الصبان : أن من خصائص العطف بالواو عطفها ما تضمنه الأول لمزية في المعطوف نحو: ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)، وفيه أن هذا من عطف الخاص على العام.

 فإذا لاحظنا ما نقله الصبان وطبقناه هنا كان العطف دالاً على ميزة خص الله تعالى بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، ومنحها إياه، لأنه مبلغ عنه. وإلا فالطاعة العامة له تبارك وتعالى، وطاعة الرسول من إذنه.

 فعطف الله الأمر بطاعة الرسول على الأمر بطاعته لينبه – تبارك وتعالى – عباده على ميزة في طاعة الرسول – خاصة -؛ لأنه مبين كتابه الكريم، إذ كان مبلغا عنه دينه، فأبان لنا بهذا العطف أن كمال طاعة الله لا تتم ولا تتحقق عنده إلا بطاعة رسوله، إذ إن الرسول معصوم، وأن كل ما يجري على لسانه أو يبدو من عمله – في الشريعة – إنما هو بالوحي السماوي أو الإلهام الصادق، وما كان للرسول – عليه الصلاة والسلام – أن يشرع شرعا يتعبد الناس به من عند نفسه ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)[ سورة النجم/ 3-4].

  

النوع الثالث من الآيات: واللغويون والمفسرون قد أجمعوا على أن تكرار العامل وهو أطيعوا يدل على تأكيد عموم طاعته في جميع ما يصدر عنه، وطاعة الله في هذا النوع من الآيات تكون باتباع ما جاء في قرآنه، ومنه الأمر بطاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم- فيما يصدر عنه، وطاعة الرسول تكون بطاعته – صلى الله عليه وسلم- فيما سنه مما لم يرد في القرآن الكريم بلفظه، ولم يكن شرحاً، أو بيانا، أو مخصصا، أو مفصلا… بل جاء زائدا عما في القرآن الكريم، وهذا هو سر إظهار لفظ الطاعة، وعطف طاعة على طاعة، والله أعلم.

 كما يدل ( إعادة العامل) على أن ما سنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يجب اتباعه، وامتثاله، والعمل به، كما يجب امتثال وطاعة أمر الله – عز وجل -، لأمر الله تعالى بذلك، حيث أخذ قوة ذلك من أمر الله – عز وجل – بطاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم- سواء كان ذلك على وفق ما جاء به حكم الله تعالى، أو كان زائداً عما في كتاب الله – عز وجل-.

 والخلاصة : أن إعادة العامل في الآيات التي أعيد فيها، دليل على أن الله تعالى يقرر هذا المعنى في أذهان من يطلع على كتابه الكريم، ليكون معلومًا للعباد وجوب طاعة الرسول فيما يأمر به سواء أكان قرآنا يتلى أم كان غير قرآن.

 فطاعة الله تكون بالرجوع إلى كتابة الكريم، وطاعة الرسول تكون بالرجوع إلى سنته، إذ لو كان المراد طاعة الكتاب الكريم لما كان هنالك من داع لهذا التكرار.

ثم مما يؤكد هذا المعنى آية النساء بالذات ( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم… إلى آخر الآية) أكثر من دليل على أن للرسول – عليه الصلاة والسلام – طاعة منحها الله إياه فيما يصدر عنه من بيان الكتاب أو غير بيان له، لأنه:

أولاً : كرر العامل وقرن طاعته بطاعته.

 ثانيا: أنه عطف أولي الأمر على الرسول بواو العطف، ولم يكرر العامل عند ذكر أولي الأمر، وذلك دليل   على أن أولي الأمر ليس لهم طاعة مستقلة، وليس لهم تشريع يصدر عنهم، وإنما يطاعون في طاعة الله.

 قال ابن القيم مبينا ذلك : “ فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاما بأن طاعة الرسول تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا، سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتى الكتاب ومثله معه، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالا، بل حذف الفعل، وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول إيذانا بأنهم إنما يطاعون تبعا لطاعة الرسول، فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته، ومن أمر بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة، كما صح عنه – صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)(1).

وثالثا: ما أبانه تعالى مما يجب أن يتبعه المؤمنون عند التنازع، من وجوب الرد إلى الله والرسول، وكما يكون الرد إلى الله مفهوما منه الرد إلى كتابه الكريم من وقت نزوله إلى يوم القيامة، فكذلك يكون الرد إلى الرسول من وقت تبلغيه إلى أن تقوم القيامة، لأنه لم يزل عنه وصف الرسالة بانتقاله إلى الرفيق الأعلى، ولأنه مبين للكتاب الكريم، ومظهر مراد الله منه.

 قال الطبري مشيرًا إلى ذلك في تفسيره لآية المائدة ( وهو أمر من الله بطاعة رسوله في حياته فيما أمر ونهى، وبعد وفاته باتباع سنته، وذلك أن الله عمَّ بالأمر بطاعته، ولم يخصص بذلك في حال دون حال، فهو على العموم – حتى يخص ذلك – ما يجب التسليم له) وبمثل هذا قال الرازي أيضا .

 وقال الرازي(4) في تفسيره لآية النساء قولا دقيقا له أهميته، وهو جدير بالنظر والاعتبار، إذ قال بعد أن ذكر أصول الشريعة المستفادة من الآية، وذكر أنها مشتملة على أكثر علم أصول الفقه، قال بعد ذلك ما نصه ( أما الكتاب والسنة فقد وقعت الإشارة إليهما، بقوله تعالى ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) فإن قيل : أليس أن طاعة الرسول هي طاعة الله فما معنى هذا العطف؟ قلنا : قال القاضي: الفائدة في ذلك بيان الدلالتين فالكتاب يدل على أمر الله ثم نعلم منه أمر الرسول لا محالة، والسنة تدل على أمر الرسول ثم نعلم منه أمر الله لا محالة، فثبت بما ذكرناه أن قوله ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) يدل على وجوب متابعة الكتاب والسنة).

  وهذا مضمون ما سبق بيانه عند قوله تعالى ( بإذن الله) في قوله : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)، فالرسل عامة تجب طاعتهم، ورسولنا – صلى الله عليه وسلم-داخل في وصف الرسالة، وهو بهذا الوصف تجب طاعته.

 غير أن الله تعالى نص على وجوب طاعته استقلالا، اهتماما بأمره، وإن كانت طاعته قد وجبت بالسنة الإلهية في وجوب طاعة الرسل عامة.

مسألة الأمر في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو للوجوب أم للندب:

 هذا. وإن تعقيب كل الأوامر التي ورد فيها اقتران طاعة الرسول بطاعة الله – في هذه الآيات التي ذكرتها من النوعين كأمثلة – مقترنة بالترغيب في الثواب والوعد بحسن الجزاء، أو الوعيد على معصيته.

 كل ذلك يجعل الأمر في ( أطيعوا) للوجوب، حيث حف بالقرائن من الترغيب والترهيب، ولا يحتمل الندب، بخلاف صيغته عند التجرد من القرائن، فإن بعض المتكلمين والفقهاء يقولون بإفادته الندب، وجمهور العلماء على إفادته الوجوب، لأنه أمر من أعلى إلى أدنى، ومذهب الغزالي التوقف فيه، والأوامر في هذه الآيات جاءت مقترنة بالقرائن التي تمحضها للوجوب قولاًَ واحداً.

قال المسكين: “وهناك من القرائن الكثيرة التي تؤيد الوجوب منها فليحذر الذين يخالفون..، وقوله: “وما آتاكم الرسول فخذوه…”، وقوله: ” من يطع الرسول فقد…”

مسألة : الأمر بطاعته تدل على عموم الطاعة بلا استثناء :

ويستفاد من تكرار اقتران الأمر بطاعة الرسول مع طاعة الله في كل مناسبة، دليلا على أن الله تعالى أراد من كل ذلك عموم طاعة الرسول في كل ما يصدر عنه.

 قال الشاطبي: وأيضا فإن الله قد قال في كتابه : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم)، وقال : ( وأطيعوا الله ورسوله) في مواضع كثيرة، وتكراره يدل على عموم الطاعة بما أتى به مما في الكتاب ومما ليس فيه مما هو من سنته).

وجه الدلالة في هذه الآيات بنوعيها :

أنها أن أخذت بآحادها آية آية كانت: من دلالة النص الظاهر على وجوب طاعة الرسول في كل ما يصدر عنه؛ لأن دلالة الأمر على وجوب الطاعة يحتمل التخصيص أو التأويل، ويدفع جميع الاحتمالات عنه ما استفيد من التشريك بواو العطف، وتكرار العامل، وتعدد الأوامر بوجوب الطاعة مصحوبة بالقرائن التي جعلت الأمر للوجوب.

 ومن دلالة الظاهر عند الشافعية، لأن التشريك في الأمر، ودلالته على الوجوب، وعموم الطاعة لم ينشأ كل ذلك عن وضع اللغة، وإنما استفيد من التشريك بواو العطف، أو تكرار العامل، ومن مصاحبة الأوامر والنواهي للقرائن التي جعلتها للإيجاب أو التحريم، ومن العرف أيضا، إذ كان الأمر من أعلى إلى أدنى.

وهذا النوع يندرج تحته هذه الصور:

 الصورة الثالثة: أمر الله بطاعة الرسول على الانفراد:

1- قال الله – تبارك وتعالى-: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)().

 2- وقال تعالى: ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).

3- وقال تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه)[ سورة النور /62].

4- وقال تعالى:(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)[سورة آل عمران/ 31].

5- وقال تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون)[ سورة النور/56].

6- وقال تعالى : ( فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون)[ سورة الأعراف /158].

7- وقال تعالى: ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا)[ سورة النساء /80].

8- وقال تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب)[ سورة الحشر /7].

 الصورة الثالثة : أمر الله بطاعة الرسول على الانفراد :

فالآية الأولى : يأمر الله تعالى باتباع أحكام الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويحكم عليهم بعدم الإيمان إن لم يسلموا بها تسليما، منبعثا من قلوبهم لا يخالطه ريب ولا شك، لأنهم تحاكموا إليه فوجب الإذعان له، ثم هو يقسم بربوبيته أنهم لا يكونون مؤمنين إلا إذا سلموا بأحكامه.

ولقد كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- بينهم، وتعرض عليه قضاياهم ومشاكلهم الكثيرة المتنوعة، فيقضي فيها وليس في القرآن ما يحكي الله فيه قضية واحدة حكم فيها الرسول طوال مدة حياته.

فالأحكام التي استحق من لا يستسلم لها بالخروج من الإيمان هي أحكام صدرت من الرسول خاصة في قضاياهم الخاصة، وهي تشريع منه وهدى إلى يوم القيامة يجب اتباعها والسير على هديها.

يقول ابن القيم: ( أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن هؤلاء الذين يقدمون العقل على ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد شهدوا على أنفسهم بأنهم غير مؤمنين بمعناه، وإن آمنوا بلفظه)(1).

ويقول في موضع آخر : ( وفرض تحكيمه، لم يسقط بموته، بل ثابت بعد موته كما كان ثابتا في حياته، وليس تحكيمه مختصا بالعلميات دون العمليات،كما يقوله أهل الزيغ والإلحاد) (2).

وفي الآية الثانية : يحذر الله تعالى الذين يخالفون عن أمره، وأمر اسم جنس مضاف، واسم الجنس المضاف من صيغ العموم (3)فيعم كل أمر، والضمير في أمره للرسول -صلى الله عليه وسلم- بدليل السياق في صدر الآية قال تعالى : ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا، فليحذر الذين يخالفون عن أمره) أي لا تقيسوا، ولا تشبهوا أوامر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأوامر غيره، لأنه مميز بميزة الرسالة.

وللرسالة قداستها وقدسيتها التي جعلت إرداتنا تقتضي وجوب اتباع أوامره -صلى الله عليه وسلم-.

وقال الأخفش ( عن) صلة زائدة فيكون المعنى: فليحذر الذين يخالفون أمره، وغيره ضمن المخالفة معنى الأعراض لتتعدي بعن، لأن المخالفة فعل متعد بنفسه، وحينئذ لا تكون ( عن) زائدة. حكاه الرازي(4)، ونقل الألوسي(5) عن ابن عطية أن معنى ( عن) بعد، والمعنى حينئذ: فليحذر الذين يخالفون بعد أمره، كما يقال : المطر عن ريح وأطعمته عن جوع.

وسواء كان هذا أو ذاك فالآية بمنطوقها وبما صاحبها من قرائن منصوص عليها في الآية؛ وأهمها الوعيد الشديد على المخالفة تمحض الأمر للوجوب، وتقوى من دلالتها على وجوب طاعة الرسول إلى أن تجعل الأوامر في معظم ألفاظ الآيات محكمة لا تقبل التأويل.

والآية الثالثة: سبق الإشارة إليها، وعنها يقول ابن القيم : ( فإذا جعل من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهبا إذا كانوا معه إلا باستئذانه، فأولى أن يكون من لوازمه ألا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه، وإذنه يعرف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه)(6).

أما الآية الرابعة : فهي خطاب مع القلوب والعواطف، وفيها يأمر الله رسوله أن يقول لهم ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، والتعقيب على هذا القول مما لا يبلغ فيه إنسان مبلغا يمكنه أن يحقق زيادة فائدة.

ويكفي أن كل من يدعى حب الله تعالى لا يسلم له ادعاءه، ولا يكون صادقا عنده في قوله، إلا إذا أحب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والحب درجات، وأدناها الاتباع، كما يقول كل من تكلم عن الحب الإلهي الصادق.

يقول ابن القيم : ” لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى الخلىُّ حُرقة الشجيِّ، فتنوع المدعون في الشهود، فقيل: لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) . فتأخر الخلق كلهم، وثبت اتباع الحبيب في : أفعاله، وأقواله، وأخلاقه ” (7).

وفي الآية الخامسة : أمر الله تعالى بطاعة الرسول سيدنا ( محمد) -صلى الله عليه وسلم- وأفرد طاعته أيضا في هذه الآية، كما أفردها في غيرها، غير أنه تعالى جعل الطاعة فيها هي سبيل الرحمة منه تعالى، وفيها وعد وترغيب على طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- طاعة عامة، لم يحددها الله بشيء ولم تخصص بمخصص، فبقيت على عمومها من وجوب طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كل ما يصدر عنه قرآنا كان أو سنة.

وفي الآية السادسة : يصف الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأوصاف لها دخل في الأمر باتباعه، فوصفه بالأمية وغيرها مما يقتضي العلم بأن ما يصدر عنه كان سبيله الوحي، ولذلك تجب طاعته طاعة عامة، ثم ختم الآية بوعد عظيم : ( واتبعوه لعلكم تهتدون).

وفي الآية السابعة : فيها ما سبق ذكره وما سيأتي من أن الله جعل طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- طاعة لله، وتوعد من تولي وأعرض بأشد أنواع الوعيد، والمتأمل في الآية يجد أن الله قد عبر عن طاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بفعل المضارع ( يطع) بينما عبر عن طاعة الله تعالى بفعل الماضي (أطاع) ليدل على أن من أطاع رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فقد وقعت طاعته قبل ذلك طاعة لله تعالى، لأن الله تعالى هو الذي أرسله، وأوجب طاعته، فمن أطاعه فقد أطاع مرسله، قبل أن يكون مطيعا له -صلى الله عليه وسلم-.

وفي الآية الثامنة :وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، وهذه الآية استدل بها ابن مسعود وابن عباس- وهما أعلم بإشارات القرآن الكريم على الاعتداد بالسنة.

قال ابن العربي : ” قوله : ( وما آتاكم الرسول فخذوه) وإن جاء بلفظ الإيتاء، وهي المناولة فإن معناه الأمر، بدليل قوله ( وما نهاكم عنه فانتهوا ) فقابله بالنهي، ولا يقابل النهي إلا الأمر، والدليل على فهم ذلك ما ثبت في الصحيح، عن علقمة، عن ابن مسعود، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنصمات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله ) .

فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت ؟ فقال : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في كتاب الله ! فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول، قال : لئن كنت قرأته لقد وجدته، أما قرأت : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) قالت : بلى، قال : فإنه قد نهى عنه – وذكر الحديث ” . (8)

وجه الدلالة في الآيات :

الآيات التي ذكرتها في أول هذا النوع اشتملت على صيغ أمر ونهي، تأمر بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- واتباعه، وتنهي عن معصيته ومخالفته، وقد حفت جميع الأوامر والنواهي في الآيات بقرائن سبق ذكرها في أول هذا النوع، وهي التي جعلت الأوامر فيها للإيجاب، والنهي فيها للتحريم، لا يخالف في ذلك أحد من العلماء.

وهي من هذا الوجه أي ملاحظتها بقرائنها تعتبر نصا صريحا في إيجاب اتباع الرسول وتحريم معصيته.

غير أنه كلما أمكن عرض الآيات مع ملاحظة الأوامر فيها والنواهي وملاحظة قرائنها أيضا التي حفت بالأوامر والنواهي من الوعد أو الوعيد التي ذكرت في الآيات، فإنها تكون أصح في الدلالة على وجوب طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

كما أن أوجه الدلالة المتعددة التي ذكرتها في الأنواع والصور السابقة لا يستغنى مثبت لحجية السنة، بذكر بعضها عن كلها، فلابد من عرضها في الحجاج وتسلسلها، مع ملاحظتها كلها، لأن في اجتماع الدلالات من التنصيص على الحجية القطعية ما ليس في أحد الأوجه عند الانفراد.

وأختم هذا النوع بما قاله الشافعي (9)تحت عنوان ( باب ما أمر الله من طاعة رسول الله) قال :

 قال الله -جل ثناؤه- : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما)).

وقال : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله).

فأعلمهم أن بيعتهم رسوله بيعته، وكذلك أعلمهم أن طاعتهم طاعته.

وقال ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).

نزلت هذه الآيات – والله أعلم -، فيما بلغنا، في رجل خاصم الزبير في أرض، فقضي النبي بها للزبير.

وهذا القضاء سنة من رسول الله، لا حكماً منصوصأً في القرآن، والقرآن يدل – والله أعلم – على ما وصفت، لأنه لو كان قضاءً بالقرآن لكان حكماً منصوصاً بكتاب الله، وأشبه أن يكونوا إذا لم يسلموا لحكم كتاب الله نصاً غير مشكل الأمر: أنهم ليسوا بمؤمنين، إذا ردوا حكم التنزيل إذا لم يسلموا له.

وقال تبارك وتعالى : ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).

وقال : ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون. وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض، أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون. إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم: أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون. ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون).

فأعلم الله الناس في هذه الآية أن دعاءهم إلى رسول الله ليحكم بينهم: دعاء إلى حكم الله، لأن الحاكم بينهم رسول الله، وإذا سلموا لحكم رسول الله فإنما سلموا لحكمه بفرض الله.

وأنه أعلمهم أن حكمه حكمه، على معنى افتراضه حكمه، وما سبق في علمه -جل ثناؤه- من إسعاده بعصمته وتوفيقه، وما شهد له به من هدايته واتباع أمره.

فأحكم فرضه بإلزام خلقه طاعة رسوله، وإعلامهم أنها طاعته.

فجمع لهم أن أعلمهم أنه فرض عليهم اتباع أمره وأمر رسوله، وأن طاعة رسوله من طاعته، ثم أعلمهم أنه فرض على رسوله اتباع أمره -جل ثناؤه-.

النوع الرابع : ما يدل على أمر الله لنبيه باتباع الوحي ودلالة ذلك على حجية السنة.

بعض الآيات الدالة على ذلك :

1- قال الله تبارك وتعالى : ( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين، إن الله كان عليما حكيما، واتبع ما يوحى إليك من ربك،إن الله كان بما تعلمون خبيرا)[ سورة الأحزاب / 1-2].

2- وقال تعالى : ( اتبع ما أوحى إليك من ربك، لا إله إلا هو، وأعرض عن المشركين)[ سورة الأنعام / 106].

3- وقال تعالى : ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون).[ سورة الجاثية / 18].

4- وقال تعالى : ( قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون)[ سورة الأنبياء / 45].

هذه الآيات، يأمر الله فيها رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع وحيه لأنه لا يستطيع بيان الشريعة، ولا يمكنه إظهار أحكامها للناس إلا باتباعه جميع ما يصدر إليه من الله تعالى بطريق الوحي.

وإذا كان الرسول مأمورا باتباع الوحي لأنه الوسيلة الوحيدة للبيان والتوضيح لأحكام الشريعة عن الله تعالى، فكذلك هذا الأمر أو النهي يكون موجها أيضا إلى كل مصدق من أمة الدعوة برسالته عليه الصلاة والسلام، وواجب عليه اتباع الوحي، ومنهي عن اتباع الهوى…

ذلك بأنه كان المعروف عن الشارع تبارك وتعالى إذا أراد تخصيصه صلى الله عليه وسلم بأمر أو نهيه وحده عن شيء، أعلنه وبينه قرين أمره أو نهيه، مثل ما جاء في قوله تعالى : ( يا أيها النبي، إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك ما أفاء الله عليك، وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، إن أراد النبي إن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين)[ سورة الأحزاب/ 50].

فلو لم يكن خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم خطابا لأمته دائما لما كان للتنصيص على التخصيص في الآية من فائدة أو حاجة.

وقد عرف شمول الخطاب الموجه إليه لأمته أيضا بدلائل كثيرة منها قوله تعالى : ( فلما قضى زيد منها وطرا، زوجناكها، لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم، إذا قضوا منهن وطرا، وكان أمر الله مفعولا)[ سورة الأحزاب /37].

فلو لم يكن لأمته ما له في كل ما أمره الله به أو نهاه عنه لما كان للتعليل في هذه الآية من فائدة.

وبهذه الآية وبغيرها من الدلائل الكثيرة صار خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم خطابا لأمته في العرف الشرعي.

وبالجملة : فالأوامر في الآيات : ( اتبع ما يوحى) و ( اتبع ما أوحى)، ( جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها).

وكذلك النهي: في قوله تعالى : ( ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) دالة على إيجاب اتباع الوحي، أو تحريم اتباع الهوى على أمته صلى الله عليه وسلم لأمرين :

الأول : خطاب الرسول  صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته أمرا أو نهيا، ولا دليل على الخصوصية، وأن ذلك صار اصطلاحا شرعيا عرف من مصادر الشريعة ومواردها.

الثاني : الوحي للرسول كان بيانا للشريعة، إذ هو الوسيلة لبيانها عن الله تعالى، وقد أوجب الله عليه اتباع الوحي، لأن الموحي به بيان عن الله تعالى، فكذلك كان هذا البيان المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم واجب الاتباع، لأنه بيان لنا أيضا للشريعة، ومصدره بيان الوحي الذي تلقاه الرسول منة عن الله تبارك وتعالى.

وجه الدلالة في هذه الآيات :

على ضوء ما تقدم يمكن أن تكون الآيات في دلالتها على إيجاب اتباع الأمة لبيان الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي هو الوحي، من دلالة النص الظاهر، ولم تكن نصا محكما، لأن الوضع اللغوي يفيد أن المأمور بشيء عليه وحده اتباعه، وشمول الأمر لغير المأمور به جاء من اصطلاح الشرع ( خطاب الرسول خطاب لأمته)، لا من اللغة، لأن الأمر أو النهي تجاوز المأمور به إلى غيره، وأفاد الشمول للأمة من الاصطلاح الشرعي فقط.

وهذه الدلالة عند الشافعية: ظنية راجحة، رجحها اصطلاح الشرع، ومنصب الرسول في الاقتداء به.

وكذلك عند الحنفية: الأمر أو النهي دلالة اللفظ فيهما على شمول الأمة، جاء من الاصطلاح الشرعي أيضا، وصار احتمال قصره على المخاطب به وحده وهو الرسول صلى الله عليه وسلم احتمالا مرجوحا.

النوع الخامس : ما يدل على وجوب التأسي به صلى الله عليه وسلم في كل ما يصدر عنه.

قال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)[ سورة الأحزاب / 21].

فهذه الآية الكريمة تحدد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة لا غيره، وهذه الأسوة تقتضي الاتباع والطاعة والامتثال، كما تقتضي أنه صلى الله عليه وسلم معصوم بعصمة الله تعالى، محفوظ بحفظ الله عز وجل، وأن الله تعالى قد رضيه ليكون المثل الأعلى، وعلى الناس أن يتخذوه المثل الأعلى في كل شيء، وكيف يتحقق ذلك إذا لم تكن طاعة وامتثال؟!.

قال محمد بن علي الترمذي : ( الأسوة في الرسول : الاقتداء به والاتباع لسنته، وترك مخالفته في قول أو فعل، قال القاضي عياض : ( وقال غير واحد من المفسرين بمعناه)) (1).

وقال الآمدى : ( جعل التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم من لوازم رجاء الله تعالى واليوم الآخر، ويلزم من عدم التأسي عدم اللزوم، وهو الرجاء لله واليوم الآخر وذلك كفر).

وقال أيضا : ( فمعظم الأئمة من الفقهاء والمتكلمين متفقون على أننا متعبدون بالتأسي به في فعله، واجبا كان أو مندوبا أو مباحا).

وقال أيضا : ( والمتابعة والتأسي في الفعل:هو أن يفعل مثل ما فعل، على الوجه الذي فعل، من أجل أنه فعل) (2).

ورضي الله عن الصحابة الكرام، فقد بلغ من اقتدائهم به صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يفعلون ما يفعل، ويتركون ما يترك دون أن يعلموا لذلك سببا أو يسألوه عن علة الحكم.

روى البخاري ومسلم بسندهما عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتما من ذهب، فنبذه فقال ( لا ألبسه أبدا“، فنبذ الناس خواتيمهم) (3).

وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم، فلما قضى صلاته قال : ( ما حملكم على إلقائكم نعالكم ؟)، قالوا : رأيناك ألقيت نعليك، فقال : ( إن جبريل أخبرني أن فيهما قذراً(4).

حتى بلغ من امتثالهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم فعلوا ذلك في شئون الدنيا.

روى أبو داود عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال : لما استوي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر قال : ( اجلسوا ) فسمع ذلك ابن مسعود، فجلس على باب المسجد، فرآه رسول صلى الله عليه وسلم، فقال ( تعال يا عبدالله بن مسعود(5). وصححه الألباني في صحيح أبي داود

وروى ابن عبدالبر عن عبدالله بن رواحه رضي الله عنه- وهو بالطريق- : سمع رسول الله صلى بالله عليه وسلم يقول : ( اجلسوا ) فجلس في الطريق، فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما شأنك ؟)، فقال : سمعتك تقول : اجلسوا، فجلست، فقال  النبي صلى الله عليه وسلم : ( زادك الله طاعة ). وفي رواية أخرى : ( زادك الله حرصا على طواعية الله وطواعية رسوله)(6).

فإذا بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الدرجة، في الاقتداء بفعله والامتثال لأمره، فكيف بنا ونحن عالة عليهم في الفقه والعلم.

ولنتقل إلى دليل حجيتها من السنة نفسها، فإلى ذلك بتوفيق الله.

دليل حجية السنة من السنة

 ثانيا : دليل حجيتها من السنة نفسها :

كما دلت أي القرآن الكريم على حجية السنة، ووجوب اتباعها، والتمسك بأحكامها، فقد تضمنت السنة الشريفة نفسها الحجج والبراهين على أنها ضرورة دينية، يجب الأخذ بها، والالتزام بما جاءت به من أحكام، وحذرت من تنكر المتنكرين لها، والحيدة عن دربها، وقد استفاضت الأحاديث التي تدل على ذلك :

1- روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا يا رسول الله من يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى “(1).

2- وروى أبو داود والترمذي عن أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه “(2).

3- وروي الترمذي عن المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني، وهو متكئ على أريكته فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله (3).

ولفظ أبي داود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلى، ولا كل ذى ناب من السباع، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه (4).

 يتضح من الأحاديث الثلاثة السابقة ما يلي :

 أ- أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتبرأ ممن يتجاهل العمل بسنته عليه السلام، ومن يبرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم ويغضب عليه، يبرأ الله منه ويغضب عليه والعياذ بالله.

ب- أن الجهل وعدم الفقه في الدين، والغرور بالجاه والمال قد يؤديان بالإنسان إلى القول بالتفريق بين الكتاب والسنة، وهذا خطر عظيم على إيمان ودين من يقع فيه.

ج- أن ما يشرعه الرسول لم يشرعه من عنده كبشر، وإنما مما أتاه الله، فقد أتاه الله القرآن ومثله معه، فسنته عليه السلام بيان من الله وتعليم موحى به مثل القرآن، ففي القرآن أم المسائل، وفي السنة بيان المبهم وتفريع المسائل…. إلخ.

ولذلك نجد الرسول يقرن العمل بالسنة بالعمل بالكتاب، في مثل الحديث الآتي :

روى الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه قال : “بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله، وسنة رسوله ” (5)، فمن يترك العمل بالسنة بضل، مثله في ذلك مثل من يترك العمل بالقرآن.

4- وروى الترمذي وغيره عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” نضر الله أمراً سمع مقالتي فوعاها وحفظها، وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه “(6).

قال الشافعي : ” فلما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها… دل على أنه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه، لأنه إنما يؤدي عنه حلال يؤتي، وحرام يجتنب، وحد يقام، ومال يؤخذ ويعطي، ونصيحة في دين ودنيا “(7).

وقال البيهقي : ” لولا ثبوت الحجة بالسنة لما قال صلى الله عليه وسلم في خطبته، بعد تعليم من شهده أمر دينهم : ” ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع “(8).

5- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم (9).

الثالث : دليل حجيتها من الإجماع :

أجمعت أمة الإسلام من الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين – والتابعين والأئمة المجتهدين وسائر علماء  المسلمين من بعدهم إلى يومنا الحاضر وإلى أن يرث الله  الأرض ومن عليها، على حجية السنة النبوية ووجوب التمسك بها والعض عليها بالنواجذ، والتحاكم إليها، وضرورة تطبيقها، والسير على هديها في كل جوانب حياة المسلمين، ولم يمار في هذه الحقيقة الساطعة إلا نفر ممن لا يعتد بخروجهم على إجماع الأمة من الخوارج والروافض، ومن أحيا مذاهبهم من دعاة الإلحاد في عصرنا.

قال الإمام الشوكاني : ” إن ثبوت حجية السنة المطهرة، واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية ولا يخالف في ذلك إلا من لاحظ له في دين الإسلام “(1).

وقال الإمام الشافعي – رضي الله عنه – : ” لم أسمع أحد نسبته عامة أو نسب نفسه إلى علم – يخالف في أن فرض الله في إتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه: بأن الله – عز وجل – لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا، في قبول الخبر عن رسول الله واحد “(2).

 وقال أيضا : ” أجمع الناس على ان من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس “(3).

هذا الكلام من الإمام الشافعي قد اشتمل على أمور :

 الأول : أن اتباع أمر الرسول، والتسليم لحكمه واجب.

الثاني : أنه لا يلزم قول – بكل حال – إلا بكتاب الله أو سنة رسوله، وأن ما سواهما تبع لهما.

الثالث : أن الله قد أوجب على من في عصر الشافعي، وعلى من بعده ومن قبله : قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عاما – : يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقا يقينياً على وجوب اتباع الرسول وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 ولكن، إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلابد له من عذر في تركه، وجميع الأعذار ثلاثة أصناف :

أحدها : عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

الثاني : عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.

الثالث : اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ(4).

نعم هناك من ينسب نفسه إلى العلم، وينكر حجية السنة من حيث ذاتها.

ولكنا إذا بحثنا في أمره، ونبشنا ما انطوت عليه سريرته وجدناه أحد ثلاثة :

 أولهم : رجل دخيل في الدين ليس بمؤمن، بل هو زنديق يخفي كفره، ويظهر الإسلام ليحدث الشبه في أصوله، روماً للكيد له ولأهله، وتقويض أركانه وهدم أساسه. وهو يخشى أن يجاهر المسلمين بالطعن في دينهم والقرآن الذي هو أساسه وأساس جميع أدلته – فيجيئهم من ناحية أخرى وهي الطعن في السنة التي لولاها لما فهم الكتاب، ولتعطلت أحكامه وقوانينه، وبهذا يصير وجوده كالعدم، ويكون ألعوبة في أيديهم يفسرونه ويؤولونه على حسب أغراضهم وأهوائهم زاعمين أنهم قادرين على فهمه، مظهرين التمسك بنحو قوله تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء)[ سورة الأنعام / 38] وقوله تعالى : (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)[ سورة النحل / 89].

وذلك الحق الذي أريد به الباطل فهو قد حوى كل الشريعة، وهو الأساس لجميع قوانينها وأحكامها، وسنبين فيما بعد – إن شاء الله – أن هذا لا ينتج لهم ما يقصدون إليه من الباطل، ويرومونه من إبطال حجية السنة.

وثانيهم : رجل أظهر كفره علانية، وكشف النقاب عن وجهه، وذلك كمن يقول : إن جبريل أخطأ بالرسالة على محمد صلى الله عليه وسلم، والنبي حقيقة هو علي – رضي الله عنه  .

 وثالثهم : رجل آمن يرجو الوصول إلى الحق، وعبادة ربه على الوجه الصحيح، إلا أنه غر العقل، تتجاذبه الآراء يميناً وشمالاً، وخلفاً وأماماً.

 فتزين له شياطين الملاحدة، ورؤساء الزنادقة – ” المتظاهرون بالتمسك بالدين، والعطف عليه، والذب عنه” – أرائهم الفاسدة، ومذاهبهم الباطلة، بذلاقة ألسنتهم ومظاهر صلاحهم الكاذبة، ويدلون إليه بما يسمونه حججاً وبراهين، ويلبسون الحق بالباطل زاعمين المحافظة على الدين، وتحريره من مذاهب المبتدعين، فيأخذ تلك الآراء منهم بحسن نية، وسلامة طوية، معتقداً صحتها وقوة شبهها، داعيا إليها، مجتهداً في الذب عنها، غير متبين ما فيها من خطأ وإلحاد، وما ينجم عنها من شر وفساد، ولأمر ما قيل : ” عدو عاقل، خير من صديق جاهل”.

ولا شك أن مثل هؤلاء لا تؤثر مخالفتهم في انعقاد إجماع المجتهدين على حجية السنة، ووجوب العمل بها حتى صارت من المسائل المعلومة من الدين بالضرورة(5).

دليل حجية السنة من العقل والنظر

العقل والنظر يقضي بأنه سنته صلى الله عليه وسلم حجة لعدة أمور :

أحدها : أن من كان معصوماً يجب تصديقه في كل ما يصدر عنه، وقد ثبتت العصمة له صلى الله عليه وسلم، لذا يجب تصديقه في كل ما يصدر عنه، والسنة مما صدر عنه.

 ثانيها: أن صاحب أي مذهب أو حامل أي فكرة: هو أولى الناس بتفسير وشرح وتبيين كل ما يتصل بهذا المذهب أو بهذه الفكرة، لدرايته التامة به أو بها، ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو حامل القرآن – المصدر الأول في التشريع الإسلامي – كان أولى الناس بشرحه، وتفسيره وتبيينه.

وقد أكد هذين الأمرين آيات من كتاب الله في غاية الوضوح والبيان، مثل قوله تعالى : “ وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى “[ سورة النجم / 43].

وقوله تعالى : “ وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبيين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون “[ سورة النحل /64].

وقوله تعالى : ” وأنزلنا إليك الذكر لتبيين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون “[ سورة النحل /44].

 ثالثهما: إن الاستقراء دل على أن الكتاب العزيز فرض على الناس فرائض مجملة تحتاج إلى تفسير وشرح وبيان، كأداء الصلاة، وإيتاء الزكاة، والقيام بمناسك الحج، لذلك فقد ذهب العلماء والمحققون دون اعتبار لقول من شذ من المرجفين في دين الله تعالى، العاملين على هدم كيان السنة النبوية- إلى أنه يتحتم شرعاً وعقلاً الرجوع إلى السنة لتفصيل مجمله وبيان كيفية أدائه، ومما يستعان به في تأييد ذلك ما يلي :

 روى أن رجلاً قال لعمران بن حصين : لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال له عمران : إنك امرؤ أحمق: أتجد في كتاب الله الظهر أربعاً لا تجهر فيها بالقراءة ؟ – ثم عدد عليه الصلاة والزكاة، ونحو هذا – ثم قال : أتجد هذا في كتاب الله مفسراً ؟ إن كتاب الله أبهم هذا، وإن السنة تفسر ذلك “(2) .

وروى أن رجلاً قال لمطرف بن عبدالله بن الشخير : ”  لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال له مطرف: ” والله ما نريد بالقرآن بدلاً ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا “(3) .

وفي هذا المعنى قال الأوزاعى : ” الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب “(4) .

وقال يحيى بن أبي كثير : ” السنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب قاضيا على السنة “(5) .

ويوضح الإمام الشاطبي ما يقصده العلماء بقولهم إن السنة قاضية على الكتاب فيقول : ” الجواب أن قضاء السنة على الكتاب ليس بمعنى تقدمها عليه واطراح الكتاب بل إن ذلك المعبر في السنة هو المراد في الكتاب فكأن السنة بمنزلة التفسير والشرح لمعاني أحكام الكتاب “(6) .

 

 أدلة أخرى مجموعة من عدة كتب على حجية السنة :

  1. ثمَّ أخرج بأسانيده عَن الْحسن وَقَتَادَة وَيحيى بن أبي كثير أَنهم قَالُوا: “الْحِكْمَة فِي هَذِه الْآيَة السّنة”، ثمَّ أورد بِسَنَدِهِ عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: “أَلا إِنِّي أُوتيت الْكتاب وَمثله مَعَه، أَلا إِنِّي أُوتيت الْقُرْآن وَمثله، أَلا يُوشك رجل شبعان على أريكته، يَقُول: عَلَيْكُم بِهَذَا الْقُرْآن فَمَا وجدْتُم فِيهِ من حَلَال فأحلُّوه، وَمَا وجدْتُم فِيهِ من حرَام فحرِّموه، أَلا لَا يحل لكم الْحمار الأهلي وَلَا كل ذِي نَاب من السبَاع وَلَا لقطَة مَال معاهد” الحَدِيث، ثمَّ أورد من طَرِيق آخر عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب قَالَ: “حرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشْيَاء يَوْم خَيْبَر من الْحمار الأهلي وَغَيره فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُوشك أَن يقْعد الرجل مِنْكُم على أريكته يحدث بحديثي فَيَقُول: بيني وَبَيْنكُم كتاب الله فَمَا وجدنَا فِيهِ حَلَالا استحللناه وَمَا وجدنَا فِيهِ حَرَامًا حرَّمناه، وَإِنَّمَا حرَّم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل مَا حرَّم الله”.وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه، قلت: وَأخرجه أَيْضا الْحَاكِم،

  2. مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص: 9)قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد إحكامه هَذَا الْفَصْل: وَلَوْلَا ثُبُوت الْحجَّة بِالسنةِ لما قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي. خطبَته بعد تَعْلِيم من شهده أَمر دينهم: “أَلا فليبلغ الشَّاهِد مِنْكُم الْغَائِب، فَرب مبلّغ أوعى من سامع”، ثمَّ أورد حَدِيث: “نضر الله امْرَءًا سمع منا حَدِيثا فأداه كَمَا سَمعه، فَرب مبلغ أوعى من سامع ” وَهَذَا الحَدِيث متواتر كَمَا سأبينه. قَالَ الشَّافِعِي: فَلَمَّا ندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى اسْتِمَاع مقَالَته وحفظها وأدائها دلّ1 على أَنه لَا يَأْمر إِن يؤدَّى عَنهُ إلاَّ مَا تقوم بِهِ الْحجَّة على من أدَّى إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يؤدَّى عَنهُ حَلَال يُؤْتى وَحرَام يجْتَنب وحدّ يُقَام، وَمَال يُؤْخَذ وَيُعْطى ونصيحة فِي دين وَدُنْيا.

     

  3. ثمَّ أورد الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي رَافع قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: “لَا ألفيَنَّ أحدكُم مُتكئا على أريكته يَأْتِيهِ الْأَمر من أَمْرِي مِمَّا أمرت بِهِ أَو نهيت عَنهُ يَقُول: لَا أَدْرِي2 مَا وجدنَا فِي كتاب الله اتَّبعنَا” أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم، وَمن حَدِيث الْمِقْدَام بن معدي كرب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرّم أَشْيَاء يَوْم خَيْبَر مِنْهَا الْحمار الأهلي وَغَيره، ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: “يُوشك أَن يقْعد الرجل على أريكته يحدث بحديثي فَيَقُول بيني وَبَيْنكُم كتاب الله فَمَا وجدنَا فِيهِ حَلَالا استحللناه، وَمَا وجدنَا فِيهِ حَرَامًا حرمناه، أَلا وَإِن مَا حرَّم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل مَا حرَّم الله”، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا خبر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّا يكون بعده من رد المبتدعة حديثَه فَوجدَ تَصْدِيقه فِيمَا بعده، ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن شبيب بن أبي فضَالة

     

  4. أورد الْبَيْهَقِيّ أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ” إِنِّي قد خلفت فِيكُم شَيْئَيْنِ لن تضلوا بعدهمَا أبدا: كتاب الله وسنتي، وَلنْ يفترقا حَتَّى يردا عليَّ الْحَوْض” أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك، وَأورد بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس: “أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب النَّاس فِي حجَّة الْوَدَاع فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي قد تركت فِيكُم مَا إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تضلوا أبدا: كتاب الله وسنتي” أخرجه الْحَاكِم أَيْضا، وَأورد بِسَنَدِهِ أَيْضا عَن عُرْوَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب فِي حجَّة الْوَدَاع فَقَالَ: “إِنِّي قد تركت فِيكُم مَا إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تضلوا أبدا، أَمريْن اثْنَيْنِ: كتاب الله وَسنة نَبِيكُم. أَيهَا النَّاس اسمعوا مَا أَقُول لكم تعيشوا بِهِ” وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن ابْن وهب قَالَ: سَمِعت مَالك بن أنس يَقُول: “الزم مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع: أَمْرَانِ تركتهما فِيكُم لن تضلوا مَا تمسكتم بهما: كتاب الله وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم”، وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة قَالَ: “صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم ثمَّ أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت مِنْهَا الْعُيُون ووجلت مِنْهَا الْقُلُوب فَقَالَ قَائِل: يَا رَسُول الله كَأَنَّهَا موعظة مودِّع فَمَاذَا تعهد إِلَيْنَا؟ قَالَ: أوصيكم بتقوى الله والسمع وَالطَّاعَة، وَإِن تأمّر عَلَيْكُم عبد

     

  5. فقد وجدتيه أما قرأتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قَالَت: بلَى قَالَ: فَإِنَّهُ نهى عَنهُ، قَالَ الشَّافِعِي: وَأَبَان أَنه يهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم فَقَالَ: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ هـ} قَالَ الشَّافِعِي: وَكَانَ فَرْضه على من عاين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن بعده إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَاحِدًا فِي أَن على كلٍّ طاعتُه، ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن مَيْمُون بن مهْرَان فِي قَوْله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} قَالُوا: الرَّد إِلَى الله: إِلَى كِتَابه، وَالرَّدّ إِلَى الرَّسُول صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم إِذا قبض: إِلَى سنته. ثمَّ أورد الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي دَاوُد عَن أبي رَافع قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: “لَا أَلفَيْنِ أحدا مُتكئا على أريكة يَأْتِيهِ الْأَمر من أَمْرِي مِمَّا أمرت بِهِ أَو نهيت عَنهُ فَيَقُول: لَا نَدْرِي مَا وجدنَا فِي كتاب الله اتبعناه” قَالَ الشَّافِعِي وَفِي هَذَا تثبيت الْخَبَر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإعلامهم أَنه لَازم لَهُم، وَإِن لم يَجدوا فِيهِ نصا فِي كتاب الله. ثمَّ أورد الْبَيْهَقِيّ حَدِيث أَبى دَاوُد أَيْضا عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة قَالَ: “نزلنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر وَمَعَهُ من مَعَه من أَصْحَابه، وَكَانَ صَاحب خَيْبَر رجلا مارداً مُنْكرا، فَأقبل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد ألكم أَن تذبحوا حمرنا، وتأكلوا ثمرنا، وتضربوا

     

  6. مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص: 21)

  7. نِسَاءَنَا؟ فَغَضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: يَا ابْن عَوْف اركب فرسك ثمَّ نَاد أَن اجْتَمعُوا للصَّلَاة، فَاجْتمعُوا فصلى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ قَامَ فَقَالَ: أيحسب أحدكُم مُتكئا على أريكته لَا يظنّ أَن الله لم يحرم شَيْئا إِلَّا مَا فِي هَذَا الْقُرْآن أَلا إِنِّي وَالله قد أمرت ووعظت ونهيت عَن أَشْيَاء إِنَّهَا لمثل الْقُرْآن أَو أَكثر، وَإِن الله عز وَجل لم يحل لكم أَن تدْخلُوا بيُوت أهل الْكتاب إِلَّا بِإِذن، وَلَا ضرب نِسَائِهِم، وَلَا أكل ثمارهم إِذا أعطوكم الَّذِي عَلَيْهِم”.

     

  8. ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: بَاب بَيَان بطلَان مَا يحْتَج بِهِ بعض من رد الْأَخْبَار من الْأَخْبَار الَّتِي رَوَاهَا بعض الضُّعَفَاء فِي عرض السّنة على الْقُرْآن. قَالَ الشَّافِعِي: احتجَّ على بعض من رد الْأَخْبَار بِمَا رُوي أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ: “مَا جَاءَكُم عني فاعرضوه على كتاب الله فَمَا وَافقه فَأَنا قلته وَمَا خَالفه فَلم أَقَله”. فَقلت لَهُ. مَا روى هَذَا أحد يثبت حَدِيثه فِي شَيْء صَغِير وَلَا كَبِير وَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَة مُنْقَطِعَة عَن رجل مَجْهُول، وَنحن لَا نقبل مثل هَذِه الرِّوَايَة فِي شَيْء.

     

  9. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَشَارَ الإِمَام الشَّافِعِي إِلَى مَا رَوَاهُ خَالِد بن أبي كَرِيمَة عَن أَبى جَعْفَر: “عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه دَعَا الْيَهُود فَسَأَلَهُمْ فحدثوه حَتَّى كذبُوا على عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فَصَعدَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر فَخَطب النَّاس فَقَالَ: “إِن الحَدِيث

     

  10. مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص: 22)

     

  11. سيفشو عني، فَمَا أَتَاكُم يُوَافق الْقُرْآن فَهُوَ عني، وَمَا أَتَاكُم عني يُخَالف الْقُرْآن فَلَيْسَ عني” قَالَ الْبَيْهَقِيّ: خَالِد مَجْهُول، وَأَبُو جَعْفَر لَيْسَ بصحابي، فَالْحَدِيث مُنْقَطع. وَقَالَ الشَّافِعِي وَلَيْسَ يُخَالف الحَدِيث الْقُرْآن، وَلَكِن حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبين معنى مَا أَرَادَ خَاصّا وعاما: وناسخا ومنسوخا ثمَّ يلْزم النَّاس مَا سنّ بِفَرْض الله فَمن قبل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَن الله قبل.

     

  12. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوي الحَدِيث من أوجه أُخر كلهَا ضَعِيفَة، ثمَّ أخرج من طَرِيق ابْن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن الْأصْبع بن مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور أَنه بلغه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: “الحَدِيث على ثَلَاث: فأيما حَدِيث بَلغَكُمْ عني تعرفونه بِكِتَاب الله فاقبلوه، وَأَيّمَا حَدِيث بَلغَكُمْ عني لَا تَجِدُونَ فِي الْقُرْآن مَوْضِعه وَلَا تعرفُون مَوْضِعه فَلَا تقبلوه، وَأَيّمَا حَدِيث بَلغَكُمْ عني تقشعر مِنْهُ جلودكم وتشمئز مِنْهُ قُلُوبكُمْ وتجدون فِي الْقُرْآن خِلَافه فَردُّوهُ” قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذِه رِوَايَة مُنْقَطِعَة عَن رجل مَجْهُول.

  13. ثمَّ أخرج بِسَنَدِهِ من طَرِيق عَاصِم بن أبي النجُود عَن زر بن حُبَيْش عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ” إِنَّهَا تكون بعدِي رُوَاة يروون عني الحَدِيث فاعرضوا حَدِيثهمْ على الْقُرْآن، فَمَا وَافق الْقُرْآن فَحَدثُوا بِهِ

     

  14. مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص: 23)

     

  15. وَمَا لم يُوَافق الْقُرْآن فَلَا تَأْخُذُوا بِهِ”. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا وهم وَالصَّوَاب عَن عَاصِم عَن زيد بن عَليّ مُنْقَطِعًا1، قَالَ بِسَنَدِهِ من طَرِيق بشر بن. نمير عَن حُسَيْن بن عبد الله عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: “إِنَّه سَيَأْتِي نَاس يحدثُونَ عني حَدِيثا فَمن حَدثكُمْ حَدِيثا يضارع الْقُرْآن فَأَنا قلته، وَمن حَدثكُمْ حَدِيثا لَا يضارع الْقُرْآن فَلم أَقَله” قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف لَا يحْتَج بِمثلِهِ، حُسَيْن بن عبد الله بن ضميرَة قَالَ فِيهِ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء، وَبشر بن. نمير لَيْسَ بِثِقَة. ثمَّ أخرج بِسَنَدِهِ من طَرِيق صَالح بن مُوسَى عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: “إِنَّه سَيَأْتِيكُمْ مني أَحَادِيث مُخْتَلفَة فَمَا أَتَاكُم مُوَافقا لكتاب الله وسنتي فَهُوَ مني، وَمَا أَتَاكُم مُخَالفا لكتاب الله وسنتي فَلَيْسَ مني” قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ صَالح بن مُوسَى الطلحي وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بحَديثه، قلت: وَمَعَ ذَلِك فَالْحَدِيث لنا لَا علينا، أَلا ترى إِلَى قَوْله: “مُوَافقا لكتاب الله وسنتي”.

     

  16. ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق يحيى بن آدم عَن ابْن. أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

  17.  عبارَة الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه هَكَذَا: “هَذَا وهم، وَالصَّوَاب عَن عَاصِم عَن زيد عَن عَليّ بن الْحُسَيْن مُرْسلا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اهـ”مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص: 24)

     

  18. قَالَ: “إِذا حدثتم عني حَدِيثا تعرفونه وَلَا تُنْكِرُونَهُ قلته أَو لم أَقَله فصدِّقوا بِهِ فَإِنِّي أَقُول مَا يعرف وَلَا يُنكر، وَإِذا حدثتم عني حَدِيثا تُنْكِرُونَهُ وَلَا تعرفونه فَلَا تصدّقوا بِهِ فَإِنِّي لَا أَقُول مَا يُنكر وَلَا يعرف”. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ ابْن خُزَيْمَة: “فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث مقَال لم نر فِي شَرق الأَرْض وَلَا غربها أحدا يعرف خبر ابْن أبي ذِئْب من غير رِوَايَة يحيى بن آدم وَلَا رَأَيْت أحدا من عُلَمَاء الحَدِيث يثبت هَذَا عَن أبي هُرَيْرَة”. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ مُخْتَلف على يحيى بن آدم فِي إِسْنَاده وَمَتنه اخْتِلَافا كثيرا يُوجب الِاضْطِرَاب، مِنْهُم من يذكر أَبَا هُرَيْرَة، وَمِنْهُم من لَا يذكرهُ وَيُرْسل الحَدِيث. وَمِنْهُم من يَقُول فِي مَتنه: “إِذا رويتم الحَدِيث عني فاعرضوه على كتاب الله”، وَقَالَ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه: “ذِكرُ أبي هُرَيْرَة فِيهِ وهم”. ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْحَارِث بن نَبهَان عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْعَرْزَمِي عَن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: “مَا بَلغَكُمْ عني من حَدِيث حسن لم أَقَله فَأَنا قلته”. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا بَاطِل، والْحَارث والعرزمي مَتْرُوكَانِ، وَعبد الله بن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة مُرْسل فَاحش، قَالَ: وَقد روى عَن أبي هُرَيْرَة مَا يضاد بعض هَذَا.

     

  19. ثمَّ أخرج من طَرِيق أبي معشر السندي عَن سعيد

     

  20. مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص: 25)

     

  21. المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: “لَا أَلفَيْنِ أحدا مُتكئا على أريكته يَأْتِيهِ الحَدِيث من حَدِيثي فَيَقُول: اتل عليَّ قُرْآنًا، مَا أَتَاكُم من خير عني قلته أَو لم أَقَله فَأَنا أقوله، وَمَا أَتَاكُم عني من شَرّ فَإِنِّي لَا أَقُول الشَّرّ”، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: صدرُ هَذَا الحَدِيث مُوَافق للأحاديث الصَّحِيحَة فِي قبُول الْأَخْبَار، وَقَوله: “قلته أَو لم أَقَله” فِي هَذِه الْأَحَادِيث مَالا يَلِيق بِكَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يشبه المقبول.

     

  22. ثمَّ أخرج من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن سلمَان بن عَمْرو مولى الْمطلب عَن أبي الْحُوَيْرِث عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: “مَا حدثتم عني مِمَّا تعرفُون فصدقوا، وَمَا حدثتم عني مِمَّا تنكرون فَلَا تصدقوا، فَإِنِّي لَا أَقُول الْمُنكر وَلَيْسَ مني”، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا مُنْقَطع، قَالَ: وأمثلُ إِسْنَاد رُوي فِي هَذَا الْمَعْنى مَا رَوَاهُ ربيعَة عَن عبد الْملك بن سعيد بن سُوَيْد عَن أبي حميد أَو أبي أسيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: “إِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث عني تعرفه قُلُوبكُمْ وتلين لَهُ أَشْعَاركُم وَأَبْشَاركُمْ وترون أَنه مِنْكُم قريب فَأَنا أَوْلاكم بِهِ، وَإِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث عني تنكره قُلُوبكُمْ وتنفر مِنْهُ أَشْعَاركُم وَأَبْشَاركُمْ وترون أَنه مِنْكُم بعيد فَأَنا أبعدكم مِنْهُ”. ثمَّ أخرج من طَرِيق بكير عَن عبد الْملك بن سعيد عَن ابْن عَبَّاس بن سهل عَن أُبي قَالَ: “إِذا بَلغَكُمْ عَن رَسُول

     

  23. مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص: 26)

     

  24. الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يُعرف وتلين لَهُ الْجُلُود فقد يَقُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَيْر وَلَا يَقُول إِلَّا الْخَيْر” قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: وَهَذَا أصح – يَعْنِي أصح من رِوَايَة من رَوَاهُ عَن أبي حميد أَو أبي أسيد – وَقد رَوَاهُ ابْن لَهِيعَة عَن بكير بن الْأَشَج عَن عبد الْملك بن سعيد عَن الْقَاسِم بن سُهَيْل عَن أبي بن كَعْب قَالَ ذَلِك بِمَعْنَاهُ فَصَارَ الحَدِيث الْمسند معلولا، وعَلى الْأَحْوَال كلهَا حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّابِت عَنهُ قريب من الْعُقُول مُوَافق لِلْأُصُولِ لَا يُنكره عقلُ من عقلَ عَن الله الْموضع الَّذِي وضع بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من دينه وَمَا افْترض على النَّاس من طَاعَته، وَلَا ينفر مِنْهُ قلب من اعْتقد تَصْدِيقه فِيمَا قَالَ واتباعه فِيمَا حكم بِهِ، وكما هُوَ جميل حسن من حَيْثُ الشَّرْع جميل فِي الْأَخْلَاق حسن عِنْد أولي الْأَلْبَاب. هَذَا هُوَ المُرَاد مِمَّا عَسى يَصح من أَلْفَاظ هَذِه الْأَخْبَار.

     

  25. ثمَّ أخرج بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: “إِذا حدثتكم بِحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم تَجدوا تَصْدِيقه فِي الْكتاب أَو هُوَ حسن فِي أَخْلَاق النَّاس فَأَنا بِهِ كَاذِب”، وَأخرج عَن عَليّ: “فَإِذا حدثتم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فظُنوا بِهِ الَّذِي هُوَ أهْدى وَالَّذِي هُوَ أهنأ وَالَّذِي هُوَ أتقى”. قلت: والمعوَّل عَلَيْهِ فِي معنى الحَدِيث المورد أَن تثبت مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الإِمَام الشَّافِعِي مِمَّا سبق أَن السّنة الثَّابِتَة لَيست منافرة

     

  26. مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص: 27)

     

  27. لِلْقُرْآنِ بل معاضدة لَهُ، وَإِن لم يكن فِيهِ نَص صَرِيح بلفظها فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفهم من الْقُرْآن مَالا يفهمهُ غَيره، وَقد قَالَ لما سُئِلَ عَن الحُمُر: ” مَا أنزل فِيهَا شَيْء إِلَّا هَذِه الْآيَة الفاذة الجامعة، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} ” فَانْظُر أَخذ حكمهَا من أَيْن؟ وَقَالَ ابْن مَسْعُود فِيمَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم: “مَا من شَيْء إِلَّا بُين لنا فِي الْقُرْآن وَلَكِن فهمنا يقصر عَن إِدْرَاكه، فَلذَلِك قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ” فَانْظُر هَذَا الْكَلَام من ابْن مَسْعُود أحد أجلاء الصَّحَابَة وأقدمهم إسلاما.

     

  28. قَالَ بَعضهم: السّنة شرح لِلْقُرْآنِ، وَقد ألف ابْن برَّجان كتابا فِي معاضدة السّنة لِلْقُرْآنِ: أخرج الشَّافِعِي. وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق طَاوس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: “إِنِّي لَا أحل إِلَّا مَا أحل الله فِي كِتَابه، وَلَا أحرم إِلَّا مَا حرم الله فِي كِتَابه” قَالَ الشَّافِعِي: وَهَذَا مُنْقَطع، وَكَذَلِكَ صنع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِذَلِك أَمر. وافترض عَلَيْهِ أَن يتبع مَا أُوحِي إِلَيْهِ ونشهد أَن قد اتبعهُ وَمَا لم يكن فِيهِ وَحي فقد فرض الله فِي الْوَحْي اتِّبَاع سنته، فَمن قبل عَنهُ فَإِنَّمَا قبل بِفَرْض الله، قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ} قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقَوله “فِي كِتَابه” إِن صحت هَذِه اللَّفْظَة فَإِنَّمَا أَرَادَ فِيمَا أُوحِي إِلَيْهِ، ثمَّ مَا أُوحِي إِلَيْهِ نَوْعَانِ: أَحدهمَا وَحي

شاهد أيضاً

أنتم أعلم بأمور دنياكم – دراسة تحليلية

[embeddoc url=”https://drive.google.com/file/d/1HtgvzhPzyUQCQrx55y173WrGV__b2LYC/preview?usp=drive_web” viewer=”drive” ]

اترك تعليقاً